مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الرد على من أنكر وجود موقوف له حكم الرفع ...

الرد على من أنكر وجود موقوف له حكم الرفع ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
                                                       أما بعد :
 
فإن عصرنا هذا عصر العجائب بحق فكلما تعلم شخص شيئاً من العلم حرص على أن يحدث للناس بعض المفاهيم الجديدة ليحظى بشيء من وسم التجديد الموهوم في الدين

ومن ذلك ظهور رجل يدعى أبو الحارث الحسني ظهر بأطروحة أنه لا يوجد شيء اسمه موقوف له حكم الرفع وعلل ذلك في بعض المواطن أن الصحابة كانوا يأخذون عن بني إسرائيل

وعلى العموم هل وجد عن أحد من السلف أنه دفع اعتقاد أثر بأنه قد يكون مأخوذاً عن بني إسرائيل

هذا الأمر إنما كثر واشتهر في المتأخرين ينسبون للصحابة أنه كانوا يتكلمون بما لا يصح تصديقه ولا تكذيبه جازمين به ناشرين له !!

وقد استنكر أبو يعلى في إبطال التأويلات مثل هذا

والآن مع بعض البينات التي تدل على أن السلف كانوا يعاملون الموقوفات الواردة عن الصحابة معاملة المرفوعات زيادة على مجرد كونهم كانوا يذكرونها في كتب العقيدة

1_  وقال الدروي في تاريخه عن ابن معين 2543 :
 سَمِعت يحيى يَقُول شهِدت زَكَرِيَّا بن عدي سَأَلَ وكيعا فَقَالَ يَا أَبَا سُفْيَان هَذِه الْأَحَادِيث يعْنى مثل حَدِيث الْكُرْسِيّ مَوضِع الْقَدَمَيْنِ وَنَحْو هَذَا فَقَالَ وَكِيع أدركنا إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد وسُفْيَان ومسعر يحدثُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث وَلَا يفسرون بِشَيْء.

قوله ( هذه الأحاديث ) وذكر الكرسي موضع القدمين وهو أثر موقوف على ابن عباس يدل على أنه يعتبره له حكم الرفع

2_ وقال حرب الكرماني في مقدمة عقيدته :
" هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أوعاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم فكان من قولهم".

فذكر اعتقاداً ومنه قوله: "والله تبارك وتعالى على العرش، والكرسي موضع قدميه، وهو يعلم ما في السماوات السبع".
3_  وقال أبو منصور الأزهري في "تهذيب اللغة" (10/54):
 "قلت والصحيح عن ابن عباس في الكرسي ما رواه الثوري وغيره عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: الكرسيُّ: موضع القدمين، وأما العرش فأنه لا يُقدر قدره، وهذه رواية اتفق أهل العلم صحتها، والذي روي عن ابن عباس في الكرسي أنه العلم ، فليس مما يثبته أهل المعرفة بالأخبار".

وقال اللالكائي في السنة 733 : أخبرنا أحمد بن محمد بن الجراح ، ومحمد بن مخلد ، قالا : ثنا عباس بن محمد الدوري ، قال : سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام ، وذكر عنده هذه الأحاديث :
 ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده ، وقرب غيره ، والكرسي موضع القدمين ، وأن جهنم لتمتلئ فيضع ربك قدمه فيها ، وأشباه هذه الأحاديث ؟
 فقال أبو عبيد : هذه الأحاديث عندنا حق يرويها الثقات بعضهم عن بعض إلا أنا إذا سئلنا عن تفسيرها قلنا : ما أدركنا أحدا يفسر منها شيئا ونحن لا نفسر منها شيئا نصدق بها ونسكت.

4_ قال الدارمي في الرد على المريسي (179) فَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَنَّ وَكِيعًا سُئل عَنْ حَدِيثِ عبد الله ابْن عَمْرٍو: «الجَنَّةُ مَطْوِيَّةٌ مُعَلَّقَةٌ بِقُرُونِ الشَّمْس» (1)؟ فَقَالَ وَكِيعٌ: هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، قَدْ رُوِيَ فَهُوَ يُرْوَى، فَإِنْ سَأَلُوا عَنْ تَفْسِيرِهِ لَمْ نُفَسِّرْ لَهُمْ، وَنَتَّهِمُ مَنْ يُنْكِرُهُ ويُنَازِعُ فِيهِ، والجَهْمِيَّةُ تُنْكِرُهُ.

فانظر هجمته على منكره مع كونه موقوفاً على ابن عمرو

5_  وقال الدارمي في الرد على المريسي ص594 :" وَاجْتَمَعَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ سَمَّوْهُمُ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يَزَالُوا يَأْثِرُونَ عَنْهُمْ بِالْأَسَانِيدِ كَمَا يَأْثِرُونَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَيَحْتَجُّونَ بِهِمْ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَيَرَوْنَ آرَاءَهُمْ أَلْزَمَ مِنْ آرَاءِ من بعدهمْ، للاسم تَابِعِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى لَقَدْ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: "وَلَا تُفْتِ النَّاسَ بِرَأْيِكَ" فَقَالَ: "رَأْيُنَا لَهُمْ خَيْرٌ مِنْ آرَائِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ"

6_ قال الآجري في الشريعة باب الإيمان بأن الله عز وجل يضحك قال محمد بن الحسين : رحمه الله : اعلموا وفقنا الله وإياكم للرشاد من القول والعمل أن أهل الحق يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه عز وجل ، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبما وصفه به الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا مذهب العلماء ممن اتبع ولم يبتدع

7_ وقال الإمام أحمد في رسالته للمتوكل : ولست بصاحب كلام ولا أرى الكلام في شئ إلا ما كان في كتاب الله أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصابه رحمهم الله أو عن التابعين فأما غير ذلك فالكلام فيه غير محمود

والأدلة في ذلك كثيرة وانظر إلى قبولهم أثر مجاهد في المقام المحمود مع استنكارهم لروايته مرفوعاً
قال شيخ الإسلام في درء تعارض النقل والعقل (5/ 237) :" وقد صنف القاضي أبو يعلى كتابه في إبطال التأويل ردا لكتاب ابن فورك وهو وإن كان أسند الأحاديث التي ذكرها وذكر من رواها ففيها عدة أحاديث موضوعة كحديث الرؤية عيانا ليلة المعراج ونحوه وفيها اشياء عن بعض السلف رواها بعض الناس مرفوعة كحديث قعود الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة وهي كلها موضوعة وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه ويتلقونه بالقبول وقد يقال إن مثل هذا لا يقال إلا توقيفا لكن لا بد من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول وما ثبت من كلام غيره سواء كان من المقبول أو المردود " - See more at:

وهذا الكلام من الشيخ يبين ما حصل عند المعترض من لبس وهو يقول هم كانوا يعلون المرفوعات بالوقف ولا يدري أن هذا الإعلال لا ينفي الحجية

فهذا نظير أن يختلف الحديث هل هو مسند الصحابي فلان أو من مسند الصحابي فلان ويكون سواء صح لهذا أو صح لهذا فهو حجة ولكن المحدثين يحبون الدقة والتفصيل

وكثير منهم أعل خبر توقيت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل العراق ذات عرق وجعلوه موقوفاً على عمر ومع ذلك لم يتخلف فقيه عن القول به

وهناك خبر من ملك ذا رحم فهو حر أعل بالوقف على عمر وهو قول عامة أهل العلم بل نقلوه إجماعاً فالإعلال لا ينفي الحجية حتى في الفقه فكيف إذا كان أمراً لا مدخل للرأي فيه

وإذا كان مثل ابن عباس وابن عمرو تقبل آثارهم الموقوفة فما عسى يقال في مثل ابن مسعود وحذيفة وعلي بن أبي طالب ؟

قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص88 :
" نحن نقول إنه ليس بمنكر أن يخالف ابن الحنفية ابن عباس ويخالف علي عمر وزيد بن ثابت ابن مسعود في التفسير وفي الأحكام .
وإنما المنكر أن يحكوا عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرين مختلفين من غير تأويل.
 فأما اختلافهم فيما بينهم فكثير فمنهم من يعمل على شيء سمعه ومنهم من يستعمل ظنه ومنهم من يجتهد رأيه ولذلك اختلفوا في تأويل القرآن وفي أكثر الأحكام غير أن ابن عباس قال في الحجر بقول سمعه: ولا يجوز غير ذلك لأنه يستحيل أن يقول كان أبيض وهو من الجنة برأي نفسه "

فهنا ابن قتيبة يجزم بأن أثر ابن عباس الموقوف في الحجر الأسود له حكم الرفع لأنه يستحيل أن يقول في هذه المسألة الغيبية برأي نفسه

وقال ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب (1/340) :" وكيف يجزم بأن الذي ورد من ذلك إنما هو من افتراء اليهود مع أن عليا وابن عباس وابن عمر و غيرهم ثبت عنهم الإنكار على من سأل اليهود عن شيء من الأمور "

قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (6/ 398_ 404) :
" قال الشيخ أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي ، في كتابه الذي سماه ( الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاماً لأهل البدع والفضول ) ذكر فيه الأئمة الأثني عشر المتبوعين في العلم ، وهم : الشافعي ومالك وسفيان الثوري وأحمد ابن حنبل والبخاري وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك والأوزاعي والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه ، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان .

وقد ذكر في ترجمة سفيان بن سعيد الثوري أنه سئل عن قوله تعالى : ( وهو معكم أينما كنتم ) قال : علمه .

ثم ذكر في أثناء الترجمة : (( فإن قيل فقد منعتم من التأويل ، وعددتموه من الأباطيل ، فما قولكم في تأويل السلف ؟ وما وجهه ؟ نحو ما يروى عن ابن عباس في معنى ( استوى ) : استقر ، وما رويتم عن سفيان في قوله ( وهو معكم ) قال علمه

الجواب : قلنا لعلتين لا ثالث لهما .
 على أن الجواب عن السؤال أن يقال : إن كان السلف صحابياً فتأويله مقبول متبع ، لأنه شاهد الوحي والتنزيل ، وعرف التفسير والتأويل .
 وابن عباس من علماء الصحابة وكانوا يرجعون إليه في التأويل ، وكان يقول أنا من الراسخين في العلم .
 إذ كان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ظهراني الأئمة الأربعة ، وسائر المشايخ من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين يدأب ليلاً ونهاراً في البحث والتسآل عن النساء والرجال الذين عرفوا تأويل ما لم يعرفه في صغره ، وشاهدوا تنزيل ما لم يشاهده في حاله من كبره ، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعرفة التأويل ، وكان رديفاً له فقال : ( اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين )
وكان لعمر مجلسان في كل يوم ، مجلس لكبار الصحابة ومشايخهم ، ومجلس لشبانهم وكان يأمر ابن عباس أن يحضر مع كبار الصحابة مجلسه ، فكانت إذا ألقيت عليهم مسألة يجيبون فيها ، قال لابن عباس : (( غص يا غواص دس يا دواس )) ، إذا أجاب ابن عباس بجواب صوبه وقرره .

وإذا تقرر أن تأويل الصحابة مقبول فتأويل ابن عباس أولى بالاتباع والقبول ، فإنه البحر العباب وبالتأويل أعلم الأصحاب ، فإذا صح عنه تأويل الاستواء بالاستقرار وضعنا له الحد بالإيمان والتصديق "

وهذا باب واسع لا ينحصر وما كنا نظن أننا سيأتي يوم ونحاول التدليل فيه على وجود مثل هذه الأمور عند أقوام يدعون زوراً وبهتاناً اتباع منهج المتقدمين
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي