مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: شبهات داحضة على القرآن والحديث ....

شبهات داحضة على القرآن والحديث ....



أما بعد :


فقد رفع إلي بعض شبهات من موتور حاقد على الإسلام يشكك فيها ببعض مصادر التراث بتشكيكات باردة

فأولى شبهاته دعواه أن السنة محرفة واستدل على ذلك بمثال يكشف جهله العريض

جاء في مسند الحميدي  614 - حدثنا الحميدي قال ثنا الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أفتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع فلا يرفع ولا بين السجدتين

لفظة ( ولا بين السجدتين ) لا توجد في رواية أحمد فذكر هذا الأمر للتدليل على وجود تحريف في السنة

وهذا تعنت عجب

كل ما في الموضوع أن الطبعة التي اعتمدها هذا الدجال من مسند الحميدي طبعة رديئة فيه سقط في الطبع وتحريف من الطابع بدليل كتابته حدثنا الحميدي قال حدثنا الزهري والحميدي لم يسمع من الزهري بل بينهما سفيان فقد جاء في طبعة وزارة الأوقاف المصرية الرواية على الصواب قال الحميدي 643 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ قَالَ أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ ، وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَلاَ يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.
ولو فرضنا أن الحميدي روى هذا الخبر كما هو مذكور في طبعة الأعظمي فهذا اختلاف بين الرواة وهذا الحديث موجود في عشرات المصادر بلفظ واحد وهو أن النبي كان يرفع يديه قبل الركوع وبعده وعند الاستفتاح ولا يرفعها بين السجدتين وإليك هذه الرواية المتطابقة
قال أبو داود في سننه 721 - حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، حدثنا سفيانُ، عن الزهري، عن سالم عن أبيه قال: رأيتُ رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم -إذا استَفتَحَ الصلاةَ رفعَ يَدَيهِ حتَى تُحاذِيَ مَنكِبَيهِ، وإذا أرادَ أن يركعَ، وبعدما يرفَعُ رأسَه من الرُكوع- وقال سفيانُ مرةَ: وإذا رفعَ رأسَه، وكثرُ ما كان يقول:
وبعدما يرفعُ رأسَه من الرُكوع- ولا يرفعُ بينَ السَّجدَتَين. هنا رواه من طريق أحمد وقال ابن خزيمة في صحيحه 583 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، نَا أَبُو بَكْرٍ، نَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ الْعَطَّارُ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَالِمًا يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ؛ ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَحْمَدِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْأَزْهَرِ وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَبَعْدَمَا يَرْفَعُ مِنَ الرُّكُوعِ. وَلَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. فهذه رواية جمع عن سفيان متابعين لأحمد على اللفظ المذكور وقال أحمد في مسنده 4540 - حدثنا سفيان عن الزُّهْرِيّ عن سالم عن أبيه: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفَع يديه حتى يُحَاذي مَنْكِبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعدَ ما يرفعُ رأسَه من الركوع، وقال سفياَن مرةً: وإذا رفع رأسَه، وأكثرُ ما كان يقول: وبعدَ ما يرفع رأسَه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين.وقال النسائي في سننه تَرْكُ ذَلِكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ 1143 - أَخْبَرَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ وَبَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وهذه متابعة من إسحاق بن راهوية لأحمد والجمع وقال ابن ماجه في سننه 858- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ , وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ , وَأَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ ، وَإِذَا رَكَعَ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ ، وَلاَ يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وقال الدارمي في مسنده 1250 - أخبرنا عثمان بن عمر أنا مالك عن الزهري عن سالم عن أبيه بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا دخل الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه وإذا ركع كبر ورفع يديه وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك ولا يرفع بين السجدتين أو في السجود وهذه متابعة من مالك لسفيان بن عيينة على مثل المتن وقال أبو عوانة في مسنده 1572- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَيُّوبَ الْمُخَرِّمِيُّ ، وَسَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ ، وَشُعَيْبُ بْنُ عَمْرٍو فِي آخَرِينَ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ ، لاَ يَرْفَعُهُمَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَلاَ يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.
1573- حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنِ الشَّافِعِيِّ ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، بِنَحْوِهِ : وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.
1574- حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيٌّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ ، أَخْبَرَنِي سَالِمٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ.
1575- حَدَّثَنَا الصَّائِغُ بِمَكَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي سَالِمٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.وتلاحظ أنه جعل رواية الحميدي كرواية الجماعة

قال الشافعي في مسنده 192 - أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ، وَلا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.وقال ابن أبي شيبة في المصنف 2440- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ ، وَإِذَا رَكَعَ وَبَعْدَمَا يَرْفَعُ ، وَلاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. والخلاصة أن الحديث رواه عن سفيان بن عيينة جمع يفوقون العشرة أنفس منهم الشافعي وأحمد وإسحاق بن راهوية وابن أبي شيبة كلهم بلفظ واحد أن النبي كان يرفع يديه قبل الفاتحة وقبل الركوع وبعده ولا يرفع عند السجود فلو فرضنا أن الحميدي خالفهم فهذه تسمى عند المحدثين رواية شاذة خالف فيها الواحد الأكثر والواقع أنه خطأ مطبعي في طبعة الأعظمي وطبعاته رديئة بدليل أن أبا عوانة روى الحديث من طريق الحميدي بلفظ الجماعة وبدليل طبعة وزارة الأوقاف المصرية وبدليل وقوع السقط في سند رواية الحميدي وهذا يزيدك يقيناً في أمر السنة فلو وقع تحريف في مصدر استدركناه من المخطوطات ومن المصادر الأخرى.

وهذا الحاقد لا شك أنه وقف على هذه الروايات المتطابقة بل وقف على تطابق عامة روايات الأحاديث المتطابقة بشكل مذهل مع اختلاف المصادر ولكنه أبى إلا العناد والحقد، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه قبل الركوع وبعده متواتر جمع فيه البخاري كتاباً اسمه رفع اليدين وأما رفع يديه في تكبيرة الإحرام فهذا من تواتره اتفقت عليه الأمة

وأما شبهته الثانية :

فقال البخاري في صحيحه 3464 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الْأَبْرَصَ.

الحديث فهنا ادعى أن في هذه الرواية نسبة البداء لله عز وجل بمعنى أنه كان يجهل فعلم

وليس الأمر كذلك فقوله (بدا) يكون بمعنى كان يجهل وعلم يكون في سياق كهذا ( أراد الله كذا ثم بدا له كذا )

أما إذا كانت ابتدائية ك( بدا لله أن يبتلي فلاناً ) فهو بمعنى أراد والبخاري هنا رواه من طريق عمرو بن عاصم

وأما مسلم فرواه من طريق شيبان بن فروخ عن همام بلفظ ( أراد الله أن يبتليهم ) وهذه رواية شارحة وقد ادعى الجاهل أنها محرفة والتحريف يكون إذا تطابق السند كلياً وهنا لا تطابق فشيبان غير عمرو وطبيعي أن تختلف روايات الرواة في بعض الألفاظ

قال ابن حجر في شرح البخاري :" قوله بدا لله بتخفيف الدال المهملة بغير همز أي سبق في علم الله فأراد إظهاره وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافيا لأن ذلك محال في حق الله تعالى وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بهذا الإسناد بلفظ أراد الله أن يبتليهم فلعل التغيير فيه من الرواة مع أن في الرواية أيضا نظرا لأنه لم يزل مريدا والمعنى أظهر الله ذلك فيهم وقيل معنى أراد قضى وقال صاحب المطالع ضبطناه على متقني شيوخنا بالهمز أي ابتدأ الله أن يبتليهم قال ورواه كثير من الشيوخ بغير همز وهو خطأ انتهى وسبق إلى التخطئة أيضا الخطابي وليس كما قال لأنه موجه كما ترى وأولى ما يحمل عليه أن المراد قضى الله أن يبتليهم وأما البدء الذي يراد به تغير الأمر"

قول ابن حجر أن الله لم يزل مريداً على أصله الأشعري في نفي الصفات الفعلية وإلا أهل السنة يثبتونها وأن الله يريد الشيء بعد أن لم يكن يريده إرادة كونية وحتى الشرعية في الناسخ والمنسوخ ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون )

وقد نقل المعترض بعض كلام ابن حجر وبتر تعقبه لصاحب المطالع لهوى في نفسه

ثم إن لفظة بدا له بل في أحاديث كثيرة قال أحمد في مسنده 6881 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: جَلَسَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَرْوَانَ بِالْمَدِينَةِ، فَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ فِي الْآيَاتِ: أَنَّ أَوَّلَهَا خُرُوجُ الدَّجَّالِ، قَالَ: فَانْصَرَفَ النَّفَرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَحَدَّثُوهُ بِالَّذِي سَمِعُوهُ مِنْ مَرْوَانَ فِي الْآيَاتِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَمْ يَقُلْ مَرْوَانُ شَيْئًا، قَدْ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ ضُحًى، فَأَيَّتُهُمَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى أَثَرِهَا» ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ -: " وَأَظُنُّ أُولَاهَا [ص:470] خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهَا كُلَّمَا غَرَبَتْ أَتَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ فَسَجَدَتْ، وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ، فَأُذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ، حَتَّى إِذَا بَدَا لِلَّهِ أَنْ تَطْلُعَ مِنْ مَغْرِبِهَا، . وقال أحمد في مسنده 19654 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، وَعَفَّانُ قَالَا: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ [ص:423]، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَجْمَعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأُمَمَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ مَثَّلَ لِكُلِّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَتْبَعُونَهُمْ حَتَّى يُقْحِمُونَهُمُ النَّارَ، ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَنَحْنُ عَلَى مَكَانٍ رَفِيعٍ فَيَقُولُ: «مَنْ أَنْتُمْ؟» فَنَقُولُ: نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ. فَيَقُولُ: «مَا تَنْتَظِرُونَ؟» فَيَقُولُونَ: نَنْتَظِرُ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَيَقُولُ: «وَهَلْ تَعْرِفُونَهُ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ؟» فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: «كَيْفَ تَعْرِفُونَهُ وَلَمْ تَرَوْهُ؟» فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. إِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ فَيَتَجَلَّى لَنَا ضَاحِكًا. يَقُولُ: «أَبْشِرُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا جَعَلْتُ مَكَانَهُ فِي النَّارِ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» وقال الطبري
14214- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أبي حيان التيمي، عن أبي زرعة قال، جلس ثلاثة من المسلمين إلى مروان بن الحكم بالمدينة، فسمعوه وهو يحدث عن الآيات: أن أولها خروجا الدجالُ، فانصرف القوم إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بذلك، فقال: لم يقل مروان شيئًا! قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئًا لم أنسَه، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أوّل الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها، أو خروج الدابة على الناس ضُحًى، أيَّتهما ما كانت قبل صاحبتها، (1) فالأخرى على أثرها قريبًا. ثم قال عبد الله بن عمرو، وكان يقرأ الكتب: أظن أولهما خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع، فيؤذن لها في الرجوع، حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها، فعلت.

هذا كله بمعنى أراد وهو كقوله تعالى ( علم أن سيكون منكم مرضى ) ونظيرها من الآيات حملوها على المعنى المذكور وعلى وجود علم فعلي لا ينافي العلم القديم وهذا مع قول أهل الحديث به قد قال به جماعة من المتكلمين والفلاسفة

قال ابن تيمية في مسألة العلم :" والقول الثالث أنه يعلمها قبل حدوثها ويعلمها بعلم آخر حين وجودها وهذا قد حكاه المتكلمون كأبي المعالي عن جهم فقالوا إنه ذهب إلى إثبات علوم حادثة لله تعالى وقال البارىء عالم لنفسه وقد كان في الأزل عالما بنفسه وبما سيكون فإذا خلق العالم وتجددت المعلومات أحدث لنفسه علوما بها يعلم المعلومات الحادثة ثم العلوم تتعاقب حسب تعاقب المعلومات في وقوعها متقدمة عليها أي العلوم متقدمة على الحوادث وذكروا أنه قال إنها في غير محل نظير ما قالت المعتزلة البصرية في الإرادة
 وهذا القول وإن كان قد احتج عليه بما في القرآن من قوله ليعلم فتلك النصوص لا تدل على هذا القول
 فإن هذا القول مضمونة تجدد علم قبل الحدوث والذي في القرآن إنما ذكروا دلالته على ما بعد الوجود وهذا قولان متغايران وإنما يحتج عليه بمثل قوله في حديث أبرص وأقرع وأعمى بدا لله أن يبتليهم وليس  هذا بداء يخالف العلم القديم كما قاله بعض غلاة الرافضة وكذلك أبو الحسين البصري قال بإثبات علوم متجددة في ذات الله بحسب تجدد المعلومات وكذلك أبو البركات صاحب المعتبر الإمام في الفلسفة  قال بتجدد علوم وإرادات له وذكر أن إلهيته لهذا العالم لا تصح إلا مع هذا القول وكذلك أبو عبدالله الرازي يميل إلى هذا القول في المطالب العالية وغيرها"

وأما الشبهة فهي قول الموتور أن حديث الحقو في صحيح البخاري تحرج الرواة منه لأنه فيه أن الله يلبس إزاراً ولا يعلم أن الحقو ليس إزاراً وإنما هو موضع الإزار كما أن العنق موضع القلادة وأما كون بعض الرواة تأثر بمذهب الجهمية وإلا فالخبر ليس في البخاري فقط قال أحمد في مسنده 8349 - حدثنا أبو بكر الحنفي حدثني معاوية بن أبي مزرد قال حدثني عمي سعيد أبوالحباب قال سمعت أبا هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله عَزَّ وَجَلَّ لما خلق الخلق قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن قالت هذا مقام العائذ من القطيعة ورواه الحاكم في المستدرك والطبري في تفسيره كلهم بمثل لفظ البخاري وسنده وقد بوب غلام الخلال في عقيدته على صفة الحقو لله عز وجل قال ابن أبي حاتم في العلل : "2118- وسألتُ أبي عن تفسير حديث النبي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ الرحم شجنة من الرحمان وإنها آخذة بحقو الرحمان، فقال : قال الزُّهْريّ على رسول الله البلاغ ومنا التسليم ؛ قال أمروا حديث رسول الله على ما جاء .
وحدثت عن مُعتمر بن سليمان ، عن أَبيه أَنه قال كانوا يكرهون تفسير حديث رسول الله بآرائهم كما يكرهون تفسير القرآن برأيهم.
وقال الهيثم بن خارجة سمعت الوليد بن مسلم يقول سألتُ الأوزاعي وسفيان الثَّورِيّ ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الاحاديث التي فيها الصفة والرؤية والقرآن فقال أمروها كما جاءت بلا كيف".
فأكثر المسلمين في القرون الفاضلة بل كلهم يروون هذه الأحاديث ولا مشكلة عندهم وإنما وقع الأمر من بعض المتجهمة والذين لم يستطيعوا إخفاء أحاديث الصفات لرواية أهل السنة لها وأما رواية بحقوي الرحمن فهي بسند آخر فيه أبو جعفر الرازي صدوق يهم

وجاء في إبطال التأويلات :" 394 - قَالَ المروذي: جاءني كتاب من دمشق فعرضته عَلَى أَبِي عبد اللَّه فنظر فِيهِ، وكان فِيهِ: أن رجلا ذكر حديث أَبِي هريرة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خلق الخلق حتى إِذَا فرغ منها قامت الرحم فأخذت بحقو الرَّحْمَنِ " وكان الرجل تلقيه يَعْنِي حديث أَبِي هريرة فرفع المحدث رأسه وَقَالَ: أخاف أن تكون كفرت، فَقَالَ أَبُو عبد اللَّه: هَذَا جهمي

395 - وَقَالَ أَبُو طالب: سمعت أَبَا عبد اللَّه سئل عَن حديث هشام بْن عمار أَنَّهُ قرئ عَلَيْهِ حديث: " تجئ الرحم يوم القيامة، فتتعلق بالرحمن " فَقَالَ: أخاف أن تكون قد كفرت، قَالَ: هَذَا شامي ماله ولهذا قلت مَا تقول؟ قَالَ: يمضا الحديث عَلَى مَا جاء فإن قِيلَ: الرحم لا يصح عليها التعلق لأَنَّ ذلك حق القرابة من طريق النسب، فعلم أن ذلك مثل المراد به
تأكيد أمر الرحم، والحث عَلَى وصله، والزجر عَن قطعه، فأخبر عَن ذلك بأبلغ مَا يكون من التأكيد، ويكون معناه: أنها مستجيرة معتصمة بالله قالوا: وبين هَذَا أَنَّهُ قد روي فِي حديث أَبِي هريرة: " الرحم معلقة بالعرش لَهَا لسان طلق ذلق تقول: من وصلني وصله اللَّه، ومن قطعني قطعه اللَّه "

وإنما اعتمد المعترض على وحشة بعض الجهمية من الحديث وليسوا بشيء وهم لا يستطيعون إنكار الأحاديث المتظافرة المتكاثرة في الصفات والتي تتابع الأئمة على روايتها بل الحقو ليس بأعجب مما ورد في القرآن من ذكر الوجه واليدين والعين

وأما الشبهة الأخيرة فعلى عدد المصاحف التي أرسلها عثمان للأمصار فقد اختلفت الرواية كم أرسل للأمصار

وهذه ليست شبهة فكلها متطابقة والتنازع في عددها راجع لعدة أمور

أولها : أن كل واحد يحكي علمه والذي يزيد بسند صحيح معه زيادة علم فبعضهم ما بلغ علمه إلا ثلاثة مصاحف أو أربعة

ثانيها : أنه لا تنافي فبعضهم يذكر المصاحف التي أرسلها عثمان بنفسه وبعضهم يذكر ما نسخ عن هذه المصاحف وأرسل لغيرها فمثلاً عثمان يرسل مصحفاً للشام فيقوم الشاميون بنسخ مصحف للمصريين فيعد البعض المصحف المصري معها باعتبار أنه أرسل بأمر عثمان وإن لم يرسله بنفسه  ومنهم من لا يعد إلا الشامي لأنه أرسله عثمان بنفسه وإلا فلا يوجد مصر من الأمصار إلا وبلغه المصحف العثماني وكانوا ولا زالوا إلى اليوم يقرأون به وما أثر عنهم أي اختلاف

الثالث : أن روايات إرسال المصاحف عامتها منقطعة والمنقطع لا يصلح محلاً للتشكيك بأمر متواتر

على أنه لا أدري ما وجه التشكيك فأياً كان فكل الأمصار بلغتها مصاحف وقرأوا بها

قال ابن أبي داود في المصاحف 93 - قال حدثنا علي بن محمد الثقفي ، حدثنا المنجاب بن الحارث قال : حدثني قبيصة بن عقبة قال : سمعت حمزة الزيات يقول : « كتب عثمان أربعة مصاحف ، فبعث بمصحف منها إلى الكوفة ، فوضع عند رجل من مراد ، فبقي حتى كتبت مصحفي عليه ، وحمزة القائل كتبت مصحفي عليه »

وهذا إسناد قول لحمزة الزيات وهو صاحب قراءة معروف وهو يذكر أنه رأى المصحف الذي كتبه عثمان

وقال ابن أبي داود في المصاحف 94 - سمعت أبا حاتم السجستاني قال : « لما كتب عثمان المصاحف حين جمع القرآن ، كتب سبعة مصاحف ، فبعث واحدا إلى مكة ، وآخر إلى الشام ، وآخر إلى اليمن ، وآخر إلى البحرين ، وآخر إلى البصرة ، وآخر إلى الكوفة ، وحبس بالمدينة واحدا »

أبو حاتم السجستاني لم يدرك هذه الحقبة والزيات أخص منه بالأمر ولكنني لا أرى روايته معارضة لرواية الزيات للوجه الذي ذكرناه وهذه المصاحف جعلها عثمان رئيسية وإلا أهل كل مصر نسخوا نسخاً كثيرة من المصحف العثماني

وهذه أقوى الروايات وما سواها ريح

وأما الاختلاف بين المصاحف

قال أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن 594 - حدثنا هشام بن عمار ، عن أيوب بن تميم ، عن يحيى بن الحارث الذماري ، عن عبد الله بن عامر اليحصبي ، قال هشام : وحدثناه سويد بن عبد العزيز ، أيضا ، عن الحسن بن عمران ، عن عطية بن قيس ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، أن هذه الحروف في مصاحف الشام ، وقد دخل حديث أحدهما في حديث الآخر ، وهي ثمان وعشرون حرفا في مصاحف أهل الشام : في سورة البقرة : ( قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه ) بغير واو . وفي سورة آل عمران : ( سارعوا إلى مغفرة من ربكم ) بغير واو . وفيها أيضا : ( جاءتهم رسلهم بالبينات (1) وبالزبر وبالكتاب ) كلهن بالباء . وفي النساء : ( ما فعلوه إلا قليلا منهم ) بالنصب . وفي المائدة : ( يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا ) بغير واو . وفيها أيضا : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم ) بدالين . وفي الأنعام : ( ولدار الآخرة خير ) بلام واحدة . وفيها أيضا : ( وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم ) بنصب الأولاد وخفض الشركاء ، ويتأولونه قتل شركائهم أولادهم . وفي الأعراف : ( قليلا ما تتذكرون ) بتاءين . وفيها أيضا : ( الحمد لله الذي هدانا لهذا ما كنا لنهتدي ) بغير واو . وفيها أيضا : في قصة صالح : ( قال الملأ الذين استكبروا ) بغير واو . وفيها أيضا : في قصة شعيب : ( وقال الملأ ) بالواو . وفيها أيضا : ( وإذا أنجاكم من آل فرعون ) بغير نون . وفي براءة : ( الذين اتخذوا مسجدا ضرارا ) بغير واو . وفي يونس : ( هو الذي ينشركم في البر والبحر ) بالنون والشين . وفيها : ( إن الذين حقت عليهم كلمات ربك ) على الجماع . وفي بني إسرائيل : ( قال سبحان ربي هل كنت ) بالألف على الخبر . وفي الكهف : ( خيرا منهما منقلبا ) على اثنين . وفي سورة المؤمنين : ( سيقولون لله لله لله ) ثلاثتهن بغير ألف . وفي الشعراء : ( فتوكل على العزيز الرحيم ) بالفاء . وفي النمل : ( إننا لمخرجون ) على نونين بغير استفهام . وفي المؤمن : ( كانوا هم أشد منكم قوة ) بالكاف . وفيها أيضا : ( وأن يظهر في الأرض الفساد ) بغير ألف . وفي عسق : ( ما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم ) بغير فاء . وفي الرحمن : ( والحب ذا العصف والريحان ) بالنصب . وفيها أيضا : ( تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام ) بالرفع . وفي الحديد : ( إن الله الغني الحميد ) بغير هو وفي الشمس وضحاها ( فلا يخاف عقباها ) بالفاء . قال أبو عبيد : قد ذكرنا ما خالفت فيه مصاحف أهل الحجاز وأهل الشام مصاحف أهل العراق ، فأما العراق نفسها فلم تختلف مصاحفها فيما بينها إلا خمسة أحرف بين مصاحف الكوفة والبصرة . كتب الكوفيون في سورة الأنعام : ( لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين ) بغير تاء . وفي سورة الأنبياء : ( قال ربي يعلم القول ) بالألف على الخبر . وفي سورة المؤمنين : ( قل كم لبثتم في الأرض ) على الأمر بغير ألف ، وكذلك التي تليها : ( قل إن لبثتم إلا قليلا ) مثل الأولى . وفي الأحقاف : ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا ) . وكتبها البصريون : لئن أنجيتنا (2) بالتاء . وكتبوا : ( قل ربي يعلم القول ) على الأمر ، بغير ألف . وكتبوا : قال كم لبثتم في الأرض (3) بالألف على الخبر . وكذلك التي تليها : قال إن لبثتم (4) مثل الأولى . وكتبوا : ( بوالديه حسنا ) بغير ألف . قال أبو عبيد : هذه الحروف التي اختلفت في مصاحف الأمصار ، ليست كتلك الزوائد التي ذكرناها في البابين الأولين ؛ لأن هذه مثبتة بين اللوحين ، وهي كلها منسوخة من الإمام الذي كتبه عثمان رضي الله عنه ، ثم بعث إلى كل أفق مما نسخ بمصحف ، ومع هذا إنها لم تختلف في كلمة تامة ، ولا في شطرها " تأمل قوله لم تختلف في كلمة واحدة ولا شطرها يعني المصاحف العثمانية وهي مصاحف أرسلها عثمان إلى كل الأمصار وكل كتب التفسير والفقه والحديث تنقل الآيات منها ولا تختلف في ذلك وكل آية منها مروي في تفسيرها عشرات الأخبار


تأمل قوله (ومع هذا إنها لم تختلف في كلمة تامة ، ولا في شطرها)

فهذا حال القراءات الحالية والاختلافات المذكورة في الكتب إنما تتحدث عن القراءات التي لم يعد يقرأ الناس بها بعد المصحف العثماني على أنها لا زالت موجودة في الكتب ويحتج بها فقهياً إن كان فيها فائدة زائدة ولا يوجد فيها بحمد الله اختلاف تضاد مع المصحف العثماني

قال أبو عبيد في فضائل القرآن 617 - حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : قال عبد الله : إني قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين ، فاقرءوا كما علمتم فإنما هو كقول أحدكم هلم ، وتعال.

وهذا صحيح عن ابن مسعود

ثم إن الاختلاف محصور في آيات معينة بسطها أبو عبيد في فضائل القرآن والاختلاف لا يكون في آية كاملة بل في كلمة ضمن آية مما يؤكد على صحة أصل الآية وكله اختلاف تنوع

وأما الاختلاف في القراءات لمصحف عثمان

فإليك عينة منه

قال ابن أبي داود في المصاحف حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ جَمَّازٍ الزُّهْرِيُّ قَالَا: سَمِعْنَا خَالِدَ بْنَ إِيَاسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ، يَذْكُرُ أَنَّهُ قَرَأَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَوَجَدَ فِيهِ مِمَّا يُخَالِفُ مَصَاحِفَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ حَرْفًا، مِنْهَا فِي الْبَقَرَةِ: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ} [البقرة: 132] ، بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَفِي آلِ عِمْرَانَ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} [آل عمران: 133] بِالْوَاوِ، وَفِي الْمَائِدَةِ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 53] بِوَاو، وَفِيهَا أَيْضًا {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ} [المائدة: 54] بِدَالٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي بَرَاءَةَ: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا} [التوبة: 107]
 [ص:140] بِوَاو، وَفِي الْكَهْفِ: {لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف: 36] ، وَاحِدٌ، وَفِي الشُّعَرَاءِ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ} [الشعراء: 217] بِالْوَاوِ، وَفِي الْمُؤْمِنِ: {أَوْ أَنْ يَظْهَرَ} [غافر: 26] ، وَفِي الشُّورَى: {فَبِمَا كَسَبَتْ} [الشورى: 30] بِالْفَاءِ، وَفِي الزُّخْرُفِ: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ) بِغَيْرِ هَاءٍ، وَفِي الْحَدِيدِ: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد: 24] بِهُوَ، وَفِي الشَّمْسِ وَضُحَاهَا: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس: 15] ، بِالْوَاوِ

فلاحظ أن الأمر كما قال أبو عبيد ( لا تختلف في كلمة ولا نصف كلمة ) كلها واوات ومدود هذا محل الخلاف وكلها من بقايا الأحرف القديمة

بل عامته مما يتفق نطقه ولكن تختلف كتابته كالآية ( حاش لله ) و ( حاشا لله ) النطق واحد وإنما تختلف الكتابة

فهذا الخلاف اليسير جداً ما يبني عليه الموتورون قصوراً وعوالي

وادعى الجهول أن الناس قد اختلفوا في مصحف عثمان هل هو منقوط أم لا وهذا سخف فأول من نقط المصاحف ظهر في عصر التابعين واختلف الفقهاء في حكمه ثم اتفقوا على المشروعية وهذا مبسوط في كتب المصاحف

قال ابن أبي داود في المصاحف حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: " أَدْرَكْتُ النَّاسَ مُتَوَافِرِينَ حِينَ حَرَّقَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ، فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَحَدٌ "

وهذا صحيح وفي الباب أخبار كثيرة في هذا

والقراءات الموجودة هي صيغ الأداء للحرف العثماني فقط لا تخالف الحرف العثماني

فشرط القراءة الصحيحة عندهم :"  1- صحة سندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم1.
2- موافقتها لرسم المصحف.
3- موافقتها وجهًا من وجوه العربية.
يقول ابن الجزري عن القراءة التي استوفت الأركان الثلاثة: لا يجوز ردها، ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها، سواء أكانت عن الأئمة السبعة، عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة، أو باطلة، سواء أكانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف"

وقال ابن تيمية في رسالته في القراءات :" فهذه (41) القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حقّ، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، يجب الإيمان بها كلها، واتّباع ما تضمنته من المعنى علمًا وعملًا، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظنًّا أن ذلك تعارُض، بل كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «مَن كفر بحرف منه فقد كفر به كله» (42).
وأما ما اتحد لفظه ومعناه - وإنما يتنوع صفة النطق به: كالهمزات والمدّات والإمالات ونقل الحركات والإظهار والإدغام والاختلاس وترقيق اللامات والراءات أو تغليظها. . ونحو ذلك مما تُسمي القَرأَةُ عامَّته الأصول - فهذا أظهر وأبين في أنه ليس فيه تناقض ولا تضادّ مما تنوع فيه اللفظ أو المعنى.
إذ هذه الصفات المتنوعة في أداء اللفظ لا تخرجه عن أن يكون لفظًا واحدًا، ولا يُعدّ ذلك فيما اختلف لفظه واتحد معناه، أو اختلف معناه من المترادف ونحوه. ولهذا كان دخول هذا في حرف واحد من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها؛ مما يتنوع فيه (43) اللفظ أو المعنى وإن وافق رسم المصحف، وهو ما يختلف فيه النقط (44) أو الشكل.
ولذلك لم يتنازع علماء الإسلام المتبوعون من السلف والأئمة في أنه لا يتعين أن يُقرأ بهذه القراءات المعينة في جميع أمصار المسلمين  بل من ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة، أو قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي ونحوهما، كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسائي - فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من أهل الإجماع والخلاف"

وما خرج عن رسم المصحف وثبت بسند صحيح فهو قراءة شاذة وهي حجة عند الجمهور في الفقهيات وهي لا تخالف أبداص الحرف العثماني بالمعنى بل ربما تزيد فائدة توضيحية كقراءة ابن مسعود ( فاقطعوا أيمانهما ) على أنه لم لو تكن هذه القراءة موجودة لفهم الحكم من صنيع النبي صلى الله عليه وسلم والراشدين ولا يوجد خلاف بين الأحرف في زيادة آية أو نقص آية كاملة وأما بين القراءات للحرف العثماني فلا يوجد خلاف في كلمة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي