مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: لسان حالهم : الإنسان أقدس من الله ...

لسان حالهم : الإنسان أقدس من الله ...



أما بعد :
 
فإن الله عز وجل خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً ، فما أودع فينا حب العدل والإحساس بالخير وأظهر لنا براهين قدرته إلا لنؤمن به قولاً وعملاً

وقد كان الناس قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم على شر عظيم ، فكانوا يأدون البنات وكانوا لا يورثون النساء والأطفال ويأكلون أموال اليتامى بل النساء كن من ضمن الميراث يتزوجها ولي الميت كرها ، وكان الربا والاحتكار فاش وكانت العقوبات تقام على الوضعاء ويترك الأشراف ، وكان الناس مع استقباحهم للزنا لا يتنزهون عن ذرائعه من الاختلاط وعدم احتجاب النساء ، وكان الخمر والميسر بما فيهما من زوال العقول وإفشاء العداوة والبغضاء بين الناس كثيرة فاشية ، وكانت الحروب على النعرات تملأ الدنيا ، وكان الرجل إذا كره المرأة من أزواجه تركها معلقة وأعضلها ، وإذا فارقها تركها بلا حق وربما حرمها ولدها ، وإذا عدد فتزوج صغيرة هجر الكبيرة أو لم يعدل بينهن ، وما كان في مال الغني حق للفقير ، وكان فضل المرء على المرء يكون باللون والنسب ، وكان الأرقاء يعاملون أقبح المعاملة ، وفشا العقوق لأن من لا يؤمن بالبعث ولا يخاف الله يرى والديه إذا كبرا حملاً عليه

وانتشرت الخرافة وعبادة الأوثان والكواكب وغيرها ، وحتى أهل الكتاب حرفوا أديانهم وتبعوا الكفار في كثير من أخلاقهم

فبعث الله عز وجل رجلاً أمياً على رأس الأربعين من عمره ما عرف قبلها بدرس علم ولا بصحبة أهل كتاب وقد عرف بالصدق والأمانة وحسن الخلق وشدة الحياء والتحري فبعثه بوحيه الخاتم ليعالج كل هذا البلاء وأنزل معه الحجج والبينات في إبطال كل هذا وفي الآيات عليه نزل الوعد بالنصر وكان كما قال الله ولا يكون إلا كما قال ، وتحدى الناس أن يأتوا بمثله فعجزوا وإمعاناً في الحجة أخبر أهل الكتاب أنهم يجدون وصفه في كتبهم فآمن منهم من آمن وكفر من كفر ، وقد أقام براهين ذكره في كتبهم العديد من علماء الكتابين ، وأنزل معه الشريعة الكاملة التي شاء لها أن تحكم على مدى ثلاثة عشر قرناً نصف الأرض أو أكثرها ، ثم إن نبينا أخبر بأحوال في آخر الزمان عجيبة ما كان أحد يعلم كيف ستكون فكانت كما قال

والشريعة مبناها على أن إصلاح العبد ما بينه وبين الناس لا يكون إلا بعد إصلاح ما بينه وبين الله ولا يكون الأمر إلا كذلك

فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والصيام يربي على ضبط النفس وآخره زكاة فطر تعطى للفقراء والصائم يتحلم فلا يرد على من سابه أو شاتمه ، والحاج المتمتع والقارن يتصدق شكراً لله ويتصدق إذا فعل محظوراً ولا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ، وفي الحج يأتي كل الناس شعثاً غبراً لا فرق بين أمير وفقير ، والزكاة مبناها على الإحسان إلى الخلق تعبداً للخالق ومثلها الكفارات والنذور والأيمان عند الحنث ، وأمر الديات أداء لحقوق المخلوقين على ما أراد الخالق اتقاء له

أذكر هذا كله لأن المساكين أصحاب الملة الجديدة التي اسمها ( إنسانية ) جعلوا المخلوق أقدس من الخالق فيسجن المخلوق لإساءته لمخلوق ولا يسجن أو يقتل لإساءته للخالق مع أن سب الدين فيه أذية لقلوب المخلوقين أيضاً عظيمة ، والولاء والبراء عندهم ينعقد على قضايا سياسية أو على ظلم بشر ولا ينعقد على حق الخالق

وهؤلاء حقيقة أمرهم أنهم استكبروا في أنفسهم وعظموها أكثر مما عظموا الله وبعضهم جاهر بالكفر والإلحاد

وقد جوزوا بعكس المقصود فما أذل البشر اليوم وباسم الحرية تنتهك الحرية فالنساء في بلاد الكفر أكثر ما يتعرضن له من الضرب بسبب الدعارة والمخدرات والخمور وشكوك الأزواج بسبب ظن الخيانة وهذا الظن إنما يزيده الاختلاط والخروج غير المنضبط

وكم من امرأة خدعها الشيطان بحبالة الزنا وظنتها حرية وفرحت فإذا بها تجد نفسها دمية كلما قضى منها رجل وطره وملها يمم نحو غيرها ، وإذا تزوجت كان ذلك فيه من العذاب ما فيه فكم من رجل في مخيلتها ولا تكاد ترى الزوج مثله لأن علاقتها مع الزوج متكررة دائمة وليست عابرة يخيم عليها الشبق

واليوم لما ذهب الدين صارت العبادة للمال فأكل الربا الناس وكثرت المجاعات وعظمت الطبقية فبلدان تلقي القمح في البحر وبلدان تعاني المجاعات وبلدان تنفع الملايين والمليارات على تدشين المسابقات الرياضية وبلدان أخرى هي محل للنفايات النووية

والملايين يموتون من إدمان الخمور وإدمان التدخين والمخدرات ولا تمنع هذه السموم باسم الحرية وإنما يمنع الزواج الباكر !

وتجارة الأسلحة ازدهارها عظيم

وهكذا سيطول البلاء حتى تعودوا لدينكم وعبوديتهم الحق لله عز وجل ويكون الدين معقد الولاء والبراء

وما أفاد المسلمون من ترك الجهاد سوى أن أعداءهم غزوهم وارتكبوا فيهم المجازر وسرقوا ثروات بلدانهم ثم قسموهم ثم قالوا لهم احترموا هذه الحدود التي اخترناعها فصدق الناس الأمر وصاروا يتحزبون بناءاً على هذه الحدود فجاره الذي ربما يرى بيته ليس أخاً له إذا فصل بينهم الحدود ، ومن يفصل بينهما مسافة السفر على  ما حدد الفقهاء وربما أكثر يعده أخاً في الوطن ! ، ثم بعد أن انتهوا من سرقة الثروات وقتل أعداءهم وقامت بلدانهم صاروا ينادون بالسلام !

فلو لم يتخاذل أهل الإسلام لما قتل ملايين الهنود الحمر بتلك الطريقة ولما قامت محاكم التفتيش ولما صار الوأد الجديد وهو الإجهاض فاشياً فشوا عظيماً بسبب كثرة العلاقات العابرة في بلاد الكفر ولما صار الموتى بإدمان الخمور والمخدرات أكثر ممن يموتون في الحروب

ولسنا نحفل كثيراً بأهل الكفر غير أن هذا يراد استيراده لنا وقد اقتدى بهم الكثير من المنتسبين للملة بكثير من أحوالهم الخبيثة ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها

والصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم

قال أبو داود في سننه 3462 - حدَّثنا سليمانُ بن داودَ المَهْريُّ، أخبرنا ابنُ وهبِ، أخبرني حَيوةُ ابن شُريحِ. وحدَّثنا جعفرُ بن مُسافِرِ التِّنِّيسيُّ، حدَّثنا عبدُ الله بنُ يحيى البُرُلُّسِيُّ، أخبرنا حَيوة بنُ شُريح، عن إسحاق أبي عبد الرحمن -قال سليمان بن داود أبو الربيع-: عن أبي عبدِ الرحمنِ الخُراسانيِّ، أن عطاءً الخراسانيَّ حدَّثه، أن نافعاً حدَّثه
عن ابن عمر، قال: سمعتُ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- يقول: "إذا تبايعتُم بالعِينَةِ، وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزَّرْع، وتركتُم الجهادَ، سَلَّط اللهُ عليكم ذُلاًّ لا ينزِعُه حتى تَرجِعُوا إلى دينكم"

وقال الطبري في تهذيب الآثار 344 - حدثني عبد الله بن أبي زياد القطواني ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني أبو هانئ ، حدثني شفي الأصبحي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : ليأتين على الناس زمان تكون قلوبهم فيه قلوب الأعاجم . فقيل له : وما قلوب الأعاجم ؟ قال : حب الدنيا ، وسنتهم سنة الأعراب : ما آتاهم الله من رزق جعلوه في الحيوان ، يرون الجهاد ضرارا ، والصدقة مغرما

وهذا صحيح عن عبد الله بن عمرو وله حكم الرفع

وقال ابن ماجه في سننه 4019 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ "

وهذا ضعيف ولكن معناه غير مستنكر

وقال أحمد في مسنده  22450 - ثنا أبو النضر ثنا بن المبارك ثنا مرزوق أبو عبد الله الحمصي أنا أبو أسماء الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يوشك ان تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الآكلة على قصعتها قال قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ قال أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قال قلنا وما الوهن قال حب الحياة وكراهية الموت.

فهذا وصف للداء ووصف الدواء وقد ذكر الله لنا في سورة الإسراء نبأ تسليطه سبحانه لبختنصر على بني إسرائيل لما قتلوا نبياً واليوم يفعل الناس ما هو نحواً من قتل الأنبياء فيحيى بن زكريا ما قتل إلا ذرعاً ببعض أوامره ونواهيه خصوصاً ما يتعلق بالنساء واليوم يفعل الأمر نفسه مع أوامر نبينا ونواهيه ، وقد وصل الأمر بتقديس الإنسان أن يستنكر عقوبة تارك الصلاة ولا تستنكر عقوبة تارك الضريبة، وليت شعري لو جاءهم شخص ما البينة على قداسة الإنسان إذا كنا نعاند الأديان لماذا لا يكون حيوانا متطورا كالحيوانات ويكون أكل القوي للضعيف كافتراس أسد لغزال وأن من استطاع أن يقتل ويغتصب ويأكل حق غيره ويغتابه ويسبه ويمشي بالنميمة ويعق فليفعل إذا كانت يد العقوبة لا تطاله فما سيكون جوابهم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي