الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فهذا بحث في أخبار ( الشيماء بنت الحارث ) أخت النبي صلى الله عليه وسلم
من الرضاع ، وذكر بعضهم أنها هي أرضعته
قال ابن هشام في السيرة النبوية (2/ 458) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَحَدَّثَنِي
بَعْضُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ: إنْ قَدَرْتُمْ عَلَى بِجَادٍ، رَجُلٍ
مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَلَا يُفْلِتَنَّكُمْ، وَكَانَ قَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا،
فَلَمَّا ظَفِرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ سَاقُوهُ وَأَهْلَهُ، وَسَاقُوا مَعَهُ الشَّيْمَاءَ،
بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أُخْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَعَنُفُوا عَلَيْهَا فِي السِّيَاقِ
فَقَالَتْ لِلْمُسْلِمِينَ: تَعَلَمُوا
وَاَللَّهِ أَنِّي لَأُخْتُ صَاحِبِكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَلَمْ يُصَدِّقُوهَا حَتَّى
أَتَوْا بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ السَّعْدِيُّ،
قَالَ:
فَلَمَّا اُنْتُهِيَ بِهَا إلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي
أُخْتُكَ مِنْ الرَّضَاعَةِ
قَالَ: وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟
قَالَتْ: عَضَّةٌ عَضَضْتَنِيهَا فِي ظَهْرِي وَأَنَا مُتَوَرِّكَتُكَ
قَالَ: فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلَامَةَ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، فَأَجْلَسَهَا
عَلَيْهِ، وخيَّرها، وَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتِ فَعِنْدِي مُحَبَّةٌ مُكْرَمَةٌ، وَإِنْ
أَحْبَبْت أَن أمتعّك وَتَرْجِعِي إلَى قَوْمِكَ فَعَلْتُ
فَقَالَتْ: بَلْ تُمَتِّعُنِي
وَتَرُدُّنِي إلَى قَوْمِي.
فَمَتَّعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَدَّهَا
إلَى قَوْمِهَا. فَزَعَمَتْ بَنُو سَعْدٍ أَنَّهُ أَعْطَاهَا غُلَامًا لَهُ يُقَالُ
لَهُ مَكْحُولٌ، وَجَارِيَةً، فَزَوَّجَتْ أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ
مِنْ نَسْلِهِمَا بَقِيَّةٌ.
هذه القصة الجميلة ربما استهوت بعض القصاص وهي لا تثبت ففي السند الأول
إبهام بعض بني سعد ، ثم سماه يزيد بن عبيد ويزيد هذا من صغار التابعين فالخبر مرسل
بل معضل
قال الواقدي في مغازيه:" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ
قَدّمَ سُلَيْمًا فِي مُقَدّمَتِهِ، عَلَيْهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَمَرّ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ وَالنّاسُ مُجْتَمِعُونَ
عَلَيْهَا، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: امْرَأَةٌ قَتَلَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ.
فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ سلّم رَجُلًا يُدْرِكُ خَالِدًا فَقَالَ: إنّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاك أَنْ تَقْتُلَ امْرَأَةً
أَوْ عَسِيفًا. وَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً
أُخْرَى فَسَأَلَ عَنْهَا فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا قَتَلْتهَا يَا رَسُولَ اللهِ، أَرْدَفْتهَا
وَرَائِي فَأَرَادَتْ قَتْلِي فَقَتَلْتهَا. فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُفِنَتْ.
قالوا: لمّا هزم الله تعالى هوازن اتّبَعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ،
فَنَادَتْ بَنُو سُلَيْمٍ بَيْنَهَا: ارْفَعُوا عَنْ بَنِي أُمّكُمْ الْقَتْلَ! فَرَفَعُوا
الرّمَاحَ وَكَفّوا عَنْ الْقَتْلِ- وَأُمّ سُلَيْمٍ، بُكْمَةُ ابْنَةُ مُرّةَ أُخْتُ
تَمِيمِ بْنِ مُرّةَ- فَلَمّا رَأَى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الّذِي
صَنَعُوا قَالَ: اللهُمّ، عَلَيْك بِبَنِي بُكْمَةَ- وَلَا يَشْعُرُونَ أَنّ لَهُمْ
أُمّا اسْمُهَا بُكْمَةُ- أَمّا فِي قَوْمِي فَوَضَعُوا السّلَاحَ وَضْعًا، وَأَمّا
عَنْ قَوْمِهِمْ فَرَفَعُوا رَفْعًا! وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِطَلَبِ الْقَوْمِ، ثُمّ قَالَ لِخَيْلِهِ: إنْ قَدَرْتُمْ عَلَى بِجَادٍ
فَلَا يُفْلِتَنّ مِنْكُمْ! وَقَدْ كَانَ أَحْدَثَ حَدَثًا عَظِيمًا، وَكَانَ مِنْ
بَنِي سَعْدٍ، وَكَانَ قَدْ أَتَاهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، فَأَخَذَهُ بِجَادٌ فَقَطّعَهُ
عُضْوًا عُضْوًا ثُمّ حَرّقَهُ بِالنّارِ، فَكَانَ قَدْ عُرِفَ جُرْمُهُ فَهَرَبَ.
فَأَخَذَتْهُ الْخَيْلُ، فَضَمّوهُ إلَى الشّيْمَاءِ [بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْعُزّى أُخْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرّضَاعَةِ،
فَعَنّفُوا عَلَيْهَا فِي السّيَاقِ، فَجَعَلَتْ الشّيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ تَقُولُ:
إنّي وَاَللهِ أُخْتُ صَاحِبِكُمْ! وَلَا يُصَدّقُوهَا، وَأَخَذَهَا طَائِفَةٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ، وَكَانُوا أَشَدّ النّاسِ عَلَى هَوَازِنَ، حَتّى أَتَوْا بِهَا رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا مُحَمّدُ، إنّي أُخْتُك! قَالَ
النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ فَأَرَتْهُ عَضّةً
[وَقَالَتْ] : عَضَضْتَنِيهَا وَأَنَا مُتَوَرّكَتُك بِوَادِي السّرَرِ ، وَنَحْنُ
يَوْمَئِذٍ بِرِعَائِهِمْ، أَبُوك أَبِي وَأُمّك أُمّي، قَدْ نَازَعْتُك الثّدْيَ،
وَتَذَكّرْ يَا رَسُولَ اللهِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْعَلَامَةَ، فَوَثَبَ قَائِمًا فَبَسَطَ رِدَاءَهُ، ثُمّ قَالَ: اجْلِسِي عَلَيْهِ!
وَرَحّبَ بِهَا، وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَسَأَلَهَا عَنْ أُمّهِ وَأَبِيهِ
مِنْ الرّضَاعَةِ، فَأَخْبَرَتْهُ بِمَوْتِهِمَا فِي الزّمَانِ.
ثُمّ قَالَ: إنْ أَحْبَبْت فَأَقِيمِي عِنْدَنَا مُحَبّةً مُكَرّمَةً،
وَإِنْ أحببت أن ترجعى إلَى قَوْمِك وَصِلَتِك رَجَعْت إلَى قَوْمِك. قَالَتْ: أَرْجِعُ
إلَى قَوْمِي. وَأَسْلَمَتْ فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ وَجَارِيَةً، أَحَدُهُمْ يُقَالُ لَهُ: مَكْحُولٌ، فَزَوّجُوهُ
الْجَارِيَةَ.
قَالَ عَبْدُ الصّمَدِ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنّهُ أَدْرَكَ نَسْلَهَا فِي
بَنِي سَعْدٍ، وَرَجَعَتْ الشّيْمَاءُ إلَى مَنْزِلِهَا وَكَلّمَهَا النّسْوَةُ فِي
بِجَادٍ، فَرَجَعَتْ إلَيْهِ فَكَلّمَتْهُ أَنّهُ يَهَبُهُ لَهَا وَيَعْفُو عَنْهُ.
فَفَعَلَ ثُمّ أَمَرَ لَهَا بِبَعِيرٍ أَوْ بَعِيرَيْنِ، وَسَأَلَهَا: مَنْ بَقِيَ
مِنْهُمْ؟
فَأَخْبَرَتْهُ بِأُخْتِهَا وَأَخِيهَا وَبِعَمّهَا أَبِي بُرْقَانَ، وَأَخْبَرَتْهُ
بِقَوْمٍ سَأَلَهَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ
قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعِي إلَى الْجِعِرّانَةِ
تَكُونِينَ مَعَ قَوْمِك، فَإِنّي أَمْضِي إلى الطائف
فرجعت إلى الجعرّانة، وأناها رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْجِعِرّانَةِ فَأَعْطَاهَا نَعَمًا وَشَاءً لَهَا، وَلِمَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ
بَيْتِهَا"
وهذا معضل والواقدي كذاب
فخبر لقائها بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة حنين لا يثبت
وقال البيهقي في دلائل النبوة (1/ 132) : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ،
عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " فَدُفِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، إِلَى أُمِّهِ، وَالْتُمِسَ لَهُ الرُّضَعَاءُ، وَاسْتُرْضِعَ لَهُ مِنْ
حَلِيمَةَ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَأَبُو ذُؤَيْبٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ
شِجْنَةَ بْنِ جَابِرِ بْنِ رِزَامِ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ
بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ.
وَاسْمُ أَبِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَرْضَعَهُ:
الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ مَلَّانَ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ
سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ. وَإِخْوَتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ: عَبْدُ اللهِ
بْنُ الْحَارِثِ، وَأُنَيْسَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَحُذَافَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَهِيَ
الشَّيْمَاءُ، غَلَبَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَلَا تُعْرَفُ فِي قَوْمِهَا إِلَّا بِهِ.
وَهِيَ لِحَلِيمَةَ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ، أُمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَذَكَرُوا أَنَّ الشَّيْمَاءَ كَانَتْ تَحْضِنُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمِّهِ إِذْ كَانَ عِنْدَهُمْ "
فهذا غاية ما اعتمدوا عليه في أنها أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو
معضل كما ترى
وقال الصالحي في سبل الهدى والرشاد (1/ 381) :" ونقل في الزهر والإصابة
أن محمد بن المعلى قال في كتاب الترقيص: إن الشيماء كانت ترقص رسول الله صلى الله عليه
وسلم وتقول في ترقيصه هذا الكلام:
يا ربنا أبق أخي محمدا * * حتى
أراه يافعا وأمردا
وأكبت أعاديه معا والحسدا * * وأعطه عزا يدوم أبدا
زاد في الزهر في النقل عنه:
هذا أخ لي لم تلده أمي * * وليس
من نسل أبي وعمي
فديته من مخول معم *
فأنمه اللهم فيما تنمي وتقول أيضا رضي الله تعالى عنها: محمد خير البشر
*
ممن مضى ومن غبر من حج منهم أو
اعتمر * * أحسن من وجه القمر
من كل أنثى وذكر * * من كل مشبوب
أغر
جنبني الله الغير * * فيه وأوضح لي الأثر"
أقول : هذا الخبر لم أره مسنداً وفيه نكارة بينة
وقد أخبرني بعض الإخوة أن الفجرة مثلوا قصة الشيماء أخت رسول الله صلى
الله عليه وسلم في تمثيلية خبيثة قاتلهم أنى يؤفكون
وعامة الأخبار في سيرتها لا تروى بأسانيد يعتمد عليها كما ترى
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم