الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد رأيت بعض إخواننا يقول في المملكة العربية السعودية ( هذا البلد الأمين
) الذي أقسم الله عز وجل به في كتابه ، وكذا يقول ( هو البلد الذي تأوي إليه أفئدة
الناس )
وهذا خطأ فإن هذه الفضائل خاصة بمكة فقط
قال الطبري في تفسيره :" وإنما عني بقوله:( وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ
) : مكة"
وهذا الذي حصل من باب محاكمة الشرع إلى عرف الناس اليوم ، فإن العرب قديماً
تسمي مكة ( بلداً ) والطائف ( بلد ) و جدة ( بلد ) والمدينة ( بلد )
وإذا نظرت في معجم البلدان لياقوت الحموي لوجدته يسير على هذا فاعتبر مكة
بلداً غير المدينة غير الطائف
وهذا واضح ففي الحج لأهل مكة ميقات ولأهل المدينة ميقات آخر
قال الترمذي في جامعه بَابٌ فِي فَضْلِ مَكَّةَ
3925 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ،
عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ،
قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا عَلَى
الحَزْوَرَةِ فَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ
اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» : «هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ» وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، نَحْوَهُ
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ عِنْدِي أَصَحُّ»
فاعتبر الترمذي هذا الخبر في فضل مكة فقط ، فلا يجوز لمسلم أن ينزل هذه
الأدلة الطائف أو جدة فضلاً عن غيرها
ولما صنف تقي الدين الفاسي ( العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ) ، ترجم
للمكيين فقط حتى المدنيون لم يترجم لهم ، وكذا صنع السخاوي لما صنف في تاريخ المدينة
ترجم للمدنيين فقط
ونحن في هذا العصر صار عندنا توسع في فهم ( البلد ) و ( الوطن ) فالبلد
قديماً أضيق من الآن فالبصري لم يكن يعتبر ( واسط ) بلده والكوفي لم يكن يعتبر (بغداد
) بلده وإن كانت كلها تسمى العراق ، وما قاله بعض الشعراء والحكماء في حب الوطن إنما
يتناول الوطن بالمعنى اللغوي القديم ، وليس المعنى المحدث
أعلم جيداً أن هذا الطرح لا يروق لدعاة الوطنية ، ولكن ما عسانا لما صارت
الوطنية الجامحة سبباً لتغيير بعض المعاني الشرعية ، وعوداً على مسألتنا الأصل لا يجوز
أن تنزل الفضائل الواردة في مكة أو المدينة خاصة على كل المملكة العربية السعودية فيقال
مثلاً ( المملكة العربية السعودية البلد الأمين الذي أقسم الله به ) إنما أقسم الله
عز وجل بمكة فقط ، ولم يقسم بالطائف أو جدة فضلاً عن غيرها ، فكما لا يجوز أن يقال
( البلد الحرام ) في غير مكة والمدينة فكذلك لا يجوز أن يقال ( البلد الأمين ) في غير
، فلا يؤتى باسم يجمعها ويجمع غيرها ثم يذكر هذا اللقب فيتوهم السامع شمول هذا اللقب
لغيرها من البلدان أو ما يسمى بالمحافظات والمناطق
و المراد التنبيه على هذه المسألة لما زلت فيها بعض الأقدام لا ذم قطر معين أو مدحه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم