الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فهذه خمسة أوجه في الدلالة على أن المبتدع ملعون
الوجه الأول : قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا)
والمبتدع يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم كما نص على ذلك أبو قلابة الجرمي
قال الهروي في ذم الكلام 839 : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا
الْأَصَمُّ حَدَّثَنَا الصَّغَانِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ إِنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ
أهل ضَلَالَة ولاأرى مَصِيرَهُمْ إِلَّا إِلَى النَّارِ فَجَرِّبْهُمْ فَلَيْسَ أَحَدٌ
مِنْهُمْ يَنْتَحِلُ رَأْيًا أَوْ قَالَ قَوْلًا فَيَتَنَاهَى بِهِ إِلَّا يَرَوْنَ
السَّيْفَ وَإِنَّ النِّفَاقَ كَانَ ضُرُوبًا ثُمَّ تَلَا {وَمِنْهُمْ من عَاهَدَ الله}
{وَمِنْهُم الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي} {وَمِنْهُم من يَلْمِزك} فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ
وَاجْتَمَعُوا فِي الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ وَإِنَّ هَؤُلَاءِ اخْتَلَفُوا وَاجْتَمَعُوا
فِي السَّيْفِ
ثُمَّ قَالَ أَيُّوبُ (كَانَ وَاللَّهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ ذَوِي الْأَلْبَابِ)
وقال الطبري في تفسيره (20/ 332) : حدثني محمد بن سعد القرشي، قال: ثنا
يحيى بن سعيد، عن سلمة بن الحجاج، عن عكرمة قال: الذين يؤذون الله ورسوله هم أصحاب
التصاوير.
وهذا إسناد قوي والمصور يحاول مضاهاة الله في خلقه والمبتدع يحاول مضاهاة
الله عز وجل في أمره فكلاهما مستوجب للعنة
الوجه الثاني : أن المبتدع شر من المصور
قال البخاري في صحيحه 5954 : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ وَمَا بِالْمَدِينَةِ
يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ
وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ فَلَمَّا رَآهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَتَكَهُ وَقَالَ أَشَدُّ النَّاسِ
عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ قَالَتْ فَجَعَلْنَاهُ
وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ
وقال البخاري في صحيحه 7559 : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا
ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا
ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً
أقول : قد قال الله عز وجل ( ألا له الخلق والأمر ) ففصل بين الخلق والأمر
الذي هو كلامه وليس من خلقه ، ولا شك أن كلام الله عز وجل أعظم من خلق الله عز وجل
، فإذا كانت هذه عقوبة من يضاهي خلق الله وهم المصورون ، فكيف بمن ضاهى بأمر الله عز
وجل ونهيه وأحدث في دينه وهم أهل البدع ؟
لا شك أن حاله أشنع
قال الشاطبي في الاعتصام (1/68) :" وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْمُبْتَدِعَ
قَدْ نَزَّلَ نَفْسَهُ مَنْزِلَةَ الْمُضَاهِي لِلشَّارِعِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ وَضَعَ
الشَّرَائِعَ وَأَلْزَمَ الْخَلْقَ الْجَرْيَ عَلَى سُنَنِهَا، وَصَارَ هُوَ الْمُنْفَرِدَ
بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ حَكَمَ بَيْنَ الْخَلْقِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ،
وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ التَّشْرِيعُ مِنْ مُدْرَكَاتِ الْخَلْقِ لَمْ تُنَزَّلِ الشَّرَائِعُ،
وَلَمْ يَبْقَ الْخِلَافُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا احْتِيجَ إلى بعث الرسل عليهم السلام.
فهذا الَّذِي ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللَّهِ قَدْ صيَّر نفسه نظيراً ومضاهياً،
حَيْثُ شرَّع مَعَ الشَّارِعِ، وَفَتَحَ لِلِاخْتِلَافِ بَابًا، وَرَدَّ قَصْدَ الشَّارِعِ
فِي الِانْفِرَادِ بِالتَّشْرِيعِ، وَكَفَى بذلك شراً "
الوجه الثالث : أن المبتدع كاتم وزيادة
وقال الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ
وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ
اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )
وهذه الآية تنطبق على أهل البدع من باب أولى
قال ابن القيم في مدارج السالكين
(1/363 ) :" قال الله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد
ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا
وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم وذنب المبتدع فوق ذنب الكاتم لأن ذاك
كتم الحق وهذا كتمه ودعا إلى خلافه فكل مبتدع كاتم ولا ينعكس "
الوجه الرابع : أنه يؤوي محدثاً
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في تيسير العزيز الحميد
ص156 :" قوله: "ولعن الله من آوى محدثًا". أما "آوى" بفتح
الهمزة ممدودة أي: ضم إليه وحمى، وقال أبو السعادات: يقال: أويت إلى المنْزل وآويت
غيري وأويته، وأنكر بعضهم المقصور المتعدي. وقال الأزهري: هي لغة فصيحة.
وأما "محدثًا" فقال أبو السعادات: يروى بكسر الدال وفتحها على
الفاعل والمفعول، فمعنى الكسر: من نصر جانيًا وآواه وأجاره من خصمه، وحال بينه وبين
أن يقتص منه، والفتح: هو الأمر المبتدع نفسه، ويكون معنى الإيواء فيه الرضى به والصبر
عليه، فإنه إذا رضي بالبدعة وأقر عليها فاعلها، ولم ينكر عليه، فقد آواه. قلت: الظاهر
أنه على الرواية الأولى يعم المعنيين، لأن المحدث أعم من أن يكون بجناية أو ببدعة في
الدين، بل المحدث بالبدعة في الدين شر من المحدث بالجناية، فإيواؤه أعظم إثمًا، ولهذا
عده ابن القيم في كتاب "الكبائر" وقال: هذه الكبيرة تختلف مراتبها باختلاف
مراتب الحدث في نفسه، فكلما كان الحدث في نفسه أكبر، كانت الكبيرة أعظم"
فإذا كان من يؤوي محدثاً ملعوناً فكيف بالمحدث نفسه
وقال ابن عثيمين في القول المفيد :" "من آوى محدثا":
أي: ضمه إليه وحماه، والإحداث: يشمل الإحداث في الدين، كالبدع التي أحدثها الجهمية
والمعتزلة، وغيرهم.
والإحداث في الأمر: أي في شؤون الأمة، كالجرائم وشبهها، فمن آوى محدثا،
فهو ملعون، وكذا من ناصرهم، لأن الإيواء أن تأويه لكف الأذى عنه، فمن ناصره، فهو أشد
وأعظم. والمحدث أشد منه; لأنه إذا كان إيواؤه سببا للعنة، فإن نفس فعله جرم أعظم.
ففيه التحذير من البدع والإحداث في الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة "، وظاهر الحديث: ولو كان أمرا
يسيرا"
وقال الشاطبي في الاعتصام (1/96) :" وَفِي حَدِيثِ الصَّحِيفَةِ:
«الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا،
أَوْ آوَى مُحْدِثًا; فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ،
لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» ".
وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي سِيَاقِ الْعُمُومِ، فَيَشْمَلُ كُلَّ حَدَثٍ أُحْدِثَ
فِيهَا مِمَّا يُنَافِي الشَّرْعَ، وَالْبِدَعُ مِنْ أَقْبَحِ الْحَدَثِ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ
بِهِ مَالِكٌ فِي مَسْأَلَةٍ تَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا بِحَوْلِ اللَّهِ، وَهُوَ وَإِنْ
كَانَ مُخْتَصًّا بِالْمَدِينَةِ ; فَغَيْرُهَا أَيْضًا يَدْخُلُ فِي الْمَعْنَى"
وقال الهروي في ذم الكلام 1357 - أخبرنا محمد بن موسى، ثنا الأصم، ثنا
محمد بن إسحاق [الصغاني]، ثنا الحسن بن موسى الأشيب؛ قال: سمعت المبارك بن فضالة،
[ثنا]؛ قال: سمعت والله الحسن يذكر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من أحدث حدثاً؛ فعلى نفسه، ومن أحدث حدثاً أو أوى محدثً؛ فعليه لعنة
الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)).
فقالوا للحسن: ما الحدث؟ فقال: أصحاب الفتن [وأهل] الأهواء كلهم يحدثون)).
الوجه الخامس : أنه مغيرون لدين الله عز وجل
قال البخاري في صحيحه 4886 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ
لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ
يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ
لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ فَقَالَ وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَتْ لَقَدْ
قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ قَالَ لَئِنْ
كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ أَمَا قَرَأْتِ { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } قَالَتْ بَلَى قَالَ فَإِنَّهُ قَدْ
نَهَى عَنْهُ قَالَتْ فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ قَالَ فَاذْهَبِي فَانْظُرِي
فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا فَقَالَ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ
مَا جَامَعْتُهَا
فجعل علة لعنهن أنهن ( مغيرات لخلق الله عز وجل ) فكيف بالمغير المبدل
لدين الله عز وجل وشرعه الشريف
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم