مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: إنَّهُمْ لَقُوا اللَّهَ فَوَجَدُوهُ وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ....

إنَّهُمْ لَقُوا اللَّهَ فَوَجَدُوهُ وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ....



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


قال ابن أبي شيبة في المصنف 38999: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنِ الْعَوَّامِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ : رَأَى فِي الْمَنَامِ أَبُو المَيْسَرَةَ عَمْرَو بْنُ شُرَحْبِيلَ ، وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ :
 رَأَيْتُ كَأَنِّي أُدْخِلْت الْجَنَّةَ ، فَرَأَيْتُ قِبَابًا مَضْرُوبَةً ، فَقُلْتُ : لِمَنْ هَذِهِ ؟
فَقِيلَ : هَذِهِ لِذِي الْكَلاَعِ وَحَوْشَبٍ ، وَكَانَا مِمَّنْ قُتِلَ مَعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمَ صِفِّينَ
 قَالَ : قُلْتُ : فَأَيْنَ عَمَّارٌ وَأَصْحَابُهُ ، قَالُوا : أَمَامَك
قُلْتُ : وَكَيْفَ وَقَدْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
 قَالَ : قِيلَ : إنَّهُمْ لَقُوا اللَّهَ فَوَجَدُوهُ وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ
 قَالَ : فَقُلْتُ : فَمَا فَعَلَ أَهْلُ النَّهَرِ ، قَالَ : فَقِيلَ : لَقُوا بَرَحًا.

أقول : إسناده صحيح ، وهذا الخبر يعضد الثابت عن علي في مصنف ابن أبي شيبة

قال ابن أبي شيبة 39035: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ الْمَوْصِلِيُّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ، قَالَ :
 سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ قَتْلَى يَوْمِ صِفِّينَ ، فَقَالَ : قَتْلاَنَا وَقَتْلاَهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَيَصِيرُ الأَمْرُ إلَيَّ وَإِلَى مُعَاوِيَةَ.

نص الذهبي على إدراك يزيد لعلي ، ولكن قال روايته عن علي وردت من وجهٍ ضعيف ، ولعله يعني المرفوع ، فإن السند هنا قوي إلى يزيد

وقال مسلم في صحيحه 2422- [149-1065] وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ ، يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ ، سِيمَاهُمْ التَّحَالُقُ قَالَ : هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ ، أَوْ مِنْ أَشَرِّ الْخَلْقِ ، يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ قَالَ : فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَثَلاً ، أَوْ قَالَ قَوْلاً الرَّجُلُ يَرْمِي الرَّمِيَّةَ ، أَوْ قَالَ الْغَرَضَ ، فَيَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلاَ يَرَى بَصِيرَةً ، وَيَنْظُرُ فِي النَّضِيِّ فَلاَ يَرَى بَصِيرَةً ، وَيَنْظُرُ فِي الْفُوقِ فَلاَ يَرَى بَصِيرَةً.
قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : وَأَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ ، يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ.

قال النووي في شرح صحيح مسلم (4/24) : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقْتُلهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقّ )
، وَفِي رِوَايَة : ( أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ ) ، وَفِي رِوَايَة : ( تَكُون أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ فَتَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ تَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَاهُمَا بِالْحَقِّ ) . هَذِهِ الرِّوَايَات صَرِيحَة فِي أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ هُوَ الْمُصِيبَ الْمُحِقَّ ، وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى أَصْحَاب مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانُوا بُغَاة مُتَأَوِّلِينَ ، وَفِيهِ التَّصْرِيح بِأَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ مُؤْمِنُونَ لَا يَخْرُجُونَ بِالْقِتَالِ عَنْ الْإِيمَان وَلَا يَفْسُقُونَ ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مُوَافِقِينَا .

وقال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة في ترجمة يحيى ابن مندة (1/53) : " ووجدتُ في كتب الإمام عمِّي بخطَه: قال القاسم بن محمد أبو الحارث: حدثنا يعقوب بن إسحاق البغدادي، سمعتُ هارون الحمال يقول: سمعت أحمد ابن حنبل، وأتاه رجل فقال: يا أبا عبد اللّه: إن ههنا رجل يُفضِّلُ عمر بن عبد العزيز على معاوية بن أبي سفيان، فقال أحمد: لا تجالسه، ولا تؤاكله ولا تشاربه، وإذا مرض فلا تعُده"

فهذا في تفضيل عمر بن العزيز على معاوية فكيف بطعن الكبيسي الخبيث في معاوية رضي الله عنه

وقال الخلال في السنة 658: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ هَارُونَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : جَاءَنِي كِتَابٌ مِنَ الرَّقَّةِ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا : لاَ نَقُولُ : مُعَاوِيَةُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ
 فَغَضِبَ وَقَالَ : مَا اعْتِرَاضُهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ , يُجْفَوْنَ حَتَّى يَتُوبُوا.

659: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ قَالَ : وَجَّهْنَا رُقْعَةً إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : مَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَنْ قَالَ : لاَ أَقُولُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَاتَبُ الْوَحْيِ , وَلاَ أَقُولُ إِنَّهُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ , فَإِنَّهُ أَخَذَهَا بِالسَّيْفِ غَصْبًا ؟
 قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا قَوْلُ سَوْءٍ رَدِيءٌ , يُجَانَبُونَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ , وَلاَ يُجَالَسُونَ , وَنُبَيِّنُ أَمْرَهُمْ لِلنَّاسِ.

660: وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ , قَالَ : قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : أَيُّهُمَا أَفْضَلُ : مُعَاوِيَةُ أَوْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ؟
 فَقَالَ : مُعَاوِيَةُ أَفْضَلُ , لَسْنَا نَقِيسُ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِيَ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ).

وفي مسائل ابن هانيء سئل أحمد عن الذي يشتم معاوية يصلى خلفه ؟ فقال :" لا ولا كرامة "

فهذا موقف إمام أهل السنة ممن يسب معاوية بدونِ ما سب به الكبيسي الخبيث .
 فقارنه بموقف المغامسي الذي أخذ يقيس الكبيسي على مسطح بن أثاثة - رضي الله عنه - الذي صدر منه في حادثة الإفك ما صدر وهذا قياس فاسد خبيث

فمسطح قد تاب رضي الله عنه ، وأقيم عليه الحد كما في أحد قولي العلماء ، ولو أصر على قوله بعد نزول الوحي لحبط عمله ولم تنفعه هجرته ، ولكنه رضي الله عنه بادر إلى التوبة والأوبة وهذا الظن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

ومما يدل على بطلان قياس المغامسي ، إجماع الأمة على أن من تكلم في هذا اليوم يصير كافراً حلال الدم

قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول ص565 :" أما من سب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقال القاضي أبو يعلى: "من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف" وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم"

قال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في إتمام النعمة ص 40 :" قال أبو محمد - يعني ابن حزم -: وأيضا ، فقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم فتاوى قوم من الصحابة ، كأبي السنابل بن بعكك في المتوفى عنها زوجها ، وقد قال بعد ذلك بقول أبي السنابل ابن عباس وغيره .
 وأبطل قول من قال: حبط عمل عامر بن الأكوع , وقد أجمعت الأمة على أنه قد كان من بعض الصحابة ، رضي الله عنهم ، أشياء مغفورة لهم : فقد رجم ماعز والغامدية ، وهما والله من أهل الجنة. وقال مسطح ما قال ، وهو بدري مقطوع له بالجنة ، ولو أن امرأ يقول بذلك اليوم لكان كافرا .
وقد جلد قدامة بن مظعون في الخمر ، وهو بدري من أهل الجنة ، أفيحل الأخذ بقول من اقتدى بشيء من هذه الأمور بهؤلاءالمتقدمين فهو مهتد ؟ حاشا لله ، بل يكون من قال ذلك في بعضه كافرا ، وفي بعضه فاسقا ، بخلاف الفضلاء المغفور لهم بعض ذلك ،أو كله ، الذين فازوا ، ولو تصدق من بعدهم بمثل جبل أحد من ذهب، لم يبلغ نصف مد شعير يتصدق به أحدهم . اهــ

فتأمل قوله (وقال مسطح ما قال ، وهو بدري مقطوع له بالجنة ، ولو أن امرأيقول بذلك اليوم لكان كافرا ) ونحن نقطع له بالجنة ونقطع بتوبته ونعتبر قياس مبتدع كالكبيسي عليه ، انتقاصاً له رضي الله عنه

وقال البخاري في الأدب المفرد 119:  حَدثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدثنا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدثنا أَبُو يَحْيَى مَوْلَى جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلاَنَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم: لاَ خَيْرَ فِيهَا، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قَالُوا: وَفُلاَنَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ، وَلاَ تُؤْذِي أَحَدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم: هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

فتأمل هذا الحديث وما فيه من هدم لمنهج الموازنات الذي انطلق منه المغامسي في الدفاع عن الكبيسي فالنبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة التي تؤذي جيرانها بلسانها مع كل ما ذكر عنها من خصال الخير ( لا خير فيها ) ، وهذا عند المغامسي ومن على شاكلته ظلم ، ولا بد من الموازنة ! ، وهذا في التي آذت جيرانها فكيف بمبتدع خبيث يطعن في خال المؤمنين وكاتب الوحي رضي الله عنه ؟
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي