مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: هل كان داود نبياً أو رسولاً ؟

هل كان داود نبياً أو رسولاً ؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فإن التفريق المختار بين ( النبي ) و ( الرسول ) الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية هو أن النبي من أرسل إلى قوم مؤمنين ، والرسول من أرسل إلى قوم مكذبين ، وأطال الاستدل على ذلك شيخ الإسلام في النبوات

وقد اختار هذا التفريق الشيخ عبد الرحمن البراك في شرحه على العقيدة الطحاوية

ثم قال مفرعاً على التفريق المختار :" فإذا أردنا أن نصنف في ضوء التعريف المختار؛ فنوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، وموسى، وعيسى؛ هؤلاء رسل قص الله علينا أخبارهم مع أممهم. وزكريا، ويحيى، وداود، سليمان وأيوب أنبياء "

فظاهر كلامه أنه لا يعتبر داود وسليمان رسلاً بل هم أنبياء فقط
وهذا عندي مشكل جداً

قال الله تعالى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)

وقد استدل بهذه الآية بعض أهل على أن كل من ذكر في القرآن رسول لقوله ( ورسلاً قد قصصناهم )

ثم إن داود قد أنزل عليه الزبور ، ويشكل مع نزول كتاب عليه اعتباره نبياً فقط ، وهو وابنه سليمان قد قاتلا المشركين

غير أن الذي يبدو أن الشيخ يعتبر التعريف في ابتداء الدعوة ، فإذا كان ابتداء دعوته للمشركين كان رسولاً وإذا كان ابتداء دعوته للمؤمنين كان نبياً

ولعل مما يعضد هذا أن يوشع بن نون جاهد المشركين كما في الصحيح ومع ذلك هو نبي عند عامة أهل العلم

قال شيخ الإسلام في النبوات ص714 :" والمقصود هنا: الكلام على النبوة؛ فالنبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبىء بما أنبأ الله به؛ فإن أُرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه؛ فهو رسول، وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله، ولم يُرسل هو إلى أحد [يبلغه] عن الله رسالة؛ فهو نبي، وليس برسول؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ في أُمْنِيَّته﴾، وقوله: ﴿مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيّ﴾؛ فذكر إرسالاً يعمّ النوعين، وقد خص أحدهما بأنّه رسول؛ فإنّ هذا هو الرسول المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته إلى من خالف الله؛ كنوح.

وقد ثبت في الصحيح أنّه أول رسول بُعث إلى أهل الأرض نوح، وإنما أرسل عند ظهور الشرك في الأرض قد كان قبله أنبياء؛ كشيث، وإدريس عليهما السلام، وقبلهما آدم كان نبيّاً مكلّماً. قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح، عشرة قرون كلهم على الإسلام فأولئك الأنبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم؛ لكونهم مؤمنين بهم؛ كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلّغه العلماء عن الرسول.

وكذلك أنبياء [بني] إسرائيل يأمرون بشريعة التوراة، وقد يُوحى إلى أحدهم وحي خاص في قصّة معينة، ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالِم الذي يُفهِّمه الله في قضية معنى يطابق القرآن؛ كما فهَّم الله سليمان [حكم] القضية التي حكم فيها هو وداود، فالأنبياء ينبئهم الله؛ فيُخبرهم بأمره، ونهيه، وخبره. وهم يُنبئون المؤمنين بهم ما أنبأهم الله به من الخبر، والأمر، والنهي. فإن أُرسلوا إلى كفار يدعونهم إلى توحيد الله، وعبادته وحده لا شريك له، ولا بُدّ أن يكذّب الرسلَ قومٌ؛ قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُون﴾، وقال: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ فإنّ الرسل تُرسَل إلى مخالفين؛ فيكذّبهم بعضهم.

وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً يُوحَى إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ القُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوا أَفَلا تَعْقِلُونَ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُنْجِي مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِين}وقال:{إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾.

فقوله سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ﴾ دليلٌ على أن النبيّ مرسل، ولا يسمى رسولاً عند الإطلاق؛ لأنّه لم يرسل إلى قوم بما لا يعرفونه، بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنّه حقّ؛ كالعالِم، ولهذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((العلماء ورثة الأنبياء)).

وقد ذكر بعض الناس فرقاً بين النبي والرسول ، وهو أن الرسول من أتى بشريعة جديدة والنبي هو من سار على شريعة رسول قبله وقد نقض شيخ الإسلام هذا القول حيث قال في النبوات في ص718 :" وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة؛ فإنّ يوسف كان على ملة إبراهيم، وداود وسليمان كانا رسولين، وكانا على شريعة التوراة فهو رسول. فالرسل: من أُرسلوا إلى كفار يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له. ولا بُدّ أن يُكذّب الرسلَ قومٌ؛ قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾، وقال تعالى: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ فإنّ الرسل ترسل إلى مخالفين، فيكذبهم بعضهم. والرسول يُسمّى رسولاً على الإطلاق؛ لأنّه يُرسل إلى قوم بما لا يعرفونه. وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة؛ فإنّ يوسف عليه السلام كان رسولاً، وكان على ملة إبراهيم عليه السلام، وداود وسليمان عليهما السلام كانا رسولين، وكانا على شريعة التوراة قال تعالى عن مؤمن آل فرعون: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ في شَكّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً﴾، وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورَاً وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمَاً﴾".

فهذا نص من شيخ الإسلام على داود وسليمان كان رسولين خلافاً للشيخ البراك
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي