مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: من بدائع الاستدلالات : الأمر بخفض البصر في الصلاة دليل على صفة العلو

من بدائع الاستدلالات : الأمر بخفض البصر في الصلاة دليل على صفة العلو



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


قال ابن القيم كما في مختصر الصواعق المرسلة ص486 :
" وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: [  لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِ أَبْصَارِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبْصَارُهُمْ ]  وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ رَفْعَ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ لِلْمُصَلِّي مَنْهِيٌّ عَنْهُ
 وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ [ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ فِي الصَّلَاةِ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} فَكَانَ بَصَرُهُ لَا يُجَاوِزُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ ] .
فَهَذَا مِمَّا جَاءَتْ لَهُ الشَّرِيعَةُ تَكْمِيلًا لِلْفِطْرَةِ، لِأَنَّ الدَّاعِيَ السَّائِلَ الَّذِي أُمِرَ بِالْخُشُوعِ وَهُوَ الذُّلُّ وَالسُّكُونُ لَا يُنَاسِبُ حَالُهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى نَاحِيَةِ مَنْ يَدْعُوهُ وَيَسْأَلُهُ، بَلْ يُنَاسِبُهُ الْإِطْرَاقُ وَخَفْضُ بَصَرِهِ أَمَامَهُ
 فَلَيْسَ فِي هَذَا النَّهْيِ مَا يَنْفِي كَوْنَهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ جُهَّالِ الْجَهْمِيَّةِ
 فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ تَحْتِ التَّحْتِ وَالْعَرْشِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُنْهَ عَنْ رَفْعِ بَصَرِهِ إِلَى جِهَةٍ، وَيُؤْمَرْ بِرَدِّهِ إِلَى غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْجِهَتَيْنِ عِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ.
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ النَّهْيُ ثَابِتًا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فَلَيْسَ الْعَبْدُ مَنْهِيًّا عَنْ رَفْعِ بَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ مُطْلَقًا،، إِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرَ فِيهِ بِالْخُشُوعِ ; لِأَنَّ خَفْضَ الْبَصَرِ مِنْ تَمَامِ الْخُشُوعِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ}
 وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ لِكَوْنِ الرَّبِّ لَيْسَ فِي السَّمَاءِ لَكَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَرَدِّهِ إِلَى جَمِيعِ الْجِهَاتِ
 وَلَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَنْهَى النَّاسَ أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ أَوْ يَقْصِدُوا بِقُلُوبِهِمُ التَّوَجُّهَ إِلَى الْعُلُوِّ، لَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ بَيَانًا شَافِيًا، وَلَمْ يَحْمِلْهُمْ فِيهِ عَلَى أَدَبٍ مِنْ آدَابِ الْمُصَلِّي، وَهُوَ إِطْرَاقُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ وَخُشُوعُهُ وَرَمْيُ بَصَرِهِ إِلَى الْأَرْضِ كَمَا يُفْعَلُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُلُوكِ
 فَهَذَا إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ قَوْلِهِمْ"

قال ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة 748 - حدثنا محمد بن يحيى الذهلي ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا موسى ، عن محمد بن المنكدر ، قال : إن أول عمل عمله آدم عليه السلام حين أهبط طاف بالبيت فلقيته الملائكة فقالوا : يا آدم قد طفنا بهذا البيت قبلك بألفي عام فمكث آدم في الأرض أربعين سنة ما يبدي عن واضحة ولا يرقأ دمعه فقالت له حواء قد استوحشنا إلى أصوات الملائكة فادع ربك يسمعنا أصواتهم ، فقال : ما زلت مستحيا من ربي أن أرفع طرفي إلى أديم السماء مما صنعت
 حدثنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهروي ، عن محمد بن المنكدر ، بهذا الحديث ، وقال : ما رفعت طرفي إلى السماء حياء من الله تعالى منذ صنعت ما صنعت

وهذا إسناد صحيح إلى ابن المنكدر التابعي الجليل فتأمل قول آدم (ما زلت مستحيا من ربي أن أرفع طرفي إلى أديم السماء مما صنعت)

ذلك أنه يعرف أن ربه في السماء

وقال ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة 749 - حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ، قال : حدثنا زيد بن عوف ، وعبد الملك بن عبد العزيز ، قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الله الجدلي ، قال : « ما رفع رأسه إلى السماء حتى مات حياء من ربه يعني داود عليه السلام »

عطاء اختلط ويحتمل في مثل هذا

وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق (74/ 34) :" كان هشام بن عمار إذا مشى أطرق إلى الأرض، لا يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عز وجل"

فلو كان الله عنده في كل مكان لما خص السماء بترك رفع بصره إليها ، ولو كان لا داخل العالم ولا خارجه لما كان في ترك رفع البصر إلى السماء فائدة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي