الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد اتصل بي الأخ الفاضل فهد الغفيلي -وفقه الله- وطلب مني النظر في رسالة
منهج أهل الاتباع في التعامل مع أهل الابتداع لكاتبها «وليد بن راشد السعيدان»
فنظرت فيها فإذا كلها تخبطات بناها
صاحبها على أن الآثار الواردة في أهل البدع إنما تقع في أصحاب البدع المكفرة وأما أصحاب
البدع المفسقة فما فرق بين الداعية منهم وغير الداعية طوال الرسالة إلا في مواطن قليلة
وكان ينبغي عليه أن يطردها والله المستعان وإليك الانتقادات على رسالته.:
الانتقاد الأول: قوله (يُعَامَلُ المبتدعُ المحكوم بكفره معاملة الكفار
في الدنيا ويعامل المبتدع المحكوم بفسقه معاملة عصاة الموحدين في الدنيا والآخرة):
هذه لوحدها طامة تخالف عامة الآثار السلفية في أن أهل البدع شر من العصاة
قال ابن بطة في الإبانة 464 -
حدثنا أبو بكر أحمد بن سليمان العباداني قال : حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي ، قال
: حدثنا سعيد بن عامر ، قال : حدثنا حرب بن ميمون ، عن خويل ، ختن شعبة بن الحجاج قال
:
كنت عند يونس بن عبيد ، فجاء رجل
فقال : يا أبا عبد الله تنهانا عن مجالسة ، عمرو بن عبيد ، وقد دخل عليه ابنك ؟ قال
: ابني ؟ قال : نعم ، فتغيظ يونس ، فلم أبرح ، حتى جاء ابنه
فقال : يا بني قد عرفت رأي عمرو
بن عبيد ، ثم تدخل إليه ، فجعل يعتذر ، فقال : كان معي فلان ، فقال يونس : أنهى عن
الزناء ، والسرقة ، وشرب الخمر ، ولئن تلقى الله عز وجل بهذا أحب من أن تلقاه برأي
عمرو بن عبيد وأصحاب عمرو ، يعني القدرية
قال سعيد بن عامر : ما رأينا رجلا
قط كان أفضل منه ، يعني يونس.
وقال البربهاري في السنة [139] وإذا رأيت الرجل رديء الطريق والمذهب، فاسقا
فاجرا، صاحب معاص، ضالا، وهو أهل السنة فاصحبه، واجلس معه فإنه ليس [تضرك] معصيته،
وإذا رأيت [الرجل] مجتهدا - وإن بدا متقشفا محترقا بالعبادة - صاحب هوى، فلا تجالسه،
ولا تقعد معه، ولا تسمع كلامه ولا [تمش] معه في طريق، فإني لا آمن أن تستحلي طريقته
[فتهلك] معه.
ورأى يونس بن عبيد ابنه [وقد] خرج من عند صاحب هوى، فقال: يا بني! من أين
جئت؟ قال: من عند فلان. قال: يا بني لأن أراك تخرج من بيت خنثى أحب إلي من أن أراك
تخرج من بيت فلان، ولأن تلقى الله يا بني زانيا سارقا فاسقا خائنا أحب إلي من أن تلقاه
بقول فلان وفلان.
ألا ترى أن يونس بن عبيد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب
البدعة يضله حتى يكفره.
وحتى في الحكم الأخروي وعيد البدعة أشد من وعيد المعصية بل إن الذين يذادون
عن الحوض يقال فيهم ( إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) وهذا يدل أنهم أهل البدع
فهذا الإطلاق من الأستاذ وليد
غلط
الانتقاد الثاني : قوله : (ونتبرأ من الجهمية أتباع الجهم بن صفوان البراءة
المطلقة, لأن كل هؤلاء قد حكمنا عليهم بالكفر بسبب بدعتهم المكفرة, وأما الأشاعرة والماتريدية
ومرجئة الفقهاء وأصحاب الذكر الجماعي والمعتزلة والكلابية ونحوهم فإننا نتبرأ منهم
مطلق البراءة لأنهم ليسوا بكفار عندنا).
أقول : تفريقه بين الجهمية والمعتزلة في مسألة البراءة يدل على ضعفه في
باب العقيدة فإن البدعة التي من أجلها كفر أهل العلم الجهمية وهي القول بخلق القرآن
وإنكار الرؤية وإنكار العلو موجودة في المعتزلة أيضاً.
وحتى الأشاعرة نفيهم للعلو وللعديد من صفاتهم واعتقادهم في الإيمان وقولهم
في صفة الكلام كلها بدع مكفرة ومثلهم الماتردية وزاد الماتردية القول أن أسماء الله
مخلوقة وهو قول كفري .
فالجزم بأنهم ليسوا كفاراً مطلقاً غلط ، والتفريق بين المعتزلة والجهمية لا وجه له أبداً في باب المعاملة.
الانتقاد الثالث : قوله (هل يصلى على أهل البدع؟ أقول:- لا نقول (لا
يصلى عليهم بإطلاق) ولا نقول (يصلى عليهم بإطلاق) بل هذا يختلف باختلاف أهل البدع
فأما المبتدع المحكوم بكفره
فإنه لا يصلى عليه لأننا نعامله معاملة الكفار، والكفار لا يصلى عليهم وأما المبتدع
الفاسق الذي بقي معه أصل الإسلام فإنه يصلى عليه لكن إن تخلف عن الصلاة عليه أهل الدين
والصلاح زجراً عن فعله وترهيباً من بدعته فحسن, وإلا فالأصل أنه يصلى عليه).
وهذا غلط بل إن المبتدع بدعة مفسقة لا يصلى عليه إذا كان داعية ، وجماعة
من أهل السنة أطلقوا عدم الصلاة عليهم ، ولم يخصوا أهل العلم والفضل بترك الصلاة عليهم.
قال أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله 939 : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ مُحَمَّدِ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَصْلِهِمَا قالَا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ
بْنُ أَحْمَدَ الْجِرْجَانِيّ لولو حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا
عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الطَّرْسُوسِيُّ قَالَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ (مَنْ شَهِدَ
جِنَازَةَ مُبْتَدِعٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ).
وفي السند إلى سفيان من لم أعرفه ، ولكن الشاهد أن الهروي أورد هذا الأثر
واقره فهل هو على مذهب الحرورية ؟!
وقال البربهاري في شرح السنة 130 - وقال الفضيل بن عياض من جالس صاحب بدعة
لم يعط الحكمة
وقال الفضيل بن عياض لا تجلس مع
صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة
وقال الفضيل بن عياض من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام
من قلبه
وقال الفضيل بن عياض من جلس مع أصحاب بدعة في طريق فجز في طريق غيره،
وقال الفضيل بن عياض من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ومن تبسم
في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله عز و جل على محمد صلى الله عليه و سلم ومن زوج
كريمته مبتدع فقد قطع رحمها ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع.
وقال حرب الكرماني في عقيدته التي قال في أولها : هذا مذهب أئمة العلم
وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء
أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها،
أوعاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق.
قال حرب : ولا أحب الصلاة خلف أهل البدع، ولا الصلاة على من مات منهم
وقال ابن قدامة في المغني
(2/416) :" وَقَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْبِدَعِ لَا يُعَادُونَ إنْ مَرِضُوا،
وَلَا تُشْهَدُ جَنَائِزُهُمْ إنْ مَاتُوا. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ".
وقال صاحب متن كشاف القناع عن متن الإقناع (4/ 377): "( قَالَ ) الْإِمَامُ
( أَحْمَدُ الْجَهْمِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَهْلُ
الْبِدَعِ إنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ
) وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الصَّلَاةَ
بِأَدَقِّ مِنْ هَذَا ، فَأَوْلَى أَنْ تُتْرَكَ الصَّلَاةُ بِهِ وَلِحَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((إنَّ لِكُلِّ
أُمَّةٍ مَجُوسًا ، وَإِنَّ مَجُوسَ أُمَّتِي الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا قَدَرَ ، فَإِنْ
مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَيَأْتِي قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فِي الشَّهَادَاتِ وَيُكَفَّرُ مُجْتَهِدُهُمْ
الدَّاعِيَةُ ، وَغَيْرُهُ فَاسِقٌ".
وقال ابن أبي زمنين في أصول السنة (1/266): وَأَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْعُتْبِيِّ
قَالَ: سُئِلَ سَحْنُونُ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي أَهْلِ اَلْبِدَعِ الْإِبَاضِيَّةِ
وَالْقَدَرِيَّةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ؟
فَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَأْدِيبًا لَهُمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ عَلَى هَذَا
اَلْوَجْهِ، فَأَمَّا إِذَا وُقِفُوا، وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ، فَأَرَى
أَنْ لَا يُتْرَكُوا بِغَيْرِ صَلَاةٍ.
وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/ 205) :" وَهَذَا حَقِيقَةُ
قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ: إنَّ الدُّعَاةَ إلَى الْبِدَعِ
لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ وَلَا يُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ
وَلَا يُنَاكَحُونَ. فَهَذِهِ عُقُوبَةٌ لَهُمْ حَتَّى يَنْتَهُوا؛ وَلِهَذَا يُفَرِّقُونَ
بَيْنَ الدَّاعِيَةِ وَغَيْرِ الدَّاعِيَةِ"، وكرر السعيدان كلامه الخاطيء في
مسألة اتباع الجنازة.
الانتقاد الرابع : قوله (هل يدعى للمبتدع بعد موته بالرحمة أو يستغفر
له؟ أقول:- إن كان المبتدع من المحكوم عليهم بالكفر بسبب هذه البدعة المكفرة مع ثبوت
الشروط وانتفاء الموانع فإنه لا يجوز الدعاء له بالرحمة ولا يجوز الاستغفار له لأنه
كافر والكافر هذا شأنه بعد موته, قال تعالى ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ
أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾، والمشرك إذا ذكر وحده دخل معه الكافر
تبعاً كما هو مقرر في موضع آخر, فلا يجوز لأحدٍ أن يستغفر لهذا المبتدع ولا أن يدعو
له بالرحمة لأن الدعاء والاستغفار له فرع عن إسلامه, وهذا ليس بمسلم, وأما إن كان هذا
المبتدع ممن لا يكفر ببدعته فإنه يدعى له ويستغفر له, لأنه مسلم ووجود بدعته لا ينقض
أصل إسلامه).
بل نص شيخ الإسلام على أن المبتدع لا ينبغي إظهار الترحم عليه أمام العامة
والاستغفار له سراً أولى
قال شيخ الإسلام كما في الفتاوى
الكبرى (3/344): أَمَّا مَنْ كَانَ مُظْهِرًا لِلْفِسْقِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ
كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ ، فَهَؤُلَاءِ لَا بُدَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ
.
وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى أَحَدِهِمْ زَجْرًا لِأَمْثَالِهِ
عَنْ مِثْلِ مَا فَعَلَهُ ، كَمَا امْتَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ ، وَعَلَى الْغَالِّ ، وَعَلَى الْمَدِينِ
الَّذِي لَا وَفَاءَ لَهُ ، وَكَمَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ يَمْتَنِعُونَ مِنْ
الصَّلَاةِ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ - كَانَ عَمَلُهُ بِهَذِهِ السُّنَّةِ حَسَنًا
.
وَقَدْ قَالَ لِجُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ ابْنُهُ : إنِّي
لَمْ أَنَمْ الْبَارِحَةَ بَشَمًا ، فَقَالَ : أَمَا إنَّك لَوْ مِتّ لَمْ أُصَلِّ
عَلَيْك .
كَأَنَّهُ يَقُولُ : قَتَلْت نَفْسَك بِكَثْرَةِ الْأَكْلِ .
وَهَذَا مِنْ جِنْسِ هَجْرِ الْمُظْهِرِينَ لِلْكَبَائِرِ حَتَّى يَتُوبُوا
، فَإِذَا كَانَ في ذَلِكَ مِثْلُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ كَانَ ذَلِكَ
حَسَنًا ، وَمَنْ صَلَّى عَلَى أَحَدِهِمْ يَرْجُو لَهُ رَحْمَةَ اللَّهِ ، وَلَمْ
يَكُنْ امْتِنَاعُهُ مَصْلَحَةً رَاجِحَةً ، كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا ، وَلَوْ امْتَنَعَ
فِي الظَّاهِرِ وَدَعَا لَهُ فِي الْبَاطِنِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ كَانَ
تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَتَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَفْوِيتِ إحْدَاهُمَا .
وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ النِّفَاقُ وَهُوَ مُسْلِمٌ يَجُوزُ
الِاسْتِغْفَارُ لَهُ ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ ، بَلْ يُشْرَعُ ذَلِكَ ، وَيُؤْمَرُ
بِهِ .
كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾
وَكُلُّ مَنْ أَظْهَرَ الْكَبَائِرَ فَإِنَّهُ تُسَوَّغُ عُقُوبَتُهُ بِالْهَجْرِ وَغَيْرِهِ
، حَتَّى مِمَّنْ فِي هَجْرِهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ رَاجِحَةٌ فَتَحْصُلُ الْمَصَالِحُ
الشَّرْعِيَّةُ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ".
أقول : هنا يرى شيخ الإسلام أن ترك الصلاة على المعلن بالبدعة والمعلن
بالفسق مع الدعاء له في الباطن جمعٌ بين المصلحتين
فإن قلت :قد علمنا مصلحة الدعاء
له ، فما المصلحة من ترك الصلاة عليه؟
الجواب : تحذير العامة من سلوك سيرته ، وبيان خطورة ما هو عليه ويصب في
معين هذه المصلحة هجران أهل البدع والتحذير منهم وغيرها من السنن السلفية في التعامل
مع أهل البدع الردية.
وقال العقيلي في الضعفاء (2/98) : حدثنا بشر بن السري قال ترحمت يوما على
زفر وأنا مع الثوري فأعرض بوجهه عني، وزفر بدعته غير مكفرة ولكنه كان داعية.
الانتقاد الخامس : قوله (الفرع الحادي عشر:- هل يجوز السلام على أهل
البدع؟.
ثم قال : وأما المبتدع الذي لا يكفر ببدعته فإن الأصل جواز السلام عليه
لكن إن كان في ترك السلام عليه من باب زجره مصلحة خالصة أو راجحة فإنه يترك السلام
عليه).
أقول : بل إن الأصل في أهل البدع هجرانهم هداك الله، قال ابن قدامة في
لمعة الاعتقاد :" ومن السنة : هجران أهل البدع ومباينتهم ، وترك الجدال والخصومات
في الدين ، وترك النظر في كتب المبتدعة ، والإصغاء إلى كلامهم ، وكل محدثة في الدين
بدعة".
وقال ابن أبي يعلى في اعتقاده: "ويجب هجران أهل البدع والضلال"،
ومثل هذا موجود في اعتقاد الاسماعيلي والصابوني وغيرهم كثير جداً ، ثم إنك هداك الله
لم تفرق بين الداعية وغيره.
قال شيخ الإسلام في الفتاوى مقرراً لهذا المعنى (10/ 376): "وكذلك
يجوز قتال (البغاة) وهم الخارجون على الإمام أو غير الإمام بتأويل سائغ مع كونهم عدولا
ومع كوننا ننفذ أحكام قضائهم ونسوغ ما قبضوه من جزية أو خراج أو غير ذلك
إذ الصحابة لاخلاف فى بقائهم على العدالة أن التفسيق انتفى للتأويل السائغ
وأما القتال فليؤدوا ما تركوه من الواجب وينتهوا عما ارتكبوه من المحرم وان كانوا متأولين
وكذلك نقيم الحد على من شرب النبيذ
المختلف فيه وان كانوا قوما صالحين فتدبر كيف عوقب أقوام في الدنيا على ترك واجب أو
فعل محرم بين في الدين أو الدنيا وان كانوا معذورين فيه لدفع ضرر فعلهم في الدنيا
كما يقام الحد على من تاب بعد رفعه إلى الإمام وان كان قد تاب توبة نصوحا
وكما يغزو هذا البيت جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم وفيهم المكره
فيحشرون على نياتهم
وكما يقاتل جيوش الكفار وفيهم المكره كأهل بدر لما كان فيهم العباس وغيره
وكما لو تترس الكفار بمسلمين ولم يندفع ضرر الكفار إلا بقتالهم فالعقوبات المشروعة
والمقدورة قد تتناول في الدنيا من لا يستحقها في الآخرة وتكون في حقه من جملة المصائب
كما قيل في بعضهم القاتل مجاهد والمقتول شهيد.
وعلى هذا فما أمر به آخر أهل السنة من إن داعية أهل البدع يهجر فلا يستشهد
ولا يروى عنه ولا يستفتى ولا يصلى خلفه قد يكون من هذا الباب فإن هجرة تعزير له وعقوبة
له جزاء لمنع الناس من ذلك الذنب الذي هو بدعة أو غيرها وإن كان في نفس الأمر تائبا
أو معذورا إذ الهجرة مقصودها أحد شيئين أما ترك الذنوب المهجورة وأصحابها وأما عقوبة
فاعلها ونكاله فأما هجرة بترك في غير هذا الموضع".
قلت: فانظر كيف صرح بوقوع العقوبة على داعية البدع وإن كان في نفسه متأولاً
مراعاةً للمصلحة العامة في ترك الناس لبدعته
وقال ابن رجب شرح علل الترمذي
ص 363:" والمانعون من الرواية لهم مأخذان:
أحدهما: تكفير أهل الأهواء
أو تفسقيهم، وفيه خلاف مشهور.
والثاني: الإهانة لهم والهجران
والعقوبة بترك الرواية عنه، وإن لم نحكم بكفرهم أو فسقهم.
ولهم مأخذ ثالث: وهو أن الهوى
والبدعة لا يؤمن معه الكذب، ولاسيما إذا كانت الرواية مما تعضد هوى الراوي".
4317 - وقال ابن هانىء: سألت أبا عبد الله عن رجل مبتدع، داعية يدعو الى
بدعة أيجالس؟
قال: لا يجالس، ولا يكلم، لعله أن يرجع. «سؤالاته» (1855).
الانتقاد السادس: قوله (وأما المبتدع الفاسق فإن المشروع في حقه مطلق
الهجر إن كانت المصلحة الشرعية تقتضي ذلك وإلا فلا يهجر فوق ثلاث لأن الأصل أنه لا
يحل لمسلم أن يهجر مسلماً).
وهذا قد تقدمت الآثار في نقضه وهو هنا لا يفرق بين الداعية وغير الداعية
على عادته بل لا يفرق بين الهجر الوقائي والهجر التعزيري.
الانتقاد السابع: قوله (الصنف الخامس :- المبتدعة الذين يُكَفِّرون بكبيرة
الكذب كالخوارج والمعتزلة فإن هؤلاء يرون الكذب من الكفر, وهؤلاء يجتهد الحاكم في شهادتهم,
وهذا ملخص ما قاله أهل السنة في هذه المسألة والله أعلم).
المعتزلة بدعتهم مكفرة فلا تقبل شهادتهم مطلقاً هداك الله
وبقي يمشي عرجاً في عموم رسالته
وفيها مواطن محررة
وبعد كتابة هذه المآخذ وجدته قال في الخاتمة : (والله لقد استفدت في هذه
الكتابة كثيراً من كتاب موقف أهل السنة والجماعة في التعامل مع أهل الأهواء والبدع
للشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي, استفادة عظيمة كبيرة وأنا أوصي كل طالب علم بقراءة
هذا الكتاب الطيب المبارك النافع وإني لأحب هذا الرجل في الله مع أني لم أره ولكن قلبي
يحبه حباً عظيماً لأنه رجل سلفي المعتقد مؤصل الكتابة بديع التصنيف).
فعرفت من أين جاء الخلل ؟!
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم