مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نقض طعن عدنان إبراهيم في عيينة بن حصن الفزاري ...

نقض طعن عدنان إبراهيم في عيينة بن حصن الفزاري ...



أما بعد :


فإن عدنان إبراهيم في خطبته (الإسلام والرق تحرير أم استعباد ) عرضت مناسبة ليذكر بعض ما يظن أنه يثلب به الصحابي عيينة بن حصن الفزاري فسبه وشتمه وقال ( تفي عليك ) بالعامية ونعته بالكلب وتحول إلى إنسان سوقي تماماً

وذكر أن عمر بن الخطاب وصفه ب( الأحمق المطاع ) والواقع أن هذا لا أصل له عن عمر وإنما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بخبر منكر

وقال  ابن حجر في الإصابة (2/ 324) :" قال إبراهيم النخعي: جاء عيينة بن حصن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة فقال: من هذه وذلك قبل أن ينزل الحجاب فقال: " هذه عائشة " فقال: ألا أنزل لك عن أم البنين فغضبت عائشة وقالت: من هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا الأحمق المطاع " يعني في قومه رواه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الأعمش عنه مرسلا ورجاله ثقات".

وقد بين الذهبي نكارة هذا الخبر في سير أعلام النبلاء (3/ 447) فقال :" وأبو الحَسَنِ المَدَائِنِيُّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: دَخَلَ عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنٍ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الحِجَابُ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الحُمَيْرَاءُ يَا رَسُوْلَ اللهِ? قَالَ: "هَذِهِ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ" قَالَ: أَفَلاَ أَنْزِلُ لَكَ، عَنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ? قَالَ: "لاَ" فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ هَذَا يَا رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: "هَذَا الأَحْمَقُ المُطَاعُ فِي قَوْمِهِ".

هَذَا حَدِيْثٌ مُرْسَلٌ وَيَزِيْدُ مَتْرُوكٌ وَمَا أَسْلَمَ عُيَيْنَةُ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الحِجَابِ. وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّ كُلَّ حَدِيْثٍ فِيْهِ: يَا حُمَيْرَاءُ لَمْ يَصِحَّ".
-

فهذا الرجل عنده استعداد أن ينكر المتواترات ويشكك في أي رواية ثم يعتمد المكذوب إذا كان فيه ثلب صحابي

وأما القصة التي اعتمدها عدنان وعلق بتلك التعليقات

فما روى النسائي  6515 - أخبرنا عمرو بن زيد قال حدثنا بن أبي عدي قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال Y كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ أتته وفد هوازن فقالوا يا محمد إنا أصل وعشيرة وقد نزل بنا من البلاء ما لا يخفي عليك فامنن علينا من الله عليك فقال اختاروا من أموالكم أو من نسائكم وأبنائكم فقالوا قد خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا بل نختار نساءنا وأبناءنا وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فإذا صليت الظهر فقوموا فقولوا إنا نستعين برسول الله على المؤمنين أو المسلمين في نسائنا وأموالنا فلما صلوا الظهر قاموا فقالوا ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم وقالت الأنصار ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة بن حصن أما أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس بن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقامت بنو سليم فقالوا كذبت ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أيها الناس ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم فمن تمسك من هذا الفيء بشيء فله ست فرائض من أول شيء يفيئه الله عز و جل علينا وركب راحلته وركب الناس اقسم علينا فيأنا فألجؤوه إلى شجرة فخطفت رداءه فقال يا أيها الناس ردوا علي ردائي فوالله لو أن لكم مثل شجر تهامة نعما قسمته عليكم ثم لم تلقوني بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا ثم أتى بعيرا فأخذ من سنامه وبرة بين أصبعيه ثم قال ها إنه ليس لي من الفيء شيء ولا هذه إلا الخمس والخمس مردود فيكم فقام إليه رجل بكبة من شعر فقال يا رسول الله أخذت هذه لأصلح بها بردعة بعير لي فقال أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك فقال أو بلغت هذه فلا أرب لي فيها فنبذها وقال يا أيها الناس أدوا الخياط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله عارا وشنارا يوم القيامة.

فأولاً : نعلم أن عدنان إبراهيم ينكر قصة بني قريظة على تواترها وينكر أخباراً متواترة ثم هو يحتج هنا بخبر انفرد به ابن إسحاق

ثانياً : عدنان يكذب عكرمة وهو خير من ابن إسحاق

ثالثاً : هو لا يقبل خبر الأحكام إلا باثنين فلماذا يطعن بمسلم بخبر واحد !

رابعاً : ليس في الخبر أي طعن سوى أن النبي صلى الله عليه وسلم خيره فاختار المفضول وما أحسن إحسان المهاجرين والأنصار ومن مثلهم

وفي هذه الخطبة ادعى دعاوى متناقضة فمن ذلك ادعى أنه لا رق في الحرب واستدل بالآية ( فإما منا بعد وإما فداء ) وهذه الآية أخذت مأخذ الغالب فالكلام فيها عن الكافر المقاتل وهذا في العادة يفادى أو يقتل ، وإلا كيف آخذ كافراً للتو هو متقلد سيفه وأضعه في بيتي !

لهذا السبي في الغالب يكون للنساء والذرية ، والاسترقاق للرجال في غالبه لا يكون في الحرب وقد اعترف عدنان نفسه أن هناك فرقاً بين الأسر والسبي

وفي هذه الخطبة ادعى أن الإسلام يحرم الرق مطلقاً ولكن بتدرج

فإن ما يقول صحيحاً على إطلاقه فلم قيد الإيمان في عدد من الكفارات

( فتحرير رقبة مؤمنة )

( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً ) وعدنان انتصر إلى أن الخير هو الإسلام

وحكمة الإبقاء على بعض الرق أعمق من تفكير عدنان ، والذي يظن أن الرق قد انتهى مسكين فالذي يمارس في السجون اليوم أخبث من الرق وكل حرب يقع فيها اغتصاب كثير

فأين هذا من السبي _ الخاص بالكتابيات _ والتي لا يطؤها إلا بعد استبرائها ويحرزها من غيره فلا يسمها أحد سواه ويلزمه إطعامها وتلتزم حجاباً خاصاً بها وإذا أسلمت فأعتقها وتزوجها كان له أجران ، وإذا ضربها على وجهها وجب عتقها

وهذه أحكام لا يعرفها عدنان ، والخدم ضرب من ضروب الاسترقاق وفي كثير من أحواله هو استرقاق تام إلا أنه لا عتق فيه ولا مخرج منه كالرق القديم

ومن سخافة عدنان إنكاره على الفقهاء قولهم بأن العبد لا صلاة جمعة تجب عليه ولا زكاة فطر ولا حج

وهذه أحكام من التخفيف عليه بل هناك أسقط عنه عدداً من الحدود وأنت تقول أن الإسلام تدرج ففي مرحلة التدريج ألا يخفف عن الرقيق

وأما كون العبد ليس له إلا زوجتين فقط ، فعدنان يجهل أنه يجوز له التسري عند عدد من العلماء ، وإذا كان الأمر تدرج كما يقول عدنان _ وهو حقاً في الأرقاء المسلمين _ فكثرة زوجات الرقيق يكثر أبناؤه الأرقاء ويضاعف المشكلة


والزواج عقد مناسبة فلما كانت مكانة هذا الإنسان باعتبار العرف العام أدنى خصت له أحكام ، ولكي يطلب الحرية ولكي يكون من يعتقه أفاده امتيازات

فماذا يريد عدنان هل يريد أن يكون الرقيق في زمن التدرج كل أحكامه كأحكام الحر تماماً

ونسي عدنان أن عليه نصف حد الزنا ، فناسب كونه في الجريمة متسامح معه في العقوبة أن يكون في الحلال على النصف من الحر

وأجمع العلماء على أنه لا رجم على الرقيق نهائياً ولو تزوجوا

قال ابن قدامة في المغني :"  الرَّابِعُ، الْحُرِّيَّةُ وَهِيَ شَرْطٌ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ كُلِّهِمْ، إلَّا أَبَا ثَوْرٍ: قَالَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ هُمَا مُحْصَنَانِ، يُرْجَمَانِ إذَا زَنَيَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ إجْمَاعٌ يُخَالِفُ ذَلِكَ. وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فِي الْعَبْدِ تَحْتَهُ حُرَّةٌ: هُوَ مُحْصَنٌ، يُرْجَمُ إذَا زَنَى، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ، لَمْ يُرْجَمْ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ تُخَالِفُ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] "

فإذا كانت له هذه الخصوصية في إسقاط العقوبات ثم في الزواج يصير كالحر من كل وجه صار الرقيق أفضل من الحر ! وإنما العدل أنه متى نصفت عنه العقوبة وأسقطت عنه العقوبة الشديدة القاتلة ، كانت أحكام الزواج في حقه فيها تنصيف على الحر لكي لا يستروح للرق ويبقى رقيقاً طوال عمره لكي لا تصيبه العقوبات الكبيرة، ومثل هذا يقول في أمر كون حيضة الأمة حيضتين

ولكن هذا الفقه لا يفهمه عدنان

ومن ذلك إنكاره على الفقهاء قولهم أن الأسير إذا أسلم جاز استرقاقه ، وأما إذا كان كافراً فالقتل أو المفاداة أو المن

فقال أن الكافر أحسن خيارات !

وهذا من نقله المجتزأ فالفقهاء يجيزون أيضاً استرقاق الكافر الحربي ولكن إذا كان مقدوراً عليه ففي العادة يكون قوياً فتياً لا يقدر عليه إلا بالقيود

والأسير الذي أسلم يجوز المن عليه بل يستحب ولكن إذا علمنا أنه أسلم طواعية لهذا الفقهاء يفرقون بين من أسلم قبل أن يقدر عليه فهذا يسقط في حقه كل شيء وأما من أسلم بعد أن قدرنا عليه ففي إسلامه شبهة لا يعطيه كل الحقوق فإن تأكد إسلامه كانت هناك المكاتبة أو الكفارات أو أي أمر يعتق به

وهذه الدقة من الفقهاء لا يفهمها عدنان فيذهب يقل أدبه عليهم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي