مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الرد على أبي بكر الجزائري في قوله أن الإسلام جاء بالمساواة في الحقوق وعدم اعتبار الفوارق الجنسية

الرد على أبي بكر الجزائري في قوله أن الإسلام جاء بالمساواة في الحقوق وعدم اعتبار الفوارق الجنسية



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                           
قال الشيخ أبو بكر الجزائري كما في رسائله ص30 :
" فالمسلمون عامة يعرفون أن العدل في الأحكام ، والمساواة في الحقوق ، والإنصاف بين الناس ، وتكافؤ الفرص ، وعدم التمييز العنصري ، وعدم اعتبار الفوارق الجنسية ، كل هذه المباديء السامية جاء بها الإسلام ونزل بها القرآن "

أقول : إن مما لا شك فيه أن الشيخ أبا بكر ما أراد إلا الدفاع عن الإسلام بهذه الكلمات إلى أنه ( كم من مريد للحق لم يبلغه ) ، فإن كلامه فيه نظر من وجوه

أولها : قوله ( المساواة في الحقوق ) ، فيقال هذا ليس على إطلاقه فالعدل أعظم حقوقاً من الفاسق والسني أعظم حقوقاً من المبتدع

قال البخاري في الأدب المفرد 1018: حَدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، وَمُعَلَّى، وَعَارِمٌ، قَالُوا: حَدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْفَاسِقِ حُرْمَةٌ.

وقال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (3/1023) :" ولهذا يعاقب الفاسق الملي من الهجر والاعراض والجلد وغير ذلك بما لايعاقب به الكافر الذمي مع أن ذلك أحسن حالا عند الله"

وأما المبتدع فالأمر فيه أوضح وأوضح

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (28/205) :" وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة ان الدعاة الى البدع لا تقبل شهادتهم ولا يصلى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يناكحون فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية لأن الداعية اظهر المنكرات فاستحق العقوبة بخلاف الكاتم"

وباب نقد هذه الكلمة أوسع من هذا والمراد هنا التنبيه

وإطلاق ( دين المساواة ) على دين الإسلام خطأ

قال الشيخ ابن عثيمين كما في أسئلة لقاء الباب المفتوح (13/17) :
وينبغي أن نعرف الفرق بين العدل والمساواة، الآن كثير من الناس يقول: الإسلام دين المساواة، وهذا غلط، ليس في القرآن كلمة مساواة أو أن الناس سواء، بل لو تأملت أكثر ما في القرآن تجد نفي المساواة: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}  ، {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}
وما أشبه ذلك، فأكثر ما في القرآن نفي للمساواة فيما بينهما اختلاف.
في القرآن العدل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ}  {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}  
وفرق بين العدل والمساواة، لو أخذنا بظاهر كلمة المساواة لقلنا: الذكر والأنثى سواء كما ينادي به الآن المتفرجون، لكن إذا قلنا العدل أعطينا الذكر ما يستحق والأنثى ما تستحق.
ولهذا نرجو من إخواننا الكتاب وغير الكتاب أن ينتبهوا إلى هذه النقطة؛ لأن كلمة المساواة أدخلها بعض المعاصرين، والله أعلم كيف أدخلوها، قد يكون عن سوء فهم، وقد يكون لسبب آخر، إنما الدين دين العدل، والعدل إعطاء كل أحد ما يستحق"

وقال الشيخ ابن عثيمين أيضاً في تفسير سورة البقرة (3/65) :
ومنها: الرد على الذين قالوا: «إن دين الإسلام دين مساواة»؛ لأن التفضيل ينافي المساواة؛ والعجيب أنه لم يأت في الكتاب، ولا في السنة لفظة «المساواة» مثبتاً؛ ولا أن الله أمر بها؛ ولا رغب فيها؛ لأنك إذا قلت بالمساواة استوى الفاسق، والعدل؛ والكافر، والمؤمن؛ والذكر، والأنثى؛ وهذا هو الذي يريده أعداء الإسلام من المسلمين.
لكن جاء دين الإسلام بكلمة هي خير من كلمة «المساواة»؛ وليس فيها احتمال أبداً، وهي «العدل» ، كما قال الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل} ؛ وكلمة «العدل» تعني أن يسوى بين المتماثلين، ويفرق بين المفترقين؛ لأن «العدل» إعطاء كل شيء ما يستحقه.
والحاصل: أن كلمة «المساواة» أدخلها أعداء الإسلام على المسلمين؛ وأكثر المسلمين - ولا سيما ذوو الثقافة العامة - ليس عندهم تحقيق، ولا تدقيق في الأمور، ولا تمييز بين العبارات؛ ولهذا تجد الواحد يظن هذه الكلمة كلمة نور تحمل على الرؤوس: «الإسلام دين مساواة»! ونقول: لو قلتم: «الإسلام دين العدل» لكان أولى، وأشد مطابقة لواقع الإسلام"

وقال الشيخ أيضاً في تفسير سورة الحديد :" {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} دين الإسلام دين العدل في العمل والجزاء، وانتبه دين العدل في العمل والجزاء وليس كما يقول المحدَثون: «إنه دين المساواة» ، هذا غلط عظيم، لكن يتوصل به أهل الآراء والأفكار الفاسدة إلى مقاصد ذميمة.
حتى يقول: المرأة والرجل، والمؤمن والكافر سواء، ولا فرق.
وسبحان الله إنك لن تجد في القرآن كلمة المساواة بين الناس، بل لابد من فرق، بل أكثر ما في القرآن نفي المساواة {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} وآيات كثيرة، فاحذر أن تتابع فتكون كالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء.
بدل من أن تقول: (الدين الإسلامي دين مساواة) قل: (دين العدل الذي أمر الله به، يعطي كل ذي حق حقه) ، أرأيت المرأة مع الرجل في الإرث، وفي الدية، وفي العقيقة، وفك الرهان يختلفون.
وفي الدين: المرأة ناقصة إذا حاضت لم تصل ولم تصم، وفي العقل المرأة ناقصة: شهادة الرجل بشهادة امرأتين، وهلم جرا.
والذين ينطقون بكلمة مساواة إذا قررنا هذا وأنه من القواعد الشرعية الإسلامية ألزمونا بالمساواة في هذه الأمور، وإلا لصرنا متناقضين، فنقول: دين الإسلام هو دين العدل يعطي كل إنسان ما يستحق، حتى جاء في الحديث: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود »
يعني إذا أخطا الإنسان الشريف الوجيه في غير الحدود فاحفظ عليه كرامته وأقله، هذا الذي تقيله إذا كان من الشرفاء، إقالتك إياه أعظم تربية من أن تجلده ألف جلدة.
لأنه كما قيل: الكريم إذا أكرمته ملكته، لكن لو وجد إنسان فاسق ماجن فهذا اشدد عليه العقوبة وأعزره، ولهذا لما كثر شرب الخمر في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ضاعف العقوبة بدل أربعين جعلها ثمانين ، كذلك الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن: «من شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه» .
لأن لا فائدة في جلده، ثلاث مرات نعاقبه ولا فائدة إذن خير له ولغيره أن يقتل، وإذا قتلناه استراح من الإثم، كما قال الله عز وجل: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأَنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين} والخلاصة أن التعبير بأن دين الإسلام دين ااساواة غلط وليس بصحيح، بل هو دين العدل ولا شك، والعجب أن هؤلاء الذين يقولون هذا الكلام، يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى »
فيتناقضون، والحديث لم ينف مطلقاً، وإنما قال: «إلا بالتقوى» فهم يختلفون بالتقوى، ثم إن هذا الحديث لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه قال: «إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم » ففضل، ولا شك أن جنس العرب أفضل من جنس غير العرب لا شك عندنا في هذا، والدليل على هذا أن الله جعل في العرب أكمل نبوة ورسالة، محمد صلى الله عليه وسلم"

ثانيها : قوله ( وعدم اعتبار الفوارق الجنسية )

فهذا أمرٌ عجيب فالرجل غير المراة في أحكام كثيرة جداً يصعب حصرها

ففي المواريث للذكر مثل حظ الأنثيين من الفروع الوارثه ، والزوج يرث ضعف الزوجة

وفي الطهارة يلحق في المرأة الكثير من الأحكام في حال الحيض والنفاس من ترك الصلاة والصيام والطواف ومس المصحف وعدم اقتراب زوجها منها

وفي الصلاة لا تلزم صلاة الجماعة وصلاتها في بيتها خيرٌ من صلاتها في المسجد خلافاً للرجل ، ولا يجوز أن تؤم في الجمعة والجماعة في قول الكافة من أهل العلم ، وإنما اختلفوا في إمامتها للرجال في النافلة إذا كانت قارئة وليس فيهم قاريء والجمهور على المنع

ولا تسافر إلا ومعها محرم ، ولا يجوز توليتها في القضاء ولا الإمامة العظمى وغيرها من الأحكام فأين ( عدم اعتبار الفوارق الجنسية ) ؟

فإن قيل الشيخ يريد ( عدم اعتبار الفوارق بين الأبيض والأسود ، والطويل والقصير وغيرها )

فيقال : قد أبان الشيخ عن هذا في قوله ( وعدم التمييز العنصري ) ، فدل على أنه يريد بقوله ( وعدم اعتبار الفوارق الجنسية ) غير ما أراد به قوله ( وعدم التمييز العنصري )
 ثم إنه لو أراد هذا فأنه أخطأ باللفظ فلا يقال ( البيض جنس ) و ( السود الجنس ) وإنما يقال ( الرجال جنس ) و ( النساء جنس ) ومن كان حسن القصد وأخطأ باللفظ فإنه ينكر عليه ويبين له اللفظ الصحيح

فالمراد لا يدفع الإيراد ، قال الله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا}.

قال الطبري 1437 : حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا} قول كانت تقوله اليهود استهزاء، فزجر الله المؤمنين أن يقولوا كقولهم.

قلت : هذا مع سلامة صدور المؤمنين من كل ما فيه انتقاصٌ للنبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الإمام مسلم 870 : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبدالله. قالا: حدثنا وكيع عن سفيان، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن تميم بن طرفة، عن عدي بن حاتم ؛ أن رجلا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد. ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله".

قلت : هذا من ذاك ،وتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم الشدة مع هذا الصحابي مع كونه لا يعرف الحكم الشرعي في المسألة بياناً منه صلى الله عليه وسلم لعظيم خطر هذه المخالفة ، فإن الشدة تكون نصحاً وبياناً كما أنها تكون تعزيراً وتبكيتاً.

والشيخ أبو بكر الجزائري له غرائب ، أكتفي منها بما ذكره الشيخ أحمد أبو العينين 
قال أحمد أبو العينين في كتابه الفائق في بيان الفجر الصادق ص108 في الحاشية :" وينبغي التنبه إلى أن الشيخ أبا بكر الجزائري مع ما بذله من جهد في الدعوة إلى الله له أحياناً فهم عجيب ، فقد ألف رسالتين في محاولة تنزيل الأحاديث وتفسيرها على مقتضى المخترعات الحديثة ، فرد عليه الشيخ حمود التويجري رحمه الله في جزء أسماه (( تنبيهات على رسالتين للشيخ أبي بكر الجزائري )) .
وقد قال عنه : وبعد فإن كثيراً مما تأوله الجزائري على ظهور المخترعات الحديثة لا يخلو من التكلف في التطبيق ، وأخشى أن يدخل في القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يقل . اهـ
وقد سمعت شريطاً بصوت الشيخ أبي بكر يدافع فيه عن جماعة التبليغ أتى فيه بكلام في غاية الغرابة ، فمما قال بمعناه : يعيبون عليكم أنكم حددتم الخروج بثلاثة أيام والحجة في كتاب الله ، قال الله عز وجل (( فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام )) ، ويعيبون عليكم التحديد بأربعة أشهر ، والحجة في كتاب الله ، قال الله (( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر )) فهل يقول هذا أحد ؟!! " انتهى كلام أبي العينين

والله المستعان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي