الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال مراد شكري في المنخلة النونية ص220 :
" وأما أن المسلمين تماثلوا بدياتهم ، وأن الذكر كالأنثى في الدية
، فاعلم أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية المرأة أنها على النصف
من دية الرجل ، وإنما أقوال للصحابة رضي الله عنهم ، وقد قدمنا أن قول الصحابي ليس
شرعاً
والحديث الصحيح : (( المسلمون
تتكافأ دماؤهم )) ، وقد تقدم : دليل على أن دية المرأة كدية الرجل لا فرق بينهما وهو
قول الأصم وابن علية "
ثم تكلم كلاماً أنكر فيه وجود
الإجماع الوارد في المسألة وتعجب من ناقليه مع وجود الخلاف
وهذا يبين لك مبلغ الرجل من العلم ، فهو ينكر إجماعاً ثابتاً ويتكثر بخلاف
ابن علية والأصم وهما معتزليان !
لا يعتد بهما في الخلاف إلا ابن
حزم ومن شايعه كمراد شكري
والجواب على كلامه من وجوه
الوجه الأول : أن من ادعى الإجماع أراد إجماع الصحابة والتابعين وهذا إجماع
ثابت ، أو أنه لم يعتد بخلاف المعتزلة الضلال
قال عبد الرزاق في المصنف 17760 : عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: جِرَاحَاتُ
الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ جِرَاحَاتِ الرَّجُلِ
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:
يَسْتَوِيَانِ فِي السِّنِّ، وَالْمُوضِحَةِ،
وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى النِّصْفِ.
وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ:
إِلَى الثُّلُثِ
إبراهيم عن عبد الله بن مسعود ثابت ، واما خبر علي وزيد فله شواهد
قال ابن أبي شيبة في المصنف 28069- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا
زَكَرِيَا ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : كَانَ عَلِّيٌّ يَقُولُ
: دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ، فِيمَا
دَقَّ وَجَلَّ.
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ : دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ عَلَى
النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ، إِلاَّ السِّنَّ وَالْمُوضِحَةَ فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ.
وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ : دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ
مِثْلُ دِيَةِ الرَّجُلِ ، حَتَّى تَبْلُغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ ، فَمَا زَادَ فَهِيَ
عَلَى النِّصْفِ.
الشعبي لم يسمع من علي إلا حديثاً واحداً غير أن سماعه من زيد ثابت فالخبر
صحيح عن زيد
وقال ابن أبي شيبة في المصنف 28076: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، عَن رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : قُلْتُ لِسَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ : كَمْ فِي هَذِهِ مِنَ الْمَرْأَةِ ؟ يَعْنِي الْخِنْصَرِ ، فَقَالَ
: عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ
قَالَ : قُلْتُ : فِي هَذَيْنِ
؟ يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالَّتِي تَلِيهَا ، قَالَ : عِشْرُونَ
قَالَ : قُلْتُ : فَهَؤُلاَءِ
؟ يَعْنِي الثَّلاَثَةَ ، قَالَ : ثَلاَثُونَ
قَالَ : قُلْتُ : فَفِي هَؤُلاَءِ
؟ وَأَوْمَأَ إِلَى الأَرْبَعِ ، قَالَ : عِشْرُونَ ، قَالَ : قُلْتُ : حِينَ آلَمَتْ
جِرَاحُهَا وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُهَا كَانَ الأَقَلَّ لأَرْشِهَا ؟
قَالَ : أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ ؟
قَالَ : قُلْتُ : عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ ، أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ ، قَالَ : يَابْنَ
أَخِي ، السُّنَّةُ.
وهذا إسناد قوي ، وابن المسيب مراسيله قوية وهو يقول ( هذه السنة )
وقد احتج أحمد بمرسل ابن المسيب هذا
قال عبد الله بن أحمد في مسائله :1508 : سَمِعت ابي يَقُول دِيَة الْمَرْأَة
على النّصْف من دِيَة الرجل الْمَرْأَة تعادل الرجل بجراحها كجراحته الى ثلث الدِّيَة
ثمَّ هِيَ على النّصْف
قَالَ ابي اذا زَاد على ذَلِك الى حَدِيث ربيعَة عَن سعيد بن الْمسيب
.
وقال ابن أبي شيبة في المصنف 28068: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ
، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ شُرَيْحٍ ؛ أَنَّ هِشَامَ بْنَ
هُبَيْرَةَ كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ :
إِنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى
النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ، إِلا فِي السِّنِّ وَالْمُوضِحَةِ.
وشريح هو قاضي عمر وعثمان وعلي ، فكان يقضي بهذا في زمنهم ولا ينكره عليه
أحد
وقال البيهقي في الشعب 16306 : أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي
إِسْحَاقَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ، أنبأ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أنبأ الشَّافِعِيُّ، أنبأ مُسْلِمُ
بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، وَعَنْ مَكْحُولٍ، وَعَطَاءٍ، قَالُوا:
أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَى أَنَّ
دِيَةَ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، فَقَوَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ تِلْكَ
الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَلْفَ دِينَارٍ أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ،
وَدِيَةَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ إِذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى خَمْسُمِائَةِ
دِينَارٍ أَوْ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِذَا كَانَ الَّذِي أَصَابَهَا مِنَ الْأَعْرَابِ،
فَدِيَتُهَا خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ، وَدِيَةُ الْأَعْرَابِيَّةِ إِذَا أَصَابَهَا
الْأَعْرَابِيُّ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ، لَا يُكَلَّفُ الْأَعْرَابِيُّ الذَّهَبَ
وَلَا الْوَرِقَ
فتأمل قول مكحول وعطاء ( أدركنا الناس ) وما فيه من نقل للإجماع
قال إسحاق الكوسج في مسائله عن أحمد :" [2382-] قلت: تعاقل المرأة
إلى ثلث دية الرجل؟
قال أحمد: قال علي رضي الله عنه: دية المرأة على النصف من دية الرجل في
كلّ شيء.
وقال عمر وابن مسعود رضي الله عنهما: يستويان في السن، والموضحة سنها كسنه،
وموضحتها كموضحته، فإذا زاد على الموضحة صارت ديتها على النصف من دية الرجل، لأنّ في
منقّلة الرجل خمسة عشر ويكون في منقّلتها سبعة ونصف، فصار جرحها على النصف من جرح الرجل.
وقال زيد رضي الله عنه: يستوي جرحها وجرح الرجل إلى الثلث"
فهنا أحمد ينقل فتاوى أربعة من الصحابة متفقون على أن دية المرأة إذا زادت
على الثلث صارت على النصف من دية الرجل
ويا ليت شعري من أين قالوا بهذا القول وهو خلاف القياس عندكم هل هو من
هوى انفسهم ؟!
فإن قلت : إنما قاسوا على الميراث
فيقال : إذا كان الصحابة يقيسون فما بالنا نحن لا نقيس هل نحن أتبع للسنة
منهم ؟!
الوجه الثاني : أن الأربعة من الصحابة إذا لم يعلم لهم مخالف فقولهم إجماع
عند عامة أهل الأصول ، والإجماع يخصص الحديث اتفاقاً
قال البخاري في صحيحه : بَاب مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْأَبِ وَالْإِخْوَةِ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ الْجَدُّ أَبٌ وَقَرَأَ
ابْنُ عَبَّاسٍ { يَا بَنِي آدَمَ } { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ } وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَحَدًا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ فِي زَمَانِهِ وَأَصْحَابُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ
فاحتج بقول أبي بكر ولم يعلم له مخالف ، مع أنه خالفه بعده عمر ، فكيف
بقول عمر وعثمان وزيد وابن مسعود ولم يعلم لهم مخالف وابن المسيب يقول ( السنة ) ،
ولم يخالف أحد من التابعين
وقال أبو يعلى في العدة (4/1064) :" وادعى الإِجماع _ يعني الإمام
أحمد _ في رواية الحسن بن ثواب، فقال: "أذهب في التكبير من غداة يوم عرفة إلى
آخر أيام التشريق، فقيل له: إلى أي شيء تذهب؟
قال: بالإِجماع : عمر وعلي وعبد
اللَّه بن مسعود ، وعبد الله بن عباس"
فاعتبر الإمام أحمد قول أربعة من الصحابة لم يعلم لهم مخالف إجماعاً ،
وهذه مسألة متفق عليها بين أهل الرأي وأهل الحديث
قال السمرقندي الحنفي في تحفة الفقهاء (1/42) :" والصحيح مذهبنا،
لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال مثل مذهبنا.
ولم يرو عن غيره خلافه، فيكون كالاجماع"
فاحتج بقول علي وحده فكيف إذا وافقه جماعة من الصحابة ولم يخالفه أحد من
الصحابة والتابعين
وقال ابن رشد المالكي في بداية المجتهد (2/292) :" قالوا: فقضاء عمر
بمحضر من الصحابة بالقافة من غير إنكار من واحد منهم هو كالاجماع"
وقال النووي الشافعي في روضة الطالبين (4/34) :" قال الأصحاب ولم
يخالف عمر أحد من الصحابة رضي الله عنهم فصار كالإجماع"
وقال ابن قدامة في المغني(4/118) :" ( 1299 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ
أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْخَطِيبَ إذَا خَطَبَ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : يَكُونُ الْإِمَامُ
عَنْ يَمِينِي مُتَبَاعِدًا ، فَإِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَنْحَرِفَ إلَيْهِ حَوَّلْتُ
وَجْهِي عَنْ الْقِبْلَةِ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، تَنْحَرِفُ إلَيْهِ وَمِمَّنْ كَانَ
يَسْتَقْبِلُ الْإِمَامَ ابْنُ عُمَرَ ، وَأَنَسٌ .
وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ ، وَعَطَاءٍ ، وَمَالِكٍ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ
، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَابْنِ جَابِرٍ ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ
، وَالشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : هَذَا كَالْإِجْمَاعِ "
وهذا كثير جداً في كتب الفقه ، يصلح أن تجمع منه رسالة جامعية ضخمة ، والمراد
هنا التنبيه على أصل المسألة
وأما تخصيص الإجماع لخبر الواحد فهذا اتفاق
قال الزركشي في البحر المحيط (4/212) :" الْخَامِسَةُ : يَجُوزُ تَخْصِيصُ
عُمُومِ الْكِتَابِ ، وَكَذَا السُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ
لَا يُمْكِنُ الْخَطَأُ فِيهِ ، وَالْعَامُّ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الِاحْتِمَالُ .
قَالَ الْآمِدِيُّ : لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا ، وَكَذَا حَكَى الْإِجْمَاعَ
عَلَيْهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ"
ومن الإجماعات الثابتة عن الصحابة وتركها بعض الناس
إجماعهم على القول بأن طلاق العبد طلقتان ، وعدة الأمة حيضتان ، وإجماعهم
على أن من جامع قبل التحلل الأول يفسد حجه ويلزمه المضي في الحج ، وإجماعهم على أن
اليوم الثالث من أيام التشريق ليس يوماً للذبح ، وإجماعهم على عامة السجدات في القرآن
عدا الأربعة الثابتة في الأخبار المرفوعة ، وإجماعهم على أن صلاة المغرب لا تعاد
هذه كلها يخالفها بعض الناس لما دب فينا من أدواء الظاهرية
والعجب ممن يرد هذه الإجماعات
كلها ويخالفها أنه يقول باستتابة المرتد ، ولا يوجد خبر صحيح مرفوع في استتابة المرتد
، ويقول بقتل الساحر ولا يوجد خبر مرفوع صحيح في قتل الساحر ، ويقول بعتق أم الولد
بفور موت سيدها ولا يوجد خبر صريح في المسألة
ولا مبرر عندي لهذا سوى عدم وجود المنهجية والتأثر بابن حزم ، غير أنهم
لم يستسيغوا بعض شذوذات ابن حزم فلم يتابعوه عليها
الوجه الثالث : قال الزركشي في البحر المحيط (4/ 264) :" وَقَالَ
الْقَاضِي فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ " : وَقَدْ نُسِبَ ذَلِكَ إلَى الشَّافِعِيِّ
فِي قَوْلِهِ الَّذِي يُقَلِّدُ الصَّحَابِيَّ فِيهِ ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا
يُخَصَّصُ بِهِ ، إلَّا إذَا انْتَشَرَ فِي هَذَا الْعَصْرِ ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ ،
وَجُعِلَ ذَلِكَ نَازِلًا مَنْزِلَةَ الْإِجْمَاعِ "
وقال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم (2/51) :" نعم ، يجوز
تخصيص عموم الحديث بقول الصاحب الذي لم يخالف ، على إحدى الروايتين"
فهذا في صحابي واحد لم يعلم له مخالف فكيف بأربعة من كبار فقهاء الصحابة
وذاع عنهم القول وانتشر لأنه في مسألة تعم بها البلوى ، وبها يقول قاضيهم ، ويقول سعيد
( هي السنة )
الوجه الرابع : أن الإجماع أقوى من الحديث المنفرد لأنه لا يقبل النسخ
والحديث يقبل النسخ والتخصيص
ومراد شكري لكونه متأثر بأصول المتكلمين أكلمه بهذه اللغة
قال الزركشي في البحر المحيط (4/213) :" وَقَالَ الْقَرَافِيُّ :
الْإِجْمَاعُ أَقْوَى مِنْ النَّصِّ لِأَنَّ الْخَاصَّ ، لِأَنَّ النَّصَّ يُحْتَمَلُ
نَسْخُهُ ، وَالْإِجْمَاعُ لَا يُنْسَخُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بَعْدَ انْقِطَاعِ
الْوَحْيِ وَجَعَلَ الصَّيْرَفِيُّ مِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْله تَعَالَى : { إذَا نُودِيَ
لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا } قَالَ : وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ
لَا جُمُعَةَ عَلَى عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ .
وَمَثَّلَهُ ابْنُ حَزْمٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ
عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ بَذَلُوا
فَلْسًا أَوْ فَلْسَيْنِ لَمْ يَجُزْ بِذَلِكَ حَقْنُ دِمَائِهِمْ ، كَمَا قَالَ :
" الْجِزْيَةُ " بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ جِزْيَةً
مَعْلُومَةً "
الوجه الخامس : أن ابن علية الذي تكثر به مراد شكري هو الجهمي
قال الذهبي في ميزان الاعتدال :" 42 - إبراهيم بن إسماعيل / بن علية.
عن أبيه.
جهمي هالك.
كان يناظر ويقول بخلق القرآن.
مات سنة ثمان عشرة ومائتين"
وأما الأصم فهو المعتزلي عبد الرحمن بن كيسان تلميذ إبراهيم ابن علية
فكيف يرتضي المسلم لنفسه أن يترك عمر وعلياً وابن مسعود وزيد بن ثابت وعامة
أهل العلم ويقلد هذين الضالين المبتدعين ، هذا لا يفعله إلا مبتدع مثلهما
فهذا الرجلان لم يبلغا درجة الاجتهاد ختى يخرقا الإجماع فمن شرط المجتهد
أن يكون عالماً بالحديث ، وهذان أبعد الناس عن ذلك ، ومن شرطه أن يكون عدلاً وهذان
واقعان في بدع مكفرة
ولا يصح تعقب اتفاق الصحابة والتابعين بخلاف مالك أو الشافعي فكيف بهذين
قال الله تعالى ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ
جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
وقال البخاري في صحيحه 7311 : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى
عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ
حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ
وعلى قول مراد كانت الأمة ضالة ، حتى جاء هذان الجهميان وتكلما بالحق وأظهراه
وأختم بكلام ابن قدامة في المغني (19/115) :" ( 6837 ) مَسْأَلَةٌ
: ؛ قَالَ : ( وَدِيَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ ، نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ
) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ
عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ .
وَحَكَى غَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ ، وَالْأَصَمِّ ، أَنَّهُمَا
قَالَا : دِيَتُهَا كَدِيَةِ الرَّجُلِ ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { فِي نَفْسِ
الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ } .
وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ ، يُخَالِفُ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ ، وَسُنَّةَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ
: { دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ } .
وَهِيَ أَخَصُّ مِمَّا ذَكَرُوهُ ، وَهُمَا فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ ، فَيَكُونُ
مَا ذَكَرْنَا مُفَسِّرًا لِمَا ذَكَرُوهُ ، مُخَصَّصًا لَهُ ، وَدِيَةُ نِسَاءِ كُلِّ
أَهْلِ دِينٍ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ رِجَالِهِمْ ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي
مَوْضِعه "
فإن سألتني : ما الحكمة من كون دية المرأة في قتل الخطأ وشبه العمد على النصف من دية الرجل مع كونهما في القصاص يستويان بحيث يقتل الرجل إذا قتل امرأة
فيقال : الدية تعويض مادي والرجل يكتسب وله من يعولهم بالوجوب الشرعي عليه فالرجل يجب عليه النفقة على أولاده وعلى زوجته وعلى طليقته الرجعية ويجب عليه الجهاد بالمال والنفس مع القدرة ويجب عليه دفع دية قتل الخطأ إذا كان من عاقلة القاتل ، والمرأة معفية من كل هذا فناسب أن يكون تعويض الأولياء أكبر في الرجل وهذا كأمر الميراث تماماً
ولو كان الرجل متزوجاً بأربعة نساء فإنه سيكون مسئولاً عن كل زوجة وأولادها ، بيد أن المرأة لا تكون مسئولة إلا عن أولادها هي فقط وزوج واحد فلاحظ الفرق بين مسئول عن أربع نساء وأولاد كل واحد وبين مطالبة بالمسئولية عن زوج _ ومسئوليتها ليست مادية _ وأولادها هي فقط وهي جهة واحدة
فإن قلت : أحوال الرجال والنساء تختلف ، فيقال الشريعة العامة لا تتعلق بالنادر بل العام ولا تتعلق بشذوذات أحوال الناس بل تتعلق بما توجبه هي كشريعة على المرء
ثم إن هذا في دية الخطأ وأما العمد فالرجل يقتل بالمرأة إجماعاً وفي قتل الخطأ تلزم العاقلة بالدية والعاقلة الرجال دون النساء فناسب أن يكون التعويض في حقهم أكبر لإعفاء النساء من دية العاقلة
فإن سألتني : ما الحكمة من كون دية المرأة في قتل الخطأ وشبه العمد على النصف من دية الرجل مع كونهما في القصاص يستويان بحيث يقتل الرجل إذا قتل امرأة
فيقال : الدية تعويض مادي والرجل يكتسب وله من يعولهم بالوجوب الشرعي عليه فالرجل يجب عليه النفقة على أولاده وعلى زوجته وعلى طليقته الرجعية ويجب عليه الجهاد بالمال والنفس مع القدرة ويجب عليه دفع دية قتل الخطأ إذا كان من عاقلة القاتل ، والمرأة معفية من كل هذا فناسب أن يكون تعويض الأولياء أكبر في الرجل وهذا كأمر الميراث تماماً
ولو كان الرجل متزوجاً بأربعة نساء فإنه سيكون مسئولاً عن كل زوجة وأولادها ، بيد أن المرأة لا تكون مسئولة إلا عن أولادها هي فقط وزوج واحد فلاحظ الفرق بين مسئول عن أربع نساء وأولاد كل واحد وبين مطالبة بالمسئولية عن زوج _ ومسئوليتها ليست مادية _ وأولادها هي فقط وهي جهة واحدة
فإن قلت : أحوال الرجال والنساء تختلف ، فيقال الشريعة العامة لا تتعلق بالنادر بل العام ولا تتعلق بشذوذات أحوال الناس بل تتعلق بما توجبه هي كشريعة على المرء
ثم إن هذا في دية الخطأ وأما العمد فالرجل يقتل بالمرأة إجماعاً وفي قتل الخطأ تلزم العاقلة بالدية والعاقلة الرجال دون النساء فناسب أن يكون التعويض في حقهم أكبر لإعفاء النساء من دية العاقلة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم