مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نقض طعن عدنان إبراهيم في الإمام أحمد وابن تيمية

نقض طعن عدنان إبراهيم في الإمام أحمد وابن تيمية



أما بعد :


قال عدنان إبراهيم في خطبته المخالف بين العذر والقتل :" الإمام أحمد كان يقول إن قلت أن القران مخلوق فأنت مبتدع وان قلت غير مخلوق فأنت مبتدع !
الإمام الكرابيسي العلامة الشافعي الامام الكبير صاحب التصانيف الجليل قال ماذا نفعل بهذا الصبي كان أسنّ من الإمام احمد قال ماذا نفعل إن قلنا مخلوق قال بدعة وإن قلنا غير مخلوق قال بدعة طبعا كلمة عظيمة ماكان ينبغي أن تقال لإمام كالإمام أحمد أن تقول صبي ! هذا هو السلف "

لا يخفى على أصغر طالب علم أن الإمام أحمد تواتر عنه أنه يقول القرآن كلام الله غير مخلوق وعلى هذا نقل إجماع أهل الحديث

وإنما الذي قاله الكرابيسي في مسألة اللفظ وهو أنه يقول ( لفظي بالقرآن مخلوق ) وأحمد كان يمنع من الأمرين لسبب واضح وهو أن هذه اللفظة موهمة فلو قلت ( لفظي بالقرآن مخلوق ) وأردت القرآن قلت بخلق القرآن وهو كلام الله غير مخلوق  وتكفير القائل بخلق القرآن هو أحمد والشافعي ومالك وكل أهل الحديث ، وإن قلت لفظي بالقرآن غير مخلوق أوهم أن فعلك غير مخلوق وهذا قول القدرية

ولهذا الإمام البخاري أثنى في كتابه في خلق أفعال العباد على تحرز الإمام أحمد ( وذكر عدنان البخاري في الخطبة وتباكى عليه بسبب ما نسب إليه من اللفظ )

قال البخاري في خلق أفعال العباد :" بَلِ الْمَعْرُوفُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ، وَأَنَّهُمْ كَرِهُوا الْبَحْثَ وَالتَّنْقِيبَ عَنِ الْأَشْيَاءِ الْغَامِضَةِ، وَتَجَنَّبُوا أَهْلَ الْكَلَامِ، وَالْخَوْضَ وَالتَّنَازُعَ إِلَّا فِيمَا جَاءَ فِيهِ الْعِلْمُ، وَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"

وفيما موقف أحمد من اللفظية لم ينفرد به بل ادعي عليه الإجماع من قبل أبي حاتم وأبي زرعة وحرب الكرماني

الكرابيسي كفره أحمد بعلم لا ردة فعل كما يقول السفيه فمقالة اللفظية كفرية لأن حقيقتها أن كلام الله مخلوق

فالله عز وجل يقول ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) فسماه كلام الله مع أن النبي هو الذي يقرأ وإطلاق اللفظية يقضي بأن هذا الكلام مخلوق


قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان في عقيدتهما :" من قال لفظي في القرآن مخلوق فهو جهمي أو القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي"


والجهمي كافر عندهم


قال اللالكائي في السنة 287 : ووجدت في بعض كتب أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي رحمه الله مما سمع منه ، يقول :

 مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ومن بعدهم بإحسان ، وترك النظر في موضع بدعهم ، والتمسك بمذهب أهل الأثر مثل أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إبراهيم ، وأبي عبيد القاسم بن سلام ، والشافعي .


ولزوم الكتاب والسنة ، والذب عن الأئمة المتبعة لآثار السلف

 واختيار ما اختاره أهل السنة من الأئمة في الأمصار مثل : مالك بن أنس في المدينة ، والأوزاعي بالشام ، والليث بن سعد بمصر ، وسفيان الثوري ، وحماد بن زياد بالعراق من الحوادث مما لا يوجد فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين .

 وترك رأي الملبسين المموهين المزخرفين الممخرقين الكذابين ، وترك النظر في كتب الكرابيسي ، ومجانبة من يناضل عنه من أصحابه وشاجر فيه مثل داود الأصبهاني وأشكاله ومتبعيه .

والقرآن كلام الله وعلمه وأسماؤه وصفاته وأمره ونهيه ، ليس بمخلوق بجهة من الجهات .

 ومن زعم أنه مخلوق مجعول فهو كافر بالله كفرا  ينقل عن الملة ، ومن شك في كفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر . والواقفة واللفظية جهمية ، جهمهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل .

والاتباع للأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين بعدهم بإحسان . وترك كلام المتكلمين ، وترك مجالستهم وهجرانهم ، وترك مجالسة من وضع الكتب بالرأي بلا آثار."

وقال إسماعيل التيمي الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة :"  وأول من قال باللفظ، وقال: "ألفاظنا بالقرآن مخلوقة": حسين الكرابيسي. فبدعه أحمد بن حنبل، ووافقه على تبديعه علماء الأمصار: إسحاق بن راهويه، وأبو مصعب، ومحمد بن سليمان لوين، وأبو عبيدالقاسم بن سلام، ومصعب بن عبدالله الزبيري، وهارون بن موسى الفروي، وأبو موسى محمد بن المثنى، وداود بن رشيد، والحارث ابن مسكين المصري، وأحمد بن صالح المصري، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، ويعقوب وأحمد ابنا إبراهيم الدورقي، وأبو همام الوليد بن شجاع، وعلي بن خشرم، ومحمد بن قدامة المصيصي، ومحمد بن داود بن صبيح المصيصي، وكان من أهل العلم والأدب، ومحمد بن آدم المصيصي، وسعيد بن رحمة، وعقبة بن مكرم، والعباس بن عبدالعظيم، ومحمد بن أسلم الطوسي، وحميد بن زنجويه النسوي، ومحمد بن سهل بن عسكر البخاري، وأحمد بن منيع، وهارون بن عبدالله الحمال، وابنه موسى بن هارون، ومحمد بن يحيى الذهلي النيسابوري، ومحمد ابن أحمد بن حفص أبو عبدالله البخاري فقيه أهل خراسان، وأبو بكر الأثرم، وأبو بكر المروذي، صاحبا أحمد بن حنبل، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والحسن بن محمد الزعفراني، وحرب بن إسماعيل السيرجاني، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة. ومن . ومن أهل أصبهان: أبو مسعود الرازي، ومحمد بن عيسى الطرسوسي، وأحمد بن مهدي، وإسماعيل بن أسيد، ومحمد بن العباس بن خالد، ومحمد بن عباس بن أيوب الأخرم، ومحمد بن يحيى بن منده، جد أبي عبدالله، وأبو أحمد العسال، وأبو علي أحمد بن عثمان الأبهري، وأبو عبدالله محمد بن إسحاق بن منده، فمذهبهم ومذهب أهل السنة جميعاً أن القرآن كلام الله آية آية، وكلمة كلمة، وحرفاً حرفاً في جميع أحواله، حيث قرئ وكتب وسمع"

فكل هؤلاء بغاة ومتشددون ؟!

وقال الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة :" قَالَ: وَحَدَّثَنَا وَالِدي، أَنا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، نَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ قَالَ: من كَلَام جهم بن صَفْوَان، وحسين الْكَرَابِيسِي، وَدَاوُد ابْن عَليّ أَن لَفظهمْ الْقُرْآن مَخْلُوق، وَأَن الْقُرْآن الْمنزل على نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِمَّا جَاءَ بِهِ جِبْرِيل الْأمين حِكَايَة الْقُرْآن فجهمهم أَبُو عبد الله أَحْمَد بن مُحَمَّد ابْن حَنْبَل، وَتَابعه عَلَى تجهيمهم عُلَمَاء الْأَمْصَار طرا أَجْمَعُونَ، لَا خلاف بَين أهل الْأَثر فِي ذَلِكَ"


وقال الآجري في الشريعة :" احذروا رحمكم الله هؤلاء الذين يقولون : إن لفظه بالقرآن مخلوق ، وهذا عند أحمد بن حنبل ، ومن كان على طريقته منكر عظيم

 وقائل هذا مبتدع ، خبيث ولا يكلم ، ولا يجالس ، ويحذر منه الناس ، لا يعرف العلماء غير ما تقدم ذكرنا له ، وهو أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال مخلوق ، فقد كفر

 ومن قال : القرآن كلام الله ووقف فهو جهمي ، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي أيضا

 كذا قال أحمد بن حنبل ، وغلظ فيه القول جدا".


وقال الطبري في صريح السنة :" وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن ، فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى ، ولا تابعي قضى ، إلا عمن في قوله الغناء والشفاء رحمة الله عليه ورضوانه ، وفي اتباعه الرشد والهدى ، ومن يقوم قوله لدينا مقام قول الأئمة الأولى : أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول : « اللفظية جهمية ؛ لقول الله جل اسمه : ( حتى يسمع كلام الله () ، فممن يسمع » . ثم سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يذكرون عنه أنه كان يقول : « من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو جهمي ، ومن قال : هو غير مخلوق ، فهو مبتدع».


وعدنان ذكر الطبري وتباكى عليه وزعم أن الحنابلة ظلمته

وقال ابن حجر في شرح البخاري :"  وَجمع بن أَبِي حَاتِمٍ أَسْمَاءَ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى اللَّفْظِيَّةِ أَنَّهُمْ جَهْمِيَّةٌ فَبَلَغُوا عَدَدًا كَثِيرًا مِنَ الْأَئِمَّةِ وَأَفْرَدَ لِذَلِكَ بَابًا فِي كِتَابِهِ الرَّدُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ "

وأما قوله أن الكرابيسي أكبر من أحمد فهذا مضحك فالكرابيسي أصغر بلا خلاف وهذا واضح من شيوخه

كلهم من طبقة الآخذين عن أتباع التابعين بيد أن أحمد قد أدرك بعض أتباع التابعين كيزيد بن هارون وهشيم بن بشير وسفيان بن عيينة

واللفظية انتهوا إلى مقالة خبيثة أن القرآن الذي في الأرض ليس قرآنا فدل على نفاذ بصيرة أحمد

قال الخطيب في تاريخه وأخبرنا عبيد الله قال أخبرنا أحمد بن كامل قال حدثني أبو عبد الله الوراق جواز قال: كنت أورق على داود الأصبهاني فكنت عنده يوماً في دهليز مع جماعة من الغرباء فسئل عن القرآن؟ فقال: القرآن الذي قال الله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (1) وقال: {في كِتَابٍ مَكْنُونٍ}  غير مخلوق. وأما ما بين أظهرنا يمسه الجنب والحائض فهو مخلوق. قال القاضي أحمد بن كامل: وهذا مذهب الناشئ وهو كفر بالله العظيم. صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه: "نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو"  فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كتب في الصحف والمصاحف قرآناً. فالقرآن على أي وجه تلي وقرئ فهو واحد وهو غير مخلوق

وهذا سبب إنكار الأئمة على داود الأصبهاني وقد ذكر ابن تيمية هذا وقد استبعدته قد وقفت على هذا الكلام

وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (6/161) :" وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي " كِتَابِ السُّنَّةِ " وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: اسْتَأْذَنَ " دَاوُد " عَلَى أَبِي فَقَالَ: مَنْ هَذَا. دَاوُد؟ لَا جَبَرَ وُدُّ اللَّهِ قَلْبَهُ وَدَوَّدَ اللَّهُ قَبْرَهُ فَمَاتَ مُدَوَّدًا"

وهذه من كرامات الإمام رحمه الله


وإنكار أن يكون القرآن الذي بين أيدينا كلام الله قول خبيث كفري نقضه السجزي في رسالته إلى أهل زبيد واستدلال ابن كامل قوي وقد استدل الإمام أحمد بقوله تعالى ( حتى يسمع كلام الله ) في نقض هذا القول وهناك التسعينية لابن تيمية عظيمة في هذا الباب

وقد كان داود لفظياً

قال السبكي في طبقات الشافعية الكبرى :" قَالَ المروزى حَدَّثَنى مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم النيسابورى أَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه لما سمع كَلَام دَاوُد فى بَيته وثب عَلَيْهِ إِسْحَاق فَضَربهُ وَأنكر عَلَيْهِ
قَالَ الْخلال سَمِعت أَحْمد بن مُحَمَّد بن صَدَقَة سَمِعت مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن صبيح سَمِعت دَاوُد الأصبهانى يَقُول الْقُرْآن مُحدث ولفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق"

فهذا يدل على أنه تكرر مراراً بالتكلم بهذه البدع وأنه مصر عليها

وهذا يبين لك أن اللفظية إنما يريدون أن يقولون أن القرآن الذي بين أيدينا مخلوق وأن مقالتهم كمقالة الكلابية والأشعرية

بدليل قولهم ( لفظي بالقرآن ) فيخصصون القرآن بالذكر ولو كانوا صادقين لقالوا ( أفعال مخلوقة والقرآن كلام الله غير مخلوق ) وهذا ما لم يفهمه جماعة ما بعد السلفية فتكلموا بهجر من القول في كتابهم الآنف وتحجج بعض مناصيرهم ببحث لابن عبد البر وبحثه مليء بالأغاليط ونقضها الشيخ حمود التويجري في رده على أبي غدة وابن عبد البر متأثر بالكلابية

فعدنان كذب مرتين في دعواه أن أحمد كان واقفياً وفي دعواه أن الكرابيسي أكبر من أحمد وإظهاره أحمد بصورة المنفرد

وقد قال عدنان أن ابن أبي داود كان ناصبياً

وكتم أمراً مهما وهو أن ذلك نسب إليه مجرد نسبة وأنه أظهر القراءة في فضائل علي بعد ذلك انتفاءً من هذه التهمة فأين الإنصاف ؟

وقد ذكره أبو أحمد بن عدي في " كامله " ، وقال : لولا أنا شرطنا أن: كل من تكلم فيه ذكرناه لما ذكرت ابن أبي داود . قال : وقد تكلم فيه أبوه ، وإبراهيم بن أورمة ، وينسب في الابتداء إلى شيء من النصب . ونفاه ابن الفرات من بغداد إلى واسط ، ثم رده الوزير علي بن عيسى ، فحدث ، وأظهر فضائل علي -رضي الله عنه- ثم تحنبل فصار شيخا فيهم ، وهو مقبول عند أصحاب الحديث

واخترع عدنان قصة من رأسه أن الطبري ألف في فضائل الصحابة رداً على ابن أبي داود

ومن كذب عدنان في هذه الخطبة قوله : (بن تيمية وهو حنبلي , قال المبتدعة لاتقبل روايتهم ولاشهادتهم (

وهذا في سياق ذمه لأحمد والحنابلة وهذا كذب وتدليس مزدوج

فما ذكره ليس مذهب ابن تيمية ، فابن تيمية مذهبه أن المبتدع غير الداعية إذا كان ثقة يروى عنه وهذا مذهب أحمد ، وقد يقال أن الداعية عند الضرورة يروى عنه

قال ابن تيمية في منهاج السنة :" ورد شهادة من عرف بالكذب متفق عليه بين الفقهاء وتنازعوا في شهادة سائر أهل الأهواء هل تقبل مطلقا أو ترد مطلقا أو ترد شهادة الداعية إلى البدع وهذا القول الثالث هو الغالب على أهل الحديث لا يرون الرواية عن الداعية إلى البدع ولا شهادته ولهذا لم يكن في كتبهم الأمهات كالصحاح والسنن والمسانيد الرواية عن المشهورين بالدعاء إلى البدع وإن كان فيها الرواية عمن فيه نوع من  بدعة كالخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية وذلك لأنهم لم يدعوا الرواية عن هؤلاء للفسق كما يظنه بعضهم ولكن من أظهر بدعته وجب الإنكار عليه بخلاف من أخفاها وكتمها وإذا وجب الإنكار عليه كان من ذلك أن يهجر حتى ينتهي عن إظهار بدعته ومن هجره أن لا يؤخذ عنه العلم ولا يستشهد
 وكذلك تنازع الفقهاء في الصلاة خلف أهل الأهواء والفجور منهم من أطلق الإذن ومنهم من اطلق المنع والتحقيق أن الصلاة خلفهم لا ينهى عنها لبطلان صلاتهم في نفسها لكن لأنهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يهجروا وأن لا يقدموا في الصلاة على المسلمين"

ثم إن مسألة ترك الرواية عن أهل البدع أو ترك قبول شهادتهم هذه مسألة مشهورة في كل المذاهب لا خصوصية للحنابلة فيها وأشد الناس فيها الإمام مالك وأتباع مذهبه

جاء في المدونة :" وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْقَدَرِيِّ؟ قَالَ: إنْ اسْتَيْقَنْتَ أَنَّهُ قَدَرِيٌّ فَلَا تُصَلِّ خَلْفَهُ، قَالَ: قُلْتُ: وَلَا الْجُمُعَةَ؟
قَالَ: وَلَا الْجُمُعَةَ إنْ اسْتَيْقَنْتَ، قَالَ: وَأَرَى إنْ كُنْتَ تَتَّقِيهِ وَتَخَافَهُ عَلَى نَفْسِكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَهُ وَتُعِيدَهَا ظُهْرًا قَالَ مَالِكٌ: فَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ مِثْلُ أَهْلِ الْقَدَرِ. قَالَ: وَرَأَيْتُ مَالِكًا إذَا قِيلَ لَهُ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ أَهْلِ الْبِدَعِ يَقِفُ وَلَا يُجِيبُ فِي ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى فِي ذَلِكَ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ. قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ صَلَّى خَلْفَ رَجُلٍ يَقْرَأُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ؟ قَالَ: يَخْرُجُ وَيَدَعُهُ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُنْكَحُ أَهْلُ الْبِدَعِ وَلَا يُنْكَحُ إلَيْهِمْ وَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ وَلَا تُشْهَدُ جَنَائِزُهُمْ."

وجاء في الجامع لمسائل المدونة :" قال: ولا تجوز شهادة أهل البدع على حال. ولا أجيز شهادة المعتزلة والإباضية والجهمية والمرجئة وغيرهم من أهل الأهواء.
وقال ابن الماجشون: من عرف بالبدعة فلا شهادة له، وأما من لطخ بها فإن لم يكن أمراً بيناً صريحاً فلتقبل شهادته"

وفي المحيط البرهاني من كتب أهل الرأي ( الأحناف ) :" قال أبو يوسف رحمه الله: وظاهر شهادة من يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقبل) لأنه لو شتم واحداً من الناس لا تجوز شهادته فههنا أولى، وكذلك لا تقبل شهادة قاذف المحصنات؛ لأنه محكوم عليه بالكذب، قال الله تعالى {فإذ لم يأتوا بالشهادة فأولئك عند الله هم الكاذبون} (النور: 13) ثم المتهم بالكذب لا تقبل شهادته، فالمحكوم عليه بالكذب أولى أن لا تقبل، وحكي عن نصر بن يحيى أنه سئل عمن يشتم أهله ومماليكه وأولاده لا تقبل شهادته، قال: إذا كان في كل يوم وكل ساعة، وإن كان أحياناً تقبل إن شاء الله، قال الفقيه أبو الليث: هذا في شتم دون القذف، فأما القذف فكبيرة فتسقط به العدالة"

وقد تكلم ابن علية في القرآن بكلام غلط فاستدعاه أحد الأمراء وقال له ( يا ابن الفاعلة تتكلم في القرآن ) وابن علية كان تاب فصار يعتذر ويذكر توبته

فعلق الإمام أحمد على القصة بأن الله لعله يغفر لهذا الأمير بحميته على السنة _ وهذا إقرار أنه فعل ذنباً بتلك الكلمة لا ينبغي الإقرار عليها _ وعلق أيضاً بالثناء على ابن علية وأنه ثبت فصاغ عدنان القصة صياغة قذرة هذا وهو الذي يثني على جلال الرومي المشهور بقذف المحصنات وهو نفسه عدنان قذف أم يزيد

وهذا موجود في كل كتب المذاهب فتخصيص أحمد والحنابلة بالذكر مع أنهم يفصلون ويفرقون بين الداعية وغير الداعية ظلم وجور وخبث وذلك لأن الناس ينتشر عندهم إشاعة تشدد الحنابلة فاستغلها وسبحان الله كلامه يشبه كثيراً كلام مختار الطيباوي وصاحبي ما بعد السلفية وكلهم استفادوا من أبي غدة فيما يبدو

وما الذي يريده عدنان هل يريد أن يأتي أي شخص ويخترع في الدين ولا يهب له حماته ، وهم رحمهم الله يفرقون بين ما يحتمل وما لا يحتمل بدليل أنهم احتملوا غالب من خالفهم في الفقه لما كان له تأويل سائغ لمثله

وهجر المبتدع فيه حكم عظيمة من أهمها أن من أكثر ما يحمل الناس على الاختراع في الدين طلب الشهرة وهذا نبه عليه في السنة

قال أبو داود في سننه 4613 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الْهَمْدَانِىُّ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىَّ عَائِذَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ عُمَيْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ قَالَ كَانَ لاَ يَجْلِسُ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ حِينَ يَجْلِسُ إِلاَّ قَالَ اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَوْمًا إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ وَيُفْتَحُ فِيهَا الْقُرْآنُ حَتَّى يَأْخُذَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فَيُوشِكُ قَائِلٌ أَنْ يَقُولَ مَا لِلنَّاسِ لاَ يَتَّبِعُونِى وَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ مَا هُمْ بِمُتَّبِعِىَّ حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ فَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتُدِعَ فَإِنَّ مَا ابْتُدِعَ ضَلاَلَةٌ وَأُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الْحَكِيمِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلاَلَةِ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ وَقَدْ يَقُولُ الْمُنَافِقُ كَلِمَةَ الْحَقِّ. قَالَ قُلْتُ لِمُعَاذٍ مَا يُدْرِينِى رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ الْحَكِيمَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلاَلَةِ وَأَنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ قَالَ بَلَى اجْتَنِبْ مِنْ كَلاَمِ الْحَكِيمِ الْمُشْتَهِرَاتِ الَّتِى يُقَالُ لَهَا مَا هَذِهِ وَلاَ يُثْنِيَنَّكَ ذَلِكَ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَ وَتَلَقَّ الْحَقَّ إِذَا سَمِعْتَهُ فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ فِى هَذَا وَلاَ يُنْئِيَنَّكَ ذَلِكَ عَنْهُ مَكَانَ يُثْنِيَنَّكَ. وَقَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِىِّ فِى هَذَا الْمُشَبَّهَاتِ مَكَانَ الْمُشْتَهِرَاتِ وَقَالَ لاَ يُثْنِيَنَّكَ كَمَا قَالَ عُقَيْلٌ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ بَلَى مَا تَشَابَهَ عَلَيْكَ مِنْ قَوْلِ الْحَكِيمِ حَتَّى تَقُولَ مَا أَرَادَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ.

فيجازى بعكس مقصوده وهذا خير علاج له ، وأما إن كان قال لشبهة فأهل العلم يتولون بيانها

ثم إن أهل البدع ما تسلطوا على أهل السنة في زمان من الأزمان إلا وساموهم سوء العذاب والتاريخ مليء ولكن عدنان يركز على شيء ويترك شيء وهذا خلاف ما يدعيه من الموضوعية

وهجر أهل البدع بالجملة محل اتفاق ، ولكن هناك تفاصيل تتعلق بحالات مختلفة موجودة في كتب أهل العلم

وعدنان نفسه يسب النواصب ويحذر منهم فما أنزل كل الناس منزلة واحدة 

وعلماء الإسلام لهم تفصيلات دقيقة في أهل البدع ويفرقون بين صاحب البدعة المكفرة وصاحب البدعة المفسقة وهناك تفصيلات أخرى تدل على أن الكلام علم وتدين 

وأيسر شيء أن تعذر الناس كلهم أو تنزل الناس كلهم منزلة الزنادقة 

ولو سكت أهل العلم أو تسامحوا مع إحداثات المحدثين خصوصاً مع قوتهم وجرأتهم لحرف ديننا بالكلية كما حصل لليهودية والنصرانية 

ووجود من يحكم بأحكام فاسدة أو يهجر في غير محل هجر لا يعني إلغاء الحكم بالكلية بل يصوب الغالط كما أن وجود قضاة فاسدين أو مساجين ظلماً لا يبرر إلغاء القضاء والعقوبات مطلقاً

وهذه بمنزلة الأدوية وبمنزلة الحدود الشرعية وإن كان فيها مرارة وألم إلا أن عاقبتها محمودة وفي القرآن ذكر الراسخين في العلم وذكر الزائغين الذين يتبعون المتشابه وكيف يجوز في العقل السليم أن تستوي معاملة كل هؤلاء مع تباينهم تماماً ، والناس يهجرون ويباينون على الدنيا فكيف بأمر الدين ؟  

وبالنسبة لابن تيمية عدنان نفسه في خطبته أمة تتصارع وعدو يتفرج قال بالنص :" وابن تيمية على ذكره يرحمه الله وهو أحد مشائخ الإسلام العظام وفقيه علامة كبير لا يشغ له غبار ولكنه مشهور عنه جداً أنه يبالغ في التكفير وهذا ليس بحقيقة "

وهذا رد عدنان على عدنان   
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي