مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تحرير مذهب ابن عمر في المدة التي يقصر فيها المسافر

تحرير مذهب ابن عمر في المدة التي يقصر فيها المسافر



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                           
فمن المسائل الحيوية المهمة مسألة المسافر إذا أقام في بلد ، إلى كم يبقى يقصر

فالمشهور من مذهب أحمد أنه يبقى يقصر أربعة أيام ، فإذا زاد على ذلك أتم

وقد أجمع العلماء على أنه إذا لم يعزم الإقامة فترة معينة ، يقول ( اليوم أو غداً أرحل ) بحسب الحاجة ، فإنه يقصر أبداً

قال ابن القيم في زاد المعاد (3/488) :" وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي " إشْرَافِهِ " أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُقْصِرَ مَا لَمْ يُجْمِعْ إقَامَةً وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ سُنُونَ "

قال الترمذي في جامعه :" ثُمَّ أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ مَا لَمْ يُجْمِعْ إِقَامَةً، وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ سِنُونَ"

ومن العلماء من لم يفرق بين من عزم إقامة فترة معينة ، ومن لم يجمع إقامة وقال الكل يقصرون أبداً ، ونسب هذا القول لابن عمر ، والصواب أن هذا ليس مذهب ابن عمر

قال عبد الرزاق في المصنف 4365 - عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَيْفَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ؟ قَالَ:
 " إِذَا كَانَ صَدَرَ الظَّهْرُ، وَقَالَ: نَحْنُ مَاكِثُونَ، أَتَمَّ الصَّلَاةَ، وَقَالَ: وَإِذَا قَالَ الْيَوْمَ وَغَدًا، قَصَرَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ مَكَثَ عِشْرِينَ لَيْلَةً "

فظاهر هذا أنه يتم إذا عزم إقامة فترة معينة ، وبقي النظر في تحديد هذه الفترة

قال عبد الرزاق في المصنف 4343 - عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً سَرَّحَ ظَهْرَهُ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ»

وهذا إسناد صحيح

فظاهر هذا أنه إذا عزم أن يقيم خمس عشرة ليلة فما زاد أتم

قال البخاري في صحيحه 4299 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ تِسْعَ عَشْرَةَ نَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَنَحْنُ نَقْصُرُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ فَإِذَا زِدْنَا أَتْمَمْنَا.

فاتفقنا على خمس عشرة ليلة ، وزاد ابن عباس أربع ليال

فالخلاصة : أن الرجل إذا لم يعزم الإقامة مدة معينة بل كان له حاجة إذا قضاها رجل إلى بلده ، فإنه يقصر أبداً اتفاقاً

وأما إذا عزم الإقامة فترة معينة فهذا له حالات

الأولى :أن يعزم الإقامة فترة وجيزة كيومين أو ثلاثة فهذا يقصر عند عامة أهل العلم

الثانية : أن يعزم الإقامة أكثر من أربعة أيام فهذا يتم في في مذهب مالك والشافعي وأحمد

الثالثة : أن يعزم الإقامة خمس عشرة ليلة فهذا يتم على مذهب ابن عمر واختاره سفيان الثوري ، وما دون ذلك ظاهر مذهبهم أنه يقصر

الرابعة : ان يعزم الإقامة أكثر من تسعة عشر يوماً فهذا يتم على مذهب ابن عباس ، وظاهر مذهبه أنه يقصر فيما دون ذلك ، واختار قوله إسحاق

وجميع من ذكرنا متفقون على أن من عزم الإقامة فوق عشرين يوماً يتم ، فهذا محل اتفاق منهم لا ينبغي الخروج عنه ، وتحمل الآثار الواردة عن جماعة من السلف في القصر في أكثر من ذلك على حال من لم يجمع إقامة

ولهذا لما حكى الترمذي الخلاف ، لم يذكر قولاً لأحد يرى أن من أجمع الإقامة شهراً ( مثلاً ) فإنه يقصر
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي