الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال الرضواني في منة الرحمن ص1372 وهو يتكلم عن منهج أئمة الجرح والتعديل
:
" وقد تميز هذا المنهج في بيان أحوال الرواة ببعض القواعد الهامة
التي تتضح فيما يلي
1_ الأمانة في الحكم : فكانوا يذكرون للراوي ما له وما عليه وفضائله ومساوئه
"
أقول : هذا كلام من لم يقرأ شيئاً من كتب الجرح والتعديل ، والرضواني في
العادة يعترض على مخالفيه بأنهم يتكلمون في غير تخصصهم ، وهو هنا يتكلم في غير تخصصه
فإن الراوي إذا كان مجروحاً بسوء حفظٍ أو ببدعة فإن أهل العلم لا يلتزمون
ذكر حسناته ولا يرون ذلك واجباً عليهم إن لم يفعلوه فهم ظلمة
قال ابن أبي الدنيا في الصمت 553 :
وحدثني أبو صالح قال : سمعت رافع
بن أشرس قال :
كان يقال : إن من عقوبة الكذاب
أن لا يقبل صدقه .
قال : وأنا أقول : ومن عقوبة الفاسق
المبتدع أن لا تذكر محاسنه .
وسأذكر خمسة أمثلة فقط تقضي على هذه الدعوى
1- إبراهيم بن طهمان
هذا الرجل كان شديداً على الجهمية وصدوقاً في الحديث إليك ترجمته في كتاب
الضعفاء للعقيلي
قال العقيلي في الضعفاء ( 1/156): إبراهيم بن طهمان الخراساني كان يغلو
في الإرجاء .
حدثنا محمد بن سعيد بن بلج الرازي بالري قال : سمعت عبد الرحمن بن الحكم
بن بشير بن سلمان يذكر عن عبد العزيز بن أبي عثمان قال : كان رجل من المغاربة يجالس
سفيان وكان سفيان يستخفه ، ثم جفاه فشكا ذلك إلينا ، قال : فقلت له : تكلم فلانا كذا
، فإنه أجرأ على سفيان ، قال : فكلمه ، قال : يا أبا عبد الله هذا الشيخ المغربي قد
كنت تستخفه فما حاله اليوم ؟
فلم يزل به حتى قال سفيان : إنه
يجالس . . . ولم يسم أحدا
قال : فقال له : من جالست ؟ قال
: جلست يوما إلى إبراهيم بن طهمان في المسجد الحرام ودخل سفيان من باب المسجد فنظر
إلي فأنكرت نظره .
حدثنا محمد بن عيسى ، قال : حدثنا محمد بن علي الوراق ، قال : سمعت أحمد
بن حنبل يقول : إبراهيم بن طهمان من أهل خراسان وكان مرجئا يتكلم .
حدثنا أحمد بن علي الأبار قال
: حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا جرير قال : رأيت على باب الأعمش رجلا أدكن الوجه
، فقال : كان نوح النبي عليه السلام مرجئا
فذكرته للمغيرة ، فقال : فعل الله بهم وفعل ، لا يرضون حتى ينحلون بدعتهم
الأنبياء
قال : وهو إبراهيم بن طهمان
أقول : هذه ترجمة كاملة ليس فيها أي حسنة ، وذكر كلام سفيان وأحمد ومغيرة
في الرجل ليس فيه ذكر أي حسنة
2_ عباد بن كثير
هذا الرجل كان من العباد ولكنه كان منكر الحديث إلى درجة أغاظت الأئمة
منه وعامتهم يجرحونه بسوء الحفظ ولا يذكرون صلاحه
قال ابن عدي في الكامل (5/ 538) : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ،
حَدَّثني عَبد العزيز بن سلام، حَدَّثَنا مُحَمد بن نافع أخبرني عَبد الله بن إدريس،
قَال: كان شُعْبَة لا يستغفر لعباد بن كثير.
ولم يصل عليه سفيان لما مات
3_ محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني صاحب الرأي
وهو أحد الثلاثة الذين ذكرهم الطحاوي في مقدمة عقيدته التي يعرفها الرضواني
جيداً
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل :" 1253- محمد بن الحسن الشيباني،
مولى لهم.
صاحب الرأي أَبو عَبد الله، أصله من دمشق، من أهل حرستا، قدم أَبوه العراق،
فولد محمد بواسط، ونشأ بالكوفة، وخرج مع هارون فمات بالرَّي.
رَوَى عَن: زَمعَة، والثَّوري، وبكير بن عامر، وأبي يوسف يعقوب.
رَوَى عَنه: أَبو سليمان الجُوزْجَاني، وهشام الرازي، والعلاء بن زهير،
وإسماعيل بن توبة.
سَمِعتُ أَبي يقولُ ذلك.
قال أَبو مُحَمد: رَوَى عَن: مِسْعَر، والثَّوري، والأَوزاعي، ومالك، وإِبراهيم
الخوزي، ومحمد بن أبان.
حَدثنا عَبد الرَّحمن، أَخبَرنا عَبد الله بن أَحمد بن محمد بن حَنبل،
فيما كَتَبَ إلَيَّ، قال: سَألتُ أَبي عن محمد بن الحسن صاحب الرأي، قال: لا أروى عنه
شيئًا.
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: قُرِئَ عَلَى العباس بن محمد الدُّوري، قال:
سُئِل يَحيَى بن مَعين عن محمد بن الحسن الشيباني، فقال: ليس بشيءٍ.
حَدثنا عَبد الرَّحمن، سَمِعتُ أَبي يقول: وجدت في كتاب السير لمحمد بن
الحسن صاحب الرأي، عن الواقدي أحاديث فلم يضبطوا عن محمد بن الحسن، فرووا عن محمد بن
الحسن، عن الواقدي أحاديث، ورووا الباقي عن محمد بن الحسن، عن مشايخ الواقدي مثل خارجة
بن عَبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت، وعن محمد بن هلال، وعن الضحاك بن عثمان، وهذا
كله عن الواقدي، فجعلوه عن محمد بن الحسن عن هؤلاء المشايخ"
هذه ترجمته كما ترى ليس فيها إلا الجرح !
4_ عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد
كان مرجئاً غير أنه كان عابداً لم يكن يرفع رأسه إلى السماء حياءً من الله
والأكثر يوثقونه
قال يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/392) :" وعبد المجيد بن
عبد العزيز كان مبتدعاً عنيداً داعية، سمعت حماد بن حفص يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان
يقول: كذاب - يعني عبد المجيد"
ولم يذكر فيه إلا هذه الكلمات
5_ يعقوب بن شيبة
وهذا كان إماماً في العلل ثقة ثبتاً قال فيه الإمام أحمد ( مبتدع صاحب
هوى ) لأنه قال بالوقف بل حكم عليه عبد الوهاب الوراق بالزندقة كما في الإبانة لابن
بطة
وأكمل الرضواني كلامه بقوله :
" 3_ التزام الأدب في النقد : فلم يخرج هؤلاء العلماء في نقدهم عن
آداب البحث العلمي الصحيح
وكانوا مع ذلك يأمرون طلابهم بالتزام
الأدب في نقدهم ، يقول المزني تلميذ الشافعي رحمهما الله : سمعني الشافعي يوماً وأنا
أقول : فلان كذاب : فقال لي : يا إبراهيم اكسي ألفاظك أحسنها ولا تقل كذاب ولكن قل
حديثه ليس بشيء"
فهل معنى هذا أن كل من قال ( كذاب ) من أئمة الجرح والتعديل قليل الأدب
!
يا شيخ مهلاً ولا تتكلم في غير فنك ، هذا الأثر ذكره ابن حجر عن الشافعي
في التلخيص ولم أجده في مكان آخر ، وبقية عمل الأئمة على خلاف هذا وما كانوا يتورعون
عن تكذيب الكذاب وهذا يفعلونه تديناً
والشافعي نفسه كان شديداً على الكذابين
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 324) : حَدثنا محمد بن عَبد الله
بن عَبد الحكم، قال: سَمِعتُ الشافعي يقول، وذكر أَبو جابر البياضي، فقال: بيض الله
عين مَن يَرْوي عَنه.
قال أَبو مُحَمد: أراد بذلك تغليظا على من يكذب على رسول الله صَلى الله
عَليه وسَلم.
فهذا قوله في الذي يروي عنه لا فيه هو فحسب
وبعض الناس يقول هذه الألفاظ قالها هؤلاء الأئمة حمية ولم يقصدوا معناها
فيقال : وهل رفعت الحمية من على وجه الأرض فإذا سمعت من يتكلم بها حمية
فلا تنكر عليه !
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم