مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الرد على من استدل بنقش خاتم أنس على جواز التصوير الفوتوغرافي مطلقاً

الرد على من استدل بنقش خاتم أنس على جواز التصوير الفوتوغرافي مطلقاً



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


قال ابن أبي شيبة في المصنف 25609:
" حَدَّثَنَا مُعَاذٌ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ أَنَسٍ أَسَدٌ رَابِضٌ حَوْلَهُ فرَائسٌ "
واستدل بهذا الأثر بعض من يرى جواز وضع الصور في تويتر!
وهذا استدلال فيه نظر من وجوه:

الأول : أن تصوير الأسد محرمٌ بالأدلة حتى عند هذا الباحث وفقه الله ، فهي صورة ذات روح
قال البخاري في صحيحه 2105 : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاذَا أَذْنَبْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ قُلْتُ اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَقَالَ إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ.

وفعل الصحابي يحمل على أنه لم يبلغه النص فقد ثبت عن جمع من الصحابة أنهم تختموا بالذهب
فقال ابن رجب في أحكام الخواتيم المطبوع في رسائله ( 2/622) :" والأصل بقاء التحريم وعدم تغيره ويحمل فعل من لبسه من الصحابة على أنه لم يبلغهم الناسخ"، وهذه من تلك.

الثاني : أن مأخذ من جوز الصورة في نقش الخاتم ، أنه من جنس الافتراش والاتكاء أي أنها صورة مهانة ، لا يقاس عليها الصور المعلقة
قال ابن رجب في أحكام الخواتم (2/ 684) :
" وإن نقش عليه صورة حيوان لم يجز ، للنصوص الثابتة المستفيضة في تحريم التصوير ، وليس هذا موضع ذكرها ، لكن هل يحرم لبسه أو يكره ؟ فيه وجهان لأصحابنا:

أحدهما: أنه محرم وهو اختيار القاضي وأبي الخطاب وابن عقيل في آخر كتابه الفصول ، وحكاه أبو حكيم النهراوني عن الأصحاب ، وهو منصوص عن أحمد في (( الثياب والخواتم ))
ففي مسائل صالح سألت أبي عن قوم يرخصون في هذه الصور ويقولون : كان نقش خاتم سليمان فيه صورة وغيره
فقال أبي : إنما هذه الخواتيم كانت نقشت في الجاهلية لا ينبغي لبسها لما يروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (( من صور كلف أن ينفخ الروح وليس بنافخ وعذب ))
وقد قال إبراهيم أصاب أصحابنا خمائص فيها صلب فجعلوا يضربونها بالسكوك يمحونها بذلك.

وفي حديث أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة . انتهى".

أقول : فتأمل احتجاج أحمد بأحاديث تحريم الصور على تحريم نقش الخاتم الذي على صورة حيوان.

ثم قال ابن رجب :".

والثاني : أنه مكروه وليس بمحرم وهو الذي ذكره ابن أبي موسى وذكره ابن عقيل أيضاً في كتاب الصلاة وصححه أبو حكيم النهراوني وهو مذهب مالك .

ومأخذ هذا الخلاف أن اللبس هو مختص بالافتراش والاتكاء أو بالتستر والنصب والتعليق ، فإن افتراش ما فيه صورة حيوان والاتكاد عليه جائز على المذهب المعروف وتعليقه محرم واللبس متردد بينهما ".

أقول : فهذا مأخذ من جوز التختم بخاتم عليه صورة حيوان وهو الإلحاق بالافتراش والاتكاء أي الصورة المهانة ، وخلافها الصورة المعلقة فهذه كاد أن يقع الاتفاق على تحريمها، وصور تويتر أقرب إلى الصور المعلقة منها إلى الصور الممتهنة، والباحث وغيره يرون أن الصورة بالآلات الحديثة نازلة فكيف يستدلون بآثار واردة عن الصحابة؟

فهذا معناه أنهم يسوون بين الصورة القديمة والصور بالآلات الحديثة ، وهذا هو عين مأخذ من يرى التحريم للصور الفوتوغرافية، وشرط الاستدلال بأثر الصحابي ألا يخالف حديثاً مرفوعاً ، أو يخالف من هو مثله من الصحابة فساعتئذ يرجح بين أقوالهم.

وقول من يقول أن الصور إذا كانت مهانةً فإنها تجوز فيه نظر
قال البخاري في صحيحه 2105 : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ
أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاذَا أَذْنَبْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ قُلْتُ اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَقَالَ إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ.


فهذه صورة ممتهنة على نمرقة ، ومع ذلك نزل عليها النبي صلى الله عليه وسلم الوعيد

قال  مقبل الوادعي في رسالته تحريم صور ذوات الأرواح ص14 :
" جمع العلماء بين حديثي عائشة رضي الله عنها:
حديث: هتك القرام الذي فيه تصاوير وجعله وسائد.
وحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في حجرة نُمْرُقَةً فيها تصاوير، فأبى أن يدخل، فقالت أتوب إلى الله ماذا أذنبت فقال:"ما هذه النمرقة" قالت:لتجلس عليها وتوسدها....الحديث.

قال الحافظ  في"الفتح"(ج10 ص390):وقد أشار المصنف إلى الجمع بينهما، بأنه لا يلزم من جواز اتخاذ ما يوطأ من الصور جواز القعود على الصورة
 فيجوز أن يكون استعمل من الوسادة ما لا صورة فيه، ويجوز أن يكون رأى التفرقة بين القعود والاتكاء، وهو بعيد
ويحتمل أيضاً أن يجمع بين الحديثين بأنه لما قطعت الستر وقع القطع وفي وسط الصورة- مثلا- فخرجت عن هيئتها ، فلهذا صار يرتفق بها ويؤيد هذا الجمع الحديث الذي في الباب قبله في نقض الصور
وما سيأتي في حديث أبي هريرة المخرج في"السنن" وسأذكره في الباب بعده ،وسلك الداودي في الجمع مسلكا آخر
 فادعى أن حديث الباب ناسخ لجميع الأحاديث الدالة على الرخصة، واحتج بأنه خبر، والخبر لا يدخله النسخ، فيكون هو الناسخ. قلت: والنسخ لا يثبت بالاحتمال، وقد أمكن الجمع فلا يلتفت لدعوى النسخ، وأما ما احتجَّ به فرده ابن التين بأن الخبر إذا قارنه الأمر جاز دخول النسخ فيه.اهـ

فهذه الأدلة تدل على تحريم عموم صور ذوات الأرواح، سواء في ذلك ما له ظل أم ما ليس له ظل، فحديث القرام يدل على تحريم ما لا ظل له، وكذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تمحى الصور التي في جدران الكعبة فمحيت بالخرق والماء.

هذا ولا حجة لهم في قوله:"إلا رقماً في ثوب"، لأنه يحتمل أن يكون من صور غير ذوات الأرواح، ويحتمل أنه من ذوات الأرواح،لكنه قد قطع حتى صار كالشجرة.

والصور الممتهنة الأحوط هو تطهير البيت منها،لئلا تمنع دخول الملائكة،وأيضاً النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالصور التي في النُّمَْرقَتَيْنِ أن تقطع، ويحتمل أن تكون الصور التي في البساط قد قطعت حتى صارت مثل الشجرة.

وبهذا يعلم أن الصور التي تنتشر في الجرائد والمجلات والتلفزيون والفيديو وغيرها من الآلات الحديثة محرمة
وإياك ما يزينه أهل الأهواء من الشبهات، وقد مر بك أن كل مصور في النار،و(كل) من ألفاظ العموم وكذا"ولا تمثالاً إلا طمسته" ، فـ" تمثال" نكرة في سياق النفي يشمل جميع ذوات الأرواح، ويستثنى من ذلك لعب الأطفال التي تكون من الخرق والعهن، كما في لعبة عائشة الفرس الذي له أجنحة، وأما أن تشتري من البلاستيك فلا".

والخلاصة أن أثر أنس لا حجة فيه للباحث لأنه إما أن يكون موقوفاً خالف نصاً ، أو يكون مقيساً على الافتراش وصور تويتر وغيرها لا تقاس على المفترشة بل تقاس على المعلقة ، وتجويز الصور الممتهنة أصلاً محل نظر.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي