مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نيتشة : الشفقة رذيلة في قانون الانتخاب الطبيعي ...

نيتشة : الشفقة رذيلة في قانون الانتخاب الطبيعي ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
                                                       أما بعد :

قال نيتشة في كتابه عدو المسيح :" الشفقة في عمومها تتجرأ على قانون التطور الذي هو قانون الانتخاب تحافظ على الذي صار مهيأ لغروبه تكافح لأجل المحرومين في الأرض والمدانين من الحياة وتعطل الحياة ذاتها عبر استبقائها في الحياة لوفرة من الخائبين من كل جنس كهيئة كاسفة ومريبة

لقد اجتريء على أن تدعى الشفقة فضيلة ( وهي التي تعد أي أخلاق نبيلة ضعفا ) وذهب إلى أبعد من ذلك بإنشاء الفضيلة منها وجعلها الأرضية والأصل لكل فضيلة لكن فقط _ وهذا ما يجب أن يكون دائماً مأخوذاً في الحسبان _ من خلال نظر فيلسوف عدمي قد كتب فوق مجنه شعار إنكار الحياة

شوبنهور بسببها كان إزاء هذا عبر الشفقة أنكر الحياة ومن خلالها جعلها أكثر مستحقية للإنكار

الشفقة هي ممارسة العدمية

أقول مرة أخرى هذه الدوافع المثبطة للعزم والممرضة التي تتجرأ على تلك الغرائز التي كغاية إلى حفظ الحياة وإلى زيادة وإعلاء قيم الحياة

وإنها بالطريقة ذاتها بمقدار ما تكاثر البؤس كونها حامية للبؤساء فإنها أداة أساسية في تضخيم الانحطاط

الشفقة تقود إلا اللاشيء ولا يقال اللاشيء بل الأفضل أن يقال الأبعد العالم الآخر الله أو الحياة الحقيقية أو النرفانا أو الخلاص أو المجد

هذه البلاغة البريئة المتأتية من مملكة الجبلة الأخلاق دينية تبدو حالاً على أدنى قدر من البراءة عندما يفهم أي نزوع تحت عباءة هذه الكلمات الرفيعة

النزوع المضاد للحياة شوبنهور صار معادياً للحياة وبهذا حولت الشفقة إلى فضيلة

كما هو معروف فإن أرسطوطاليس رأى في الشفقة حالة مرضية وخطرة يجب أن تعامل حيناً بعد حين بالتطهير لقد فهم التراجيديا كمطهر " إلى آخر كلامه

والتعليق على كلامه من عدة نقاط

أولاً : يلاحظ أنه اعتبر الشفقة معنى منحطاً واستند في ذلك إلى الانتخاب الطبيعي ونظرية دارون والمبنية على أن البقاء للأصلح وقال أن الشفقة على الفشلة الذين حان موتهم أو فناؤهم مناقضة للقانون الطبيعي

وهذا نفس ما شرحه هربرت سبنسر

ولقد عالج سبنسر مسألة الإحسان، وبخاصة الإحسان المنظم من الدولة، فكان موقفه فيها موقف الأنانية القاسية, قال: إن الإحسان معارض للقانون الطبيعي الذي يقضي ببقاء الأصلح، ومؤدٍّ إلى انحطاط النوع الإنساني بالتدريج, إذ إنه يعارض على تكاثر أقل الأفراد مواهب على حساب أكثرهم مواهب، وإن الفريق النشيط من الأهلين يدفع جزية ثقيلة لفريق عديم النفع هم الشيوخ والمرضى والمجانين، وإن تقدم الأقوياء وسقوط الضعفاء نتيجة ضرورية لقانون كل مستنير نافع، وإن الدولة إذ تحاول وقف هذا القانون الحكيم بدافع من حب للإنسانية زائف، تزيد في مقدار الألم بدل أن تنقص منه 1. هذا كلام قاسٍ يتضح مه جليا أن سبنسر لا ينظر إلى الإنسان إلا كما ننظر إلى الحيوان، ولا يفهم من الغيرية إلا أنها تبادل المنفعة. ويزيد في قسوته أن كثيرين من "الضعفاء" هم ضحايا لفساد المجتمع, فهم مظلومون يتعين على المجتمع تخفيف الظلم عنهم. وما قيمة "الجزية" بالقياس إلى ازدياد الغيرية الحقة التي يراها سبنسر غاية التطور الإنساني، وبالقياس إلى احترام الكرامة الإنسانية في هؤلاء الضعفاء، وهذا الاحترام كسب خلقي من غير شك, ولكن المذهب المادي لا يعرف الخلقية، وسبنسر ينطق عنه بأفصح بيان. وقد بذل مجهودًا عظيمًا في شرحه وتأييده، فراح مجهوده عبثًا, وكان هو آخر رجال هذا المذهب في بلده

ولا يمكن للملحد المعاصر أن يكون أحسن فهماً لنظرية التطور من نيتشة وسبنسر

وواضح جداً ان فلسفة نيتشة ودارون وضعت أساساً للنازية والفاشية وللتصفية العرقية التي أشار إليها بوضوح نيتشة

وستالين كان شيوعياً حتى قرأ لنيتشة فتحول للفاشية وارتكب ما ارتكب من الجرائم

النازية والفاشية والماوية لم تكن تعرف كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ولا الإسلام ومع ذلك وصلت إلى أعلى درجات الإجرام التي يتصورها بشر

وانظر لنيتشة حيث يخالف كل البشر ويعتبر الشفقة والرحمة انحطاطاً ومع ذلك كتب هؤلاء لا تمنع بل يسمح بها وتترجم لعدة لغات ولا تعتبر مروجة للإرهاب ! فقط لأنهم يتكلمون باسم الإلحاد ونقد الدين !

النقطة الثانية : نيتشة بهذا هدم النظرية من حيث أنه أراد الاحتجاج بها فإن الشفقة شعور موجود في عامة البشرية ولا تفقد إلا في أقلهم فإذا كانت تناقض القانون الطبيعي فهو ليس قانوناً والبشر ليسوا آلات كما يدعي نيتشة بل لهم إرادة حرة وروح وهم أمر زائد على المادة لهذا هم قادرون على التسامي على القانون الطبيعي وهذا ينسف المذهب المادي بالكلية ويرجعنا إلى الإيمان بالله فالروح والإرادة الحرة لا يمكن أن تكون إلا منحة الله لأنها أسمى من القوانين المادية ومتعالية عليها بل تناقضها

وقد حاول بعض التطوريين المعاصرين كدوكنز التخلص من هذا الإشكال بإرجاع الأمر للجين الأناني بمعنى أنك تتعاطف معه لأن جيناته كجيناتك وهذه فكرة فلسفية لا دليل عليها بل يرد عليها تعاطف الإنسان مع الحيوانات بل حقده على الإنسان لأسباب روحية وغير مادية مع شفقته على الحيوانات وهذا يعني التسامي على القانون الطبيعي أيضاً

ولهذا التزم دوكنز أننا ينبغي أن نعامل الحيوانات كما نعامل البشر وأن قبولنا بوقوع الشيء للحيوان وعدم قبول وقوعه للبشر تناقض ولهذا يعلل إجهاض الجنين بأنه لا يختلف عن أي حيوان نقتله في العادة

ونفور عامة البشر من هذه المذاهب يدل أنها ليست تفسيرياً طبيعياً صحيحاً لأننا إذا كنا نتاج المادة فإن أفكارنا ستكون متسقة معها ولا يمكننا الخروج عما ترسمه

النقطة الثالثة : من الأمور المضحكة المبكية أن الملاحدة ينشرون كتب نيتشة وكتب دوكنز معاً مع أن نقدهما للدين متناقض تماماً

فنيتشة يعتبر الدين سبب الضعف والرحمة والشفقة ( ويعني بذلك النصرانية بالذات )

ودوكنز ينسب للنصرانية عكس هذا وأنها سبب الشرور والحروب

فيمكنك أن تأخذ نقد نيتشة على النصرانية واقتباساته من كتبهم لترد بها على دوكنز وتفعل العكس وسينجح الأمر !

يقول نيتشة : " بأي شيء ينفع إله لا يعرف الغضب والانتقام والسخرية " إلى آخر كلامه

هذه عين الصفات التي عابها دوكنز على إله العهد القديم ! فنيتشة يراها صفات هامة للإله لكي يلهم العباد لتوجيه هذه الأمور ضد الشر الذي يرونه 

وعامة اعتراضات الملاحدة اليوم على الدين تنعكس بشكل أقوى على الداروينية والنيتشوية خصوصاً فيما يتعلق بالجهاد والسبي واستدلالتهم الإباحية بالداروينية ( كاستدلالهم ببعض مفاهيمها على إباحة الإجهاض وإباحة اللواط ) ينبغي أن تبرر الاستدلال بالداروينية أيضاً على ممارسات الفصل العنصري والإبادة العرقية وعدم الشفقة على المعاقين والمرضى 

ومن الأمور التي انتقدها نيتشة على النصرانية نص لا تدينوا فتدانوا واعتبره مناقضة لقانون العدالة في إدانة الأشرار علماً أن هذه القيمة اليوم ينادي بها عامة الإنسانيين من الملاحدة وغيرهم فيقول المتدين منهم دع الخلق للخالق ويقول غير المتدين لا تحكم على الآخرين

وكلهم لا يريدون المعنى الذي حمل به نيتشة نص الكتاب المقدس عند النصارى وبناء عليه كثير من نقد نيتشة للنصرانية يعتبر دعاية لها باعتبارات الثقافة الغربية العصرية المتأثرة بما بعد الحربين العالميتين

ويقول نيتشة : " إن الإسلام لدى احتقاره للمسيحية يمتلك ألف مرة الحق أن يفعل

إذ الإسلام يتطلب رجالا"

ويعني بذلك قيم التسامح المبالغ بها في النصرانية في نظره وهذا اليوم هو يعسوب تفضيل الملحد المتأثر بالقيم الغربية للنصرانية على الإسلام !

وفي نظري نقد نيتشة للنصرانية فيه حق كثير مثل نقده لمفهوم الخطيئة الأصلية وصلب الإله إلا أنه فيه باطل كثير أيضاً

وعامة نقد الماديين للأديان حتى الباطلة فيه جور ومين ظاهر لمن أعطاه الله البصيرة والإنصاف

والإحسان للفقراء والضعفة أمر عظيم وليس إفساداً للمجتمع كما يفكر هؤلاء بل هو تشجيع لهم على القيام من جديد والمساهمة الفعالة وفي الإسلام لا يجعل الفقير كالغني من كل وجه ولكن لا يترك بل له حق معلوم يكفيه ويعفيه من التسول ويقويه

بل الزكاة في الإسلام نظام عظيم غاية إذ اشتراط أن يبقى المال في يد الغني حولاً كاملاً قيد هام لكي يكون إذا دفع المال للفقير يخرج المال من يد مائلة للادخار إلى يد مائلة للإنفاق مما سيحرك السوق ويوفر فرص عمل جديدة هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي