مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: أرادوا أن يطعنوا في نبوته فأثبتوها ...

أرادوا أن يطعنوا في نبوته فأثبتوها ...



أما بعد :


فإننا لا ندافع عن القرآن بشيء أجل مما دافع به الله عز وجل عن كتابه ، وسبحان الله كيف أن الشانئين يثبتون النبوة من حيث لا يشعرون

فقد قام بعض الباحثين بجمع الكتب اليهودية التي ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منها

ومعلوم أن مثل هذا لا يرقى إلى كونه شبهة فاليهود أهل كتاب ووجود الحق في كتبهم لا يبعد أبداً بل التقاطع أمر طبيعي لوحدة المصدر وإن حرفت كتب اليهود ولكن المعضلة أن هذا الباحث جاء بعدة كتب غير التوراة والعهد القديم ككل كلها لم تكن مترجمة للعربية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يطلع عليها كاملة إلا خاصة أحبار اليهود وبعضها كتب ضخمة

فمن ذلك ( الكتاب المقدس بأسفاره العهد القديم )

ومنه (روش هشاناه)

ومنه (رسالة تسمى »سنهدرين)

ومنه (حكيكاه)

ومنه (مدراش رباه«)

ومنه (ترجوم يوناثان بن عزيا،)

ومنه كتاب (فرقى ربي اليعزر)

ومنه كتاب (مدراش يَلْكوت)

ومنه كتاب (  عبوداه زاراه)

ومنه التلمود وهو كتاب ضخم سواءاً البابلي أو الآخر 

وبعض هذه الكتب إنما اكتمل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فالأمر معكوس ولكنني أحب أن أصدق ما قالوه من تقدم هذه الكتب على النبي صلى الله عليه وسلم 

وزاد النصارى ادعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من العهد الجديد بل وصل اطلاعه إلى الأناجيل التي لا تعترف بها الكنيسة وهي الأناجيل الغنوصية كإنجيل يهوذا

وركز أن هذه كلها لا وجود لها باللغة العربية إلا وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقرون

فلو فرضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارئاً كاتباً فمن أين له أن يتعلم السريانية والعبرية وغيرها من اللغات ثم من أين له أن يجمع هذه الكتب كلها ويطلع عليها وينقحها !

وقد زاد الملاحدة ادعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من الزرادشتية وقد كتب خالد كبير علال نقداً قوياً على دعوى تشابه الإسلام مع الزرادشتية

والواقع أن عموم الأديان الموجودة بينها نقاط تشابه لأنها إما أديان أنبياء حرفت أو ديانات وثنية حاكت بعض ما كان يفعل الأنبياء كما فعل قريش مع الحج الذي كان يفعله إبراهيم

ومما يدعونه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عدد عظام الإنسان من الصينيين وهم لم يعرفوا أن الصينيين يقولون بهذا إلا قبل مدة وجيزة بسبب انفتاح الاتصالات والترجمة

وادعوا أيضاً أنه أخذ علم الأجنة من اليونان علماً أن كلامه مختلف عن كلام اليونان وكتب اليونان ما ترجمت إلا بعد وفاته بمدة طويلة

فخلاصة ما زعموه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف عدة لغات ومتعمق بأنواع المعرفة المختلفة اللاهوتية والطبية وبقي أربعين عاماً لا يظهر أثر هذا عليه نهائياً ثم فجأة جاء بالقرآن وتحدى به العرب والعجيب أنه لم يكن أحد منهم في مستواه الثقافي فيكسب تحديه بل كلهم لم يكونوا في مستواه الثقافي بل آثروا قتاله ومحاولة اغتياله على قبول التحدي 

والعجيب أنهم مع هذا كله يتهمونه في عقله وكيف لإنسان مجنون أو مريض نفسي أن يحصل هذه المعارف كلها ثم يغير العالم بها 

قال الله تعالى : (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)

وقال تعالى : (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً وبقي أربعين عاماً كذلك وما طلب علم عند أحد حتى أن المشركين لما رأوه جلس مع غلام نصراني قالوا هذا الذي يعلم محمد من تشوفهم لنسبته لأي أحد لأنهم لا يعرفون أنه قرأ على أحد أو تعلم من أحد قال تعالى : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين )

وأيضاً صدم زنادقة زمننا حين رأوا ذكر لهامان في المنقوشات المصرية الهيروغليفية مع مع عدم وجوده في الكتب المقدسة لليهود وادعى بعض حمقاهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ذكر الميزان من المنقوشات المصرية وأخذ بعض أسماء الله عز وجل من الصابئة المندائيين الذين ما ترجمت كتبهم إلا في زمننا هذا ! وزيادة على ذلك ادعوا أنه أخذ من ملحمة جلجامش قصة نوح مع أن جلجامش تقول أن صاحب السفينة نجا مع زوجته وهذا خلاف القصة القرآنية ثم إن نوح سابق لكل الحضارات فلا مشكلة أن يتفق البشر على ذكره كحدث عظيم في التاريخ ولكن المكتبة النبوية المزعومة تتضخم شيئاً فشيئاً حتى تصير معلمة معرفية منقطعة النظير
فالذي يدعي الدعوى السابقة على النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه مخالف لقطعيات تاريخية فهو أيضاً مختل عقلياً فهذا الكلام لا يقوله عاقل

ففي زمن رواية الحديث النبوي كان المرء لكي يجمع مجموعة من الأحاديث تميزه على أقرانه كان يضطر للسفر والعلم النبوي كان محفوظاً ومبذولاً وبلغة الجامعين ومع ذلك يضطر المرء منهم للسفر لكي يجمع

والنبي صلى الله عليه وسلم ما علم أنه سافر لطلب علم أو جمع كتب بلغة قومه فما كانوا أهل قراءة وكتابة في العلوم بل كانوا شعر فكيف بلغة غيره في علوم خاصة الخاصة

وهنا عدة تنبيهات يغفل عنها كثير ممن يبحث في المسألة

التنبيه الأول : أن الجزء الذي يدعي الجهلة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذه من غيره هو جزء من عموم القرآن وليس القرآن كله ويفوتهم أمر هام أن معظم قصص الأنبياء نزلت في السور المكية حيث لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم أي احتكاك باليهود ، واليهود أصلاً منغلقون على أنفسهم فيما يخص كتابهم وعلومهم

الثاني : أن اليهود وهم أهل كتاب ألصق الناس بهم الأنصار آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إيماناً عظيماً ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ من اليهود لكشفه الأنصار بل لكشفه اليهود وما اضطروا إلى محاولة سحره وسمه وتأليب الناس عليه  وقتله ، بل آمن عدد من علمائهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وأظهروا نبوءاته كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار وغيرهم كثير

الثالث : أن عدداً من القصص القرآني لا وجود له إلا في القرآن الكريم

كقصة هود وصالح وقصة أصحاب الكهف وغير كثير من القصص القرآني

وهناك قصص موجودة في التوراة بشكل مخالف تماماً لما في القرآن كوصف الشجرة التي منها أكل منها آدم بأنها شجرة المعرفة ونسبة أيوب للتسخط وداود للزنا وسليمان للكفر وهارون لعبادة الأصنام وقصة يوسف مختلفة إلى حد كبير

وكثير ممن يدعون الاقتباس يأتون إلى جزء من القصة فيه تقاطع ويتركون جزءاً أكبر فيه اختلاف ظاهر وهذه عبثية حمقاء والاختلافات كثيرة جمعها العديد من الباحثين بل الاختلافات الظاهرة في أمر التوحيد ففي كتابهم المقدس نسبة الله للندم والبداء والتعب وشبه المخلوقين وهذا لا وجود له في القرآن بل ضده الموجود

ثم إن في القرآن أخباراً غيبية تتعلق بالمستقبل وذكر لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم فبدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر وبني قريظة والفتح كلها مذكورة في القرآن الكريم مع غيرها من قصص السيرة وفي القرآن أسرار المنافقين والأخبار المستقبلية المتعلقة بما سيقع للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأما التشريع فنقطة فارقة في دقته وسعته

قال القانوني ((ليون أستروروج)) ((Leon Ostrorog)) -في النصف الأول من القرن العشرين- عن المنظومة التشريعيّة الإسلاميّة في مجال حقوق الإنسان، بكلّ إجلال وتوقير ليقول: ((النظام [التشريعي الإسلامي] كامل إلى درجة نادرة من ناحية بنائه المنطقي، وهو إلى اليوم يثير إعجاب الدارسين.)) C. G. Weeramantry, Islamic Jurisprudence: An International Perspective, Basingstoke u.a. : Macmillan, 1988, p.113

وقال المستشرق اليهودي ((نفتالي ويدر)) في كتابه ((الـتأثيرات الإسلاميّة على العبادات اليهوديّة)) متحدثًا عن أهم عمل فقهي يهودي في القرون الوسطى، وهو ((مشناه توراه)) في سياق حديثه عن الأثر العام للمسلمين أصحاب اللسان العربي على اليهود: ((ومن الناحية الشكليّة اتّخذ اليهود لأنفسهم مناهج العرب العلميّة في فروع الدين، والأخلاقيات، والنحو، وتفسير الكتاب المقدس. بل حتّى في ميدان الشريعة؛ فكتاب ((مشناه توراة)) الذي يبهرنا ببنائه وترتيبه، ليس هو سوى ترتيب لمواد الشريعة الضخمة وفقًا للنظام الذي وضعه علماء الفقه المسلمون)) نفتالي ويدر، التأثيرات الإسلامية في العبادة اليهودية، ص 9 (عن، موشيه مردخاي تسوكر، التأثير الإسلامي في التفاسير اليهودية الوسيطة، ت/أحمد محمود هويدي، القاهرة: مركز الدراسات الشرقيّة جامعة القاهرة، 2003م، المقدمة، ص 13)



وما من عاقل يقارن بين دينه ودين الإسلام إلا ويرى الفضل لدين الإسلام في أمور كثيرة جداً تميز فيها على عامة الأديان
وأضرب لذلك عدة أمثلة وليست للحصر
المثال الأول : تناسق هذه الشريعة وشموليتها لأمر العبادة والمعاملة والآداب ففيها أحكام الصلاة والطهارة والزكاة والحج والصوم والأدعية المأثورة والأذكار مما يدعو لإشباع روحاني عجيب ، مع عدم إهمال أحكام آداب الطعام والشراب والنوم ، وأحكام الجار وأحكام البيوع والنكاح والطلاق والخلع والقضاء والديات والحدود والجهاد والمواريث وآداب صلة الأرحام والبر وغيرها  مما ينظم حياة الفرد وينظم علاقته مع ربه ومع أهله صغاراً وكباراً ومع القريب والبعيد والمسلم والكافر بشكل دقيق ومفصل
المثال الثاني : راعت الشريعة الإسلامية سد الذريعة إلى الجريمة قبل تحديد العقوبة عليها ، فنهي عن تبرج النساء وأمر بغض البصر ودعي إلى المنع من الاختلاط المريب وحث على الزواج وعدم المغالاة في المهور وبعد هذا كله تأتي عقوبة الزنا ، وحث على الزكاة والصدقة وحرم الربا وأكل أموال الناس بالباطل والاحتكار ثم جاءت عقوبة السرقة وهكذا في جميع الحدود ، كما أنك ترى أن العقوبات والحدود تأتي في الأمور التي فيها دافع طبعي فالخمر له لذة وكذلك القتل عند اشتداد الغضب والزنا عند اشتداد الحاجة والسرقة عند اشتداد الطمع والقذف عند اشتداد البغض فجاءت الحدود مخوفة ومرهبة من هذه الأمور لشدة الدافع الطبعي فيها فناسب أن يوجد وزاع شرعي
ومراعاة اختلاف الأحوال فمثلاً تعدد الزوجات لم يبحه مطلقاً ولم يحرمه مطلقاً وشرط فيه العدل فجاء وسطاً بين الإفراط والتفريط ، وكذلك في الزكاة جعلها بقدر معين فلا تدعو الكسول للبطالة وتغني المضطر عن سؤال الناس مع حثه على العمل والاكتساب وهنا يأتي التوازن المذهل
المثال الثالث : الشريعة الإسلامية تراعي الاختلافات بين الأحوال في مرتكبي الجرائم ، فلهذا تجد السارق لا يقطع إلا عند نصاب معين وأن تكون سرقته من غير حرز ، والزاني البكر غير الزاني الثيب والزاني الشيخ الكبير عند الزاني الشاب ، كما يراعى ذلك في الثواب فأفضل الصدقة وأنت صحيح شحيح ترجو الغني وتخاف الفقر ، وخير رقبة تعتقها هي أنفسها عند أهلها ، والشاب الذي يتعفف عن الزنا مع قوة الداعي يكون أجره عظيماً والمجاهد والمهاجر ومسبغ الوضوء على المكاره كلهم أجرهم عظيم ووردت نصوص كثيرة في الثناء عليهم لشدة النصب
وهذا أمرٌ لم أره في التوراة بهذه الدقة وأما بقية الديانات فلا تكاد تعنى بهذه الجوانب بهذا الشكل الدقيق
المثال الرابع : عناية الشريعة الإسلامية بأعمال القلوب التي لا يراها الناس مع أثرها العجيب على الظاهر كعبادة محبة الخير للناس والإخلاص لله عز وجل والتوبة وبغض الشر ومحبة الصالحين وغيرها ، والبعد عن الرذائل القلبية والوعيد عليها كالرياء والكبر وبغض الصالحين والحقد على أهل الخير والحسد
المثال الخامس : تنزيه الله عز وجل مع كثرة الكلام عن أسمائه وصفاته فأقرب الكتب إلى القرآن التوراة وهي تنسب لله البداء والتعب والبكاء والندم فجاء القرآن منزها لله عز وجل عن كل هذا ، وكذلك تنزيه الأنبياء فالتوراة تنسب للأنبياء الزنا والقتل ومخازي أخرى والقرآن جاء منزها لهم عن كل هذا ، وقد كان المنطقي أن يغتر النبي بكلام اليهود في هذا الباب إذا كان ناقلاً عنهم أو تكون أطروحته أبعد عن العقل من أطروحتهم فهو أمي وبقي أربعين سنة لا يعرف بعلم الكتب وهم متخصصون !
المثال السادس : يوجد في الدين الإسلامي قواعد شمولية يندرج تحتها المئات من المسائل والفروع كقول النبي ( إنما الأعمال بالنيات ) وكقوله ( الحلال بين والحرام وبينهما أمور مشتبهات ) وأمره باجتناب المشتبه بعد ذلك ولهذا صنف علماء المسلمين كتباً كثيراً فيما يسمونه ب( القواعد الفقهية ) وهي القواعد المأخوذة من النصوص والتي يندرج تحتها مئات الفروع الفقهية ، وهذه البلاغة وهذا التنظيم وجوامع الكلم في القرآن والسنة يفيدان معنيين الأول خصوصية الشريعة الإسلامية ودقتها ، والثاني : صلاحية لكل زمان ومكان ومرونتها وباستخدام هذه القواعد أمكن الفقهاء المعاصرون التعامل مع النوازل العصرية
المثال السابع : مسألة الأسماء الحسنى بهذه الكثرة وهذه البلاغة مع ظاهرة القرن بين الأسماء في القرآن ف( العزيز الحكيم ) يقرن لمعنى وهو أن العزيز في الدنيا ربما تحمله عزته على الطغيان ولكن الله حكيم أيضاً يضع الشيء في موضعه فعزته مقترنة بالحكمة وقوله ( العلي العظيم ) يقرن لمعنى فالشيء العالي يبدو صغيراً ولكنه سبحانه ليس كذلك فهو علي عظيم ، وهذه الأطروحة من كون كل اسم له معنى وفي اقترانه يصير له معنى آخر زائد لا أعلم لها نظيراً في الأديان الأخرى
المثال الثامن : التفاصيل الدقيقة لما سيحدث في اليوم الآخر وذكر الحوض والصراط والشفاعة والميزان وغيرها من الأهوال أمر اختصت به الشريعة الإسلامية ولو نفضت التوراة والانجيل وكتب الأديان الأخرى فلن تجد لها نظيراً بهذه الدقة والتفصيل بل قوله تعالى ( ولا يشفعون عنده إلا لمن ارتضى ) والتنصيص على أن الأنبياء لا يشفعون إلا بعد الإذن والرضا ثم يبقى أناس لا تصيبهم شفاعة أحد حتى يأتي الله برحمته ويخرجهم من النار كتأكيد لدلالة أن الله أعظم رحمة من خلقه أمر من مفاريد الشريعة الإسلامية
المثال التاسع : المناقشات العقلية في القرآن وضرب الأمثلة على بطلان مذاهب المشركين واليهود والنصارى وقد جمعها ابن تيمية في درء التعارض وابن القيم في الصواعق المرسلة أمر تنفرد به الشريعة الإسلامية
المثال العاشر : أصل في الإسلام المنهج العلمي ( قل هاتوا برهانكم إن كنت صادقين ) والنبي هو الشخصية الوحيدة التي رويت أقوالها بالأسانيد ووضعت تراجم لكل من روى عنه حديثاً بذكر معلومات تفصيلية عنه تبين مدى وثاقته من عدمها ، والقرآن هو أكثر كتاب شرح وفسر على وجه البسيطة في التاريخ وكل عالم يخرج منه ما لم يخرجه الآخر
المثال الحادي عشر : كان النبي باستمرار يحث أصحابه على مخالفة الأمم الأخرى ( خالفوا المشركين ) ( خالفوا اليهود والنصارى ) وجعلها أساساً في عدد من التشريعات ، وهذا يحفظ هوية الأمة فالأمة التي تحتفظ بلغتها ولباسها ودينها آمنة من الانصهار في أمم أخرى فهذه الخلاصة التي توصل إليها فطاحلة علماء الاجتماع ظاهرة جداً في التشريعات الإسلامية وقد ألف ابن تيمية في ذلك كتاباً جميلاً اسمه ( اقتضاء الصراط المسقيم خالفة أصحاب الجحيم )
المثال الثاني عشر : من القواعد السائرة في الطب والحياة العادية قاعدة ارتكاب أدنى الضررين ، أو دفع الشر الأعلى بالشر الأدنى عند التزاحم ، فبتر القدم المصابة بالغرغرينا لإنقاذ بقية الجسم عمل أخلاقي ، وكثير من الأديان المتصوفة كالزرادشتية والبوذية نجد القيم فيها محلقة وليس فيها مراعاة لمثل هذا ، وأما في الإسلام فقد جاء الأمر دقيقاً ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ) وكثير ممن يعترض على بعض التشريعات الإسلامية ينظر إلى المفسدة فيها ولا يشاهد المصلحة الأعظم المقترنة بها فمثلاً لو لم يقاتل النبي المشركين لبقوا يأدون بناتهم إلى أبد الآبدين ويتقاتلون في حروب الثأر كحرب البسوس ويأكلون الربا وأعظم من ذلك شركهم الخبيث فما أنقذ من الأنفس في الجهاد الإسلامي أكثر بكثير من التي أزهقت وقد أزهقت بوجه حق وقد خيروا قبل ذلك بين الإسلام والجزية ( التي على الصحيح تؤخذ حتى من المشرك ) ، ولو شاء الله لأهلك الناس أجمعين وهذا مثال واحد فقط عليه تقيس غيره وقصة موسى والخضر أصل في هذا الباب


هنا وضعت خطوطاً عريضة لنقض هذه الشبهة المضحكة وما عليك سوى أن تدمن النظر في كتاب الله عز وجل ليزداد يقينك ولتجد المزيد من الشواهد على بطلان هذه الشبهة وثبوت ضدها


هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي