مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: كذب عدنان إبراهيم على الفقهاء في أمر الأسرى وتناقضات منهجية ...

كذب عدنان إبراهيم على الفقهاء في أمر الأسرى وتناقضات منهجية ...



أما بعد :


قال عدنان إبراهيم في خطبته الأسرى بين الحز والحرق :" ( لأول مرة في تاريخ الحروب ) معاملة الأسرى بهذا الخيار الثنائي : إما المنّ ، وإما المفاداة ولا ثالث لهما ، وبهذا أخذ جماعة من الصحابة وغيرهم ممن ذكرت لكم– أيها الإخوة – بل حكى بعض العلماء عليهم إجماع ، حكوا عليه الإجماع ، قال لك : إجماع ( الأسرى لا يُقتلون ، ولا يستعبدون ) ، حكاه الحسن ابن محمد التميمي ، فيما ذكر القاضي العلامة أبو الوليد بن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، حكى عليه إجماع الصحابة ، قال : أنا اللي فاهموا واللي عارفوا ، يبدو بيصير في تزوير معناها في الروايات والأشياء وبتجينا روايات آخرى"

عدنان إبراهيم يعلم جيداً أن هذا القول مجازفة وأنه لم يقع عليه إجماع بل الإجماع على عكسه

ولكن قبل ذكر الكلام عدنان زاد زيادة من عنده فالتميمي قال ( لا يقتلون ) فزاد عدنان من عنده كذباً ( ولا يستعبدون )

قال ابن رشد :" وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْأَسِيرِ. وَحَكَى الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ أَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ"




قال ابن رشد نفسه بعد هذا الكلام :" وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ الْآيَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَتَعَارُضُ الْأَفْعَالِ، وَمُعَارَضَةُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] الْآيَةَ - أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ بَعْدَ الْأَسْرِ إِلَّا الْمَنُّ أَوِ الْفِدَاءُ، وقَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ.
وَالسَّبَبُ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ أَفْضَلُ مِنَ الِاسْتِعْبَادِ. وَأَمَّا هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَدَ قَتَلَ الْأُسَارَى فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ، وَقَدْ مَنَّ وَاسْتَعْبَدَ النِّسَاءَ.
وَقَدْ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْبِدْ أَحْرَارَ ذُكُورِ الْعَرَبِ، وَأَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ عَلَى اسْتِعْبَادِ أَهْلِ الْكِتَابِ ذُكْرَانِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ.
فَمَنْ رَأَى أَنَّ الْآيَةَ الْخَاصَّةَ بِفِعْلِ الْأُسَارَى نَاسِخَةً لِفِعْلِهِ قَالَ: لَا يُقْتَلُ الْأَسِيرُ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ لِقَتْلِ الْأَسِيرِ وَلَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا حَصْرُ مَا يُفْعَلُ بِالْأُسَارَى، بَلْ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ حُكْمٌ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْآيَةِ، وَيَحُطُّ الْعُتْبَ الَّذِي وَقَعَ فِي تَرْكِ قَتْلِ أُسَارَى بَدْرٍ - قَالَ: بِجَوَازِ قَتْلِ الْأَسِيرِ.
وَالْقَتْلُ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا لَمْ يَكُنْ يُوجَدُ بَعْدَ تَأْمِينٍ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ"

وفي روضة المستبين شرح كتاب التلقين :" وقد قال جماعة من أهل العلم: لا يجوز قتل الأسير اعتمادًا على ظاهر الحصر المفهوم من قوله تعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} الآية [محمد: 4] فظاهر الآية حصر ما يفعل بالأسير بعد أسره وليس إلا المن والفداء. والجمهور على خلافه، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قتل الأسارى في غير ما موضع، وفعله ناسخ للآية إن سلمنا دلالتها على الحصر وفيه نظر."

والمذاهب كلها على جواز هذا بشرط ألا يكون سبقه أمان

قال ابن الموصلي الحنفي في كتابه الاختيار :"  (وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ الْأَسْرَى) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَ، وَفِيهِ تَقْلِيلُ مَادَّةِ الْكُفْرِ وَالْفَسَادِ، وَقَتَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرَ بْنَ الحارث بَعْدَ مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ وَقَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِمْ.
(أَوْ) إِنْ شَاءَ (اسْتَرَقَهُمْ) لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ شَرِّهِمْ مَعَ وُفُورِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ (أَوْ) إِنْ شَاءَ (تَرَكَهُمْ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ) لِمَا تَقَدَّمَ إِلَّا الْمُرْتَدِّينَ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْجِزْيَةِ، وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُمْ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لِلْكَفَرَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْأَخْذِ لَا نَقْتُلُهُمْ لِانْدِفَاعِ الشَّرِّ، وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْأَخْذِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبُ الْمِلْكِ"

وقال الخرشي المالكي في شرح مختصر الخليل :" التَّشْبِيهُ فِي وُجُوبِ النَّظَرِ مِنْ الْإِمَامِ فِي أَحْوَالِ الْأَسْرَى قَبْلَ الْقَسْمِ فَمَا رَأَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ لِلْمُسْلِمِينَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، فَإِنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى قَتْلِهِمْ قَتَلَهُمْ وَيَحْسُبُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِمِلْكِهَا بِالْأَخْذِ، وَإِنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى إبْقَائِهِمْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ أَدَّاهُ إلَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ وَيُخَلِّيَ سَبِيلَهُمْ فَعَلَ ذَلِكَ وَيَحْسُبُ مِنْ الْخُمُسِ وَإِنْ أَدَّاهُ إلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ بِالْأَسْرَى الَّذِينَ عِنْدَهُمْ أَوْ بِمَالٍ فَعَلَ ذَلِكَ وَيَحْسُبُ مِنْ الْخُمُسِ أَيْضًا، وَإِنْ أَدَّاهُ إلَى ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ فَعَلَ ذَلِكَ وَيَحْسُبُ الْمَضْرُوبَ عَلَيْهِ مِنْ الْخُمُسِ وَإِنْ أَدَّاهُ إلَى اسْتِرْقَاقِهِمْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْغَنِيمَةِ وَهَذِهِ الْوُجُوهُ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ الْمُقَاتِلَةِ"

وقال الماوردي الشافعي في الحاوي :" وَالرَّابِعُ: الْمَنُّ، فَإِنْ كَانَ ذَا قُوَّةٍ يُخَافُ شَرُّهُ أَوْ ذَا رَأْيٍ يُخَافُ مَكْرُهُ قَتَلَهُ، وَإِنْ كَانَ مَهِينًا ذَا كَدٍّ وَعَمَلٍ اسْتَرَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ فَادَاهُ بِمَالٍ، وَإِنْ كَانَ ذَا جَاهٍ فَادَاهُ بِمَنْ فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْأَسْرَى، وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ وَرَغْبَةٍ فِي الْإِسْلَامِ مَنَّ عليه وأطلقه من غير فداء، فيكون خيار لِلْإِمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ، فَمَنْ أُسِرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْيَاءِ بَيْنَ الْقَتْلِ أَوِ الِاسْتِرْقَاقِ أَوِ الْفِدَاءِ بِمَالٍ، أَوْ رِجَالٍ، أَوِ الْمَنِّ"

وقال ابن قدامة المقدسي الحنبلي في المغني :" لِأَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرُ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْفِدَاءِ، وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ"

وقد نقل ابن حزم الاتفاق على جواز قتل الأسير المحارب

فقد قال في المحلى :" وَإِنَّمَا حُكْمُ الْحَرْبِيِّينَ الْقَتْلُ فِي اللِّقَاءِ كَيْفَ أَمْكَنَ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ كِتَابِيًّا - فِي قَوْلِنَا وَقَوْلِ طَوَائِفَ مِنْ النَّاسِ. أَوْ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَيِّ دِينٍ كَانَ مَا لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا فِي قَوْلِ غَيْرِنَا. أَوْ يُؤْسَرَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ ضَرْبَ الْعُنُقِ فَقَطْ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَبَنِي قُرَيْظَةَ، وَغَيْرَهُمْ، أَوْ يُسْتَرَقَّ، أَوْ يُطْلَقَ إلَى أَرْضِهِ، كَمَا أَطْلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ الْحَنَفِيَّ، وَأَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ وَغَيْرَهُمَا. أَوْ يُفَادَى بِهِ - كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] . أَوْ نُطْلِقَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَهْلِ خَيْبَرَ. فَهَذِهِ أَحْكَامُ الْحَرْبِيِّينَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ، وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ"

ولا يطعن بإجماع ابن حزم بما جاء عن بعض متأخري المالكية فهم مسبوقون بالاتفاق القديم

فهنا عدنان كذب وكتم

ثم إن عدنان يشكك بالإجماعات على الرجم وعلى رؤية الله يوم القيامة وعلى حد الردة ثم هو هنا يحتاج بإجماع مدخول ادعي خلافه وتخالفه كل المذاهب !

قال ابن أبي شيبة في المصنف [34084]:
حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حاصَرْنَا تُسْتَرَ، فَنَزَلَ الْهُرْمُزَانُ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ , فَبَعَثَ بِهِ أَبُو مُوسَى مَعِيَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ سَكَتَ الْهُرْمُزَانُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَقَالَ عُمَرُ: تَكَلَّمْ.
فَقَالَ: كَلاَمُ حَيٍّ، أَوْ كَلاَمُ مَيِّتٍ؟
قَالَ: فَتَكَلَّمْ فَلاَ بَأْسَ، فَقَالَ: إِنَّا وَإِيَّاكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ مَا خَلَّى اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، كُنَّا نَقْتُلُكُمْ وَنُقْصِيكُمْ , فَأَمَا إِذْ كَانَ اللَّهُ مَعَكُمْ لَمْ يَكُنْ لَنَا بِكُمْ يَدَانِ.
قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَقُولُ يَا أَنَسُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , تَرَكْتُ خَلْفِي شَوْكَةً شَدِيدَةً، وَعَدَدًا كَثِيرًا , إِنْ قَتَلْتُهُ أَيِسَ الْقَوْمُ مِنَ الْحَيَاةِ , وَكَانَ أَشَدَّ لِشَوْكَتِهِمْ , وَإِنِ اسْتَحْيَيْته طَمِعَ الْقَوْمُ.
فَقَالَ: يَا أَنَسُ، أَسْتَحْيِي قَاتِلَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ، وَمَجْزَأَة بْنِ ثَوْرٍ؟ فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَبْسُطَ عَلَيْهِ، قُلْتُ لَهُ: لَيْسَ لَكَ إِلَى قَتْلِهِ سَبِيلٌ، فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ؟ أَعْطَاك؟ أَصَبْتَ مِنْهُ؟
قُلْتُ: مَا فَعَلْتُ، وَلَكِنَّك قُلْتَ لَهُ: تَكَلَّمْ فَلاَ بَأْسَ، فَقَالَ: لَتَجِيئَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ، أَوْ لأَبْدَأَن بِعُقُوبَتِكَ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَإِذَا بِالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَدْ حَفِظَ مَا حَفِظْتُ , فَشَهِدَ عِنْدَهُ فَتَرَكَهُ , وَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ، وَفُرِضَ لَهُ.

فهذا صحيح في أن عمر أراد قتل الهرمزان وهو أسير ولكن منعه من ذلك الأمان فدل على جوازه دون أمان ودل على بطلان دعوى الإجماع ولو كان هناك إجماع ما خالفته كل المذاهب الفقهية التي تعتد بآثار الصحابة في أئمتها المجتهدين

فهذا تناقض منهجي واضح لعدنان وتلاعب وكان يكفيه في مسألة التحريق أن يذكر الاتفاق الذي نقله ابن قدامة والبغوي على عدم جواز حرق الأسير وينتهي الأمر 

وأما المحارب فالتفصيلات السابقة جيدة فرجل كان يقاتل وما أعطيناه أمان ونحن نحاربه وهو يحاربنا ما الفرق بين قتله بعد الأسر أو قبله في المعركة من جهة النظر 

وقد تحدث عدنان عن ضعف رواية حرق أبي بكر للفجاءة _ والتي فيها ندمه أيضاً _ ويقال كلامك صحيح ولكن هذه الرواية على ضعفها ووهنها أصح بكثير أو في درجة الكثير من الروايات التي أوردتها في ثلبك وشرح ذلك غير واحد في ردودهم عليك 

وهنا تنبيه : هناك رواية أن خالد بن الوليد أجرى نهراً من الدم من دماء الأسرى وهذه الرواية من مفاريد سيف بن عمر التميمي الكذاب ولكن يلزم عدنان قبولها فقد احتج ببعض رواياته وروايات الواقدي عند طعنه في الصحابة

قال عدنان إبراهيم في خطبته المشار إليها :" روى البيهقي في السنن عن أم المؤمنين سودة بنت زمعة – رضوان الله عليها – قالت رأيت سهيل بن عمرو – من أسرى بدر – مقيداً في بيت رسول الله ، عليه الصلاة والسلام ، النبي قال عندي ، هذا أسيري ، أكيد طبعاً إحترام كبير وتوقير ، هذا سهيل بن عمرو كان مشقوق الشفاه السفلى وكان خطيباً مسقعاً ، يقوم دائماً في المواطن أو في المحافل – شديداً لسانه – على رسول الله ودينه ، يغري قريش ، حرب إعلامية ، تعبوية ، عمر لما شافه قال حلو ، سهيل الخبيث هذا ، الخطيب هذا ، يا رسول الله دعني أكسر ثنيتيه حتى لا يقوم بعد اليوم في موطن أبداً عليك يا رسول الله ، النبي قال له نعم أحسن شئ ، أحرقه ! حطه في قفص ، في Cage ، وأحرقه ! قال له لا ، لا أمثل به فيُمثل الله بي وإن كنت نبياً"

هذه الرواية مختلقة فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يضع سهيلاً بن عمرو في بيته ولم يعامله باحترام وتوقير كما يقول والحديث كان مع عمر بلفظ مختصر بعيداً عن أكاذيب عدنان

قال ابن سعد في الطبقات 6870 - قال: أَخبَرنا يزيد بن هارون, قال: أَخبَرنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عَمرو بن عطاء, قال: لما أسر سهيل بن عَمرو، قال عُمَر بن الخطاب: يا رسول الله، انزع ثنيتيه، يدلع لسانه؛ فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، وكان سهيل أعلم من شفته السفلى، فقال رسول الله صَلى الله عَلَيه وسَلم: لا أمثل (به) فيمثل الله بي، وإن كنت نبيًا.

وهذا حديث مرسل محمد بن عمرو تابعي

وإذا كان عدنان يقبل المراسيل فليقبل مرسل طاوس هذا

قال عبد الرزاق في الأمالي 51 - ، أنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَ النُّجُومُ فَأَمْسِكُوا»
وهذا إسناد صحيح لطاووس التابعي الجليل ،وهذا المرسل له شواهد أصلاً

ولننظر في مرسل عدنان الذي في سنده محمد بن إسحاق ويلزم عدنان تكذيبه لأن عدنان يطعن في عكرمة وابن إسحاق طعن فيه بنحو مما طعن في عكرمة بل عكرمة أعلى إذ احتج به مالك في الموطأ والبخاري في الصحيح وأحمد في العلل وروى عنه أيوب بخلاف ابن إسحاق الذي لم يتحصل له كل هذا

هذه إشارة للتناقض المنهجي عند الرجل وإن كان المتن لا شيء

وقال عدنان في خطبته مقامي الثبوت والإثبات في السنة النبوية :" سيقول لي: لأن الحباب بن المُنذِر في بدر قال للرسول يا رسول الله هذا المنزل الذي نزلته منزل أنزلك الله إياه فليس لنا أن نجاوزه, أو منزل نزلته للحرب والمكيدة؟!
علماً بأن هذا ورد في الأثرعندما سأله السعدان ابن معاذ وابن عبادة سيدا الأنصار الأوس والخزرج: يا رسول الله أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا ؟!
وهو أن نُجري هذه المفاوضة مع غطفان بأن نعطيهم ثلث ثمار المدينة على أن يعودوا ولا يُشرِكوا المُشرِكين الأحزاب في الحرب علينا والإلب، ومن هنا قالوا: يا رسول الله أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟!
قال “بل هو شيء أصنعه لكم”، أي لأنني رأيت الناس قد تألبوا عليكم فأردت أن أخفف عنكم، فقالوا”والله لا نعطيهم إلا السيف”، إلى أخر الخبر"

أما الخبر الأول ففي سيرة ابن هشام :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فحُدثت عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلمة، أَنَّهُمْ ذَكَرُوا: أَنَّ الحُباب بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الجَموح قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أرأيتَ هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلًا أنزلَكه اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ، وَلَا نَتَأَخَّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرأيُ والحربُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: "بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنَّاسِ حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ ثُمَّ نُغَوِّر مَا وَرَاءَهُ مِنْ القُلُب، ثُمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا فنمْلؤه مَاءً، ثُمَّ نُقَاتِلُ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ أشرتَ بِالرَّأْيِ". فَنَهَضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مَعَهُ مِنْ النَّاسِ فَسَارَ حَتَّى إذَا أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ نَزَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أمر بالقُلُب فغُوِّرت، وبنى حَوْضا على القُلُب الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ فَمُلِئَ مَاءً، ثُمَّ قَذَفُوا فيه الآنية."

فهو ابن إسحاق أيضاً ، ثم إنه يقول ( حدثت ) ولا نعلم من حدثه فهل يصلح أن يحتج بهذا من يضعف الأحاديث المتواترة في نزول المسيح وينكر الكثير من السنن ، ورواه ابن إسحاق أيضاً بسند مرسل ذكر فيه عدة شيوخ وذكر أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر وهذا يشوش الرواية تماماً

وأما الثانية فيقول ابن إسحاق أيضاً كَمَا حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ [2] اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيِّ، وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا الصُّلْحُ، حَتَّى كَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعْ الشَّهَادَةُ وَلَا عَزِيمَةُ الصُّلْحِ، إلَّا الْمُرَاوَضَةُ فِي ذَلِكَ. فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ، بَعَثَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمَا، وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ، فَقَالَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْرًا نُحِبُّهُ فَنَصْنَعُهُ، أَمْ شَيْئًا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ، لَا بُدَّ لَنَا مِنْ الْعَمَلِ بِهِ، أَمْ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا؟ قَالَ: بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ، وَاَللَّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّنِي رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَكَالَبُوكُمْ [3] مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ إلَى أَمْرٍ مَا، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشِّرْكِ باللَّه وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، لَا نَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ، وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا تَمْرَةً إلَّا قِرًى [4] أَوْ بَيْعًا، أَفَحِينَ أَكْرَمْنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزَّنَا بِكَ وَبِهِ، نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا! (وَاَللَّهِ) [5] مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ، وَاَللَّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إلَّا السَّيْفَ.

وهذه الرواية كان من الممكن التسامح بها لولا أننا في مقابل رجل طعان في المتواترات فهذا خبر من مراسيل الزهري والمرسل الأصل فيه أنه من قسم الضعيف

ولكن التناقض المنهجي القاتل ما سيأتي

حين تكلم في الخطبة نفسها عن الجمع بين المرأة وخالتها وذهب للإجماع المعروف بالتحريم

ثم قال :" هو أقرب إلى هذا – أي أقرب إلى البسط والمد لأحكام الكتاب -، ولكن إن أخذته هكذا بمنطق صوري جاف بعيداً عن مُلاحَظة أحكام الشريعة وحِكَم الشريعة ومقاصدها ستقول “لا، هذه زيادة، لأن الله قال وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ ۩” و(ما) من ألفاظ العموم، والنبي قال هذا حرام أيضاً، فإذن هذه زيادة”، ولكن هذه النظرة فيها شيئ من التسرع والجمود، لكن إن نظرت بعمق – كما قلت – وراعيت ولاحظت وألتفت إلى مقاصد الشريعة وروح الكتاب ستعلم أن هذا الحكم من رسول الله، والحمد لله هذا الحكم – كما قلت لكم – اتفق عليه أهل السنة والجماعة وطوائف الشيعة، وأنكره الخوارج – بعض طوائف الخوارج أنكروه – وقالوا “لا، بل ويحل الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها” وفسَّروا ذلك قائلين “هذا حديث آحاد وحديث ظني لا يُزاد به على الكتاب الكريم”، وهذه هى وجهتهم – وجهة نظر – فلا نكفرهم طبعاً بها – أعوذ بالله  – فهذه وجهة نظر واجتهاد نحترمه وإن لم نقبله فهذا شئ ثانٍ، لكن نحن مُرتاحون إلى أن النبي هنا – كما قلت لكم – نوَّع على ما في الكتاب، بسطَ حكم الكتاب، ولكن هل هذا من صلاحياته؟"

لا فرق بين مسألة الجمع بين المرأة وعمتها ، ومسألة الرجم كلاهما سنة زائدة على ما في القرآن سوى أن الرجم متواتر

قال ابن قدامة في المغني :" فَإِنْ احْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] خَصَّصْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَاهُ وَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْخَوَارِجِ أَتَيَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَانَ مِمَّا أَنْكَرَا عَلَيْهِ رَجْمَ الزَّانِيَيْنِ وَتَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا، وَقَالَا: لَيْسَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ لَهُمَا: كَمْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ الصَّلَاةِ؟ قَالَا: خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَسَأَلَهُمَا عَنْ عَدَدِ رَكَعَاتِهَا، فَأَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ وَسَأَلَهُمَا عَنْ مِقْدَارِ الزَّكَاةِ وَنُصُبِهَا، فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: فَأَيْنَ تَجِدَانِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَا: لَا نَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ صِرْتُمَا إلَى ذَلِكَ؟ قَالَا: فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ"

فالخوارج متناقضون كعدنان تماماً فهم مثلاً لا يورثون المسلم من الكافر ولا العكس وهذا حكم في السنة خصص القرآن

والذين أخلصوا في أصولهم هم الأزارقة فقالوا بأن القذف خاص بالنساء دون الرجال لأن الآية بلفظ التأنيث ( والذين يرمون المحصنات ) 

وعدنان يقبل زيادة السنة في النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها فكذلك يجب عليه قبول تخصيص السنة للقرآن في موضوع الرجم ويدل عليه النظر لأن الرجم موجود عند أهل الكتاب وما أنكره الله عليهم وعدنان معترف بهذا ويدل عليه النظر من جهة أخرى ألا وهي أنه لا يعقل أن تكون عقوبة الزاني البكر كالزاني الثيب

وقد تحجج عدنان في دفع أحاديث الرؤية بدعوى أن الإباضية والزيدية والرافضة يدفعونها

فيقال له :

أولاً : هؤلاء جميعاً قبلوا أحاديث الرجم فهل قبلت معهم ؟

فإن قلت : الأزارقة أبوا الرجم

فيقال : وأين كتابهم الذي في هذا إنما نقولات من غيرهم لو قبلناها فلنقبل اتفاق الناس على نقل الرجم عن الصحابة والتابعين وهذا ينسفك نسفاً ، وقد نقل الإجماع على الرجم بل وتكفير منكره كل من عبد القاهر البغدادي من الأشعرية وابن حزم من الظاهرية والزجاج من اللغويين وابن تيمية من الحنابلة وما خالفهم أحد قط

وهم كلهم يقولون بأن حواء خلقت من ضلع آدم وقد نقل الاتفاق على هذا الماوردي في أعلام النبوة وهو رجل معتزلي

ثانياً : هؤلاء ليس عندهم منهج حديثي ولا يحتجون بفضيلة لعلي أو مثلبة لصحابي إلا وأحاديث الرؤية أقوى منها

فالإباضية يعتمدون الربيع بن حبيب المجهول وإذا أرادوا تعديله يأتون ببعض كلمات لأئمة الجرح والتعديل الذين كلهم يصححون أخبار الرؤية فكيف نقبل أخبار من واحد مجهول ونترك أخبار متواردة لأقوام هم حدثونا بأحاديث الصلاة والصيام والزكاة وغيرها وتعبدت كل الطوائف بأحاديثهم

علماً أن متقدمي الإباضية يقولون بالرؤية كما روي عن عكرمة

وأما الزيدية فيعتمدون أحاديث عمرو بن خالد الواسطي المتهم بالكذب عن زيد بن علي في المسند المزعوم ولو قبلنا أحاديث هذا الكذاب وجاريناهم فسنقبل أحاديث من لم يطعن أحد به من رواة أحاديث الرؤية المتواردة

وأما الرافضي فالكليني في الكافي يحتج بأحاديث الزهري والأعمش وأبي إسحاق السبيعي وجميع هؤلاء رووا أحاديث الرؤية

فكون القوم متناقضين لأنهم أهل بدعة وضلال فلا يضرنا ذلك

وقد توارد الناس في زمن الرواية على رواية أحاديث الرؤية من كل النحل مرجئة وخوارج وقدرية وغيرهم وما خالف إلا شذاذ المعتزلة الذين يشهدون على أنفسهم بالجهل بالأحاديث ولا يوجد أحد منهم توقف سنة على روايته بل كلهم لم يكونوا معروفين بالرواية لهذا لا نجد في الكتب الستة أي حديث لرجل ينكر الرؤية

ثالثاُ : الرافضة والزيدية أنفسهم في كتبهم أحاديث في إثبات الرؤية

قال الحر العاملي في الجواهر السنية ص195_ 199:" كتب الناس من الغافلين كتبوا من الذاكرين، في أول النعمة يحمدون وفي آخرها يشكرون. دعاؤهم عند الله مرفوع وكلامهم مسموع، تفرح الملائكة بهم يدور دعاؤهم تحت الحجب، يحب الرب أن يسمع كلامهم كما تحب الوالدة ولدها، ولا يشتغلون عنه طرفة عين ولا يريدون كثرة الطعام ولا كثرة الكلام ولا كثرة اللباس، الناس عندهم موتى والله عندهم حي كريم لا يموت، يدعو المدبرين كرما ويزيدوا المقبلين تلطفا، قد صارت الدنيا والآخرة عندهم واحدة. يا أحمد هل تعرف ما للزاهدين عندي؟ قال: لا يا رب. قال: يبعث الخلق ويناقشون للحساب وهم من ذلك آمنون، ان أدنى ما اعطى الزاهدين في الآخرة ان اعطيهم مفاتيح الجنان كلها حتى يفتحوا أي باب شاؤا ولا احجب عنهم وجهي ولأنعمنهم بألوان التلذذ من كلامي ولأجلسنهم في مقعد صدق واذكرهم ما صنعوا وتعبوا في دار الدنيا، وأفتح لهم أربعة أبواب: باب تدخل عليهم الهدايا بكرة وعشيا من عندي، وباب ينظرون منه الي كيف شاؤا بلا صعوبة، وباب يطلعون منه الى النار فينظرون للظالمين كيف يعذبون، وباب يدخل عليهم منه الوصائف والحور العين. قال: يا رب من هؤلاء الزاهدون الذين وصفتهم؟ قال: الزاهد هو الذي ليس له بيت يخرب فيغتم لخرابه، ولا له ولد يموت فيحزن لموته، ولا له شئ يذهب فيحزن لذهابه، ولا يعرف انسانا يشغله عن الله طرفة عين. ولا له فضل طعام يسأل عنه ولا له ثوب لين. يا أحمد وجوه الزاهدين مصفرة من تعب الليل وصوم النهار، وألسنتهم كلال من ذكر الله، قلوبهم في صدورهم مطعونة من كثرة ما يخالفون هوائهم، قد صمروا أنفسهم من كثرة صمتهم، قد اعطوا المجهود من أنفسهم لا من خوف نار ولا من شوق جنة، ولا ينظرون في ملكوت السموات والارض فيعلمون ان الله سبحانه أهل للعبادة. يا أحمد هذه درجة الأنبياء والصديقين من امتك وامة غيرك وأقوام من الشهداء.
قال: يا رب أي الزهاد أكثر زهاد امتي ام زهاد بني اسرائيل؟ قال: ان زهاد بني اسرائيل في زهاد امتك كشعرة سوداء في بقرة بيضاء. قال: يا رب وكيف ذلك وعدد بني اسرائيل كثير؟ قال: لأنهم شكوا بعد اليقين وجحدوا بعد الاقرار. قال النبي (ص) فحمدت الله وشكرته ودعوت لهم بالحفظ والرحمة وساير الخيرات. يا أحمد عليك بالورع، فان الورع رأس الدين ووسط الدين وآخر الدين، ان الورع تقرب الى الله تعالى. يا أحمد ان الورع زين المؤمنين وعماد النبي، ان الورع مثله كمثل السفينة كما ان من في البحر لا ينجو الا من كان فهيا كذلك لا ينجو الزاهدون الا بالورع يا أحمد ما عرفني عبد فخشع، وما خشع لي عبد الا خشع له كل شئ. يا أحمد الورع يفتح على العبد أبواب السماء كما يفتح للملائكة باب العبادة، فيكرم بها العبد عند الخلق ويصل به الى الله. يا أحمد عليك بالصمت، فان اعمر مجلس قلوب الصالحين الصامتين وان اخرب مجلس قلوب المتكلمين بما لا يعنيهم. يا أحمد ان العبادة عشرة اجزاء سبعة منها طلب الحلال، فإذا أطبت مطعمك ومشربك فأنت في حفظى وكنفي. قال: يا رب ما أول العبادة؟ قال: الصمت والصوم. قال: يا رب وما ميراث الصوم؟ قال الصوم يورث الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد لا يبالي أصبح بعسر أم بيسر، وإذا كان العبد في حالة الموت يقوم على رأسه ملائكة بيد كل ملك كأس من ماء الكوثر وكأس من الخمر يسقون روحه حتى تذهب سكرته ومرارته ويبشرونه بالبشارة العظمى ويقولون له: طبت وطاب مثواك انك تقدم على العزيز الكريم الحبيب القريب، فتطير الروح من أيدي الملائكة فتصعد الى الله تعالى أسرع من طرفة العين ولا يبقى حجاب ولا ستر بينها وبين الله تعالى، والله عز وجل إليها مشتاق ويجلس على عين عند العرش ثم يقال لها: كيف تركت الدنيا؟ فتقول: الهي وعزتك وجلالك لا أعلم بالدنيا أنا منذ خلقتني خائفة منك.
فيقول الله: صدقت عبدي كنت بجسدك في الدنيا وروحك معي، فأنت بعيني سرك وعلانيتك سل اعطك وتمن علي فأكرمك، هذه جنتي مباحة سح فيها وهذا جواري فأسكنه. فتقول الروح: الهي عرفتني نفسك فاستغنيت بها عن جميع خلقك، وعزتك وجلالك لو كان رضاك في أن اقطع اربا اربا أو اقتل سبعين قتلة بأشد ما يقتل بها الناس لكان رضاك أحب الي، الهي كيف اعجب بنفسي وأنا ذليل ان لم تكرمني وأنا مغلوب ان لم تنصرني وأنا ضعيف ان لم تقوني وأنا ميت ان لم تحيني بذكرك، ولو لا سترك لأفتضحت أول ما عصيتك الهي كيف لا أطلب رضاك وقد أكملت عقلي حتى عرفتك وعرفت الحق من الباطل والامر من النهي والعلم من الجهل والنور من الظلمة. فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أحجب بيني وبينك في وقت من الأوقات حتى تدخل علي أي وقت شئت وكذلك افعل بأحبائي. يا أحمد هل تدري أي عيش اهنى وأي حياة أبقى؟ قال: اللهم لا. قال: اما العيش الهنئ هو الذي لا يفتر صاحبه عن ذكري ولا ينسى نعمتي عني ولا يجهل حقي يطلب رضاي ليله ونهاره. واما الحياة الباقية فهي التي يعمل صاحبها لنفسه حتى تهون عليه وتصغر في عينيه، وتعظم الآخرة عنده، ويؤثر هواي على هواه، ويبتغي مرضاتي، ويعظم حق عظمتي، ويذكر علمي به، ويراقبني بالليل والنهار عند كل معصية، وينقي قلبه عن كل ما أكره، ويبغض الشيطان ووسواسه، ولا يجعل لابليس على قلبه سلطانا وسبيلا، فإذا فعل ذلك اسكنت فيه حبا حتى اجعل قلبه لي وفراغه واشتغاله وهمه وحديثه من النعمة التي انعمت بها على أهل محبتي من خلقي، وأفتح عين قلبه وسمعه حتى يسمع بقلبه وينظر بقلبه بجلالي وعظمتي، فأضيق عليه الدنيا وابغض إليه ما فيها من اللذات، فاحذره من الدنيا وما فيها كما يحذر الراعي غنمه من مراتع الهلكة، فإذا كان هكذا يفر من الناس فرارا وينقل من دار الفناء الى دار البقاء ومن دار الشيطان الى دار الرحمن.
يا أحمد ولا زيننه بالهيبة والعظمة، فهذا هو العيش الهنئ والحياة الباقية، هذا مقام الراضين، فمن عمل برضاي الزمه ثلاث خصال: اعرفه شكرا لا يخالطه الجهل، وذكرا لا يخالطه النسيان، ومحبة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين. فإذا أحبني احببته وحببته، وأفتح عين قلبه الى نور جلالي، فلا اخفي عليه خاصة خلقي، وأناجيه في ظلم الليل ونور النهار حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم، واسمعه كلامي وكلام ملائكتي، وأعرفه السر الذي سترته عن خلقي، وألبسه الحياء حتى يستحي منه الخلق ويمشي على الارض مغفورا له، وأجعل قلبه واعيا وبصيرا ولا اخفي عليه شيئا من جنة ولا نار، واعرفه ما يمر على الناس يوم القيامة من الهول والشدة، وما احاسب به الاغنياء والفقراء والجهال والعلماء، وانومه في قبره وانزل عليه منكرا ونكيرا حين يسألان، ولا يرى غم الموت وظلمه القبر واللحد"

قلت: قوله (ولا أحجب عنهم وجهي) صريح في إثبات الرؤية وإلا كان جميع الناس محجوبين
وفيه إثبات المحبة لله عز وجل بل وتشبيها بمحبة الأم

وهذا الخبر رواه المجلسي في بحار الأنوار (74/ 24_25)
قال ابن طاووس في سعد السعود ص225 _226:" {فصل} في ذكر الملكين الحافظين دخل عثمان بن عفان على رسول الله اخبرني عن العبد كم معه من ملك قال ملك على يمينك على حسناتك وواحد على الشمال فإذا عملت حسنة كتبت عشراواذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذى اليمين اكتب قال لعله يستغفر الله ويتوب فإذا قال ثلاثا قال نعم اكتب اراحنا الله منه فلبئس الصديق ما اقل مراقبته لله عز وجل واقل استحياءه منا الله عز و جل ما يلفظ من قول الا لدية رقيب عتيد وملكان بين يديك ومن خلفك وملك قابض ناصيتك فإذ ا تواضعت لله عز وجل رفعك وإذا تجبرت الله وضعك الله وفضحك وملكان على شفتيك يحفظون عليك الا الصلوات على محمد وملك قائم على فيك لا يدع ان تدب الحية في فيك وملك على عينيك فهولاء عشرة املاك على كل آدمى يعد ان ملائكه الليل ملائكة النهار لان ملائكة الليل سوى ملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكا على كل ادمى وابليس بالنهار وولده بالليل قال الله تعالى وان عليكم لحافظين الاية وعز وجل إذ يتلقى المتلقيان الاية اعلم ان عزوجل وكل بكل انسان ملكين يكتبان عليه الخير والشر ووردت الاخبار بانه يأتيه ملكان بالنهار وملكان بالليل وذلك قول الله له معقبات من يديه ومن خلفه لانهم يتعاقبون ليلا ونهارا وان ملكى النهار يأتيانه إذا انفجر الصبح فيكتبان ما يعمله الى غروب الشمس وفي رواية انهما ياتيان المؤمن عند حضور صلاة الفجر فإذا هبطا صعد الملكان الموكلان بالليل وإذا غربت الشمس نزل إليه الملكان الموكلان بكتابه الليل ويصعد ان الملكان الكاتبان بالنهار بديوانه الى الله فلا يزال ذلك دابهم الى وقت حضور اجله فإذا حضر اجله قالا للرجل الصالح جزاك من صاحب عنا خيرا فكم من عمل صالح اريتناه وكم من قول حسن استمعناه وكم من مجلس خير احضرتنا فنحن اليوم على ما تحبه وشفعاء الى ربك وان كان عاصيا قالا جزاك الله من صاحب عنا شرا فلقد كنت تؤذينا فكم عمل سيئ اريتناه
وكم قول سيئ استمعناه ومجلس سوء احضرتناه ونحن لك اليوم على ما تكره وشهيدان عند ربك وفي رواية انهما إذا ارادا النزول صباحا ومساءا ينسخ لهما اسرافيل عمل العبد من اللوح المحفوظ فيعطيهما ذلك فإذا صعدا صباحا ومساءا بديوان العبد قابله اسرافيل بالنسخة التي تنسخ لهما حتى يظهر كان كما نسخ منه وعن ابن مسعود انه قال الملكان يكتبان اعمال العلانية ديوان واعمال السر في ديوان آخر من خيراته وكذلك سيئاته فعلى هذا القول يكون لكل انسان يوم وليلة ثمانية دواوين ديوانان لخيراته بالنهار وحسناته وديوانان لسيئات النهار وكذلك ديوانان لحسنات الليل وديوانان لسيئات الليل فاما اربعة دواوين كل يوم وليلة فلا شك فيهما وان دواوين اهل السعادات توضع في عليين تحت العرش ودواوين اهل الشقاء توضع في سجين في سقف جهنم أقول: والله لو تهدد لأبن آدم بعض ملوك أو سمع ان احدا يتوعده بدون هذه الاهوال لكان قصر في سوالاعمال والاقوال وقبايحه ما الذي يهون عنده تهديد ورسوله ورضى بالتهوين والاهمال "

قلت: هذه الرواية فيها أثبات للعلو وهو مستلزم للتجسيم عند القوم كالرؤية تماماً

وقال المجلسي في بحار الأنوار (83/ 44):" روي عن الحسن العسكري عليه السلام عن أبيه، عن آبائه عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال: من عرضت له حاجة إلى الله تعالى صام الاربعاء والخميس والجمعة، ولم يفطر على شئ فيه روح، ودعا بهذا الدعاء قضى الله حاجته. اللهم إني أسئلك باسمك الذي به ابتدعت عجائب الخلق في غامض العلم بجود جمال وجهك في عظيم عجيب خلق أصناف غريب أجناس الجواهر، فخرت الملائكة سجدا لهيبتك من مخافتك، فلا إله إلا أنت، وأسألك باسمك الذي تجليت به للكليم على الجبل العظيم، فلما بدا شعاع نور الحجب العظيمة أثبت معرفتك في قلوب العارفين بمعرفة توحيدك فلا إله إلا أنت وأسألك باسمك الذي تعلم به خواطر رجم الظنون بحقايق الايمان، وغيب عزيمات اليقين وكسر الحواجب وإغماض الجفون وما استقلت به الاعطاف وإدارة لحظ العيون والحركات والسكون فكونته مما شئت أن يكون مما إذا لم تكونه فكيف يكون فلا إله إلا أنت، و أسألك باسمك الذي فتقت به رتق عقيم غواشي جفون حدق عيون قلوب الناظرين فلا إله إلا أنت، وأسألك باسمك الذي خلقت به في الهواء بحرا معلقا عجاجا مغطمطا فحبسته في الهواء على صميم تيار اليم الزاخر في مستفحلات عظيم تيار أمواجه على ضحضاح صفاء الماء، فعزلج الموج فسبح ما فيه لعظمتك فلا إله إلا أنت، و أسئلك باسمك الذي تجليت به للجبل فتحرك وتزعزع واستقزلودرج الليل الحلك ودار بلطفه الفلك فهمك فتعالى ربنا فلا إله إلا أنت وأسئلك باسمك يا نور النور يا من برئ الحور كدر منثور بقدر مقدور لعرض النشور لنقرة الناقور، فلا إله إلا أنت، وأسألك باسمك يا واحد يا مولى كل أحد يا من هو على العرش واحد أسئلك باسمك يا من لا ينام ولا يرام ولا يضام، ويا من به تواصلت الارحام أن تصلي على محمد وأهل بيته ... ثم تسأل حاجتك فانها تقضى إنشاء الله"

قلت: تسمية موسى ب (الكليم) فيه إثبات صفة الكلام لله عز وجل

قال المجلسي في بحار الأنوار ج96 ص262:" كتاب زيد النرسى: عن علي بن مزيد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما أحد ينقلب من الموقف من بر الناس وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم، إلا برحمة ومغفرة، يغفر للكافر ما عمل في سنته، ولا يغفر له ما قبله ولا ما يفعل بعد ذلك، ويغفر للمؤمن من شيعتنا جميع ما عمل في عمره وجميع ما يعمله في سنة بعد ما ينصرف إلى أهله من يوم يدخل إلى أهله سنته ويقال له بعد ذلك: قد غفر لك، وطهرت من الدنس، فاستقبل واستأنف العمل، وحاج غفر له ما عمل في عمره ولا يكتب عليه سيئة فيما يستأنف، وذلك أن تدركه العصمة من الله فلا يأتي بكبيرة أبدا، فما دون الكبائر مغفور له ومنه عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عزوجل ينظر إلى أهل عرفة من أول الزوال حتى إذا كان عند المغرب ونفر الناس وكل الله ملكين بحيال المأزمين، يناديان عند المضيق الذي رأيت: يا رب سلم سلم، والرب يصعد إلى السماء ويقول جل جلاله: آمين آمين رب العالمين فلذلك لا تكاد ترى صريعا ولا كسيرا "

قلت: فيه إثبات صفتي الكلام والصعود لله عز وجل وكلاهما مستلزم للتجسيم عند الرافضي

والآن مع نص قاصم للإمام المعصوم – عندهم -

قال علي زين العابدين في الصحيفة السجادية ص415:" واجعلني من صفوتك الذين أحللتهم بحبوحة جنتك، وبوأتهم دار كرامتك، وأقررت أعينهم بالنظر إليك يوم لقائك، وأورثتهم منازل الصدق في جوارك "

وهناك روايات عديدة في إثبات الصفات في الكافي ذكرتها في مقالي ( من عجائب الكافي )

وأما الزيدية فقال صاحب الحاوي في تفسير القرآن :" وعن علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ولدينا مزيد} قال: يتجلى لهم الرب عز وجل.أخرجه الدارقطني في الرؤية.
وقد أخرج هذا الروايات الجامع الكافي لمحمد بن علي العلوي وهو من أكبر كتب الزيدية المعتمدة، وذكر الإمام الكبير محمد بن إبراهيم الوزير في العواصم والقواصم أنه ورد عن علي القول بالرؤية من أربع طرق، وكذا عن بعض متقدمي الزيدية وهذا كافٍ في إثبات بطلان الإجماع المدعى من نفي الرؤية عن أهل البيت الكرام، كيف وقد خالف سيد العترة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه كما ترى؟
أما ما ذكره العلامة مجد الدين المؤيدي في لوامع الأنوار من أنه مدسوس فيه ما ليس منه، ومدخول على أهل البيت ما لم يقولوه، فإنه يؤيد ما أثبته ابن الوزير من وجود إثبات الرؤية في الجامع الكافي، ويحتاج السيد مجد الدين في إثبات الدس إلى برهان على ذلك، أما مجرد الدعوى فيقدر عليها كل أحد، ويحتاج إلى إثبات من سبقه إلى هذا القول بذلك من أهل البيت الاماجد، ومن المتكلم فيه في رجال الأسانيد التي ذكرها؟ ومن قال ذلك قبله من أئمة الزيدية؟، وما ذكره من أن الدليل على ذلك أن الأمام الذهبي مدح صاحب الجامع الكافي بقوله: ثقة ثبت حافظ جمع فقه أهل العراق، فدليل لا يلتفت إليه، وحجة يستغرب منها العاقل، فماذا كان يريد السيد مجد الدين؟ أيريد أن يقدح فيه حتى يكون عنده ثقة؟ وكيف يصنع الذهبي رحمه الله؟ إن جرح قالوا عدو لأل البيت وإن مدح تكلموا فيه كذلك، أهذه منهجية علمية يتعامل بها أهل العلم والفقه؟ وأو لا يخشى العلامة مجد الدين أن يشكك في كتب آل البيت بالدس فيها، وأنها غير موثوق بها، فيكون ذلك سبيلا لردها وعدم اعتمادها، فيكون حاله كالمستجير من الرمضاء بالنار، يريد أن ينفي ما في ما ورد في الجامع الكافي فيسبب التشكيك فيه، أولا يلاحظ أنه تناقض فقد روى بعد ذلك أربع طرق له إلى الجامع الكافي، كلها عن أئمة الزيدية الثقات الأثبات؟ فمن أين جاء الدس؟ أولا يلزم ذلك جرحا في رجال السند الذي ذكره؟ فينتبه إلى هذا فإنه أمر خطير، وجدير بعلماء الزيدية أن ينبهوا إلى خطأ هذا العمل ولو كان من غير مجد الدين، لاتهم صاحبه بالعداء لآل البيت، لتشكيكه في كتبهم."

ثم إنه في مسند زيد بن علي ذكر أحاديث صفات ينكرونها مع اتفاقهم على تصحيح هذا المسند فليقبلوا أحاديث الرؤية كما قبلوا هذه ثم يحاورونا بالتأويل

ففي مسند زيد بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله اذا كان يوم القيامة يقول الله عزوجل لملك الموت: وعزتي وجلالي وارتفاعي في علوي لاذيقك طعم الموت كما أذقته عبادي. –

وهذا واضح في إثبات العلو

وأما الإباضي فالخليلي صرح أنه يعتمد البخاري ومسلماً ولا يلام فكيف يعتمد الربيع المجهول ويترك الأئمة الحفاظ المتفق عليهم فهذا تناقض فاحش

وقال الخلال في السنة 1734- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الْبَزَّارِ , يَقُولُ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْمِرِّيسِيِّ , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , أُذَاكِرُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ , فَكُلَّمَا ذَكَرُوا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَدْتُهُ . قَالَ : يَقُولُونَ : أَنْتَ كَافِرٌ . قَالَ : صَدَقُوا . إِذَا ذَكَرُوا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَدَدْتَهُ , يَقُولُونَ : أَنْتَ كَافِرٌ . قَالَ : فَكَيْفَ أَصْنَعُ . قَالَ : إِذَا ذَكَرُوا حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ : صَدَقْتَ , ثُمَّ اضْرِبْهُ بِعِلَّةٍ , فَقُلْ : لَهُ عِلَّةٌ. –

فحتى المريسي يعلم هذا وأنه لا يمكن دفع الأخبار الصحيحة بالمجازفة ، وفي مسند الربيع توجد روايات للمريسي !

الوجه الأخير : قال ابن الوزير في العواصم مبينا فساد القول بوجوب الرجوع في الحديث إلى أئمة الزيدية:"إن قولك بالرجوع في الحديث وتصحيحه وتضعيفه ورده وتعليله إلى أئمة الزيدية يحتاج إلى تمهيد قاعدة ، وهي أن يكون أئمة الزيدية قد صنفوا في معرفة صحيح الحديث ومعلوله ومردوده ومقبوله ما يكفي أهل الاجتهاد من أهل الإسلام ، والمعلوم خلاف ذلك . فإن من أهل الاجتهاد من لا يقبل المرسل ، ومنهم من لا يقبل ما وقفه الأكثرون ورفعه بعض الثقات،أو وصله وقطعوه،أو اسندوه وأرسلوه ، ومعرفة هذا يحتاج تأليف في العلل ، والذي صنع كتاب العلل هم علماء الحديث كالدار قطني وغيرة ، وليس لأئمة الزيدية في ذلك تصنيف البتة،ومن لم يفرد للعلل تأليفاً من المحدثين ذكرها في تأليفه في الحديث كما يصنع أبو داود والنسائي وغير هما ، بخلاف من جمع الحديث من الزيدية فإنه لا يتعرض لذلك وكذلك المجتهد يحتاج عند تعارض الأحاديث على معرفة الراجح بكثرة الرواة وزيادة معدليهم ، أو كون بعضهم مجمعاً عليه وبعضهم مختلفاً فيه ، وهذا يحتاج إلى معرفة فنين عظيمين .

أحدهما : معرفة طرق الحديث ، وهو فن واسع لا يعرف للزيدية فيه تأليف . وقد تعرض لذلك جماعة من أهل المسانيد والصحاح والسنن من المحدثين وجمع الحافظ الماسر جي في ذلك المسند الكبير الذي فرغ في قدر ثلثمائة مجلد كبار ، واختصر الحافظ منه أحاديث الأحكام ، وجردوها من هذا المؤلفات الواسعة ، وذكروا ما تجب معرفته من وجوه الترجيح على أخصر ما يمكن ، تسهيلاً على الأمة وتمهيداً لقواعد الملة .
الفن الثاني : علم الجرح والتعديل وما فيه من تعريف مراتب الثقات والضعفاء ، الذين لا يتم ترجيح حديث بعضهم على بعض إلا بعد معرفته ، وهو علم واسع صنف الحفاظ فيه الكتب الواسعة الحافلة ، حتى جمع الفلكي فيه كتاباً فرغ في ألف جزء ، ثم لم يزل الحفاظ يهذبونه ويختصرون ما لا بد من معرفته حتى انضبط ذلك بعد الانتشار الكثير في مقدار الخمسة المجلدة أو ما يقاربها ، وليس للزيدية في هذا الفن تأليف البتة .
وهذه علوم جليلة لابد من معرفتها عند من يعتقد وجوب معرفتها من أهل الاجتهاد. فقول المعترض إن الواجب هو الرجوع إلى أئمة الزيدية في علوم الحديث قول مغفل لا يعرف إن ذلك مستحيل في حق أكثر أهل العلم الذين يشترطون في علوم الاجتهاد ما لم تقم به الزيدية ,وإنما هذا مثل من يقول :إنه يجب الرجوع في علم الطب إلى ألأحاديث النبوية والآثار الصحابية,ولا يجوز تعديها إلى غيرها, ومثل من يقول: إنه يجب الرجوع في علم الأدب إلى أئمة الزهادة وأقطاب أهل الرياضة, ولقد ذكر إمام الحرمين الجويني في كتاب البرهان أنه لا يجوز لأحد التزام مذهب أحد من علماء الصحابة رضي الله عنهم . وقال شارح البرهان إن العلة في ذلك كون الصحابة رضي الله عنهم ليس لهم نصوص على الحوادث تكفي الملتزم لمذهب أحدهم كالأئمة الفقهاء[1] المتبوعين ، وذلك أئمة الزيدية ليس لهم من التأليف في علم الحديث ما يكفي المجتهدين . فما للمعترض والتعرض لانتقاص المحدثين الذين قاموا بما قعد عنه غير هم من علوم الدين وهذا أمر يعرفه من له أدنى تمييز ، وإنما أوتي المعترض من قلة الإنصاف ومحبة الاعتساف ولله در من قال :
اقلــوا عليهـم لا أبا لأبيكـم*من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
الوجه الثالث : إنا لو رجعنا إلى تصانيف الزيدية في الحديث لكنا قد رجعنا إلى أضعف مما استضعفت ، وأنكر مما أنكرت ، وذلك لأن المصنفين من الزيدية في الحديث ليس إلا القاضي زيد والإمام أحمد بن سليمان والأمير الحسين والإمام يحيى ابن حمزة هؤلاء الذي توجد تصانيفهم في أيدي الزيدية في نجد اليمن.
أما القاضي زيد فقد ادعى في شرحه الذي يروي فيه الحديث إجماع الأئمة على قبول خبر أهل الأهواء
وأما الإمام أحمد بن سليمان فقد صرح في خطبة كتابه بالنقل من كتب المحدثين بل ذكر أنه جمع كتابه من كتب مسموعة وكتب غير مسموعة ، ولم يميز ما رواه من الكتب المسموعة ، مع أن كتابه عمدة عند علماء الزيدية معتمد عند المجتهدين منهم .
وأما الأمير الحسن فينقل من كتب المحدثين وهما معاً ينقلان من كتاب القاضي زيد ، وكل كتبهم خالية عن الإسناد وعن بيان من خرج الحديث من الأئمة .
وأما الإمام يحيى بن حمزة فينقل عنهم الجميع وعن جميع أهل التأويل ويصرح بذلك .
وأما من لم يصنف في الحديث من الأئمة ولكن توجد الأحاديث في كتبه ففيهم من صرح بقبول أهل الأهواء وفساقهم وكفارهم كالمؤيد بالله مع إجماع الزيدية على قبول ما أرسله ، بل قال المؤيد : إن الظاهر من قول أصحابنا قبول شهادة كفار التأويل بلفظ أصحابنا ، وهذا يقتضي روايته لذلك عن جميع علماء الزيدية ، وهو مجمع على ثقته عند الزيدية فوجب قبول روايته وهي تقتضي أن الرجوع إلى حديث الزيدية مشكل على من لا يقبل حديث كفار التأويل .
وكذلك المنصور بالله فإنه قال في المذهب ما لفظه : وقد ذكر أهل التحصيل من العلماء جواز قبول أخبار المخالفين في الاعتقادات ، وروى عنهم المحققون بغير مناكرة ــ هذا لفظه ــ وهو رواية منه عن أهل التحصيل ، وقد ادعى الإجماع على قبول فساق التأويل في كتاب الصفوة .
وكذلك الإمام يحيى بن حمزة والفقيه عبد الله ادعيا الإجماع على قبول كفار التأويل ، ودعوى هؤلاء الإجماع يفيد روايتهم لذلك عن أسلافهم .
وأما الهادي والقاسم فقد اختلفوا عليهما في ذلك ، فرواية هؤلاء للإجماع تفيد أنهما يذهبان إلى ذلك .وكذلك رواية أبي مضر عنهما تخريج المؤيد لهما وأحد تخريجي أبي طالب ,وهو يقتضي أن ذلك مذهبهما ,وهو أرجح من أحد تخريجي أبي طالب ورواية أبي جعفر ؛لأن هؤلاء أكثر وأخير ولأن عمل الهادي في الأحكام يوافق ذلك ,فإنه روى عن المخالفين ,فروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ,وروى عن الحسين بن ضمرة عن أبيه عن جده .
وعلى الجملة فالزيدية إن لم يقبلوا كفار التأويل وفساقه قبلوا مرسل من يقبل من أئمتهم ,وإلا يقبلون مرسل المجهول قبلوا مرسل من يقبله ,ولا يعرف فيهم من يتحرز عن هذا البتة .وهذا يدل على أن حديثهم في مرتبة لا يقبلها إلا من جمع بين قبول المراسيل بل المقاطيع ,وقبول المجاهيل وقبول الكفار والفساق من أهل التأويل فكيف يقال مع هذا :إن الرجوع إلى حديث أئمة الأثر ونقاده الذين أفنوا أعمارهم في معرفة ثقاته وجمع متفرقاته ,وبيان صحاحه من مستضعفاته .فتكثرت بهم فوائده ,وتمهدت قواعده ,وتقيدت أوابده ؟وهل هذا إلا مثل إنكار الشعوبية لفضل علماء العربية ,بل هو أقبح منه بدرجات عديدة,ومسافات بعيدة ,لأن الآثار النبوية هي ركن الإيمان وأخت القرآن ,وهي شعار الفقه والدثار , وعليهما في أمور الإسلام المدار"

وهذا الذي قاله ينطبق على الرافضة والإباضية أيضاً

فهم أولاً : متناقضون يقبلون بعض روايات الراوي ويتركون البعض الآخر

وثانياً : ليس عندهم منهج في الحديث ولا علم علل

وثالثاً : يقبلون المجاهيل والكذابين ويتركون روايات الثقات المتفق عليهم والتي تواردت وتعاضدت

ثم لا يكتفون بهذا حتى يكفروا أو يضللوا الآخذ بهذه الروايات ويتهمونه بالتجسيم مع أن هناك آيات كثيرة في القرآن ظاهرها إثبات الصفات التي هي تجسيم عندهم فما عساهم يقولون فما قالوه في الآيات فليقولوه في الأحاديث ولكنها متعاضدة تحريفها يكون ضرباً من القرمطة واتهام لله ورسوله بتضليل الناس وإيهامهم بالتشبيه والتجسيم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي