مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الرد على الدكتور الرحيلي في تأثيمه للسني التارك للصلاة على المبتدع المعلن

الرد على الدكتور الرحيلي في تأثيمه للسني التارك للصلاة على المبتدع المعلن



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
                           

فمن المعلوم ما يقع من الدكتور إبراهيم الرحيلي في هذه الأيام والله المستعان 

وقد وقفت له على موطن فيه أعاجيب في كتابه ( موقف أهل السنة والجماعة من أهل البدع )

الموطن الأول :قال الدكتور إبراهيم الرحيلي في موقف أهل السنة والجماعة من أهل البدع ص432 :" وإذا ما تقرر ذلك فليعلم أن ترك الصلاة على المجاهرين بالبدع والمعاصي من المسلمين مقيد بثلاثة شروط : لا بد من توفرها ليكون ذلك العمل مشروعاً وإلا لم يكن مشروعاً بل هو مخالف للسنة ولما عليه سلف الأمة

وهذه الشروط هي :

الشرط الأول : أن يقصد بترك الصلاة على المعلن للبدعة الزجر والتأديب لغيره عن مثل فعله ، لا أن الصلاة عليه غير جائزة ، كما كان سلف الأمة فإنهم لم يتركوا الصلاة على أحد من أهل القبلة لغير الزجر والتأديب
 قال ابن سيرين رحمه الله : (لا نعلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا من غيرهم من التابعين ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة تأثما من ذلك)

فإن كان الترك لغير هذا المقصد الذي كان عليه سلف الأمة ، وهو الزجر عن البدع والمعاصي : كاعتقاد أن الصلاة على أهل البدع من أهل الفجور من المسلمين غير جائزة ، فإن الترك هنا ليس مشروعاً "

أقول : التعليق على هذا الكلام من وجوه

أولها : أن فيه تناقضاً إذ أن الصلاة على المبتدع إذا كانت لزجر غيره ، فالصلاة عليه ربما كانت دعوة لطريقته التي كان عليها وهذا لا يجوز ، فاعتقاد المرء أن الصلاة على داعية بدعة معين لا يجوز ، قد يكون متفرعاً على المفسدة الناشئة من إظهار الصلاة عليه ، فكيف يقال أن هذا مخالف لمنهج السلف

فالمحرم قسمان : ما حرم لذاته وما حرم سداً للذريعة

ثانيها : نص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن ترك الصلاة على المعلن بالبدعة من الهجر الواجب الذي هو من الإنكار الواجب ، وترك الهجر الواجب لا يجوز

وقال شيخ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى (3/22) :" ومن كان مبتدعا ظاهر البدعة وجب الإنكار عليه ومن الإنكار المشروع أن يهجر حتى يتوب ومن الهجر امتناع أهل الدين من الصلاة عليه لينزجر من يتشبه بطريقته ويدعو إليه وقد أمر بمثل هذا مالك بن أنس وأحمد ابن حنبل وغيرهما من الأئمة والله أعلم"

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (24/ 286) :" وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُظْهِرًا لِلْفِسْقِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ فَهَؤُلَاءِ لَا بُدَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ. وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى أَحَدِهِمْ زَجْرًا لِأَمْثَالِهِ عَنْ مِثْلِ مَا فَعَلَهُ كَمَا امْتَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ وَعَلَى الْغَالِّ وَعَلَى الْمَدِينِ الَّذِي لَا وَفَاءَ لَهُ وَكَمَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ يَمْتَنِعُونَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ - كَانَ عَمَلُهُ بِهَذِهِ السُّنَّةِ حَسَنًا. (وَقَدْ قَالَ لِجُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البجلي ابْنُهُ: إنِّي لَمْ أَنَمْ الْبَارِحَةَ بَشَمًا فَقَالَ: أَمَا إنَّك لَوْ مُتّ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْك) . كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَتَلْت نَفْسَك بِكَثْرَةِ الْأَكْلِ. وَهَذَا مِنْ جِنْسِ هَجْرِ الْمُظْهِرِينَ لِلْكَبَائِرِ حَتَّى يَتُوبُوا فَإِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِثْلُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا وَمَنْ صَلَّى عَلَى أَحَدِهِمْ يَرْجُو لَهُ رَحْمَةَ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي امْتِنَاعِهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا وَلَوْ امْتَنَعَ فِي الظَّاهِرِ وَدَعَا لَهُ فِي الْبَاطِنِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ كَانَ تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَتَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَفْوِيتِ إحْدَاهُمَا. وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ النِّفَاقُ وَهُوَ مُسْلِمٌ يَجُوزُ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بَلْ يُشْرَعُ ذَلِكَ وَيُؤْمَرُ بِهِ"

فتأمل كيف أن شيخ الإسلام قال (كَانَ عَمَلُهُ بِهَذِهِ السُّنَّةِ حَسَنًا ) يعني ترك الصلاة على أهل البدع

وتأمل قوله (وَهَذَا مِنْ جِنْسِ هَجْرِ الْمُظْهِرِينَ لِلْكَبَائِرِ) ، والهجر قد يكون واجباً

وقوله (وَمَنْ صَلَّى عَلَى أَحَدِهِمْ يَرْجُو لَهُ رَحْمَةَ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي امْتِنَاعِهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا)

فاشترط في الصلاة عليه أن تكون مصلحتها راجحة والدكتور لا يشترط الشروط إلا في ترك الصلاة عليه

والصلاة على المخالف مع إظهار التحسر عليه والحزن ، قد يؤدي بالعامة إلى الاغترار بطريقته ، فإذا غلب على الظن وقوع ذلك ، كانت تلك الصلاة من الدعوة له





قال العقيلي في الضعفاء الكبير (3/221) : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال : حدثنا بشر بن السري قال : ترحمت يوما على زفر وأنا مع سفيان الثوري ، فأعرض بوجهه عني

وهذا إسناد صحيح ، وإنما كره سفيان ذلك ، لأنه يؤدي إلى الاغترار به أمام العامة لأنه زفراً كان داعية إلى البدعة وأثر ابن سيرين ، إنما هو العصاة

قال  زكريا الأنصاري الشافعي الأشعري كتاب أسنى المطالب شرح روض الطالب (1/289) ط دار الكتب العلمية : "
الِاسْتِسْقَاءُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلْمُقِيمِينَ وَلَوْ بِقَرْيَةٍ أو بَادِيَةٍ وَالْمُسَافِرِينَ وَلَوْ سَفَرَ قَصْرٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ في الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ لِمَا مَرَّ في الْعِيدِ هذا إنْ انْقَطَعَتْ الْمِيَاهُ أو مَلَحَتْ وَاحْتَاجُوا إلَيْهَا أو احْتَاجُوا إلَى الزِّيَادَةِ وَإِلَّا فَلَا اسْتِسْقَاءَ وَيَسْتَسْقُونَ يَعْنِي غَيْرُ الْمُحْتَاجِينَ بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا وَيَسْأَلُونَ الزِّيَادَةَ لِأَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ إذَا اشْتَكَى بَعْضُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ قال الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَك بِمِثْلٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ تَقْيِيدُ ذلك بِأَنْ لَا يَكُونَ الْغَيْرُ ذَا بِدْعَةٍ وَضَلَالَةٍ وَبَغْيٍ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَسْقُونَ لهم تَأْدِيبًا وَزَجْرًا وَلِأَنَّ الْعَامَّةَ تَظُنُّ بِالِاسْتِسْقَاءِ لهم حُسْنَ طَرِيقَتِهِمْ وَالرِّضَا بِهِمْ وَفِيهِ مَفَاسِدُ"

أقول : لم أذكر هذا النقل لخصوص المسألة ، وإن أردت التنبيه على دقة نظر الناس _ وإن كانوا في أنفسهم ليسوا من أهل السنة _ تجاه مسألة معاملة أهل البدع ، فانظر إلى كلام الأذرعي ومنعه من الاستستقاء الظاهر لأهل البدع لئلا يظن العوام فيهم خيراً ، مع أن مذهبه استحباب الدعاء لبقية المسلمين ، فكيف بالدفاع عن أهل البدع ، والثناء عليهم والنشر لهم والتماس المعاذير لهم ، بل والطعن على من يتكلم فيهم من أهل السنة واتهامه بالتشدد والغلو

ولو قال قائل قياساً على قول الأذرعي (وَلِأَنَّ الْعَامَّةَ تَظُنُّ بِالصلاة عليهم حُسْنَ طَرِيقَتِهِمْ وَالرِّضَا بِهِمْ وَفِيهِ مَفَاسِدُ)

لكان لكلامه وجه

بل رأى بعض أهل العلم أن التشهير بأهل البدع موتهم بما يرى منهم بعد الموت

قال محمد بن صالح العثيمين في الشرح الممتع (5/207) :" قوله: "وعلى الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنا" ، أي: على غاسل الميت ستر ما رآه من الميت إن لم يكن حسنا، فربما يرى منه ما ليس بحسن، إما من الناحية الجسدية، وإما من الناحية المعنوية، فقد يرى - والعياذ بالله - وجهه مظلما متغيرا كثيرا عن حياته، فلا يجوز أن يتحدث إلى الناس، ويقول: إني رأيت وجهه مظلما؛ لأنه إذا قال ذلك ظن الناس به سوءا.
وقد يكون وجهه مسفرا حتى إن بعضهم يرى بعد موته متبسما فهذا لا يستره.
أما السيء من الناحية الجسدية: فإن الميت قد يكون في جلده أشياء من التي تسوؤه إذا اطلع الناس عليها
 كما قال الله تعالى في قصة موسى: ( تخرج بيضاء من غير سوء)(طه: من الآية22)، أي: قد يكون فيه برص يكره أن يطلع الناس عليه، فلا يجوز للإنسان أن يقول: رأيت فيه برصا، وقد يتغير لون الجلد ببقع سوداء، والظاهر - والله أعلم - أنها دموية، فلا يذكرها للناس بل يجب أن يسترها.
قال العلماء : إلا إذا كان صاحب بدعة، وداعية إلى بدعته ورآه على وجه مكروه، فإنه ينبغي أن يبين ذلك حتى يحذر الناس من دعوته إلى البدعة؛ لأن الناس إذا علموا أن خاتمته على هذه الحال، فإنهم ينفرون من منهجه وطريقه، وهذا القول لا شك قول جيد وحسن؛ لما فيه من درء المفسدة التي تحصل باتباع هذا المبتدع الداعية، وكذا لو كان صاحب مبدأ هدام كالبعثيين والحداثيين "



الموطن الثاني :قال الدكتور إبراهيم الرحيلي :" الشرط الثاني : أن يغلب على ظن تارك الصلاة عليهم تحقق تلك المصلحة وهي الارتداع والانزجار عن مثل فعل هذا الميت ، وإلا لم يكن مشروعاً له ترك الصلاة على ذلك الميت ، فإن في تركه الصلاة عليه من غير تحقق المصلحة المرجوة من ذلك تعطيلاً لأمر الشرع "

أقول : هذا تهويل بارد

فإن هذا الشرط لم يذكره أحدٌ من أهل العلم ، وهذا الفعل من إنكار المنكر ، ولا يشترط في إنكار المنكر غلبة الظن أن المنكر عليه أو المنهي سينزج

قال الله تعالى : (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)

ولو طردنا هذا الأصل في جميع معاملة أهل البدع ، لكان ترك الصلاة خلفه ، وهجره والتحذير منه لا يكون إلا إذا غلب على الظن أن المحذر سينزجر !

وهذا لم يشترطه أحد

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (10/ 376) :" وعلى هذا فما أمر به آخر أهل السنة من إن داعية أهل البدع يهجر فلا يستشهد ولا يروى عنه ولا يستفتى ولا يصلى خلفه قد يكون من هذا الباب فإن هجرة تعزير له وعقوبة له جزاء لمنع الناس من ذلك الذنب الذي هو بدعة أو غيرها وإن كان في نفس الأمر تائبا أو معذورا إذ الهجرة مقصودها أحد شيئين أما ترك الذنوب المهجورة وأصحابها وأما عقوبة فاعلها ونكاله فأما هجرة بترك في غير هذا الموضع"

وقوله في ترك الصلاة على المخالف (تعطيلاً لأمر الشرع ) تهويل لا طائل تحته ، فإن صلاة الجنازة فرض كفائي ، والدكتور إبراهيم نفسه ذكر في الشرط الثالث أن يوجد من يصلي عليه ، وفي الشرط الأول أن يكون الترك ليس لاعتقاد عدم جواز الصلاة على المخالف

فظاهر كلام الدكتور أن المخالف إذا صلى عليه جماعة من الناس ، وامتنع السني الذي لا يرى عدم جواز الصلاة على المخالف وإنما لزجر الناس عن فعله ولم يغلب على ظنه انزجار الناس كان ذلك السني آثماً وهذا واضح من قوله ( لا يشرع ) وهذا القول لم يسبق إليه الدكتور ، والشرط يلزم من عدمه العدم

ولو قابل الدكتور فقال له ( لا يجوز الصلاة على المبتدع إلا إذا غلب على الظن ، أن الصلاة عليه لا تؤدي على اغترار العامة به ) لكان كلاماً وجيهاً موافقاً لتطبيق السلف ، والدكتور لا يضع القيود والشروط إلا على ترك الصلاة على المبتدع


وقد سمى شيخ الإسلام ترك الصلاة على أهل البدع ( سنة ) ، والأصل في السنن أن مصلحتها راجحة ، كما هو متقرر فإن تردد في فعل شرعي هل مصلحته راجحة أو غير راجحة ، عاد إلى الأصل وهو أن مصلحته راجحة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي