الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فيقول الله تعالى عن السابقين ( ثلة من
الأولين وقليل من الآخرين ) ، وقال سبحانه وتعالى عن أصحاب اليمين ( ثلة من
الأولين وثلة من الآخرين )
وهذه الآيات تدل بوضوح على أن الصلاح في
المتقدمين أعظم وهذا مشاهد في واقع الأمة من الناحية العلمية والعملية
فنحن لا يوجد في زمننا رجل يحفظ عامة
الأحاديث بأسانيدها مع عللها وفروع الفقه مع إتقان العربية ، بل في عصرنا ظهرت
الفهارس والموسوعات البحثية ولسنا قادرين على مباراتهم
ولو نظرت في أحوال أمثال الحسن البصري
وسعيد بن المسيب وأحمد ابن حنبل وسفيان الثوري من الزهد والتقوى لوجدت أنه لا يوجد
في المعاصرين من يبلغ عشرهم والتوفيق متعلق بالتقوى
قال الله تعالى : ( واتقوا الله ويعلمكم الله )
وقد قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ
مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ
الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا
وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ)
ولسائل أن يسأل كيف لنا أن نعلم المحكم من
المتشابه فلا بد من وسيلة تمييز فلا تجد وسيلة سوى السنة وآثار السلف
فما كان خارجاً عن ذلك فهو اتباع المتشابه
ولا يعرف في فرق المسلمين فرقة اعتنت بالحديث بحثاً وتصنيفاً وجرحاً وتعديلاً كأهل
الحديث
ثم إننا لنا أهواء تتفاوت بحسب ما نقع
تحته من الضغوط وما تتشوف له نفوسنا فمن مائل للين ومن مائل شدة ، ومنا من أثرت
فيه الهزيمة النفسية أمام الغرب تأثيراً بالغاً فكيف لك أن تتأكد أن نظرك للنصوص
ليس متأثراً بأهوائك وهو من اتباع المتشابه اتباعاً للظن وما تهوى الأنفس
الوسيلة التي تبرهن فيها على ذلك هو أن
يكون لك سلف في قولك
وهنا نقطة فمن الناس من يقول بالقول
بالهوى ثم يذهب يبحث عن أي سلف له وله بفهم الكلام بالخطأ ويترك قول الأكثر
والأوضح والبعيد عن الاشتباه فهذا لا يختلف كثيراً عن الذي يحدث قولاً لا سلف له
فيه
كالذي يأتي لقول سفيان الثوري وإبراهيم
النخعي في المرتد ( يستتاب أبداً ) ويستدل به على أنهم لا يقولون بحد الردة
وتفوته أمور أظهرها أن الأسانيد التي رويت
فيها هذه الأخبار عنهم أقوى منها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غيرهم في
إثبات حد الردة
ويفوته أن أحداً لم يفهم هذا الفهم ولا
توجد استتابة إلا وبعدها قتل وأنه صح عنهما القول بقتل المرتد فقولهم ( يستتاب
أبداً ) في مسألة معروفة وهي إذا ارتد وتاب ثم ارتد وتاب ثم ارتد وتاب إلى متى
يبقى يستتاب فرأى بعض الفقهاء أن له حداً معيناً لا يستتاب بعده ورأى بعضهم أنه
متى أظهر التوبة قبل منه ولو عاد ألف مرة
ولو تلاحظ أن مثل هذه الأبحاث لم تظهر إلا
في الزمن هذا فيما بعد الاستعمار وفي وقت هجران الأحكام الشرعية فكأنه تبرير
للواقع ومسايرة للثقافة الغربية الغالبة التي كأي نتاج بشري يكون لها بريق في بعض
الأحيان ثم تزول ، بل هذا هو حقيقة هذا الأمر
فالسلفية خيار عقلاني متحتم كما أنه قطعية
قرآنية تظهر من الفاتحة في قوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم )
وقوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس
تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) وهذا هو حال السلف في زمن الصحابة والتابعين
وقال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً
يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ
هُمُ الْفاسِقُونَ)
والحقيقة التاريخية التي لا تتخلف أن في
زمن الصحابة والتابعين كان هناك تمكين عظيم للأمة الإسلامية فهذا معناه أنهم كانوا
على إيمان صحيح ، وقد حصل لمن هو دونهم بعض النصر والفتوح من باب عقوبة الظالم
والتنفيسات للناس ولكن الفتوحات المحضة التي كان خيرها غالب وظاهر هي التي كانت في
زمن السلف
وبعض الناس يأتي لأمور قال بها السلف
فيدعي مخالفتها للعقل ، وهي إنما تخالف عقله حين أرهبه كافر
وقد أراد المشركون أن يرهبوا الصديق في
حادثة الإسراء فقال له ما معناه ( ويحكم أنا أصدقه فيما هو أعظم من ذلك أنا أصدقه
بوحي السماء )
وبعض الاعتراضات إنما تأتي من قصور العقل
وغفلته عن بعض الأمور
كما قرب الله عز وجل للمشركين أمر البعث
بالمطر الذي ينزل على الأرض فيحييها بعض موتها وأن إعادة الخلق أهون عليه من
ابتدائه وأنه لا بد للناس من حساب وإلا لا يعقل أن يذرهم الله عبثاً
وكانوا يعبدون الأحجار ويعقلون أنها تكون
آلهة ، ولا يعقلون أن محمداً صلى الله عليه وسلم الذين يعلمون صدقه وأمانته يكون
نبيا!
وهم يدعون أن معهم العقل !
وهذه حال كل من عارض الوحي
بل اليوم لو جئت لطبيب وأنت عامي وقلت له
أريد أن أناظرك في الطب وما قرأت كبير شيء ولا علمه يناسب علمك لرأى عامة العقلاء
أنه لا حق لك بذلك وأنه لا لوم عليه في رفض دعواك هذه
فكيف يريد الإنسان بعلمه القاصر أن يكون
حاكماً على وحي رب العالمين
قال يحيى بن سلام في تفسيره وَحَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ التَّيْمِيُّ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ الأَزْرَقِ سَأَلَ ابْنَ
عَبَّاسٍ: لِمَ تَفَقَّدَ سُلَيْمَانُ الْهُدْهُدَ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا
إِذَا سَافَرُوا نَقَرَ لَهُمُ الْهُدْهُدُ عَنْ أَقْرَبِ الْمَاءِ فِي الأَرْضِ،
فَقَالَ نَافِعُ بْنُ الأَزْرَقِ: وَكَيْفَ يَعْلَمُ أَقْرَبَ الْمَاءِ فِي
الأَرْضِ، وَلا يَعْلَمُ بِالْفَخِّ حَتَّى يَأْخُذَ بِعُنُقِهِ؟ قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَذَرَ لا يُغْنِي مَعَ الْقَدَرِ شَيْئًا؟ .
فاعتراض هذا الضال نافع الأزرق إمام
الأزراقة له نظائر كثيرة في كلام المعاصرين بل تجد المرء منهم رأساً يقول أن هذا
كلام ابن عباس وليس وحي ويجزم أنه إسرائيلية ويدفعه فنافع إمامهم بل اعتراضه أقوى
من كثير مما يعترضون به وكأن الصحابة الكرام يفسرون القرآن بالمكذوب وما يدفعه
النظر وما لا يعلم صحته وقد تركهم النبي صلى الله عليه وسلم هملاً من التفسير حتى
لجأوا لمثل هذا
ولا نعلم في المتأخرين أحد زكى الله باطنه
غير أن الصحابة الكرام زكى رب العالمين بواطنهم
قال الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ
فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ
وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ
وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ
الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8))
فلهذا نتبعهم ونعول عليهم وفي الباب
أحاديث وآثار غير أنني في هذا المقال خصصت الأمر للآيات القرآنية
ولا يوجد فريق في الدنيا إلا ولهم أسلاف لهم كتب عليها يعتمدون ولكن عامة الناس لا يعملون بما في كتب أسلافهم وهذا ظاهر في اليهود والنصارى والرافضة والصوفية والجهمية وحتى ظهر في الملاحدة ومن لا يعمل بما في كتب أسلافه ليس أهلاً أن يدعو الناس لدينه لأن ذلك في الحقيقة دعوة لهذه الكتب التي يعرض عنها هو نفسه فكيف يأمرهم بأمر هو أول من يخالفه وليس الأمر أنه يخالف من باب الشهوة والمعصية مع بقاء أتقياء يعملون بل يخالفون من باب المضادة بل يكثر فيهم أنهم ينكرون على أهل الحق أموراً في كتب أسلافهم وهذا متكرر ويحصل كل يوم
قال الله تعالى : ( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم