مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: من حذق الإمام البخاري في الرد على أهل البدع

من حذق الإمام البخاري في الرد على أهل البدع



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                          
فإن للإمام البخاري تصرفات دقيقة في صحيحة تدل على حذقٍ وإمامةٍ في العلم يشير فيها إشارات لطيفة إلى الرد على بعض فرق أهل البدع إلى جانب الردود الصريحة التي احتواها كتابه الصحيح
وإليك بعض الأمثلة:
(1) المثال الأول:
 قال البخاري في صحيحه ْ3717 :
 حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخْبَرَنِيمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ أَصَابَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رُعَافٌ شَدِيدٌ سَنَةَ الرُّعَافِ حَتَّى حَبَسَهُ عَنْ الْحَجِّ وَأَوْصَى فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ اسْتَخْلِفْ قَالَ وَقَالُوهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَمَنْ فَسَكَتَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ أَحْسِبُهُ الْحَارِثَ فَقَالَ اسْتَخْلِفْ فَقَالَ عُثْمَانُ وَقَالُوا فَقَالَ نَعَمْ قَالَ وَمَنْ هُوَ فَسَكَتَ قَالَ فَلَعَلَّهُمْ قَالُوا الزُّبَيْرَ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَخَيْرُهُمْ مَا عَلِمْتُ وَإِنْ كَانَ لَأَحَبَّهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أقول: خالد بن مخلد القطواني شيعي معروف وقد اتهم بالرفض والذي يظهر أن فيه قليل تشيع كما قال العجلي ولا يصح عنه الغلو
 وقد أورد البخاري هذا الخبر في فضل الزبير من طريقه تقوية لحجته فإن الشيعي إذا روى خبراً في فضل صحابي كالزبير فهو عن التهمة أبعد لهذا اختار البخاري تخريج هذا الحديث من طريق خالد دون غيره مع أن روايته مشيخته من أهل الكوفة فيها بحث.

(2) المثال الثاني:
 قال البخاري في صحيحه 5115 :
 حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ.

هذا أول حديث في النهي عن نكاح المتعة في صحيح البخاري ، وقد اجتمع في سنده عدة أمور تقيم الحجة على الرافضة:

الأول : أنه من رواية علي بن أبي طالب من طريق أبنائه عنه.
الثاني : أن في السند عبد الله بن محمد بن الحنفية وكان شيعياً بل اتهم بقول السبئية.

(3) المثال الثالث:
قال البخاري في صحيحه 3673 :
 حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ تَابَعَهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَاضِرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ.

الأعمش عرف بالتشيع وقد دافع عنه الذهبي في تاريخ الإسلام، وأنكر ذلك غير أن تشيعه مشهور، وروايته مثل هذا الحديث حجة على الشيعة ولا شك.

وقد كان ابن حبان حذقاً أيضاً فقال في صحيحه 7255 :
 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:  لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ .

فخرجه من طريق علي بن الجعد وقد عرف عنه سب معاوية فالظاهر أنه يلزمه؛ والحق أن هذا الحديث مداره على الأعمش ، وهذه من اللطائف وقد تابعه عاصم بن أبي بهدلة ولم يحفل أحد برواية عاصم إذ أن الأعمش إذا روى خبراً لم يحتج المحدثون إلى غيره خصوصاً ممن تكلم في حفظه كعاصم.

(4) المثال الرابع:
 قال البخاري في صحيحه 206 :
 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.

وأبو نعيم الفضل بن دكين شيعي وحتى الرافضة يوثقونه هو والأعمش وأبو إسحاق ، وهذا حديث في المسح على الخفين تقصد البخاري روايته من طريقه إلزاماً لهم.

فإن قيل : نرى الرافضة اليوم لا يحفلون بشيء من أحاديث أهل السنة وإن كان فيها متشيعين فما وجه حجة البخاري على القوم..

فيقال : الشيعة في زمن البخاري ليسوا كالرافضة الزنادقة في عصرنا الذين طعنوا حتى في القرآن ، بل هؤلاء كانوا يصدقون الثقات وعامتهم على تفضيل الشيخين ، وما رأيت أحداً في رواة الحديث الذين خرج لهم في الكتب المشهورة سواءً كان ثقة أو ضعيفاً أو كذاباً نقل عنه قذف واحدة من أمهات المؤمنين أو تكفير الشيخين.

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي