الجمعة، 31 أكتوبر 2014

المعتزلة يعسوب الزندقة في الأمة ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقال الباقلاني في التمهيد أنه لا توجد فرقة أضر على الإسلام من المعتزلة ، وقال الجويني في الغياثي أنه لا يظن أن الله سيغفر للمأمون ما فعله بالأمة

فإذا كان هذا موقف رجليين أشعريين للمعتزلة يجمعهم مع المعتزلة رحم التجهم فما عسى السني أن يقول

والواقع أن كثيراً من الأقوال الشاذة الزندقية التي تفشو هذه الأيام لها أصل عند المعتزلة الذين سنوا في الأمة الاعتراض على السنن والطعن في إجماعات الأمة

ويحييى كثير من الزنادقة اختياراتهم الشاذة مع أن مقدمة المعتزلة غير مقدمتهم

ففي المعتزلة فقط وغلاة الأشعرية ظهر من ينكر تلبس الجني بالانسي الذي أقر به بعض عتاة الفلاسفة

قال ابن تيمية رحمه الله: " ... ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي، وأبي بكر الرازي، وغيرهما دخول الجنّ في بدن المصروع، ولم ينكروا وجود الجنّ؛ إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا، وإن كانوا مخطئين في ذلك. ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون إن الجني يدخل في بدن المصروع؛ كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} ... " مجموع الفتاوى 1912.

وقد أنكر الصرع أيضاً ابن حزم الذي كان كثير النظر في كلام المعتزلة ومتأثراً بهم

وبقية المعتزلة يقرون بالصرع ولم يخالف إلا الجبائي وسبب مخالفتهم له والله أعلم أنهم رأوا الصرع ثابتاً ببرهان الحس وكلام الأطباء القدامى ولهذا احتج عليهم أحمد بهذا فقال ( ها هو يتكلم على لسانه )

ومن الأقاويل الخبيثة التي شذ بها بعض أفراد المعتزلة وتبعه عليها ابن حزم القول بمنع التسري بالكتابيات

قال عبد القاهر في الفرق بين الفرق :" وَمن فضائح ثُمَامَة ايضا انه كَانَ يَقُول فى دَار الاسلام انها دَار شرك وَكَانَ يحرم السبى لَان المسبى عِنْده مَا عصى ربه اذا لم يعرفهُ وانما العاصى عِنْده من عرف ربه بِالضَّرُورَةِ ثمَّ جَحده اَوْ عَصَاهُ وفى هَذَا اقرار مِنْهُ على نَفسه بانه ولد زنى لانه كَانَ من الموالى وَكَانَت امهِ مسبية وَوَطْء من لَا يجوز سبيهَا على حكم السبى الْحَرَام زنى والمولود مِنْهُ ولد زنى فبدعة ثُمَامَة على هَذَا التَّقْدِير لَائِق بنسبه"

وابن حزم لم يقل بقول ثمامة ولكنه منع من التسري بالكتابيات معرضاً بأن الأمة وقعت في استحلال الفروج الحرام والله المستعان

وهذا القول يجنح إليه بعض الزنادقة اليوم لا لمقدمة ابن حزم ولا لمقدمة ثمامة وإنما للانهزامية والذل أمام الكفار

ففي الوقت الذي يجيز فيه عبد الله الجديع بقاء المسلمة مع زوجها الكافر ذمياً كان أو ملحداً ولو في دار شرك ، يأتي من يحرم الحلال الذي أحله الله انهزامية أمام أمم الكفر

ومن المقالات التي يحييها بعض الزنادقة اليوم قول الأصم بحرمة تزويج الصغير أو الصغيرة لأنه يقيس الفروج على المعاملات المالية

قال السرخسي الحنفي في المبسوط (4/212) :" وَبَلَغَنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهِيَ صَغِيرَةٌ بِنْتُ سِتَّةِ سِنِينَ وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا» فَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ بِتَزْوِيجِ الْآبَاءِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ حَتَّى يَبْلُغَا لِقَوْلِهِ {حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] فَلَوْ جَازَ التَّزْوِيجُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِحَاجَةِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ حَتَّى إنَّ فِيمَا لَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الْحَاجَةُ لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ كَالتَّبَرُّعَاتِ، وَلَا حَاجَةَ بِهِمَا إلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ طَبْعًا هُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَشَرْعًا النَّسْلُ وَالصِّغَرُ يُنَافِيهِمَا، ثُمَّ هَذَا الْعَقْدُ يُعْقَدُ لِلْعُمُرِ وَتَلْزَمُهُمَا أَحْكَامُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَهُمَا ذَلِكَ إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَحُجَّتُنَا قَوْله تَعَالَى {وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى عِدَّةَ الصَّغِيرَةِ، وَسَبَبُ الْعِدَّةِ شَرْعًا هُوَ النِّكَاحُ، وَذَلِكَ دَلِيلُ تَصَوُّرِ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] الِاحْتِلَامُ، ثُمَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نَصٌّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآثَارِ فَإِنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ تَزَوَّجَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ وُلِدَتْ، وَقَالَ: إنْ مِتُّ فَهِيَ خَيْرُ وَرَثَتِي، وَإِنْ عِشْتَ فَهِيَ بِنْتُ الزُّبَيْرِ، وَزَوَّجَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنْتًا لَهُ صَغِيرَةً مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَزَوَّجَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنْتَ أَخِيهِ ابْنَ أُخْتِهِ وَهُمَا صَغِيرَانِ وَوَهَبَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ فَأَجَازَ ذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَزَوَّجَتْ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنْتًا لَهَا صَغِيرَةً ابْنًا لِلْمُسَيِّبِ بْنِ نُخْبَةَ فَأَجَازَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَكِنْ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ أَصَمَّ لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَالِحِ وَضْعًا فِي حَقِّ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ جَمِيعًا، وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَغْرَاضٍ وَمَقَاصِدَ لَا يَتَوَفَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَيْنَ الْأَكْفَاءِ"

وأنا بريء من ترحم السرخسي على هذا المعتزلي الزنديق وقوله يناقض حتى قياسه الفاسد

فاليتيم يملك ماله وتقع فيه الحقوق ولا يدفع إليه حتى يؤنس منه الرشد

والصغير يزوجه أهله ولا تدفع إليه امرأته حتى يبلغ

ولو قسنا التصرف المالي على الأنكحة لمنعنا من تزويج المعتوه والمجنون

علماً بأن الأصم يجيز تزويج البالغ ولو كان عمره عشر سنين وكذا البالغة خلافاً لما وضعه الزنادقة في القوانين الوضعية

وهذا الاختيار سيحييه بعض الناس لا من جهة القياس الفاسد التي اتخذه الأصم ولكن محاباةً لأهل الكفر وأصحاب القوانين الوضعية السخيفة التي تناقض الشرع والفطرة

ومن ذلك قول بعض المعتزلة بإنكار النسخ ومع أنهم يفسرونه على ما يجعل الخلاف لفظياً إلا الزنادقة أمثال عدنان إبراهيم ومحمد رشيد رضا قالوا به

والعجيب أنهم بذلك يتابعون اليهود فهذا القول معروف عن اليهود ولا يوجد في كتابهم ما يدل عليه ، وينكرون الرجم ويقولون ( هو شريعة يهودية ) مع وجوده في كتاب اليهود ولا ينكر أبداً أن تتفق الشريعة الإسلامية مع شريعة التوراة التي هي كتاب الله أيضاً

ومن ذلك ما وقع من بعض الزنادقة تلاميذ النظام من التعريض بالنبي في أمر النكاح


قال ابن حزم في الفصل :" ذهب أَحْمد بن حابط وَكَانَ من أهل الْبَصْرَة من تلاميذ إِبْرَاهِيم النظام يظْهر الاعتزال وَمَا نرَاهُ إِلَّا كَافِرًا لَا مُؤمنا وَإِنَّمَا استخرنا إِخْرَاجه عَن الْإِسْلَام لِأَن أَصْحَابه حكوا عَنهُ وُجُوهًا من الْكفْر مِنْهَا التناسخ والطعن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنِّكَاحِ وَكَانَ من قَوْله أَن الله عز وَجل نبأ أَنْبيَاء من كل نوع من أَنْوَاع الْحَيَوَان حَتَّى البق والبراغيث وَالْقمل"

ولو علم الزنديق أن النبي لو شاء أن تكون كل تلك الزوجات أبكاراً وشابات وإماء لسن ذوات حقوق لكان له ذلك وما شأنه مع نسائه في أمر النفقة وهجره لهن ثم تخييره لهن بين البقاء مع على زهده أو أن يسرحهن سراحاً جميلاً إلى آخر ما نزل في سورة الأحزاب بمجهول عند عامة المسلمين

ولم يكن اليهود والنصارى ينكرون على النبي في هذا قديماً لعلمهم بعدد زوجات سليمان وإبراهيم وغيرهم من الأنبياء ، بل في كتبهم نسبة الأنبياء للزنا ولا يرون ذلك قدحاً في نبوتهم ولكن متأخريهم لجهلهم فتحوا على أنفسهم باباً في هذا

وذهب ابن علية والأصم إلى التسوية بين دية المرأة ودية الرجل لعدم اعتدادهم بفتاوى الصحابة وقلدهم بعض المعاصرين لا لشبهة القوم ولكن استسلاماً للثقافة الفاسدة الحديثة

وقد أنكر النظام إجماع الصحابة وأفسد كلامه عقل ابن حزم الذي حاول التوسط بين النظام وأهل السنة فأنكر الكثير من إجماعات الصحابة وخالف العديد من إجماعات الأمة لشبهات النظام نفسها وقلده على الشوكاني والصنعاني حتى وصل الأمر إلى بعض المنتسبين للسنة

وكتب الأصول ملأى بالطعن في إجماعات الأمة بشبهات النظام والتي سرد أبو الحسين البصري منها الشيء الكثير في المعتمد ، وكتاب المستصفى للغزالي أصله المعتمد

وقد تأثر ابن حزم بكلام الجاحظ في المتأولين وإن كان قد حاول التوفيق بين كلامه وكلام أهل الحق فوقع في إعذار الكثير من أهل الباطل وإن كان ابن حزم كلامه ينضح بالتكفير بخلاف تأصيله الذي يوسع فيه العذر

ومعظم المعتزلة يخالفون هذه الاختيارات الشاذة بل معظمهم يكفر النظام ولكن لما كانت أصولهم فاسدة كان كل منتسب لهم يتخير ما هواه ما يشاء فيقع في مخالفة اتفاق الأمة والنصوص البينة لأن طريق الهدى اتباع الآثار والمعتزلة هدموا هذا الباب

ولهذا تجد في المعتزلة المعاصرين من يستحدث أقوالاً لم يقل بها أحد من المنتسبين للإسلام بمختلف فرقهم كإنكار حد الردة وإنكار الختان وإنكار عامة معجزات الأنبياء 

فالنظام رافق البراهمة فأخذ بعض شبهاتهم فالبراهمة يوردون على النبوات  أنها لو كانت تدعو لما يدعو إليه العقل فلا حاجة لها مع وجود العقل وإن كانت تدعو إلى خلاف العقل فليست سليمة ، وهذا عين إيراد النظام على الإجماعات بأنها إذا دعت إلى معنى ما في الكتاب والسنة  فلا حاجة لها مع وجود الكتاب والسنة وإن دعت إلى خلافه فليست سليمة 

والجواب عليهما واحد وهو أن كون الشيء حجة لا يعني أنه لا حجة في غيره ثم إن الأمور العقلية منها الواضح المشترك ومنها ما لا بد منه من إيضاح خارجي ومنه ما لا يعقله البشر بحال وكذا أدلة الكتاب والسنة منها الواضح الجلي ومنها ما يفهمه الفقهاء فحسب ويقيمون أدلته 

وبالنسبة لغير الحكيم ولغير الفقيه قد يكون الأمر النبوي أو الإجماع العملي أظهر بكثير من الدليل الخفي المستخرج من نظر عقلي أو تدقيق فقهي 

زيادة على أن الأمر معكوس فكثير من السنن عضدها عند المحدثين مع صحة إسنادها كون العمل عليها ، وحتى في النبوات كثير من الأمور كان الناس في غفلة عن دلالة العقل عليها حتى جاءهم الوحي وبصرهم بذلك بالبينات الإلهية

وهذه الضلالات التي ذكرتها تفرقت في المعتزلة واجتمعت كلها أو معظمها في محمد رشيد رضا وعدنان إبراهيم وأضرابهم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم