مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الرد على عمرو عبد المنعم سليم في دفاعه عن أهل الرأي وحطه على بعض أهل الحديث

الرد على عمرو عبد المنعم سليم في دفاعه عن أهل الرأي وحطه على بعض أهل الحديث



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد : 
        
                 
فقد رأيت كتاباً في تبرئة أبي حنيفة من القول بخلق القرآن والحيل لعمرو بن عبد المنعم سليم

والعادة فيمن يخوض في هذا الموضوع أن يثبت أن أبا حنيفة قال بخلق القرآن ثم إنه تراجع كما ذهب إليه جماعة

ولكن عمراً ركب الصعب والذلول ليثبت أنه ما قال بهذا قط
 وتكلف في ذلك تكلفاً شديداً ، وكتب مقدمةً ذكر فيها أقوال من أثنوا على الرجل وترك من ذموه
 بل يأتي للرجل الواحد الذي ورد عنه ثناء وجرح ، فيأخذ بالثناء فقط !


احتج في ص13 بما روى ابن عدي في الكامل (8/ 241) : حَدَّثَنَا ابن حماد ، قال : وحدثني أبو بكر الأعين ، حَدَّثني يعقوب بن شيبة ، عن الحسن الحلواني ، سمعت شبابة ، يقول : كان شُعْبَة حسن الرأي في أَبِي حنيفة ، فكان يستنشد في هذه الأبيات قول مساور ، يقول لي : كيف قال ؟
 فقلت : قال.
إذا ما الناس يومًا قايسونا ... بآبدة من الفتوى طريفة.
أتيناهم بمقياس صليب ... مصيب من طراز أَبِي حنيفة.
إذا سمع الفقيه بها وعاها ... وأثبتها بحبر في صحيفة.
قال الشيخ : وأَبُو بكر الأعين شيخ بغدادي مصرى.

أحمد بن محمد بن حماد الدولابي كان من أهل الرأي ويتعصب لهم لذا كذب نعيماً

وقد اجتنب عمرو بن عبد المنعم عمداً ما صح عن شعبة في شأن أبي حنيفة

قال عبد الله بن أحمد في السنة 291 :
 حدثني محمد بن أبي عتاب الأعين ، ثنا منصور بن سلمة الخزاعي ، قال : سمعت حماد بن سلمة ، « يلعن أبا حنيفة » ، قال أبو سلمة : وكان شعبة  يلعن أبا حنيفة .

ثم نسب عمرو بن عبد المنعم لوكيع أنه كان على مذهب أبي حنيفة اعتماداً على رواية منكرة في الانتقاء لابن عبد البر في 14

وترك عمداً ما صح عن وكيع في مباينته لمذهب أهل الرأي

قال الترمذي في جامعه 906 :
 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ الأَعْرَجِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّدَ نَعْلَيْنِ، وَأَشْعَرَ الهَدْيَ فِي الشِّقِّ الأَيْمَنِ بِذِي الحُلَيْفَةِ، وَأَمَاطَ عَنْهُ الدَّمَ
 وَفِي البَابِ عَنْ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ.: «حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
 وَأَبُو حَسَّانَ الأَعْرَجُ: اسْمُهُ مُسْلِمٌ  وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ  ،  يَرَوْنَ الإِشْعَارَ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ
 سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ عِيسَى يَقُولُ: سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ حِينَ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ، فَقَالَ: «لَا تَنْظُرُوا إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الرَّأْيِ فِي هَذَا، فَإِنَّ الإِشْعَارَ سُنَّةٌ، وَقَوْلُهُمْ بِدْعَةٌ» .
 وَسَمِعْتُ أَبَا السَّائِبِ يَقُولُ: " كُنَّا عِنْدَ وَكِيعٍ، فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ مِمَّنْ يَنْظُرُ فِي الرَّأْيِ: أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُثْلَةٌ؟
 قَالَ الرَّجُلُ: فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الإِشْعَارُ مُثْلَةٌ، قَالَ: فَرَأَيْتُ وَكِيعًا غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: أَقُولُ لَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
 مَا أَحَقَّكَ بِأَنْ تُحْبَسَ، ثُمَّ لَا تَخْرُجَ حَتَّى تَنْزِعَ عَنْ قَوْلِكَ هَذَا "

فيسميهم أهل الرأي ويحض على ترك النظر في أقوالهم فكيف يكون منهم

قال عبد الله بن أحمد في السنة 348 : حدثت عن يزيد بن عبد ربه ، قال : سمعت وكيع بن الجراح ، حين قدم علينا حمص سنة ثلاث وتسعين يقول : « إياكم ورأي أبي حنيفة فإني سمعته يقول : قبل أن نأخذ في القياس ، البول في المسجد أحسن من بعض القياس »

وهذا إسناد صحيح فشيوخ عبد الله كلهم ثقات

بل قال ابن عبد البر نفسه في كتاب الانتقاء ص151 :" وَذَكَرَ السَّاجِيُّ قَالَ نَا أَبُو السَّائِبِ قَالَ سَمِعْتُ وَكِيعَ بْنَ الْجَرَّاحِ يَقُولُ وَجَدْتُ أَبَا حَنِيفَةَ خَالَفَ مِائَتَيْ حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم"

وعمرو بن عبد المنعم وقف على هذا ، فقد نقل عن نفس هذه الصفحة نقلاً آخر

وقال عمرو بن عبد المنعم في ص16 :" لا يثبت في نقل صحيح أنه كان يقول بهذا القول - يعني القول بخلق القرآن - "

وهذه مجازفة لا تصدر إلا من رجل قليل العلم أو قليل الحياء

قال عبد الله بن أحمد في السنة 215 : حدثني أبي ، ثنا شعيب بن حرب ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقول : ما أحب أن أوافقهم على الحق
 قلت لأبي رحمه الله يعني أبا حنيفة ؟
 قال :   نعم ، رجل استتيب في الإسلام مرتين   يعني أبا حنيفة
 قلت لأبي رحمه الله : كأن أبا حنيفة المستتيب ؟ قال : نعم
 سمعت أبي رحمه الله ، يقول : « أظن أنه استتيب في هذه الآية ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) قال أبو حنيفة : هذا مخلوق ، فقالوا له : هذا كفر فاستتابوه

وهذا إسناد صحيح ، واستتابة أبي حنيفة من الكفر متواترة
 وقد تأول عمرو بن عبد المنعم هذه الاستتابة على استتابته من الإرجاء ، وهذا تأويل فاسد إذ أن الإرجاء ليس كفراً ، ولم يرد عن أحد من السلف أنه عرض شخصاً على السيف من أجل الإرجاء
 ولما هو بالذات من دون بقية المرجئة يستتاب ؟!

وقال عبد الله بن أحمد في السنة 218 : حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت سفيان الثوري ، يقول : « استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين »

وقال عبد الله بن أحمد في السنة 255 : حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثنا هيثم بن جميل ، قال : قلت لشريك بن عبد الله استتيب أبو حنيفة ؟ قال : « علم ذلك العواتق في خدورهن »

وقال عبد الله بن أحمد في السنة 257 : حدثني هارون بن سفيان ، حدثني الوليد بن صالح ، قال : سمعت شريكا ، يقول : « استتيب أبو حنيفة من كفره مرتين من كلام جهم ومن الإرجاء »

وهذه الرواية تبطل تأويل عمرو لذا أعلها بجهالة هارون بن سفيان

والجواب : شيوخ عبد الله بن أحمد ثقات إذ أنه لم يكن يكتب إلا عمن أذن له فيه أبوه

قال ابن حجر في تعجيل المنفعة (1/15) : " كان عبدالله ابن احمد لا يكتب الا عن من اذن له ابوه في الكتابة عنه وكان لا ياذن له ان يكتب الا عن اهل السنة حتى كان يمنعه ان يكتب عن من اجاب في المحنة"

وقال الخلال في السنة 810 : وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ هَارُونَ بْنَ سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «هَذِهِ أَحَادِيثُ الْمَوْتَى»

فعبد الله يروي عن أبيه بواسطته ولا يرضى عبد الله أن يجعل بينه وبين أبيه إلا الثقات

وقال عبد الله بن أحمد في السنة 284 : حدثني أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا شريك ، وحسن بن صالح ، أنهما شهدا أبا حنيفة وقد استتيب من الزندقة مرتين

وقال عبد الله بن أحمد في السنة 301 : حدثني أبي رحمه الله ، قال : سمعت ابن عيينة ، يقول : « استتيب أبو حنيفة مرتين »

وقال عبد الله بن أحمد في السنة 319 - حدثنا موسى الأنصاري ، قال : سمعت أبا خالد الأحمر ، يقول : « استتيب أبو حنيفة من الأمر العظيم مرتين »

وهذه كلها أسانيد صحاح

وقال عمرو بن عبد المنعم في ص18 :" وذكر الساجي : قال : حدثنا أبو حاتم الرازي : حدثنا عباس بن عبد العظيم عن محمد بن يونس : إِنَّمَا اسْتُتِيبَ أَبُو حَنِيفَةَ لأَنَّهُ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَاسْتَتَابَهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى
قلت : محمد بن يونس لم أجد من ترجمه .

أقول : عافاك الله من بلية العجلة ، محمد ابن يونس هو محمد بن حاتم بن يونس المصيصي منسوب إلى جده ثقة عابد وهو من شيوخ عباس بن عبد العظيم فالسند صحيح

( ثم بعد كتابة هذا بعدة سنوات وقفت على تعقب علي يثبت صاحبه أن ابن يونس هنا هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي اليربوعي فإن كان كذلك فهو ثقة معروف ولكن الباحث أعل الخبر بالانقطاع لأن ابن يونس ما أدرك القصة والواقع أنه كوفي مقارب جداً حتى أنه سمع من الحسن بن صالح قرين أبي حنيفة والثوري كذلك فهو يحكي قصة كوفية تأريخاً ) 

ثم أورد ما روى أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/65) :فأخبرني محمد بن الوليد قال: سمعت أبا مسهر يقول: قال سلمة بن عمرو القاضي على المنبر: لا رحم الله أبا حنيفة، فإنه أول من زعم أن القرآن مخلوق.

وأعقبه بالطعن في سلمة بن عمرو بالجهالة ! وأن التوثيق الوارد في حقه في تاريخ دمشق لا يعتمد

وهذا تناكد فالرجل يروي عنه أبو مسهر إمام أهل الشام وكان قاضياً والأصل فيمن يتولى مثل هذا المنصب العدالة في تلك الأزمان ، ولم يعقبوا على خبره بنقد، وقد اعتضد خبره بأخبار كثيرة ثابتة


وقال الخطيب في تاريخه 36- أخبرنا العتيقي، أَخْبَرَنَا جعفر بن مُحَمَّد بن علي الطاهري، حدّثنا أبو القاسم البغوي ، حدّثنا زياد بن أيّوب، حَدَّثَنِي حسن بن أبي مالك- وكان من خيار عباد الله- قال: قلت لأبي يوسف الْقَاضِي: ما كان أَبُو حنيفة يقول في القرآن؟
 قال: فقال: كان يقول القرآن مخلوق. قال: قلت. فأنت يا أبا يوسف؟ فقال لا. قال أَبُو القاسم: فحدثت بهذا الحديث الْقَاضِي البرتي فقال لي: وأي حسن كان وأي حسن كان؟! يعني الحسن بن أبي مالك. قال أَبُو القاسم: فقلت للبرتي هذا قول أبي حنيفة؟ قال: نعم المشئوم. قال: جعل يقول أحدث بخلقي.

وطعن عمرو بن عبد المنعم بهذا الخبر بجهالة حسن بن أبي مالك

وفاته أمران

الأول : أن حسن بن أبي مالك وصف في السند بأنه من خيار عباد الله ، ومثل هذا يقبل في خبر مقطوع

الثاني : أن البغوي نقل عن البرتي وهو فقيه حنفي تصديقه للخبر في مذهب أبي حنيفة

وعمرو بن عبد المنعم لما أراد تمشية رواية بشر بن الوليد الذي ضعفه جمع من الأئمة احتج بأنه إنما يروي خبراً مقطوعاً !

وعلق عمرو بن عبد المنعم على قصة استتابة ابن أبي ليلى لأبي حنيفة بقوله ( فإن المستقر عند هؤلاء الأئمة أمثال ابن أبي ليلى وغيره حرمة الامتحان كما أجاب به البخاري من سأله عن اللفظ )

أقول : هذه مصيبة الجهلة إذا تصدروا واستفهموا أنفسهم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم سأل الجارية ( أين الله ) وهذا امتحان

قال الفريابي في القدر 332 : حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُقَاتِلٍ, قَالَ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ شُمَيْلٍ يَقُولُ: كَانَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ إِذَا جَاءَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ, قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ, وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ، وَإِلَّا لَمْ يُحَدِّثْهُ, قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَوْنٍ, فَقَالَ: مَا هَذَا الْمُمْتَحِنُ النَّاسَ.

فهذا يمتحن الناس ! ، وجواب البخاري يخرج على أنه كره الامتحان بمسألة محدثة مجملة ، ومن أين لهذا الكاتب أن مذهب ابن أبي ليلى كمذهب البخاري - على فهمه - لا مذهب

وقال عبد الله بن أحمد في السنة 164 - حدثني محمد بن محمد بن عمر بن الحكم أبو الحسن بن العطار ، حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان ، قال : سألت عبد الرحمن بن مهدي فقلت : ما تقول فيمن يقول : القرآن مخلوق فقال : « لو كان لي عليه سلطان لقمت على الجسر فكان لا يمر بي رجل إلا سألته فإذا قال : القرآن مخلوق ضربت عنقه وألقيت رأسه في الماء »

فهذا ابن مهدي يريد امتحان الناس بهذه المسألة

وقد اعتمد عمرو بن عبد المنعم ما أخرج الخطيب في تاريخه (13/274) : 32- وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر المروذي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن حنبل يَقُولُ: لم يصح عندنا أَنَّ أَبَا حنيفة كَانَ يَقُولُ القُرْآن مخلوق.

النخعي هو علي بن محمد النخعي حنفي من أهل الرأي وثقه الخطيب وانفرد بعدة أخبار في مناقب أبي حنيفة لا يرويها إلا هو ، ومنها هذا الخبر إذ لا يوجد في شيء من الكتب هذه الرواية عن أحمد إلا من طريق هذا الرجل فهذا محل ريبة

وإذا خالفت روايته رواية عبد الله ابن الإمام أحمد رجحت رواية عبد الله ، أو تحمل روايته على أنه لم يصح أن الإمام أبا حنيفة مات وهو يقول بهذا القول

قال عبد الله بن أحمد في السنة 215 : حدثني أبي ، ثنا شعيب بن حرب ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقول : « ما أحب أن أوافقهم على الحق »
 قلت لأبي رحمه الله يعني أبا حنيفة ؟ قال : « نعم ، رجل استتيب في الإسلام مرتين »
 يعني أبا حنيفة ، قلت لأبي رحمه الله : كأن أبا حنيفة المستتيب ؟
قال : « نعم » سمعت أبي رحمه الله ، يقول : « أظن أنه استتيب في هذه الآية ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) قال أبو حنيفة : هذا مخلوق ، فقالوا له : هذا كفر فاستتابوه

وقد قال الجاهل عمرو ( هذا الحكم ظني فلا يعتمد ) والإمام أحمد إنما شك في الآية التي من أجلها استتيب لا أصل الاستتابة وظن إمام حافظ كالإمام أحمد يساوي يقين غيره ، وقد تقدم معنا ما تواتر من أن الرجل استتيب من الكفر مرتين ، وقد قال أبو زرعة كما في سؤالات البرذعي عن أبي حنيفة ( ويقول القرآن مخلوق ويرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستهزىء بالآثار)

وأبو زرعة إمام في الحديث لا يثبت القول عن أحد إلا بدليل ، وقد تبين لك مستنده القوي مما تقدم

ثم عرض لقول أبي زرعة ( كان أبو حنيفة جهمياً ) ، وحاول قياسه على كلام أبي زرعة في البخاري وشتان بين الأمرين

فالبخاري له كتاب ثابت اسمه ( خلق أفعال العباد ) دفع فيه عن نفسه تهمة اللفظية ، ومسألة اللفظ مسألة فيها غموض وربما نسب للرجل فيها غير ما يقول ، بخلاف التجهم البين الواضح ، فكان يكفي عمرو بن عبد المنعم أن يقول ( ثبت عنه هذا القول ولكنه رجع عنه ) فقط ويريح نفسه من هذا التكلف

ثم حاول عمرو بن عبد المنعم أن ينفي نسبة كتاب الحيل الذي أثبته ابن المبارك لأبي حنيفة بشطط من القول ، وتكلف بارد لا يساوي حكايته

وقد علم القاصي والداني أن الحيل موجودة في مذهب أبي حنيفة

قال أبو داود في مسائله لأحمد قلت لأحمد: الرجل يغزو بفرس وهجين؟ قال يسهم للفرس وللهجين قال قلت: فترى أن يحمل راكباً معه على بغل على الهجين فيعترض عليه فيكتب له الهجين؟ قال لا يعجبني أن يحتال كما يحتال أصحاب أبي حنيفة.

وقد أفرد محمد بن الحسن الشيباني كتاباً في الحيل في كتابه الأصل وهي من كتب الرواية عند الحنفية ، ونقل فيها حيلاً كثيرة عن أبي حنيفة وقد رأيت مخطوطته وقرأت كتاب الحيل كاملاً ودرسته فلا مجال لإنكار دخولهم في هذا الأمر

وختم عمرو بن عبد المنعم كتابه بالحث على التفقه إشادةً منه بفقه أهل الرأي ، وهذا من جهله فالفقه فقه أهل الحديث وذم أهل الحديث لأهل الرأي كثيرٌ جداً

قال ابن أبي حاتم رحمه الله في «آداب الشافعي ومناقبه» (ص431):
ثنا الربيع بن سليمان المرادي قال سمعت الشافعي يقول: أبو حنيفة يضع أول المسألة خطأ ثم يقيس الكتاب كله.
ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: نظرت في كتب لأصحاب أبي حنيفة فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة فعددت منها ثمانين ورقة خلاف السنة.
قال أبو محمد (ابن أبي حاتم) لأن الأصل كان خطأ فصارت الفروع ماضية على الأصل.

وقد نص حرب الكرماني تبديع أهل الرأي

حيث قال في عقيدته المطبوعة في آخر مسائله (3/ 977) والتي قال في أولها :" هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أوعاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم"

ومما جاء فيها :" وأصحاب الرأي والقياس في الدين مبتدعة جهلة ضُّلّال، إلا أن يكون في ذلك أثر عمن سلف من الأئمة الثقات، فالأخذ بالأثر أولى"

وقال أيضاً :" وأصحاب الرأي: وهم مبتدعة ضُّلّال أعداء السّنة والأثر يرون الدين رأيًا وقياسًا واستحسانًا، وهم يخالفون الآثار، ويبطلون الحديث، ويردون على الرسول، ويتخذون أبا حنيفة ومن قال بقوله إمامًا يدينون بدينهم، ويقولون بقولهم فأي ضلالة بأبين ممن قال بهذا أوكان على مثل هذا، يترك قول الرسول وأصحابه ويتبع رأي أبي حنيفة وأصحابه، فكفى بهذا غيًا وطغيانًا وردًا"

وقال أيضاً :" وأما أصحاب الرأي والقياس فأنهم يسمون أصحاب السنة نابتة وكذب أصحاب الرأي أعداء الله، بل هم النابتة تركوا أثر الرسول وحديثه وقالوا بالرأي، وقاسوا الدين بالاستحسان، وحكموا بخلاف الكتاب والسنة، وهم أصحاب بدعة جهلة ضلال طلاب دنيا بالكذب والبهتان. فرحم الله عبد اقال بالحق، واتبع الأثر، وتمسك بالسنة، واقتدى بالصالحين، وجانب أهل البدع وترك مجالستهم ومحادثتهم احتسابًا وطلبًا للقربة من الله وإعزاز دينه، وما توفيقنا إلا بالله"

وقال الخطيب في تاريخ بغداد (15/ 558) : أَخْبَرَنَا الْبَرْقَانِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن العباس أَبُو عمر الخزاز، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الفضل جعفر بن مُحَمَّد الصندلي، وأثنى عليه أَبُو عمر جدا، قَالَ: حَدَّثَنِي المروذي أَبُو بكر أَحْمَد بن الحجاج، قَالَ: سألت أبا عبد الله، وهو أَحْمَد بن حنبل، عن أبي حنيفة وعمرو بن عبيد، فقال: أبو حنيفة أشد على المسلمين من عمرو بن عبيد، لأن له أصحابا.

وهذا إسنادٌ صحيح إلى أحمد كله أئمة ، وهناك نصوص كثيرة في الباب بسطتها في مقالات أخرى
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي