مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: مشكلات إسنادية في مستدرك الحاكم !

مشكلات إسنادية في مستدرك الحاكم !



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
                
           
فقد كنت كتبت بحثاً في حديث ( اغتنم خمساً قبل خمس ) ، وقد وقع في سند الحاكم تصريح عبدان بالسماع من ابن أبي هند ، وقد بينت استحالة هذا ، وأنه غلط ، فتحاور بعض إخواننا من طلبة العلم في سبب وقوع هذا الغلط

والذي أود قوله هنا أنه قد يكون الوهم من الإمام الحاكم نفسه ، فقد وجدت في مستدركه العديد من الأغلاط الاسنادية ، وهذا دون استقصاء أو قراءة وافية ، وإنما المرور من خلال بعض الأبحاث وإليكم الأمثلة

المثال الأول :
 قال الحاكم في المستدرك 8830 : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي ، بِمَرْوَ ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ "
" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ "

سنده مشكل فيزيد لم يدرك التيمي

المثال الثاني :
 قال الحاكم في المستدرك 1976 : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْعَلَّافُ بِمِصْرَ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، أَخْبَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: " اللَّهُمَّ احْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَائِمًا ، وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَاعِدًا ، وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ رَاقِدًا ، وَلَا تُشْمِتْ بِي عَدُوًّا حَاسِدًا ، وَاللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ "
" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "

وأبو الصهباء جهله الألباني وفي اسمه خطأ فهو أبو المصفى ، وتجده باسم أبو المصفى في المصادر الأخرى

المثال الثالث :
 وقال الحاكم في المستدرك 2515 : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنَزِيُّ ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، ثنا زُهَيْرٌ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ نَافِعِ بْنِ سَرْجِسٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَظَلَّتْكُمْ فِتَنٌ ، كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، أَنْجَى النَّاسِ مِنْهَا صَاحِبُ شَاهِقَةٍ يَأْكُلُ مِنْ رُسُلِ غَنَمِهِ ، أَوْ رَجُلٌ مِنْ وَرَاءِ الدُّرُوبِ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَأْكُلُ مِنْ فَيْءِ سَيْفِهِ "
" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "

أقول : ذكر نافع بن جبير في السند زيادة عند الحاكم فقط ، فإنك لو رجعت إلى جميع مصادر التخريج لوجدته ساقطاً ، بل لو رجعت إلى جميع تراجم نافع بن سرجس لوجدتهم متفقين على أنه لم يرو عنه إلا ابن خثيم

وهذه الأوهام موجودة في إتحاف المهرة  لابن حجر مما يدل على أن المحققين المعاصرين لا ذنب لهم فيها

زد على ذلك المثال الذي ذكرته في حديث ( اغتنم خمساً قبل خمس ) .
 فلو تفرغ بعض إخواننا النابهين إلى النظر في المستدرك وجمع هذه الأغلاط الاسنادية لكان أمراً عظيماً

وهنا فوائد  أفاد بها بعض الأخوة :

(1) :قال ابن حجر في التلخيص الحبير : 268 - 268 - ( 26 ) - حَدِيثٌ : [ يَا عَلِيُّ لَا تُؤَخِّرْ أَرْبَعًا ، الْجِنَازَةَ إذَا حَضَرَتْ .] الْحَدِيثَ.
، الَّذِي فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ [ لَا تُؤَخِّرْ ثَلَاثًا : الصَّلَاةَ إذَا أَتَتْ ، وَالْجِنَازَةَ إذَا حَضَرَتْ ، وَالْأَيِّمَ إذَا وَجَدْت لَهَا كُفْئًا ] .
وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي النِّكَاحِ عَلَى الصَّوَابِ ، ثُمَّ أَوْرَدَهُ كَمَا هُنَا ،
وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَقَالَ : غَرِيبٌ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ .
وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيٍّ ، وَسَعِيدٌ مَجْهُولٌ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ ، فَقَالَ : سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ .
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَجَعَلَ مَكَانَهُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيَّ ، وَهُوَ مِنْ أَغْلَاطِهِ الْفَاحِشَةِ .اهـ


(2) قال الحافظ ابن عبدالهادي:
ثم أنه رحمه الله لما جمع المستدرك على الشيخين ذكر فيه من الأحاديث الضعيفة والمنكرة بل والموضوعة جملة كثيرة، وروى فيه لجماعة من المجروحين الذين ذكرهم في كتابه في الضعفاء وذكر أنه تبين له جرحهم، وقد أنكر عليه غير واحد من الأئمة هذا الفعل، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره ; فلذلك وقع منه ما وقع وليس ذلك ببعيد . [ الصارم المنكي ص 84 ]

(3) أخرج الحاكم في المستدرك بإسناده عن عمرو بن دينار، قال: قلت لجابر بن عبد الله إنهم يزعمون أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ " نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر "
قال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو ... ثم ذكر حديثاً طويلاً
قال الوادعي  في أحاديث معلة : الحديث بهذا الحوار من حديث جابر بن عبد الله وهم وإنما هو جابر بن زيد بن الشعثاء كما في صحيح البخاري ...
فإن قلت من الواهم في رواية الحاكم؟
قلت : الراجح عندي أنه الحاكم , فإنه كثير الأوهام حتى إني لا اعتمد على ما خالف وأتوقف فيما تفرد به، ولم يُخالف لكثرة أوهامه. ا. هـ

وقال الوادعي في مقدمة الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ص 15 :
وأنا بحمد الله تعالى أتتبع أوهام الحاكم التي سكت عليها الذهبي ,لعلها قد بلغت الألفين .اهـ
وقال في ص 26 :
وكذا أخاف أن أصحح حديثاً وهو ضعيف , ولكن الذي يسليني أن لا تكون أوهامي كالحاكم إن شاء الله , بل ليست بشيء بالنسبة لأوهام الحاكم رحمه الله . اهـ

(4) قال ابن القيم في المنار المنيف ص4 وهو يتكلم عن حديث فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفا قال :
 وقد أخرجه الحاكم في صحيحه وقال هو صحيح على شرط مسلم ، وما صنع الحاكم شيئا ، فإن مسلماً لم يرو في كتابه بهذا الاسناد حديثا واحدا ، ولا احتج بابن اسحاق وإنما أخرج له في المتابعات والشواهد وأما أن يكون ذكر ابن إسحاق عن الزهري من شرط مسلم فلا ، وهذا وأمثاله هو الذي شان كتابه ووضعه ، وجعل تصحيحه دون تحسين غيره . انتهى كلامه

(5) قال الخطيب في تاريخ بغداد [ آخر ترجمة الحاكم ] :
حَدَّثَنِي بعض أصحابنا عن أبي الفضل ابن الفلكي الهمذاني، وكان رحل إلى نيسابور وأقام بها، أنه قَالَ: كان كتاب تاريخ النيسابوريين الذي صنفه الحاكم أبو عبد الله ابن البيع، أحد ما رحلت إلى نيسابور بسببه، وكان ابن البيع يميل إلى التشيع،
فحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور، وكان شيخا صالحا فاضلا عالما، قَالَ:
جمع الحاكم أبو عبد الله أحاديث زعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم، يلزمهما إخراجها في صحيحيهما، منها حديث الطائر، و من كنت مولاه فعلى مولاه فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك ولم يلتفتوا فيه إلى قوله، ولا صوبوه في فعله .انتهى
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي