مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: معضلات تواجه الفكر العلماني ...

معضلات تواجه الفكر العلماني ...



أما بعد :
 
فهذا مقال سأشرح فيه باختصار مجموعة من المعضلات التي تواجه الفكر العلماني وأستخدم كلمة الفكر لانتشارها

أولها : فكرة المساواة المطلقة بين الجنسين فكرة صبيانية غير ناضجة ولا واقعية فلا يوجد أي دليل تجريبي على أن هناك تساو بين الجنسين من كل وجه

وفي الدستور الفرنسي حين أكدوا على أن هناك مساواة بين الرجل والأنثى

في فقرة أخرى حين تحدثوا عن العاجزين الذين تشملهم الرعاية قالوا ( خصوصاً كبار السن والأطفال والأمهات ) لاحظ قالوا الأمهات ولم يقولوا الآباء في اعتراف ضمني أن النساء في هذه الحال أحوج إلى الرعاية من الرجال فكبار السن فيهم ذكور وإناث وكذا الأطفال ولكن الأمهات لا يكن إلا إناثاً

فهذه فقرة بعيدة عن المساواة في الدستور نفسه ولهذا نظائر فمثلاً قوانين التحرش إنما تكون حين يتعلق الأمر بتحرش الرجل بالأنثى

في الإسلام الرجل مطالب بالمهر ومطالب بالنفقة على المرأة حتى بعد طلاقها وإذا أرضعت ولده وولدها يجب عليه أن يعطيها أجرة على هذا ، وحق الحضانة لها والرجل ينفق

وهي معفية من الجهاد وأحكام الإحرام في حقها مخففة ويحل لها لبس الحرير والذهب ومعفية من دية العاقلة ، والنصرانية معفية من الجزية

ومعفية من الصلاة والصيام حال عذرها وتقضي الصيام دون الصلاة

والأم مفضلة في أحكام البر ، والابنة مفضلة في أمر الرعاية

والمرأة في الإسلام لها ميراث تمت التوصية عليها أم لا ، كانت عاملة أو لم تكن عاملة

هذه الأحكام كلها ينبغي أن يتم إلغاؤها قبل المطالبة بأي حقوق للمرأة فالمساواة تقتضي منع الجميع أو السماح للجميع

هناك أحكام الناظر إليها فقط يبصر تفضيلاً للرجل والأمر من الله عز وجل عدل وإعطاء لكل ذي حق حقه ، حتى أمر شهادة المرأتين بشهادة رجل فهذه فيها حكم بالغة من أهمها أن الشاهد يجب أن يكون عدلاً ضابطاً والقاضي يمكنه التحقق الدقيق من هذا مع الرجل لأن الرجال مجتمعهم منفتح على بعضه ولكن ذلك يحسر في أمر النساء فالمرأة العدل عادتها الانعزال عن الرجال والتحرز في التعامل معهم

ثانيها : نجد في القانون الفرنسي أن عقوبة الإعدام لا تطبق نهائياً

ولاحظ هنا أنني لو قتلت جماعة من الناس بلا ذنب وأحرقت جثثهم فلا إعدام لي

ليس هذا شأننا ، الشأن التي سنت هذا القانون عندها استعداد أن تقتل العشرات بل المئات بل الآلاف من الأبرياء بحجة الحرب على الإرهاب وأقصى ما يخشى من الإرهابي أن يقتل الآلاف !


والمشكلة المزاجية في هذا الفكر فإن مثل هذا القانون ترفضه دول أخرى والأمر مزاجي بحت

ثالثها : أن العلمانيين دائماً يدندنون على وجود خلافات دينية ولكن كيف حلت العلمانية هذا الأمر ؟

حلته بأن خالفت كل المختلفين وأحلت ما يحرمون !

فمثلاً الإسلام واليهودية والنصرانية كلها تحرم الزنا واللواط وتعري النساء وجميعهم يقولون بالقصاص

فجاءت العلمانية وطرحت الحل في أن تعاكس جميع الأديان في هذا !

والعجيب حقاً أنه لماذا لا يحكم بما تقره جميع هذه الأديان أو جميع المذاهب المختلفة

فإن قالوا : هناك أقليات

فيقال : الأقليات الديمقراطية التي تؤمنون بها تلزمهم باتباع الأكثرية ، ثم في الواقع أنكم انحزتم للأقليات الإباحية

ففي واقع الأمر العلمانية الحديثة فلسفة إباحية قسيمة للدين وليست أمراً محايداً كما يظهرون ، وحين يكون المرء المتدين محكوماً بنظام إباحي يدعم هذا في إعلامه وتعليمه فهو يتعرض لاضطهاد !

ويشعر دائماً أن الحكومة منحازة للطرف الإباحي ضده

وهذه معضلة لا مفر للفكر العلماني الحديث منها

رابعها : العلمانية تحتاج الدين والدين لا يحتاجها

فنحن نجدهم في المحاكم يقسمون على الكتب المقدسة ، طيب إذا أضعفت الدين ونحيته من أين نأتي بالضمير للمقسم ؟!

وكذا الأطباء يقسمون وغير ذلك كثير ومن أين نأتي بمنظومة أخلاقية كاملة

وهم يقولون أنهم يحترمون الدين ثم يقسمون بالله على المحافظة على تنحية شرعه

خامسها : في الدستور الفرنسي مكتوب أن الحرية مكفولة ما لم تتعدى على الآخرين

وهذه كلمة دائماً نسمعها من المتأثرين بهذا الفكر المتهافت

والسؤال هنا هل هذه الأذية للآخرين تكون معنوية أم حسية ؟

إن قالوا : حسية فقط

فيقال : حولتم البشر إلى بهائم وما بال قضايا السب والتشهير والقذف والباب فيها معنوي محض

وإن قالوا : حسية ومعنوية

فيقال : فلم تبيحون الرسوم المسيئة وما تسببه من الأذى أعظم بكثير مما يسببه قضايا السب المفردة بل هي تثير الناس ، وقضايا التحرش البحث فيها معنوي فكثير من صور التحرش لا تسبب أذى جسيماً للجسد ومع ذلك يعاقب عليها القانون ومع ذلك رسم الأنبياء برسوم قذرة حرية ، والتحرش مطلقاً جريمة !

ضبط التعدي على حريات الآخرين بين الأذية المعنوية والأذية الحسية في الفكر العلماني مضطربة جداً

فمثلاً يمنع المرء من خروجه عارياً مع أنها حرية لأن ذلك يؤذي الناس

والواقع أن كثيراً من ألبسة النساء أسوأ من العري نفسه بالنسبة للذكور

سادسها : أن العلمانية عاجزة عن تحويل الفضائل الفردية إلى ظواهر جمعية بدون الاستعانة بالدين

فمثلاً السخاء قيمة جميلة يحبها كل الناس ولكن قليل من يفعلها ، بعد الإسلام صار الغني يعطي الفقير حقه المعلوم وصارت ظاهرة جمعية هذا غير أنواع الإنفاق الكثيرة على الفقير في الشريعة

أبو بكر الصديق وعثمان كانا لا يشربان الخمر لضررها في الجاهلية وكانت فضيلة في حقهما ولكن هذه الفضيلة صارت أمراً جمعياً بعد مجيء الإسلام

وجد الفرزدق كان ينقذ الموءودة في الجاهلية ولكن بعد الإسلام صار هذا أمراً جمعياً

أما النظام العلماني فيأخذ الضرائب من الغني والفقير في خدمات يشترك فيها الجميع وعاجز عن تحويل الفضائل الفردية إلى ظواهر جمعية

سابعها : يزعم العلمانيون أن المتدينين يفرضون الأمور على الناس عن طريق التلقين

والواقع أنهم هم أنفسهم إذا حكموا يفرضون الفكر الذي يريدون على الناس عن طريق الإعلام والتعليم ، وباسم العلم ويتم احتكار اسم العلم لنظريات معينة تخدم السياسات العامة ، ومن يخالف يتعرض للإقصاء

بدليل ما ذكره صاحب كتاب إيمان فاقد الأب من أن الإشارة للإله في المنظمات العلمية تعرضك للطرد

وهناك حوادث كثيرة في هذا السياق

ثامنها : العلمانية تمارس إكراه على الناس بأن تجبرهم أن يتخلوا عن بعض معتقداتهم الدينية وكتبهم بحجة أنها تخالف المباديء العالمية التي أجبروا الناس عليها

وتجدهم قولاً واحداً يمنعون من الزواج تحت سن الثامنة عشر مع كونهم يبيحون اللواط

وتجدهم إذا أرادوا تبرير شيء احتجوا بأنه موجود في الأسلاف أو في الحضارات القديمة أو موجود في الحيوانات أو غير مؤذي

طيب

قال صاحب كتاب قصة الحضارة :" لدم الذي يجري في عروق سكان وادي النيل دما حارا، ومن أجل ذلك كانت البنات يصلحن للزواج في سن العاشرة"

فلماذا يزعجهم أمر الزواج تحت الثامنة عشر ، وهو غير مؤذي وموجود في الحضارات القديمة ؟

وكذلك تعدد الزوجات

تاسعها : تطالب بعض الدول العلمانية دولاً أخرى بالتعويض على مجازر مضت كما فعل مع ألمانيا وكما فعل مع تركيا

وننسى أن هناك دولاً قامت على أشلاء السكان الأصليين وننسى التاريخ الاستعماري لبريطانيا وفرنسا ونظيراتها وما فعلوه بالدول التي استعمروها دون أي تعويضات بل إلى الآن هم مستمرون بأخذ الثروات ثم تكتب دساتير بلغة خطابية عاطفية تتغنى بالإنسان وحق الإنسان

عاشرها : دول تمنع الحجاب وأخرى تمنع النقاب وأخرى تمنع المآذن ثم يقال لنا أنتم لا تعاملونهم بالمثل

أما إننا في تاريخنا في كله ما أخذنا جزية من نصراني عاجز ولا أخذناها من امرأة نصرانية ولا طفل ولا شيخ كبير غير مقاتل أو مكتسب وهذا ما ينص عليه الفقهاء

وديننا يحرم قتل النساء والأطفال وما خلعنا عن متدينة جلباباً تعف به نفسها، وحملاتهم الصليبية واستعماراتهم فعلت بالمسلمين الأفاعيل  ، واليوم نعلم أن عامة بلداننا تحكم بأنظمة علمانية منحازة ضد الدين ولكنها تتفاوت في هذا

حين تجعل الحرية قيمة مطلقة فأنت ملزم بهذا وأنا حين أجعل الدين فوق كل شيء فأنا ملزم بهذا ، ولكن لا بد أن يكون الأمر مبنياً على الدليل

والمشكلة معظم من يتكلم منهم عن الشريعة لم يقرأ كتباً فقهية ولا التاريخ الإسلامي بتوسع واطلاع بعيداً عن كتب المستشرقين ثم يتكلم بجهل
والكلام عن التقدم الغربي بغض النظر عن الاستعمار تجاوز للتاريخ فحين يتكلمون عن التاريخ الإسلامي يركزون على أسوأ شيء ولو كان مكذوباً وحين يتحدثون عن تاريخ أوروبا والغرب ككل يبتعدون عن كل النقاط المظلمة

هذه خاطرة يسيرة تتعلق بهذا الموضوع آثرت الاختصار جداً فيها وتركت الاستدلال والتطويل
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي