مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: حكم الاستغفار لمن مات على الشرك جاهلاً

حكم الاستغفار لمن مات على الشرك جاهلاً



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                   
فهذه مسألة تعرض لكثير من الإخوة وهي أنه يكون له والد أو جد كان مقيماً على الشرك الأكبر ولا يعلم إن كانت الحجة قد قامت عليه فهل يستغفر له ؟

وجدت كلاماً لعدد من أئمة الدعوة النجدية في هذه المسألة أنقله للإخوة من باب الإفادة العلمية

جاء في الدرر السنية (10/ 136) :" وأما السؤال الثالث، وهو قولكم ورد: " الإسلام يهدم ما قبله " 1،وفي رواية " يجُبُّ ما قبله "، وفي حديث حجة الوداع: " ألا إن دم الجاهلية كله موضوع " 2 إلخ، وظهر لنا من جوابكم: أن المؤمن بالله ورسوله إذا قال أو فعل ما يكون كفرا، جهلا منه بذلك، فلا تكفرونه، حتى تقوم عليه الحجة الرسالية، فهل لو قتل من هذا حاله، قبل ظهور هذه الدعوة، موضوع أم لا؟
فنقول: إذا كان يعمل بالكفر والشرك، لجهله، أو عدم من ينبهه، لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة؛ ولكن لا نحكم بأنه مسلم، بل نقول عمله هذا كفر، يبيح المال والدم، وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص، لعدم قيام الحجة عليه؛ لا يقال: إن لم يكن كافرا، فهو مسلم، بل نقول عمله عمل الكفار، وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه، متوقف على بلوغ الحجة الرسالية. وقد ذكر أهل العلم: أن أصحاب الفترات، يمتحنون يوم القيامة في العرصات، ولم يجعلوا حكمه حكم الكفار، ولا حكم الأبرار"

وهذا الجواب لأبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحمد بن ناصر بن معمر

وجاء في الدرر السنية (5/ 154) :" سئل الشيخ حسين والشيخ عبد الله، ابنا الشيخ محمد، رحمهم الله: عمن مات قبل هذه الدعوة ولم يدرك الإسلام، وهذه الأفعال التي يفعلها الناس اليوم، يفعلها ولم تقم عليه الحجة، ما الحكم فيه؟ وهل يسب ويلعن أو يكف عنه؟ وهل يجوز لولده الدعاء له؟ وما الفرق بين من لم يدرك هذه الدعوة، ومن أدركها ومات معادياً لهذا الدين وأهله؟
فأجابا: من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة، فالذي يحكم عليه: أنه إذا كان معروفاً بفعل الشرك، ويدين به، ومات على ذلك، فهذا ظاهره أنه مات على الكفر، فلا يدعى له، ولا يضحى عنه، ولا يتصدق عنه، وأما حقيقة أمره فإلى الله: فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند، فهذا كافر في الظاهر والباطن، وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله. وأما سبه ولعنه فلا يجوز"

وتكرر هذا الجواب في (10/142) وظاهره أنهم لا يجوزون الاستغفار له مع عدم حكمهم عليه بالنار لعدم قيام الحجة

وقال الشيخ عبد الله ابن الإمام محمد بن عبد الوهاب كما في الدرر السنية (10/ 275) :" وأما من مات، وهو يفعل الشرك جهلا لا عنادا، فهذا نكل أمره إلى الله، ولا ينبغي الدعاء له، والترحم عليه، والاستغفار له، وذلك لأن كثيرا من العلماء يقولون: من بلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} .
فإذا بلغه القرآن وأعرض عنه، ولم يبحث عن أوامره ونواهيه، فقد استوجب العقاب، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} ، وقال تعالى: {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً خَالِدِينَ فِيهِ} "

واعلم أن الداعي لكتابة هذا أن  عبد الله بن قادري الأهدل قال في بحثه ( التكفير والنفاق ومذاهب أهل العلم فيهما ) :" وبسبب ذلك الجهل كفرت أقرب المقربين إلي وهما الأبوان، ولم أكن أستغفر لهما..."

وقد ذكر وفقه الله أن والديه كانا على مذهب القبورية وأن والده مات وهو حمل فكأنه يرى أن ترك الاستغفار لمن مات مشركاً ( وإن كان جاهلاً ) من الغلو والجهل

وليس الأمر كذلك بل هو مذهب لجماعة من كبار العلماء ، بل في الحقيقة لم أقف على من يخالفه من كلام أهل العلم على قصور بحثي والله المستعان

ولعل مما يعضد كلام أئمة الدعوة ما روى الطبري في تفسيره 17332- حدثني المثنى قال، حدثني عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين"، الآية، فكانوا يستغفرون لهم، حتى نزلت هذه الآية. فلما نزلت، أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا، ثم أنزل الله: "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه" ، الآية.
17333- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين"، الآية، ذكر لنا أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبي الله، إن من آبائنا من كان يُحْسِن الجوار، ويصل الأرحام، ويفك العاني، ويوفي بالذمم، أفلا نستغفر لهم؟ قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بلى! والله لأستغفرنّ لأبي، كما استغفر إبراهيم لأبيه! قال: فأنزل الله: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين" حتى بلغ: "الجحيم"، ثم عذر الله إبراهيم فقال: "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إيّاه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه"،. قال: وذكر لنا أن نبيَّ الله قال: أوحي إليّ كلمات فدخلن في أذني، ووَقَرْنَ في قلبي: أمرت أن لا أستغفر لمن مات مشركًا، ومن أعطى فَضْلَ ماله فهو خيرٌ له، ومن أمسك فهو شرٌّ له، ولا يلوم اللهُ على كَفافٍ".
وقال ابن كثير في تفسيره (4/225) :" وقال عطاء بن أبي رباح: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة، ولو كانت حبشية حبلى من الزنا؛ لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا على المشركين، يقول الله، عز وجل: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } .
وروى ابنُ جَرير، عن ابن وَكِيع، عن أبيه، عن عصمة بن زامل، عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول: رحم الله رجلا استغفر لأبي هريرة ولأمه. قلت: ولأبيه؟ قال: لا. قال: إن أبي مات مشركا"

ولم يعقب ابن كثير على هذه الآثار بشيء
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي