مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الرد على الدكتور عمر الأشقر في عده الأشاعرة من أهل السنة

الرد على الدكتور عمر الأشقر في عده الأشاعرة من أهل السنة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
             
              
قال الدكتور عمر الأشقر في رسالته القضاء والقدر :" وهذا الذي عليه جمهور أهل السنة من أفعال الله معللة وأن العقل بإمكانه أن يدرك ما في الأفعال من حسن وقبح ، يفتح الباب أما العقول الإنسانية لتبحث في الحِكَم الباهرة التي خلق الله من أجلها المخلوقات"

لم ينكر أن أفعال الله عز وجل معلله إلا الأشاعرة وهؤلاء ليسوا من أهل السنة حتى يكون المخالف لهم جمهور أهل السنة

قال الآلوسي في تفسيره المسمى بروح المعاني (1/64) :" وحاصله أن الاستعانة طلب ما يتمكن به العبد من الفعل أو يوجب اليسر عليه وشيء منهما لا يوجب الجبر ولا القدر وعندي أن الآية إن استدل بها على شيء من بحث خلق الأفعال فليستدل بها على أن للعباد قدراً مؤثرة بإذن الله تعالى لا بالاستقلال كما عقدت عليه خنصر عقيدتي لا أنهم ليس لهم قدرة أصلاً بل جميع أفعالهم كحركة المرتعش كما يقوله الجبرية إذ الضرورية تكذبه ولا أن لهم قدرة غير مؤثرة أبداً كاليد المشلولة كما هو الشائع من مذهب الأشاعرة إذ هو في المآل كقول الجبرية وأي فرق بين قدرة لا أثر لها وبين عدم القدرة بالكلية إلا بما هو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً"

أقول : الآلوسي ليس سليم المعتقد بل هو صوفي غال
 ولكن كلامه هنا في غاية السلامة إذ ليعلم أن الأشاعرة جبرية يثبتون للعبد قدرة غير مؤثرة ، ولذا كان عندهم من التوحيد ان يقال ( الله هو الفاعل حقيقة ) وأما العبد ففعله مجازي يقارن فعل الله وليس هو الفاعل حقيقة ، وهذا ما يسمونه ب( كسب الأشعري) ، وهذا القول لم يؤثر عن الأشعري الرجوع عنه

وقد رد شيخ الإسلام على هذا القول بأن فيه مكابرةً للغة العرب والعرف ، إذ أن المستقر عند جميع بني آدم أن من فعل فعلاً حقيقة وقع عليه اسم الفعل بمعنى أن من قتل يسمى ( قاتلاً ) ومن صلى يسمى ( مصلياً ) ومن كفر يسمى ( كافراً )

قال الزركشي في البحر المحيط (2/55) :" [ التَّنْبِيهُ ] الْأَوَّلُ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ لَمَّا حَكَى الْقَوْلَ بِأَنَّ الْفِعْلَ حَالَ حُدُوثِهِ مَأْمُورٌ بِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَذْهَبَ الشَّيْخِ فِي الْقُدْرَةِ _ يعني أبا الحسن الأشعري _ ، ثُمَّ قَالَ : وَمَذْهَبُهُ مُخْتَبَطٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
ثُمَّ قَالَ : لَوْ سَلَّمَ مُسْلِمٌ لِأَبِي الْحَسَنِ مَا قَالَهُ فِي الْقُدْرَةِ جَدَلًا فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ كَوْنُ الْحَادِثِ مَأْمُورًا ، هَذَا حَاصِلُهُ .
وَمَذْهَبُهُ فِي الْقُدْرَةِ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ أَبِي الْحَسَنِ ، ثُمَّ أَلْزَمَ الشَّيْخُ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ .
ثُمَّ قَالَ : فَقَالَ فِي الْحَادِثِ : هَذَا هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الْمُخَاطَبُ ، فَأَمَّا أَنْ يَتَّجِهَ الْقَوْلُ فِي تَعَلُّقِ الْأَمْرِ طَلَبًا وَاقْتِضَاءً مَعَ حُصُولِهِ ، فَلَا يَرْضَى هَذَا الْمَذْهَبَ الَّذِي لَا يَرْتَضِيهِ لِنَفْسِهِ عَاقِلٌ "

وقال ابن القيم في مدارج السالكين ناقداً لمذهب الأشعري في هذه المسألة (3/ 495) :" القول بإسقاط الأسباب هو توحيد القدرية الجبرية أتباع الجهم بن صفوان في الجبر فإنه كان غالياً فيه –إلى أن قال- وطرد هذا المذهب مفسد للدنيا والدين، بل ولسائر أديان الرسل ، ولهذا لما طرده قوم أسقطوا الأسباب الدنيوية وعطلوها وجعلوا وجودها كعدمها ، ولم يمكنهم ذلك ، فإنهم لابد أن يأكلوا ويشربوا ويباشروا من الأسباب ما يدفع عنهم الحر والبرد والألم ، فإن قيل : هلا أسقطتم ذلك ؟ قالوا : لأجل الاقتران العادي ، فإن قيل لهم : هلا قمتم بما أسقطتموه من الأسباب لأجل الاقتران العادي أيضاً، فهذا المذهب قد فطر الله سبحانه الحيوان – ناطقه وأعجمه- على خلافه –إلى أن قال- وبالجملة فالقرآن من أوله إلى آخره يبطل هذا المذهب ويرده ، كما تبطله العقول والفطر والحواس"

وقد صرح شيخ الإسلام أن قول الأشعري في القدر هو عينه قول جهم

قال شيخ الإسلام في الصفدية (2/331) :" والأشعري ومن وافقه اتبعوا جهما على قوله في القدر وإن كانوا يثبتون قدرة وكسبا لكن ما أثبتوه لا حقيقة له في المعنى بل قولهم هو قول جهم وإن نازعوه في إثبات القدرة والكسب ولهذا كان قولهم في نفي ما في الشريعة من الحكم والأسباب خلاف إجماع السلف والفقهاء فإن من أصولهم أن الله لا يخلق لحكمة ولا يأمر لحكمة بل ليس عندهم في القرآن لام تعليل في خلقه وأمره وإذا تكلموا معهم في الأمور الطبيعية أحالوا جميع ذلك على مجرد ترجيح القادر بلا سبب وأن ما وجد من الاقتران فهو عادة محضة لا لارتباط بين هذا وهذا ثم قد يضيفون هذا القول إلى السنة"

وليعلم أن ابن حزم يذهب إلى القول ( وهو نفي التعليل ) كما صرح به في الإحكام وهذا يتسق مع مذهبه في نفي القياس
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي