مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: براءة عبد العزيز بن أبي الماجشون من تجويز الغناء والمعازف

براءة عبد العزيز بن أبي الماجشون من تجويز الغناء والمعازف



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
 
قال الخليلي في الإرشاد :" عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ مُفْتِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ , سَمِعَ الزُّهْرِيَّ , وَعَبْدَ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ , وَغَيْرَهُمَا , رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ , مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ , يَرَى التَّسْمِيعَ وَيُرَخِّصُ فِي الْعُودِ"

أقول : الخليلي لم يدرك ابن الماجشون ولعله اختلط عليه بعمه الذي كان إلى العامية أقرب وكان يجالس عمر بن عبد العزيز فلما تزهد عمر تركه وسبب اسبتعادي لكون هذا ثابتاً عن ابن الماجشون أنه روى آثاراً واضحة في كراهية الغناء والمعازف

قال الدينوري في المجالسة  2867 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، نا أَبُو قِلابَةَ، نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ؛ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ عِبَادِي الَّذِينَ كَانُوا يُنَزِّهُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَسْمَاعَهُمْ عَنِ اللهْوِ وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ؟ أَحِلُّوهُمْ رِيَاضَ الْمِسْكِ، وَأَخْبِرُوهُمْ أَنِّي قَدْ أَحْلَلْتُ عَلَيْهِمْ رِضْوَانِي.

وهذا الأثر ثابت من طريق مالك عن ابن المنكدر التابعي الجليل الذي كانت عائشة ابنة خاله ولا شك أنه حمل هذا عن أصل وقد روى هذا الأثر عنه الإمام مالك مقراً مستحسناً
قال ابن بطال في شرح البخاري :" وقد جاء فيمن نزه سمعه عن قليل اللهو وكثيره ما روى أسد بن موسى، عن عبد العزيز بن أبى سلمة، عن محمد بن المنكدر قال: بلغنا أن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين عبادى الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان، أحلوهم رياض المسك، وأخبروهم انى قد أحللت عليهم رضوانى"

ومثله قال القرطبي وقال صاحب التوشيح فالخبر معروف عن ابن الماجشون فهو عبد العزيز بن أبي سلمة

قال البخاري في الأدب المفرد 784 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِلَى السُّوقِ، فَمَرَّ عَلَى جَارِيَةٍ صَغِيرَةٍ تُغَنِّي، فَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَوْ تَرَكَ أَحَدًا لَتَرَكَ هَذِهِ.

قرن ابن عمر لغناء الجارية بالشيطان يدل على أن الأصل عنده في الغناء التحريم إلا ما استثني ومثل هذا لا يعلم إلا بتوقيف كأثر ابن مسعود الآخر الذي نسب فيه الغناء صريحاً للشيطان

قال ابن أبي الدنيا  حَدثنا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا رَكِبَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ، وَلَمْ يُسَمِّ رَدِفَهُ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: تَغَنَّهْ، فَإِنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُ، قَالَ لَهُ: تَمَنَّهْ.

وهو صحيح

وقال البيهقي في الشعب نقلاً عن ابن أبي الدنيا 4748- قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُون، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِجَارِيَةٍ صَغِيرَةٍ تُغَنِّي، فَقَالَ: لَوْ تَرَكَ الشَّيْطَانُ أَحَدًا لَتَرَكَ هَذِهِ.
فلا يعقل وهو الفقيه أن يروي مثل هذا ثم يذهب لإباحة هذا الأمر

وقال الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 169 - قال : وحدثني أبي قال ، : حدثني إسحاق بن عيسى الطباع ، قال : سألت مالك بن أنس عما يترخص فيهأهل المدينة من الغناء ؟ فقال : « إنما يفعله عندنا الفساق

وقال أيضاً 171 - وأخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت محمد بن يحيى القطان ، يقول : « لو أن رجلا ، عمل بكل رخصة : بقول أهل الكوفة في النبيذ ، وأهل المدينة في السماع - يعني الغناء - وأهل مكة في المتعة ، أو كما قال : لكان به فاسقا » ».
والغناء الذي أباحه بعض الناس ليس فيه استماع الرجل للمرأة الأجنبية عنه والتلذذ بنغمتها فهذا يحرمه حتى ابن حزم ولا يبيحه إلا منحل والعجب ممن يترك كلام الفقهاء وكبار التابعين والصحابة ويتشبث ببعض رواة الحديث ممن لم يعرف بالفقه من أنه ابتلي بشيء من هذا منهم عبد الملك بن الماجشون ابن عبد العزيز هذا وما روى أبوه حجة عليه وعلى غيره
وقال الأثرم: قلت لأحمد: إن عبد الملك بن الماجشون يقول في سند: أو كذا؟ قال: من عبد الملك؟! عبد الملك من أهل العلم؟! من يأخذ من عبد الملك؟!. «تهذيب التهذيب» 6/ (857)

على أن عبد الملك هذا لم يذكر أحد ممن تقدم عنه الولع بسماع الغناء سوى ابن عبد البر ، وابن عبد البر له نقولات ينفرد بها مستغربة وعموماً لم يدرك ابن الماجشون ولم يذكر سنده في الحكاية

ومن آل بيت الماجشون رجل اسمه يوسف بن يعقوب ابن الماجشون نسب إليه تجويز السماع ويبدو أنه ثابت عليه وما رواه عمه حجة عليه ولعله بسببهم وبسبب جدهم اشتبه الأمر فنسب من لا يعرف عنه هذا من أهل هذا البيت إلى تجويز الأمر 



وقد قال الذهبي في السير عن الخليلي :" وَلَهُ غَلطَاتٌ فِي (إِرشَادِه) " ويبدو أن هذا منها



قَالَ ابن المنذر: أجمع كُلّ من نحفظ عنه من أهل العلم عَلَى إبطال إجارة النائحة والمغنية. الشرح الكبير 6/ 28.

ولو كان حلالاً عندهم ما قرنوه بالنياحة وابن المنذر إنما يتكلم عن الفقهاء، وإنما نقل الإجماع لأنه لم يعتبر من قدمنا ذكره لأنهم ليسوا من أهل الفتيا والاجتهاد

وإنني لأعجب من عبد الله الجديع يضعف أثراً يرويه إبراهيم النخعي عن ابن مسعود وقد علم أهل الحديث مكانة هذه الرواية في أن الغناء ينبت النفاق في القلب ويكفيك أن الإمام أحمد يحتج بهذا الأثر

ثم إذا جاء لقصة لبعض المحدثين أنه يسمع الغناء وفي سندها ضعف يقرر أن الآثار يتجوز فيها !

وقد قلده في كل بلائه عدنان إبراهيم غير أنه أحال عليه بوضوح



هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي