الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
ذكر النجار في كتابه تبصير الخلف في 38 هذا الأثر
سئل الإمام أحمد فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ لَمْ يُثْبِتْ خِلاَفَةَ عَلِيٍّ
؟ قَالَ : بِئْسَ الْقَوْلُ هَذَا . زَادَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ بَكْرٍ عَنْ
أَبِيهِ : قُلْتُ : يَكُونُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ؟ قَالَ : مَا أَجْتَرِئُ أَنْ
أُخْرِجَهُ مِنَ السُّنَّةِ , تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ
وعزاه للسنة للخلال
والمأخذ عليه أن هذا الأثر في سنده جهالة وهو يخالف الآثار الأخرى عن أحمد
الواضحة في أمره بهجر وجفاء من لم يثبت خلافة عليه مع وصفه بأن قوله قول سوء وهذه حقيقة
التبديع ، ولا أظن النجار يأتي بهذا الأثر ليقول للناس أن من وقع في بدعة كهذه يهجر
ويجفى ولا يبدع بل هم لا يريدون من نفي التبديع إلا نفي العقوبة
قال الخلال في السنة 638- أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ
, وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ : أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ قَالَ : جَاءَنَا
عَدَدٌ مَعَهُمْ رُقْعَةٌ قَدِمُوا مِنَ الرَّقَّةِ , وَجِئْنَا بِهَا إِلَى أَبِي
عَبْدِ اللَّهِ : مَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَنْ يَقُولُ : حَدِيثُ سَفِينَةَ
حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ أَنَّهُ بَاطِلٌ ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ :
هَذَا كَلاَمُ سَوْءٍ رَدِيءٌ , يُجَانَبُونَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ , وَلاَ يُجَالَسُونَ
, وَيُبَيَّنُ أَمْرُهُمْ لِلنَّاسِ.
وهذا إسناد صحيح لأحمد وحديث سفينة هو أقوى ما يعتمد عليه في إثبات خلافة
علي رضي الله عنه
وقال الخلال في السنة 639- وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ
: حَدَّثَنَا صَالِحٌ أَنَّهُ قَالَ لأَبِيهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : فَإِنْ قَالَ
قَائِلٌ : فَيَنْبَغِي لِمَنْ ثَبَّتَ الْخِلاَفَةَ عَلَى عَلِيٍّ أَنْ يُرَبِّعَ بِهِ
؟ قَالَ : إِنَّمَا نَتَّبِعُ مَا جَاءَ , وَمَا قَوْلُنَا نَحْنُ ؟ وَعَلِيٌّ عِنْدِي
خَلِيفَةٌ ,قَدْ سَمَّى نَفْسَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , وَسَمَّاهُ أَصْحَابُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , وَأَهْلُ بَدْرٍ
مُتَوَافِرُونَ يُسَمُّونَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . قُلْتُ : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ
: نَجِدُ الْخَارِجِيَّ يَخْرُجُ فَيَتَسَمَّى بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , وَيُسَمِّيهِ
النَّاسُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : هَذَا قَوْلُ سَوْءٍ خَبِيثٌ , يُقَاسُ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَجُلٍ خَارِجِيٍّ , وَيُقَاسُ أَصْحَابُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَائِرِ النَّاسِ , هَذَا قَوْلٌ
رَدِيءٌ , أَفَيَقُولُ إِنَّمَا كَانَ عَلِيٌّ خَارِجِيًّا ؟ إِذًا بِئْسَ الْقَوْلُ
هَذَا.
وقال الخلال في السنة 636- سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ صَدَقَةَ , يَقُولُ
: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا , وَأَبَا الْقَاسِمِ بْنَ الْجَبَلِيِّ
غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُمْ حَضَرُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ سَفِينَةَ
, فَصَحَّحَهُ , فَقَالَ رَجُلٌ : سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ , كَأَنَّهُ يُضَعِّفُهُ
, فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : يَا صَالِحُ , خُذْ بِيَدِهِ , أُرَاهُ قَالَ : أَخْرِجْهُ
, هَذَا يُرِيدُ الطَّعْنَ فِي حَدِيثِ سَفِينَةَ.
فلماذا تترك هذه الآثار الشديدة وتحتج بذلك الأثر الضعيف
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (35/ 19) :" قال النبى صلى
الله عليه و سلم خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه أو الملك من يشاء لفظ أبي
داود من رواية عبد الوارث و العوام تكون الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون الملك تكون الخلافة
ثلاثين سنة ثم تصير ملكا و هو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة و عبد الوارث بن سعيد
و العوام بن حوشب و غيره عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و
سلم و رواه أهل السنن كأبى داود و غيره و اعتمد عليه الإمام أحمد و غيره فى تقرير خلافة
الخلفاء الراشدين الأربعة و ثبته أحمد و استدل به على من توقف فى خلافة علي من أجل
افتراق الناس عليه حتى قال أحمد من لم يربع بعلي فى الخلافة فهو أضل من حمار أهله و
نهى عن مناكحته و هو متفق عليه بين الفقهاء و علماء السنة و أهل المعرفة و التصوف و
هو مذهب العامة
وإنما يخالفهم فى ذلك بعض أهل الأهواء"
وأورد النجار أثر قول أحمد بن منيع البغوي :" من زعم أَنه مَخْلُوق
فَهُوَ جهمي، وَمن وقف فِيهِ فَإِن كَانَ مِمَّن لَا يعقل مثل البقالين وَالنِّسَاء
وَالصبيان سكت عَنهُ وَعلم"
واقتصر النجار على هذا ! وفي بقية الأثر حجة عليه
قال البغوي :" ، وَإِن كَانَ مِمَّن يفهم فَأَجره فِي وَادي الْجَهْمِية،
وَمن قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ جهمي"
فحكم بتجهيم اللفظي مطلقاً ، ونص على أن من يفهم يعني ليس بمستوى النساء
والأطفال والبقالين يعني له أدنى سبب في العلم أنه يجهم
وعلى هذا عمل السلف فقد بدع الإمام أحمد يعقوب بن شيبة بالوقف ، ولا شك
أنه ما كان معانداً ، وبدع داود الأصبهاني لقوله في القرآن ، وتكلم في هشام بن عمار
لقوله ( لفظ جبريل بالقرآن مخلوق ) وجعل قوله شراً من قول جهم
قال الإمام اللالكائي في السنة 285 - أخبرنا محمد بن المظفر المقرئ ، قال
: حدثنا الحسين بن محمد بن حبش المقرئ ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم
، قال : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين ، وما أدركا عليه العلماء
في جميع الأمصار ، وما يعتقدان من ذلك ، فقالا : أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا
وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم ...
فذكرا عقيدة طويلة ومنها قولهم : من شك في كلام الله عز وجل فوقف شاكا
فيه يقول : لا أدري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي . ومن وقف في القرآن جاهلا علم وبدع
ولم يكفر.
أقول : بدعة الواقفة في القرآن يبدو أنها مكفرة عند هؤلاء الأئمة _ وهذا إجماع _ بدليل
قولهم من وقف فهو جهمي ، والجهمية عندهم كفار
فتأمل كيف نصوا على تبديع الواقفي الجاهل مما يخالف ما يحاول النجار تقريره
وقال الخطيب في تاريخه (8/ 351) : أخبرنا أَبُو بَكْرٍ البرقاني، قَالَ:
قرأت عَلَى بشر بن أَحْمَد الإسفراييني، قَالَ لكم أَبُو سُلَيْمَان داود بن الْحُسَيْن
البيهقي: بلغني أن الحلواني الْحَسَن بن عَلِيّ، قَالَ: إني لا أكفر من وقف فِي القرآن،
فتركوا علمه.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: سألت سَلَمَة بن شبيب عَنْ علم الحلواني، قَالَ:
يرمى فِي الحش، قَالَ أَبُو سَلَمَة: من لم يشهد بكفر الكافر فهو كافر
وهذا إسناد صحيح وهذا بدعوه بل عرضوا بتكفيره لأنه لا يكفر الواقفة ، وقد نص حرب في عقيدته
على تضليل من لم يكفر الجهمية بأنواعها
والعجيب أن النجار أورد أثراً لا علاقة له بالمسألة أصلاً
قال الخلال في السنة 506- وأخبرني محمد بن أبي هارون , أن مثنى الأنباري
حدثهم أنه قال لأبي عبد الله : رجل محدث يكتب عنه الحديث قال من شهد أن العشرة في الجنة
فهو مبتدع فاستعظم ذلك وقال لعله جاهل لا يدري يقال له.
فهذا ليس رجلاً وقع في بدعة فحسب بل رجل بدع أهل السنة وقال من يشهد للعشرة
بالجنة فهو مبتدع ، والنجار نفسه يشترط فيمن خالف في جزئية ألا يوالي ولا يعادي عليها
وهذا والى وعادى وقول الإمام أحمد ( لعله جاهل ) ليس نفياً للتبديع فقد يجتمع الجهل
والبدعة
وليس معنى هذا أن كل من وقع في بدعة فهو مبتدع غير أنه لا بد من التفريق
بين البدعة المكفرة والبدعة المفسقة وبين ما اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة
وما لم يشتهر
وأما تقرير النجار أنه لا فرق بين التكفير والتبديع فهذا تقرير قاصر يدفعه
ما تقدم عن الأئمة ، والرجل لا يكون كافراً بمجرد أنه يماشي كافراً ، ولكن من جالس
مبتدعاً وعرف أنه مبتدع وأصر فإنه يلحق به
قال ابن حجر في نزهة النظر :" أو فسقِهِ: أي: بالفعل أو القول،
مما لم يَبْلُغ الكفر. وبينه وبين الأوَّلِ عموم، وإنما أُفْرِدَ الأوَّلُ لكون القدْحِ
به أشدَّ في هذا الفن، وأما الفسق بالمعتقد فسيأتي بيانه.
6- أو وَهْمِهِ: بأن يَرْوِي على سبيل التوهمِ.
7- أو مخالفتِهِ، أي للثقات.
8- أو جهالتِهِ: بأن لا يُعْرَفَ فيه تعديلٌ ولا تَجْرِيحٌ مُعَيَّنٌ.
9- أو بدعتِهِ: وهي اعتقاد ما أُحْدِثَ على خِلاف المعروف عن النبي صلى
الله عليه وسلم، لا بمعاندةٍ، بل بنوعِ شُبْهَةٍ"
فاشترط ابن حجر في المبتدع بدعة مفسقة ألا يكون ( معانداً ) لأن المعاند
للشرع (كافر )
وابن حجر ليس ممن يعتمد في هذا الباب لكن أوردته إلزاماً
وابن حجر ليس ممن يعتمد في هذا الباب لكن أوردته إلزاماً
وابن عمر تبرأ من القدرية نفاة العلم ولا شك في تبديعه لهم ، بل ظاهر كلامه حمله بعض أهل العلم على التكفير
وقد كفر أبو أمامة الخوارج مع ما يظهر من حالهم وعبادتهم
وقد كفر أبو أمامة الخوارج مع ما يظهر من حالهم وعبادتهم
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان ص62 :" لا تجد مبتدعا إلا وهو متنقص
للرسول وإن زعم أنه معظم له بتلك البدعة فإنه يزعم أنها خير من السنة وأولى بالصواب
أو يزعم أنها هي السنة إن كان جاهلا مقلدا وإن كان مستبصرا في بدعته فهو مشاق لله ورسوله"
فسماه مبتدعاً حتى في الحال التي لا يكون فيها مستبصراً
وقال ابن القيم في المدارج (1/362):" وفسق الإعتقاد كفسق أهل البدع
الذين يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر ويحرمون ما حرم الله ويوجبون ما أوجب الله
ولكن ينفون كثيرا مما أثبت الله ورسوله جهلا وتأويلا وتقليدا للشيوخ ويثبتون ما لم
يثبته الله ورسوله كذلك "
فسمى المقلد فاسقاً مبتدعاً ، وقد فصل في النونية في هذه المسألة فليراجع
وقال الخلال في السنة 658- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ ,
قَالَ : سَمِعْتُ هَارُونَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ :
جَاءَنِي كِتَابٌ مِنَ الرَّقَّةِ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا : لاَ نَقُولُ : مُعَاوِيَةُ
خَالُ الْمُؤْمِنِينَ , فَغَضِبَ وَقَالَ : مَا اعْتِرَاضُهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
, يُجْفَوْنَ حَتَّى يَتُوبُوا.
وهذا إسناد صحيح وهذه مسألة جزئية ومسألة خلافة علي أوضح من هذه
وقال الخلال في السنة 659- أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ
, وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ قَالَ : وَجَّهْنَا
رُقْعَةً إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : مَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَنْ قَالَ
: لاَ أَقُولُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَاتَبُ الْوَحْيِ , وَلاَ أَقُولُ إِنَّهُ خَالُ
الْمُؤْمِنِينَ , فَإِنَّهُ أَخَذَهَا بِالسَّيْفِ غَصْبًا ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
: هَذَا قَوْلُ سَوْءٍ رَدِيءٌ , يُجَانَبُونَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ , وَلاَ يُجَالَسُونَ
, وَنُبَيِّنُ أَمْرَهُمْ لِلنَّاسِ.
وهذا كالسابق والنجار قد اطلع على هذا كله ولكنه اجتنبه عمداً
وأما احتجاجه بصنيع بعض الأئمة مع ابن خزيمة لما أول حديث الصورة ، فيعارض
بصنيع الإمام أحمد مع أبي ثور في المسألة نفسها ، وقد روي عن أبي ثور الرجوع
وهذا رجاء بن حيوة يلعن مكحولاً لأنه يقول الحرام ليس من رزق الله
وهذا سفيان الثوري يهجر مسعراً ولا يصلي عليه مع أنه كان يقول الإيمان
قول وعمل لأنه كان لا يستثني
وهذا محمد بن نصر المروزي يهجره عامة علماء عصره لما قال الإيمان مخلوق
وهذه كلها مسائل جزئية صدرت من أناس أصولهم سلفية كما يقال اليوم
وما ينبغي أن نأخذ الشاذ ونجعله قاعدة ونترك القاعدة الكلية التي نصوا
عليها في كتب العقيدة وقارنت عامة تصرفاتهم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم