مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: حكم السلف الكرام في الذي يرد حديثاً صحيحاً ...

حكم السلف الكرام في الذي يرد حديثاً صحيحاً ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
                           

فقد قال تعالى : ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا )

ومن توقيره صلى الله عليه وسلم تعظيم سنته التي جعلها الله عز وجل بالمكان العالي من دينه وجعلها مفسرة لكتابه سبحانه وتعالى

قال الله تعالى : ( بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

وقال الله تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

فهذا حكم رب العالمين فيمن وجد في نفسه حرجاً من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بمن جهر بالمحادة له عليه الصلاة والسلام ورد حديثه بكل جرأة وصفاقة

قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )

قال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/51) :" وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه؟! أليس هذا أولى أن يكون محبطا لأعمالهم؟!"

قلت : إي والله هو أولى

قال أحمد في مسنده 17174 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَرِيزٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ الْجُرَشِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، أَلَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ "

فمن رد على النبي صلى الله عليه وسلم كان كمن على الله عز وجل أمره في كتابه فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي القرآن ومثله معه ، ومن مقتضيات هذه المثلية أن يكون راد هذا كراد ذاك

ثم إن الله عز وجل قد قيض لهذه الأمة علماءً أفذاذاً لم يخل منهم ، ميزوا الصحيح المروي من السقيم لم يخل منهم زمان وأجمعت الأمة على هدايتهم ، فكان لزاماً على الأمة الرجوع إلى أقوالهم في هذا وألا يتكلم كل امريء بهواه ورأيه ومن خالفهم كان متبعاً لغير سبيل المؤمنين

قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)

وقال الله تعالى : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )

ومن أولئك الأئمة الإمام البخاري صاحب الصحيح الذي أجمع أهل الصنعة على أن كتابه أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل

ولا حجة لأهل الزيغ في بعض الأحاديث التي انتقدها بعض الأئمة بناءً على نظر إسنادي دقيق في صحيح البخاري فمن أراد ترجيح قولهم على قول البخاري بحسب القواعد المتبعة عند أهل الفن فلا ضير

وأما أن يعمد المرء إلى أخبار تلقاها المحدثون بالقبول ولم يطعن فيها أحد ، ويتكلم فيها بهواه وجهله فإن هذا فتح باب زندقة عريض

قال الخطيب في شرف أصحاب الحديث 151 - وأخبرنا أبو بكر ، أيضا ، قال حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي ، يقول : سمعت أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال : كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي ، عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، فقال له أحمد بن الحسن : يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث ، فقال : أصحاب الحديث قوم سوء . فقام أبو عبد الله ، وهو ينفض ثوبه ، فقال : « زنديق ، زنديق ، زنديق ، ودخل بيته »

فهذا حكم أحمد فيمن طعن في أهل الحديث ، لأن في ذلك ذريعة في الطعن على الحديث نفسه ، فكيف بمن عمد إلى الحديث مباشرة ورام رده ، وفي ذلك من الإزراء على قائله الإزراء العظيم

وقال الله تعالى : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ)

والمكذب بالحديث الصحيح مكذب بالصدق ، وباطر للحق

قال ابن حزم في الإحكام (1/89) :" وقد ذكرنا محمد بن نصر المروزي أن إسحاق بن راهويه كان يقول: من بلغه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر"

ولا يهولنك هذا الحكم أخ الإسلام ، فإن مستند إلى ما ذكرنا من الأدلة السابقة وغيرها

وقال الخلال في السنة 1734- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الْبَزَّارِ , يَقُولُ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْمِرِّيسِيِّ , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , أُذَاكِرُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ , فَكُلَّمَا ذَكَرُوا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَدْتُهُ . قَالَ : يَقُولُونَ : أَنْتَ كَافِرٌ . قَالَ : صَدَقُوا . إِذَا ذَكَرُوا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَدَدْتَهُ , يَقُولُونَ : أَنْتَ كَافِرٌ . قَالَ : فَكَيْفَ أَصْنَعُ . قَالَ : إِذَا ذَكَرُوا حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ : صَدَقْتَ , ثُمَّ اضْرِبْهُ بِعِلَّةٍ , فَقُلْ : لَهُ عِلَّةٌ.

فانظر إلى إقرار المريسي الخبيث لتكفير أهل الحديث لصاحبه الراد للأحاديث ولكنه يعلمه حيلة ولا تنطلي على من نور الله قلبه بنور الإيمان ، فليس كل من هب ودب يقول ( له علة ) فإن هذا علم منضبط بقواعد يميز بها الصيرفي الطيب من الزيف

وقال الخلال في السنة 1735- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ : سَمِعْتُ الْبُوَيْطِيَّ يُوسُفَ بْنَ يَحْيَى الْقُرَشِيَّ , قَالَ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ : ذَاكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ الْمِرِّيسِيَّ , يَعْنِي حَدِيثَ الْقُرْعَةِ بَيْنَ السِّتَّةِ إلا عبد , فَقَالَ : هَذَا قِمَارٌ . فَأَتَيْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , شَاهِدٌ آخَرُ , وَأَرْفَعُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ , وَأَصَلِّبُهُ.

فهذا دأبهم من يرد الأحاديث يعدونه مرتداً ويهمون بصلبه

وقال ابن كثير في البداية والنهاية (14/32) :" وَقَدْ حَدَّثَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ يَوْمًا عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثِ: " " «احْتَجَّ آدَمُ، وَمُوسَى» " " فَقَالَ عَمُّ الرَّشِيدِ: أَيْنَ الْتَقَيَا يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ؟ فَغَضِبَ الرَّشِيدُ مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: أَتَعْتَرِضُ عَلَى الْحَدِيثِ؟ ! عَلَيَّ بِالنَّطْعِ، وَالسَّيْفِ. فَأُحْضِرَ ذَلِكَ، فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْهِ يَشْفَعُونَ فِيهِ، فَقَالَ الرَّشِيدُ: هَذِهِ زَنْدَقَةٌ. ثُمَّ أَمَرَ بِسَجْنِهِ، وَقَالَ: لَا يَخْرُجُ حَتَّى يُخْبِرَنِي مَنْ أَلْقَى إِلَيْهِ هَذَا. فَأَقْسَمَ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ مَا قَالَ لَهُ أَحَدٌ وَإِنَّمَا كَانَتْ بَادِرَةً مِنِّي، فَأَطْلَقَهُ"

فهذا صنيع الرشيد مع من أورد إشكالاً يحتمل الاعتراض وشوش على السنة فكيف بمن جاهر بردها دون أدنى حياء

قال أبو نعيم في الحلية (9/106) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: كُنْتُ بِمِصْرَ، فَحَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَأْخُذُ بِهَا؟ فَقَالَ: «إِنْ رَأَيْتَنِي خَرَجْتُ مِنَ الْكَنِيسَةِ أَوْ تَرَى عَلَيَّ زُنَّارًا؟ إِذَا ثَبَتَ عِنْدِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ قُلْتُ بِهِ وَقَوَّلْتُهُ إِيَّاهُ، وَلَمْ أَزُلْ عَنْهُ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي لَمْ أُقَوِّلْهُ إِيَّاهُ. أَتَرَى عَلَيَّ زُنَّارًا حَتَّى لَا أَقُولَ بِهِ»

وهذا الأثر صحيح عن الشافعي وهو مخرج في عدة كتب ، فالشافعي هنا لا يتصور في مسلم أن يرد حديثاً صحيحاً وإنما ذلك عنده من شأن الكفار

فإلى المشتكى من غربة السنة في هذه الأيام ، ومن جرأة أعدائها نسأل الله عز وجل أن يعفو عن تقصيرنا بمنه وكرمه

فيوم يخرج علينا من ينكر حديث الوزغ ، وآخر يخرج علينا من ينكر حديث العرنيين نعوذ بالله من الشقاء

وأما من نصب نفسه منافعاً عن الرادين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقول له ليكن قول الله عز وجل ( ولا تكن للخائنين خصيماً ) واعظاً لك فمعناه لا تكن مدافعاً عنهم

وقد قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)

فكيف بمن آذى المؤمنين والمؤمنات بتعظيمهم للسنة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعهم للسلف الصالح ووصفهم ظلماً وجهلاً بالغلو والتطرف ، فكيف إذا تسلط على سادات وعلمائهم وآذاهم في أعراضهم ، غير أن من لم يحترم حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو وحي من الحق ، فأنى له أن يعرف قدر ذوي الهيئات من الخلق

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي