مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: عقيدة أهل السنة في تفضيل صالحي بني آدم على الملائكة

عقيدة أهل السنة في تفضيل صالحي بني آدم على الملائكة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
       
                    
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (4/344) :
" قد ثبت عن عبد الله بن عمرو انه قال ان الملائكة قالت يارب جعلت بنى آدم يأكلون فى الدنيا ويشربون ويتمتعون فاجعل لنا الآخرة كما جعلت لهم الدنيا قال لا افعل ثم أعادوا عليه فقال لا افعل ثم اعادوا عليه مرتين أو ثلاثا فقال وعزتى لا اجعل صالح ذرية من خلقت بيدى كمن قلت له كن فكان ذكره عثمان بن سعيد الدارمى ورواه عبد الله بن احمد فى كتاب السنه عن النبى صلى الله عليه و سلم مرسلا
وعن عبد الله بن سلام انه قال ما خلق الله خلقا اكرم عليه من محمد فقيل له ولا جبريل ولا ميكائيل فقال للسائل اتدرى ما جبريل وما ميكائيل انما جبريل وميكائيل خلق مسخر كالشمس والقمر وما خلق الله خلقا أكرم عليه من محمد وما علمت عن أحد من الصحابة ما يخالف ذلك وهذا هو المشهور عند المنتسبين الى السنة من أصحاب الائمة الاربعة وغيرهم وهو أن الأنبياء والأولياء أفضل من الملائكة
ولنا هذه المسألة مصنف مفرد ذكرنا فيه الأدلة من الجانبين "

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (4/369 ) :"  وأقل ما فى هذه الآثار أن السلف الأولين كانوا يتناقلون بينهم أن صالحى البشر أفضل من الملائكة من غير نكير منهم لذلك ولم يخالف أحد "

وقال أيضاً :"  الدليل الثانى عشر قد كان السلف يحدثون الاحاديث المتضمنة فضل صالحى البشر على الملائكة وتروى على رؤوس الناس ولو كان هذا منكرا لانكروه فدل على اعتقادهم ذلك "

وقال الشيخ عبد الرحمن ابن قاسم في حاشية الدرة المضية ص122 :
" أي : وعندنا، معشر أهل السنة والجماعة : أنا نعتقد تفضيل أعيان البشر، من الأنبياء والأولياء، على ملائكة ربنا، كما اشتهر من نصوص أحمد وغيره من أهل السنة ؛ والملاك : جمع ملك .
 قال أحمد رضي الله عنه : وأي إنسان قال بلسانه، أو اعتقد بجنانه غير القول بتفضيل بني آدم على الملائكة، افترى أي: أتى بما يشعر بالافتراء ؛ وقد تعدى، أي : تجاوز الحد المنقول، والثابت عن الرسول، والسلف الفحول، في المقال الذي اعتمده؛ واجترأ، أي افتات على الشارع، بالاعتقاد الذي اعتقده .
وقد دل القرآن والسنة وإجماع السلف، على فضل أعيان البشر على الملائكة كفضل محمد صلى الله عليه وسلم المجمع عليه .
 وقال معاذ رضي الله عنه : ما خلق الله خلقًا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم ؛ قيل له : ولا جبرائيل، ولا ميكائيل ؛ قال : ولا جبرائيل ولا ميكائيل؛ وإذا ثبت فضل الواحد من النوع، ثبت فضل نوعهم على جميع الأنواع وكقصة سجود الملائكة أجمعين لآدم، ولعن الممتنع عن السجود له ؛ وهذا تشريف وتكريم له ظاهر.

 وكقول إبليس :  أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ وخلق آدم بيده .
قال زيد بن أسلم : قالت الملائكة : يا ربنا جعلت لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون، فاجعل لنا الآخرة ؛ فقال : ( وعزتي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي
كمن قلت له كن فكان )
 وروي مرفوعًا ؛ ومعاذ وزيد معاذ وزيد : في علمهما وفقههما ؛ وفي حديث أبي هريرة من طريق الخلال : .... أنتم أفضل من الملائكة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وأقل ما في هذه الآثار ونحوها، أن السلف الأولين كانوا يتناقلون بينهم : أن صالحي البشر أفضل من الملائكة، من غير نكير منهم لذلك، ولم يخالف أحد منهم في ذلك.
 وكقوله تعالى:  إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً. وكتفضيلهم بالعلم.
 وكقوله صلى الله عليه وسلم :  لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن . والمؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده- رواه الترمذي - 

وكحديث المباهاة، وما أعد الله لهم من الكرامة، التي لم يطلع الله عليها ملكًا ولا غيره .
 وظهور فضيلة صالحي البشر، إذا وصلوا إلى غاياتهم، فدخلوا الجنة ونالوا الزلفى، وسكون الدرجات العلى، وحياهم الرب جل جلاله، وتجلى لهم، يستمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وقامت الملائكة بخدمتهم بإذن ربهم "انتهى

وقال ابن القيم في بدائع الفوائد (3/ 1104) :" ومنها أنه سئل - يعني شيخ الإسلام - عن صالحي بني آدم والملائكة ايهما أفضل فأجاب بأن صالحي البشر أفضل باعتبار كمال النهاية والملائكة أفضل باعتبار البداية فإن الملائكة الآن في الرفيق الأعلى منزهين عما يلابسه بنو آدم مستغرقون في عبادة الرب ولا ريب أن هذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر وأما يوم القيامة بعد دخول الجنة فيصير حال صالحي البشر اكمل من حال الملائكة وبهذا التفصيل يتبين سر التفضيل وتتفق أدلة الفريقين ويصالح كل منهم على حقه .
فعلى المتكلم في هذا الباب أن يعرف أسباب الفضل أولا ثم درجاتها ونسبة بعضها إلى بعض والموازنة بينها ثانيا
 ثم نسبتها إلى من قامت به ثالثا .
كثرة وقوة ثم اعتبار تفاوتها بتفاوت محلها رابعا قرب صفة هي كمال لشخص وليست كمالا لغيره بل كمال غيره بسواها فكمال خالد بن الوليد بشجاعته وحروبه وكمال ابن عباس بفقهه وعلمه وكمال أبي ذر بزهده وتجرده عن الدنيا فهذه أربع مقامات يضطر إليها المتكلم في درجات التفضيل وتفضيل الأنواع على الأنواع أسهل من تفضيل الأشخاص على الأشخاص وأبعد من الهوى والغرض
وههنا نكتة خفية لا ينتبه لها إلا من بصره الله وهي أن كثيرا ممن يتكلم في التفضيل يستشعر نسيته وتعلقه بمن يفضله ولو على بعد ثم يأخذ في تقريظه وتفضيله وتكون تلك النسبة والتعلق مهيجة له على التفضيل والمبالغة فيه واستقصاء محاسن المفضل والإعضاء عما سواها ويكون نظره في المفضل عليه بالعكس"

ولا يظهر تناقض بين ما نقله ابن القيم عن شيخ الإسلام ، وما نقله الشيخ ابن قاسم
 فكمال النهاية خيرٌ من كمال البداية

والمفضلون للملائكة يحتجون بحديث رواه مسلم

قال مسلم في صحيحه 6902- [2-2675] حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي ، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا ، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.

فقالوا : هذا نص في أن الملائكة خيرٌ من بني آدم فهم الملأ الأخير ولا وشك

والجواب : أن الملأ الذي فيه الله عز وجل لا شك أنه خير وهذا هو المرجح

والجدير بالذكر أن علي بن عبد الكافي السبكي قد حذر من تفسير الزمخشري لأنه يفضل الملائكة على الأنبياء فاعتبر السبكي الأشعري ذلك انتقاصاً وصنف كتاباً أسماه ( الانكفاف عن إقراء الكشاف )

وما علم أن هذه العقيدة التي أخذها على الزمخشري هي عقيدة الرازي الذي كان يمتدح تفسيره جهلاً ومعاندة لابن تيمية بقوله ( فيه كل شيء مع التفسير ) وكذا عقيدة إمامهم الثاني في الضلال الباقلاني  
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي