مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تقويم المعاصرين ( الحلقة الثالثة )

تقويم المعاصرين ( الحلقة الثالثة )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فهذه هي الحلقة الثالثة من تقويم المعاصرين والمراد في هذه السلسلة الفهرسة والإشارة إلى رؤوس المسائل مع تحرير مغتضب قدر المستطاع فالكتابة الكثيرة تتعبني خصوصاً مع كثرة المشاغل

ولا زلنا في أخطاء باب الصفات

الخطأ الرابع والعشرون : تخصيص صفة الكلام بقولهم قديم النوع حادث الآحاد

ويعنون بهذه الكلمة ما ورد في النصوص من كون الله عز وجل يتكلم بما شاء متى شاء أو كما قال أحمد ( لم يزل متكلماً إذا شاء )

والحق أنه لا خصوصية لصفة الكلام في ذلك بل السمع والبصر والإرادة لها أفراد فعلية

فالله عز وجل يقول ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها )

وهذا سمع فعلي أي قارن كلام المرأة

والإرادة مقترنة بالنصوص بصفة الكلام

قال تعالى : ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون )

وفي الفقه الأكبر المنسوب لأبي حنيفة القول بأن السمع والبصر والإرادة ذاتية فحسب ، بل وكذا قال في الكلام  وأقره عدد من المعاصرين

وقد نبه على هذا الغلط صالح آل الشيخ

قال  صالح آل الشيخ في شرح العقيدة الواسطية :" الأشاعرة والماتريدية وجماعات يقولون سمعه قديم، يثبتون السمع ولكن السمع عندهم ليس بحادث، السمع قديم، فسمع الكلام في القدم لعلمه به هكذا يزعمون.

وهذا الكلام فيه التكذيب للقرآن ولولا التأويل لكانوا كفارا بذلك ، لأن الله جل وعلا يقول ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ وقال ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ وإذا كان السماع في الماضي قبل مجيء الكلام وقبل حصوله وقبل حصول المجادلة بين المرأة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يصح أن يقال ﴿قَدْ سَمِعَ﴾ بصيغة الماضي؟


وإنما يقال: ﴿قَدْ سَمِعَ﴾ إذا كان الأمر قد وقع وانتهى ولهذا قال نجد في النصوص لفظ الماضي ولفظ المضارع فقد يكون في إثبات السمع القديم البصر القديم دون البصر الحادث والسمع الحادث والكلام الحادث فيه نفي لدلالات النصوص وفيه تكذيب لها لأن الله جل وعلا يقول: ﴿قَدْ سَمِعَ﴾ وهؤلاء يقولون سمعه قديم .


كيف ؟ سمع في القدم قبل حدوث الكلام ؟

هذا لا يصح أن يقال: ﴿قَدْ سَمِعَ﴾.

قال جل وعلا ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ هذا فعل مضارع دلالته على الحال يعني يسمع تحاوركما الآن .

قد قالت عائشة: (سبحان من وسع سمعه الأصوات، أتت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تجادله في زوجها وليس بيني وبينها إلا جدار لم أسمعها).

الله يسمع ، حين الكلام سمع ذلك جل وعلا .

وهذا ما يثبته أهل السنة والجماعة ، هذا ولا شك يعظم الصفة في نفس المؤمن لأنه يعلم أن الله جل وعلا يسمع سره ونجواه ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ يسمع جل وعلا السر والنجوى فلا يخفى عليه شيء ، سمعه وسع الأصوات ، ما من شيء يُسْمَع إلا والله جل وعلا يسمعه ، يسمع صوت دبيب النمل فوق الصفا ، وهذه الصفة يجب الإيمان بها كما ذكرت بدلالاتها".


أقول : وهذا الكلام الذي ذكره  صالح في صفة السمع والبصر يقال أيضاً في صفة الإرادة إذ أن لها آحاداً حادثة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية كلاماً لابن رشد الفيلسوف ينقض فيه مذهب المتكلمين القائل بأن الله عز وجل أراد بإرادة قديمة جميع المحدثات.


وقال اصالح الفوزان في التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاوية: "وأما أفعاله سبحانه، فهي قديمة النوع حادثة الآحاد"، وعلى قوله هذا يصح إطلاق (قديمة النوع حادثة الآحاد) في جميع الصفات الفعلية وهذا محل بحث

 من هذا تعلم خطأ ا محمد الخميس حين أورد هذا النص في كتابه اعتقاد الأئمة الأربعة على أنه اعتقاد سلفي، وكذلك أحمد النجار في كتاب له في القواعد في الأسماء والصفات، وهناك نصوص أخرى مشكلة أو باطلة في كتاب الفقه الأكبر المنسوب لأبي حنيفة.

وقد رأيت عبد العزيز الريس ينبه على هذه المسألة في رده على محمد الحسن ولد الددو الصوتي وهو رد قوي في الحقيقة في كثير من مسائله

الخطأ الخامس والعشرون : التخليط في الاسم والمسمى

وهذا خلط فيها الرضواني بل تابع ابن حزم في نسبة هذا القول لأحمد وخلط فيها كل من ينقل اعتقاد الأشعري في مقالات الإسلاميين مقراً له ومنهم غالب العواجي

قال محمود الرضواني في ص 953 من كتابه أصول العقيدة :" فالسلفي إذا ثبت عنه أنه قال الاسم هو المسمى فإنه يعني أن أسماء وأوصافه أزلية أبدية ملازمة للذات الإلهية وليست محدثة بعد إن لم تكن كما ادعى المخالفون ومن قال ذلك من السلف في بعض المواطن كأحمد ابن حنبل وأبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم وأبي حاتم محمد بن إرديس وغيرهم رحمهم الله إنما قاله على اعتبار أن القرآن غير مخلوق "


أقول : وعزا في الحاشية إلى الفصل لابن حزم



قال ابن حزم في الفصل (2/72) :" فإن قال وا أن أحمد بن حنبل وأبا زرعة عبيد الله بن عبد الكريم وأبا حاتم محمد بن إدريس النظلي الراويين رحمهما الله تعالى إن الاسم هو المسمى"


وهذا غلط من ابن حزم لم يسنده إلى هؤلاء الأئمة وهذه كتبهم في الاعتقاد موجودة ليس فيها الخوض في هذه المسألة ، وليس ابن حزم ممن يعتمد عليه في باب الاعتقاد لا في تقريرها ولا في نقل مذاهب الناس


وهذا التميمي الحنبلي على تأثره بالكلابية ينسب للإمام أحمد السكوت عن هذه المسألة وعدم الخوض فيها وهذا الأنسب مع أصول أحمد



قال التميمي في اعتقاد الإمام أحمد :" وَعظم عَلَيْهِ الْكَلَام فِي الإسم والمسمى وَتكلم أَصْحَابه"


وقال الطبري في صريح السنة (1/17) :" وأما القول في الاسم : أهو المسمى أم غير المسمى ؟ فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع ، ولا قول من إمام فيستمع ، فالخوض فيه شين ، والصمت عنه زين . وحسب امرئ من العلم به ، والقول فيه أن ينتهي إلى قول الله ، عز وجل ثناؤه ، الصادق ، وهو قوله : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) وقوله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ويعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى ، ( له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) "



أفترى الطبري يقول هذا الكلام وقد حفظ عن أحمد في المسألة شيء


قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1106 : حدثنا خلف نا الحسن نا سعيد بن أحمد بن زكريا نا يونس بن عبد الأعلى قال : سمعت الشافعي يقول :   إذا سمعت الرجل يقول : الاسم غير المسمى أو الاسم المسمى فاشهد عليه أنه من أهل الكلام ولا دين له .


وما كان الإمام أحمد ولا الرازيان ليخالفوا الإمام الشافعي في هذا


وقال اللالكائي في السنة 305 : أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران ، عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني قال : من زعم أن الاسم غير المسمى فقد زعم أن الله غير الله ، وأبطل في ذلك ؛ لأن الاسم غير المسمى في المخلوقين ؛ لأن الرجل يسمى محمودا وهو مذموم ، ويسمى قاسما ولم يقسم شيئا قط ، وإنما الله جل ثناؤه واسمه منه ولا نقول : اسمه هو ، بل نقول : اسمه منه ، فإن قال قائل : إن اسمه ليس منه ، فإنه قال : إن الله مجهول ، فإن قال : إن له اسما وليس به فقال : إن مع الله ثانيا


فتأمل قوله ( ولا نقول اسمه هو ) فالاسم للمسمى ودال عليه كما في قوله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى ) ولا نقول الاسم هو المسمى ولا غيره


وابن أبي داود والده من أخص أصحاب الإمام أحمد لو حفظ عن أحمد شيء لذكره


قال ابن تيمية  كما في مجموع الفتاوى (6/186) :" الاسم والمسمى

هل هو هو أو غيره او لا يقال هو هو ولا يقال هو غيره أو هو له أو يفصل فى ذلك

فان الناس قد تنازعوا فى ذلك والنزاع اشتهر فى ذلك بعد الائمة بعد احمد وغيره والذى كان معروفا عند أئمة السنة احمد وغيره الانكار على الجهمية الذين يقولون اسماء الله مخلوقة فيقولون الاسم غير المسمى واسماء الله غيره وما كان غيره فهو مخلوق وهؤلاء هم الذين ذمهم السلف وغلظوا فيهم القول لأن أسماء الله من كلامه وكلام الله غير مخلوق بل هو المتكلم به وهو المسمى لنفسه بما فيه من الأسماء

و الجهمية يقولون كلامه مخلوق واسماؤه مخلوقة وهو نفسه لم يتكلم بكلام يقوم بذاته ولا سمى نفسه باسم هو المتكلم به بل قد يقولون انه تكلم به وسمى نفسه بهذه الاسماء بمعنى انه خلقها فى غيره لا بمعنى انه نفسه تكلم بها الكلام القائم به فالقول فى اسمائه هو نوع من القول فى كلامه "



فتأمل كيف أن ابن تيمية ينص على أن المسألة اشتهر فيها النزاع بعد الإمام أحمد


ويا ليت شعري هذا لفظ مجمل والإمام أحمد وغيره من الأئمة كانوا من أبعد عن إطلاق الألفاظ المجملة وذلك بين في هديهم في مسألة اللفظ وفي مسألة الإيمان مخلوق أم لا ، وكان من تكلم بلفظ يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة ( كما قال الشيخ  )


والخلاصة أن الصواب أنه لا يطلق أن الاسم هو المسمى ولا غير المسمى بل يقال لله عز وجل الأسماء الحسنى ، وأن نسبة شيء من ذلك إلى الإمام أحمد أو غيره من أئمة السنة غلط قبيح ، وما ينبغي تقليد ابن حزم في أغلاطه

الخطأ السادس والعشرون : اعتبار عدم إثبات صفة الهرولة ابتداعاً وتجهماً

وهذا القول وجدته يعزى لفوزي البحريني ورأيت ردوداً عليه في هذا الشأن

والهرولة فيها نزاع بين المنتسبين للسنة غير أن ابن تيمية في بيان التلبيس مال إلى أن الحديث ليس من أحاديث الصفات وذلك أن الحديث فيه ( من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ) وتقرب المخلوق معنوي وليس حسياً فناسب أن يكون تقرب الخالق من هذا الباب معنوي وليس حسياً

نقل الإمام الترمذي عن الأعمش وغيره من أهل العلم قال رحمه الله:
ويروى عن الأعمش في تفسير هذا الحديث من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا يعني بالمغفرة والرحمة وهكذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث قالوا إنما معناه يقول إذا تقرب إلي العبد بطاعتي وما أمرت أسرع إليه بمغفرتي ورحمتي اهـ.
والإمام الترمذي لا يخفى عقيدته سلفية ولذلك اعتمدنا على نقله.


قال حرب الكرماني في مسائله عن أحمد وإسحاق (2/951) : سمعت إسحاق يقول في حديث النبي عليه السلام: ((من تقرب إلى الله شبرًا تقرب الله إليه باعًا)) قال: يعني من تقرب إلى الله شبرًا بالعمل تقرب الله إليه بالثواب باعًا. اهـ.


قال ابن قتيبة قال في تأويل مختلف الحديث:
قالوا رويتم عن أبي ذر وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يقول الله عز و جل من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة
قال أبو محمد ونحن نقول إن هذا تمثيل وتشبيه وإنما أراد من أتاني مسرعا بالطاعة أتيته بالثواب أسرع من إتيانه فكنى عن ذلك بالمشي وبالهرولة كما يقال فلان موضع في الضلال والإيضاع سير سريع لا يراد به أنه يسير ذلك السير وإنما يراد أنه يسرع إلى الضلال فكنى بالوضع عن الإسراع وكذلك قوله والذين سعوا في آياتنا معاجزين والسعي الإسراع في المشي وليس يراد أنهم مشوا دائما وإنما يراد أنهم أسرعوا بنياتهم وأعمالهم والله أعلم اهـ.

وقد أثبت هذه الصفة ابن بطة وابن مندة والهروي

وليعلم أن من نفاها لعلة توهم التشبيه فهو جهمي وأما من قال أن الوارد في الحديث على المعنى الذي فسره الأعمش وإسحاق وابن قتيبة ومال إليه ابن تيمية فليس جهمياً البتة ولا مبتدعاً

الخطأ الثامن والعشرون : إثبات صفة الظل لله عز وجل

وقد أثبت عبد العزيز ابن باز صفة الظل لله عز وجل اعتماداً على حديث ( يوم لا ظل إلا ظله )

وما أعلم أحداً سبقه إلى هذا ، بل الظل المراد به ظل العرش في قول عامة الناس وقد ورد هذا اللفظ في أحاديث كثيرة تلقيت بالقبول وحمل عليها اللفظ المطلق الوارد في حديث ( يوم لا ظل إلا ظله )

قال الذهبي في العلو :" 191 - حَدِيثُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِي طُوَالَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعا إِن الله تَعَالَى يَقُول الْمُتَحَابُونَ بِجَلالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّ عَرْشِي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي // وَقد بلغ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ أَحَادِيثُ تَبْلُغُ التَّوَاتُرَ"

قال الحافظ أبو عبد الله بن منده في ((كتاب التوحيد)) (3/190) : ((بيان آخر يدل على أن العرش ظل_ٌ يستظل فيه من يشاء الله من عباده)) ، ثم ذكر بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي)) ، ثم أورد حديث: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) ، وكأنه رحمه الله يشير إلى أنَّ الظل في حديث


وقال الطبري في تفسيره حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ , قَالَ: ثنا يَزِيدُ , قَالَ: ثنا سَعِيدٌ , عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] قَالَ: «التِّجَارَةُ رِزْقٌ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ , وَحَلَالٌ مِنْ حَلَالِ اللَّهِ لِمَنْ طَلَبِهَا بِصِدْقِهَا وَبِرِّهَا , وَقَدْ كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ التَّاجِرَ الْأَمِينَ الصَّدُوقَ مَعَ السَّبْعَةِ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

وقال ابن أبي حاتم في تفسيره 5511 - حَدَّثَنَا أَبِي ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا وَهُوَ ظِلُّ الْعَرْشِ الَّذِي لَا يَزُولُ.

وللمدخلي بحث موسع في هذه المسألة كان كتبه في أيام تنازعه مع فالح الحربي

الخطأ التاسع والعشرون : إنكار الإشارة الحسية

والإشارة الحسية هي أن إذا ذكرت السمع والبصر لله تشير إلى عينيك وأذنيك ( مكان السمع ) وإذا ذكرت الأصبعين تشير بأصبعيك

وهذا الضرب من الإشارة أنكره ابن عثيمين وقال كلاماً عجيباً في هذا

والحق أن الإشارة ثابتة ولا تفيد التشبيه وإنما تحقيق الصفة وهي من أحسن ما يرد به على المفوضة

قال أبو داود في سننه 4728 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ النَّسَائِيُّ الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ يَعْنِي ابْنَ عِمْرَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ»، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ الْمُقْرِئُ: يَعْنِي: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، يَعْنِي أَنَّ لِلَّهِ سَمْعًا وَبَصَرًا قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ»

وقال مسلم في صحيحه 25 - (2788) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَأْخُذُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ، فَيَقُولُ: أَنَا اللهُ - وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا - أَنَا الْمَلِكُ " حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

وقال عبد الله بن أحمد في السنة 489 - سَمِعْتُ أَبِيَ رَحِمَهُ اللَّهُ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، بِحَدِيثِ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ» قَالَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ: جَعَلَ يَحْيَى يُشِيرُ بِأَصَابِعِهِ وَأَرَانِي أَبِي كَيْفَ جَعَلَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ يَضَعُ أُصْبُعًا أُصْبُعًا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا

وهذه الإشارة التي أنكرها ابن عثيمين والله المستعان وقول السلف هو المتعين ، وقول ابن حجر وغيره أن هذا قد يجعل العامة يتوهمون التشبيه إنما هو ناشيء عن نفثة جهمية ولا يوجد عامي يتوهم هذا ويمكن دفع هذا التوهم بأيسر لفظ مع اتباع الرسول في إشارته الحسية التي تحقق الصفة

وفي مذهبكم أن النبي أقر الجارية على التشبيه حين قالت ( في السماء ) أفلا يسعكم ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم

الخطأ الثلاثون : الإنكار على من أثبت مماسة الله عز وجل لبعض خلقه واعتبار ذلك من الضلالات التي توجب التبديع أو نفي المماسة

أما الأول فوقع فيه المدخلي والألباني ، وأما الثاني فوقع فيه أبو الحسن المأربي متابعاً للسجزي حين وقع منه نفي المماسة لتأثره بالكلابية في بعض المسائل

قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (4/343) :" فلا جرم جاءت الأحاديث بثبوت المماسة كما دل على ذلك القرآن وقاله أئمة السلف وهو نظير الرؤية وهو متعلق بمسألة العرش وخلق آدم يده وغير ذلك من مسائل الصفات وإن كان قد نفاه طوائف من أهل الكلام والحديث من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم وليس هذا موضع الكلام فيه وإنما الغرض التنبيه على مجامع هذه الحجة"

وقال الخلال في السنة 320 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} [ص: 25] قَالَ: «ذَكَرَ الدُّنُوَّ حَتَّى يَمَسَّ بَعْضَهُ»

وعبيد بن عمير تابعي مخضرم كان يحدث بهذا بين ظهراني الصحابة ولا يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل وكان ابن عمر يجلس في مجلس وعظه ويبكي

وتفسيره احتفى به ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أيما احتفاء ولا أعلم في المتأخرين غيرهم فعل هذا

وقال الخلال في السنة أيضاً 319 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ شَرِيكٍ النَّخَعِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، وَسَالِمٌ الْأَفْطَسُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «إِذَا نَظَرَ دَاوُدُ إِلَى خَصْمِهِ وَلَّى هَارِبًا مِنْهُ، فَيُنَادِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا دَاوُدُ، ادْنُ مِنِّي، فَلَا يَزَالُ [ص:263] يُدْنِيهِ حَتَّى يَمَسَّ بَعْضَهُ»

قال ابن القيم في طريق الهجرتين :" وقيل: إن فى بعض الآثار يقول الله تعالى لداود عليه السلام: يا داود، كنت تدخل على دخول الملوك على الملوك، واليوم تدخل على دخول العبيد على الملوك.
قالوا: وقد قال غير واحد من السلف: كان داود بعد التوبة خيراً منه قبل الخطيئة، قالوا: ولهذا قال سبحانه: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنّ لَهُ عِنْدَنَا لزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [سورة ص: 25] ، فزاده على المغفرة أمرين: الزلفى وهى درجة القرب منه وقد قال فيها سلف الأُمة وأئمتها ما لا تحتمله عقول الجهمية وفراخهم، ومن أراد معرفتها فعليه بتفاسير السلف"

وقال ابن أبي شيبة في المصنف 33957 - حَدَّثَنَا، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا، إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ، حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَمَسَّ بِيَدِهِ مَنْ خَلَقَهُ غَيْرَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: خَلَقَ الْجَنَّةَ بِيَدِهِ، ثُمَّ جَعَلَ تُرَابَهَا الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ، وَجِبَالَهَا الْمِسْكَ، وَخَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ "

وحكيم تابعي فاضل والإسناد إليه صحيح وقد روى هذا الخبر الآجري في الشريعة وابن بطة في الإبانة

الخطأ الحادي والثلاثون : تأويل حديث ( إن الله خلق آدم على صورته )

وهذا اشتهر به في هذا العصر الألباني تبعه على ذلك أبو بكر الجزائري وقيل لي الوادعي أيضاً

وفي الواقع هذا أكثر أقاويل الألباني ضعفاً وقد هجرها كثيرون من معظميه وذلك بسبب ردود حمود التويجري والدويش وحماد الأنصاري عليه مع تقديم ابن باز وكون القول ضعيفاً وتجهيم أحمد لمن يقول به

فتأويل ( إن الله خلق آدم على صورته ) فإن الهاء عائدة على التأويل من أسخف التأويلات وأبعدها

وذلك أن قوله ( إن الله خلق آدم على صورة آدم ) ليس كلاماً مفيداً ! ولا جديد فيه

ثم إن الأمر كما قال الإمام أحمد ( وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه الله ) فأنت حين تقول ( صنعت هذا الكرسي على مثال الكرسي الفلاني ) فلا بد أن يكون هذا الكرسي الثاني موجوداً عند صنعك للأول حتى تصنع على مثاله وآدم لا وجود له قبل خلقه وهذا بديهي

ثم إن للحديث سبب ورود وقد ركز ابن تيمية جداً على هذه النقطة وأن سبب الورود يمحق جميع التأويلات ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث نهياً عن ضرب رجل على وجهه

فلو كان الحديث ( إن الله خلق آدم على صورة آدم ) لحرم ضرب الوجه واليد والرجل والظهر على حد سواء وهذا لم يقل به أحد

ثم ما علاقة المضروب بكون الله خلق آدم على صورة آدم !

وأما تأويلها بأن الله خلق آدم على صورة المضروب فهذا من أسخف التأويل فإنه يقتضي تخصيص هذا المضروب بحرمة وجهه وهذا لم يقل به أحد

ثم إنه لا يقال ( الأب على صورة الابن ) وإنما يقال ( الابن على صورة الأب )

ولا علاقة لهذا الحديث بما يتوهمونه من التشبيه فمعنى الحديث لله وجهاً وسمعاً وبصراً ، وقد خلق الآدمي له وجه وسمع وبصر ، وليس الوجه كالوجه ولا السمع كالسمع ولا البصر كالبصر غير أن هذه هيئة مكرمة

وهذا يشبه حديث ( على صورة القمر ) في أهل الجنة فليس معناه أن كلاماً منهم يحمل تراباً وصخوراً في وجهه

وهذه المسألة يبينها ما شرحناه آنفاً في مسألة التواطؤ

وأما لفظ ( طوله ستون ذراعاً ) فيجوز أن يعود الضمير إلى غير أقرب مذكور لقرينة كقوله تعالى ( عذاب يوم عظيم )

الخطأ الثاني والثلاثون : قولهم قدرة الله لا تتعلق بالمستحيلات

وهذه عبارة كلامية رددها بعض المشايخ كابن ابراهيم والحق أن الله عز وجل على كل شيء قدير

والمستحيل لذاته وهو المتتنع كوجود بحر من الماء لا يوجد فيه قطرة ماء !

هذا ليس بشيء أصلاً بل هو هذيان فلا يعد

وإنما المستحيل لمخالفته قوانين الأرض الكلية ( الفيزيائية ) كوجود فيل يطير فهذا داخل في قدرة الله عز وجل


قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (1/129_130) :" وقد رويت هذه الحكاية على وجه آخر وإنهم سألوا العابد فقالوا هل يقدر ربك أن يخلقمثل نفسه فقال لاادري فقال اترونه لم تنفعه عبادته مع جهله وسألوا عن ذلك فقال هذهالمسألة محال لأنه لو كان مثله لم يكن مخلوقا فكونه مخلوقا وهو مثل نفسه مستحيلفإذا كان مخلوقا لم يكن مثله بل كان عبدا من عبيده وخلقا من خلقه"

وقال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل :" وما ذكرته من الخلاء إذا قدر أنه لا بد منه، لم يقدح ذلك في علوه الذي يستحقه، كما أنه سبحانه موصوف على كل شيء قدير، والممتنع بنفسه الذي ليس بشيء ولا يدخل في العموم لا يكون عدم دخوله نقص في قدرته الشاملة"

وهذا غاية في التحرير بعيداً عن عبارات المتكلمين التي ظاهرها تقييد قدرة الله الشاملة

الخطأ الثالث والثلاثون : قولهم الحديث القدسي لفظه من الرسول ومعناه من الله

وهذه وقع فيها ابن عثيمين وحده وتراجع غير أنه بلغني عن بعض الناس من سفلة المرجئة أنه يقول بهذا عندنا في الكويت

قال الأخ مأمون الشامي :" قال حماد بن محمد الأنصاري: الحديث القدسي إذا صح وثبت سنده يجب أن تقول: إنه كلام الله بلّغه عنه نبيه ؛ لأن النبي يقول (يقول أبو هريرة أولا): سمعت رسول الله يقول: يقول الله، القول إذا أطلق فهو يشمل اللفظ والمعنى، أما ما يقوله الخرافيون أو المعطلون أو المشبهون أو المؤولون من أن القول يأتي غير شامل للَّفظ والمعنى؛ فهذا قول في غاية من البطلان؛ ليس بصحيح؛ هذا قول تذرعوا إليه أو به إلى إنكار ما أثبت الله عز وجل وما أثبته رسول الله لله عز وجل من صفاته العلى وأسمائه الحسنى.
[المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري؛ لابنه الشيخ عبد الأول بن حماد الأنصاري 1/369، ط. الأولى 1422هـ- 2002م،.]

وقال أيضا :إن كل الطوائف الجهمية الجعدية والمعتزلة الزيدية والكرامية السجستانية؛ هؤلاء كلهم قالوا: إن الحديث القدسي لفظه من النبي ، ومعناه من الله عز وجل، وهذا قولهم أيضا في القرآن، وما قال بهذا أحد من السلف؛ بل الذي عليه السلف أن الحديث القدسي كلام الله عز وجل؛ فالنبي قال: قال الله، وهذه حقيقة لا صارف لها، فإذا يقال: إن الحديث القدسي كلام الله عز وجل حرفا ومعنى.
[المرجع السابق 2/539- 540.]

وسئل عبد العزيز عبد الله بن باز عن الحديث القدسي ما الأصح فيه: لفظه من الله أو من النبي ؟
فقال رحمه الله: لفظه ومعناه كله من الله، بعض العلماء قال: لفظه من النبي ومعناه من الله، وليس بجيد، بل لفظه ومعناه، ثم قال: يقول النبي عن ربه أنه يقول: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي)، كل هذا كلام الرب لفظا ومعنى، جل وعلا.
[عن شريط: لقاء مفتوح مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، (من إصدارات تسجيلات البردين الإسلامية) .]

وقال صالح بن فوزان الفوزان فالحديث القدسي من كلام الله لفظه ومعناه، أما الحديث غير القدسي فهو من كلام الرسول .. إلى أن قال: إلا أن الحديث القدسي مع أنه من كلام الله لا يأخذ حكم القرآن من كل وجه، بحيث يتعبد بتلاوته مثل القرآن، وبحيث لا يمسه إلا طاهر مثل القرآن، أو أنه يشترط له التواتر مثل القرآن، ومن حيث إنه تجوز روايته بالمعنى، أما القرآن فلا تجوز روايته بالمعنى .
الحاصل؛ أن بين الحديث القدسي وبين القرآن فروقا كثيرة، وإن كان يجتمع مع القرآن في أنه كلام الله -سبحانه وتعالى- لفظا ومعنى .
[إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد 2/31]

وقد كان محمد بن صالح العثيمين يقول بالقول الآخر: إن الحديث القدسي معناه من الله ولفظه من النبي ؛ كما في كتابه: القول المفيد على كتاب التوحيد وكذلك غيره من كتبه، ولكنه رجع عن هذا القول إلى القول الصحيح وقد نقل ذلك عنه بعض تلاميذه حيث قال إنه باحَثَ  ابن عثيمين في هذه المسألة في موسم الحج عام 1420هـ ، ورجع  عن قوله السابق.

فيتحصل من الكلام السابق أن القول بأن الحديث الإلهي لفظه من رسول الله قول باطل لا دليل عليه, والخلاف في هذه المسألة حادث لم يعرف عن السلف فوجب حينئذ المصير إلى القول بأن الحديث الإلهي معناه وكذلك لفظه من الله تبارك وتعالى"

ويقال أن وصفه بالقدسي أو الإلهي أمر واسع وقد وجدت كلا الاستخدامين عند المنتسبين للسنة دون نكير

الخطأ الرابع والثلاثون : تضعيف أحاديث مشتهرة في كتب السنة

وهذا في الحقيقة كثير في المعاصرين وأشهر الأمثلة حديث العماء

قال أحمد في مسنده 16188 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: «كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ»

قال الأخ عبد الله التميمي :" فقد وقفت على كلام الباحث / نشأت بن كمال المصري - هداه الله - في تحقيقه لكتاب الصفات للحافظ الدارقطني رحمه الله تعالى

وذلك في [ ص 94-95 ] :  حاشية الكلام على حديث يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن أبي رزين رضي الله عنه   فقال

: وفي هذا السند مقال من وجهين :

الأول : أن يعلى بن عطاء روى عن وكيع بن حدس خمسة أحاديث وقال أحمد [  كما في العلل ومعرفة الرجال 1/279 رقم 1789 ] : لم يسمعها هذه أحاديث معروفة لم يسمعها .اهـ

أقول : وهذا غلط على الإمام أحمد وهو غلط فاحش قبيح
إذ أن الإمام أحمد لا يتكلم عن سماع يعلى من وكيع بن حدس في هذا النقل !

قال الإمام عبد الله بن أحمد في في المصدر المعزو إليه :
سَمِعت أبي يَقُول : ذكرنَا عِنْد وَكِيع بن الْجراح أَحَادِيث يعلى بن عَطاء عَن وَكِيع بن حدس.
فَقلت هَذَا يرْوى عَنهُ خَمْسَة أَحَادِيث .
فَجعل يذكر ذَلِك .
قَالَ أبي لم يسْمعهَا , هَذِه أَحَادِيث مَعْرُوفَة , لم يسْمعهَا .اهـ

أقول :
يريد الإمام أحمد أن هذه الأحاديث معروفة والذي لم يسمعها هو وكيع بن الجراح لم يعرف تلك الأحاديث لأنه لم يسمعها
وفيما أحسبت أن قوله [  فجعل يذكر ذلك ] تصحيف وصوابه [ فجعل ينكر ذلك ] يعني وكيع
فيرد عليه الإمام أحمد ويبين أن سبب إنكاره أنه لم يسمعها , وما كان الإمام وكيع بسعة إطلاع الإمام أحمد رحمهما الله

وهذا واضح من السياق والله أعلم .

ولو كان الإمام أحمد يتحدث عن سماع يعلى من وكيع لما كان لذكر وكيع بن الجراح معنى

ثم يعلى روى عنه شعبة وهو لا يروي عن شيوخه إلا ما سمعوه

وقد صرح بالسماع منه في مسند الإمام أحمد [ حديث رقم 16298 ] برواية شعبة عنه

وكل من وثق وكيعاً يثبت سماع يعلى منه إذ أنه لم يرو عنه إلا يعلى بن عطاء .

وتضعيف هذه الأحاديث بوكيع بن حدس لا وجه له البتة
ولم يضعفها أحد من أئمة الحديث المتقدمين قط

وقول الإمام أحمد [ هذه أحاديث معروفة ]  يريد أنها غير منكرة وهي معروفة متداولة صحيحة لم يطعن فيها أحد

أما من أعلها بجهالة وكيع بن حدس فقد أبعد .

فوكيح بن حدس وثقه ابن حبان وقال في مشاهير علماء الأمصار [ ص 124 ]  : من الأثبات .
أقول : وقد قسم المعلمي في كتاب التنكيل توثيقات ابن حبان إلى ثلاث أقسام
فجعل في الطبقة الأولى والعالية قوله [ مستقيم الحديث ] [ وكان متقناً ]
وقوله من الأثبات قريب جداً من قوله كان متقناً .

وقال عنه الجوزقاني [ الصحاح والمشاهير 1/232 ]  : صدوق صالح الحديث .

وممن صحح حديثه :
الترمذي في جامعه قال عنه حسن صحيح [ 2279 ] .
وابن خزيمة في كتاب التوحيد [ احتج به ] .
والطبري في تاريخه [ 1 / 40 ] .
وقال الدارقطني في الصفات [ 57 ]:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ :
وَذَكَرَ الْبَابَ الَّذِي، يَرْوِي فِيهِ الرُّؤْيَةَ وَالْكُرْسِيَّ وَمَوْضِعَ الْقَدَمَيْنِ ، وَضَحِكِ رَبِّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ ، وَأَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاءَ ، وَأَنَّ جَهَنَّمَ لَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ فِيهَا فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ ، وَأَشْبَاهَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ .
فَقَالَ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صِحَاحٌ ، حَمَلَهَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، وهِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ لَا نَشُكُّ فِيهَا .
وَلَكِنْ إِذَا قِيلَ كَيْفَ وَضَعَ قَدَمَهُ وَكَيْفَ ضَحِكَ ؟
قُلْنَا لَا يُفَسَّرُ هَذَا وَلَا سَمِعْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهُ .اهـ

أقول : فهذا أبو عبيد القاسم بن سلام الإمام يصحح هذه الأحاديث وينص على حمل أصحاب الحديث هذه الأحاديث وأنها حق وأقره عليها الحافظ الدارقطني كما ترى .

وصحح هذه الأحاديث شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .
وخرج حديثه أبو داود في كتاب السنة من سننه [ 4733 ]
وابن ماجه في مقدمته المختصة بالعقيدة [ 3914 ]

ولا أعرف أحداً من المصنفين في العقيدة أو السنة من أئمة الإسلام إلا وخرج أحاديث يعلى عن وكيع عن أبي رزين
منهم :
الإمام عبد الله بن الإمام أحمد في السنة , وابن أبي عاصم في السنة , وابن خزيمة في التوحيد , والدارقطني في الصفات , وأصول السنة لابن أبي زمنين , والإبانة لابن بطة , والدارمي في كتبه , وكتاب الحافظ اللالكائي
وغيرهم الكثير الكثير .

وما قال أحد من أئمة الإسلام أن هذه الأحاديث ضعيفة

وحتى الذهبي الذي قال في الميزان : لا يعرف , حسن حديثه في كتاب العرش.

وحتى البيهقي في كتابه الصفات راح يؤول هذه الأحاديث ويصرفها عن ظاهرها , ولم يقل أنها ضعيفة ! فتأمل

وهؤلاء دائماً ما يتعاملون في تصحيح الأحاديث بطريقة المثبت مقدم على النافي

فنقول : نفى الإمام أحمد السماع وأثبته غيره وصحح الأحاديث ! فالمثبت مقدم على النافي !

وفي الختام نقول لهولاء الإخوة الذين يحققون كتب العقيدة تريثوا وانظروا فأنتم تحققون كتب أئمة الإسلام خصوصاً في الأحاديث التي تتابع الأئمة على ذكرها .

وأنت كما ترى هذا الأخ لم يفهم كلام الإمام أحمد على وجهه ثم بنى عليه تضعيف الخبر .

والله المستعان "

وبهذا نكون قد انتهينا مما وقفنا عليه من أخطاء المعاصرين في باب الصفات

وننتقل إلى أصل الإيمان الثاني الملائكة

الباب الثالث : أخطاء المعاصرين في باب الإيمان بالملائكة

الخطأ الأول : إنكار أن يكون إبليس من الملائكة ودعوى أن القول بأنه من الملائكة مخالف لظاهر القرآن

والواقع أن جمهور المفسرين يقولون بأنه من الملائكة بما فيهم ابن مسعود وابن عباس واختاره الطبري والبغوي فكيف يكون مخالفاً لظاهر القرآن

وهل المعاصر أعلم بظاهر القرآن من ابن مسعود وابن عباس وأعيان المفسرين من التابعين

قال مقاتل في تفسيره :" فَاهْبِطْ مِنْها قال اخرج من صورة الملائكة إلى صورة الدمامة"

وقال عبد الرزاق في تفسيره 1687 - أرنا مَعْمَرٌ , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: 50] , قَالَ: «مِنْ قَبِيلٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ»

وقال الطبري في تفسيره 606- حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان إبليس من حَيٍّ من أحياء الملائكة يقال لهم"الحِنّ"، خُلقوا من نار السَّمُوم من بين الملائكة

قال أبو جعفر: وهذه الرواية عن ابن عباس، تُنبئ عن أن قول الله جل ثناؤه:"وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرص خليفة"، خطابٌ من الله جل ثناؤه لخاصٍّ من الملائكة دون الجميع، وأنّ الذين قيل لهم ذلك من الملائكة كانوا قبيلة إبليس خاصةً - الذين قاتلوا معه جنّ الأرض قبل خلق آدم - وأنّ الله إنما خصّهم بقيل ذلك امتحانًا منه لهم وابتلاءً، ليعرِّفهم قصورَ علمهم وفضلَ كثير ممن هو أضعفُ خلقًا منهم من خلقه عليهم، وأنّ كرامته
لا تنال بقوَى الأبدان وشدّة الأجسام، كما ظنه إبليس عدوّ الله. ومُصَرِّح بأن قيلهم لربِّهم (1) : "أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء"، كانت هفوةً منهم ورجمًا بالغيب؛ وأن الله جل ثناؤه أطلعهم على مكروه ما نطقوا به من ذلك، ووقَفَهم عليه حتى تابوا وأنابوا إليه مما قالوا ونطقوا من رَجْم الغيْب بالظُّنون، وتبرَّأوا إليه أن يعلم الغيب غيرُه، وأظهرَ لهم من إبليس ما كان منطويًا عليه من الكبْر الذي قد كان عنهم مستخفيًا

وقال الطبري في تفسيره 607- حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:"لما فرَغ الله من خلق ما أحبّ، استوى على العرش، فجعل إبليس على مُلْك سماء الدنيا، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجنّ

وتفسير السدي يقويه الألباني وأحمد شاكر وخالد عبد الرحمن المصري من المعاصرين

وابن مسعود لا يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل

وقال الأخ مأمون الشامي :"  قال ابن أبي حاتم في تفسيره قال :
362- حدثني أبي، حدثني سعيد بن سليمان، ثنا عباد يعني ابن العوام، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: «كان إبليس اسمه عزازيل، وكان من أشرف الملائكة من ذوي الأربعة الأجنحة ثم أبلس بعد».

ومن طريق سعيد بن سليمان رواه البيهقي في شعب الإيمان ح/146 ورواه ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان ح/72.

وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير سفيان بن حسين روى له البخاري تعليقاً فهو من رجال مسلم وحده وأبو حاتم الرازي حافظ معروف لم يرو عنه الشيخان وروى عنه أصحاب السنن.

وكذلك روي عنه نحو هذا من أوجه فيها ضعف, وليس لابن عباس رضي الله عنهما -فيما أعلم- مخالف من الصحابة رضوان الله عنهم فلا يعدل عن قوله إلا بحجة.

قال الإمام أحمد رحمه الله في كتابه لأبي عبد الرحيم الجوزجاني [كما في السنة لأبي بكر الخلال 4/22] :
وأن تأويل من تأول القرآن بلا سنة تدل على معناها أو معنى ما أراد الله عز وجل أو أثر عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعرف ذلك بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه، فهم شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم، وشهدوا تنزيله، وما قصه له القرآن، وما عني به، وما أراد به، وخاص هو أو عام، فأما من تأوله على ظاهر بلا دلالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه، فهذا تأويل أهل البدع، لأن الآية قد تكون خاصة ويكون حكمها حكما عاما، ويكون ظاهرها على العموم، فإنما قصدت لشيء بعينه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم المعبر عن كتاب الله عز وجل، وما أراد وأصحابه رضي الله عنهم أعلم بذلك منا لمشاهدتهم الأمر وما أريد بذلك.اهـ المراد

وقال ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان 1/240:
قال الحاكم أبو عبد الله فى التفسير، من كتاب المستدرك: "ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابى الذى شهد الوحى والتنزيل عند الشيخين: حديث مسند.
وقال فى موضع آخر من كتابه: "هو عندنا فى حكم المرفوع".
وهذا، وإن كان فيه نظر، فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم، فهم أعلم الأمة بمراد الله عز وجل من كتابه، فعليهم نزل، وهم أول من خوطب به من الأمة. وقد شاهدوا تفسيره من الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم علماً وعملاً، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة، فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل.

وقال في إعلام الموقعين 4/119:
فإن قيل: فإذا كان هذا حكم أقوالهم في أحكام الحوادث، فما تقولون في أقوالهم في تفسير القرآن؟ هل هي حجة يجب المصير إليها؟
قيل: لا ريب أن أقوالهم في التفسير أصوب من أقوال من بعدهم، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن تفسيرهم في حكم المرفوع، قال أبو عبد الله الحاكم في مستدركه: وتفسير الصحابي عندنا في حكم المرفوع، ومراده أنه في حكمه في الاستدلال به والاحتجاج، لا أنه إذا قال الصحابي في الآية قولا فلنا أن نقول هذا القول قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وله وجه آخر.
وهو أن يكون في حكم المرفوع بمعنى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين لهم معاني القرآن وفسره لهم كما وصفه تعالى بقوله: {لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44] فبين لهم القرآن بيانا شافيا كافيا، وكان إذا أشكل على أحد منهم معنى سأله عنه فأوضحه له .. اهـ المراد ويراجع بقية كلامه.

وعبارات أهل العلم في هذا الباب كثيرة.

وقد قال القرطبي عن كون إبليس كان من الملائكة 1/294:
«قول جمهور العلماء ابن عباس وابن مسعود وابن جريج وابن المسيب وقتادة وغيرهم، ورجحه الطبري، وهو ظاهر الآية».

وقال البغوي 1/81: «قول أكثر المفسرين».

وينظر تفسير ابن جرير الطبري 1/508.

ولا ينبغي أن يرد تفسير الصحابي بحجة كونه من الإسرائيليات إلا بحجة بينة, قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى 13/345:
وما نقل في ذلك عن بعض الصحابة نقلا صحيحا فالنفس إليه أسكن مما نقل عن بعض التابعين لأن احتمال أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من بعض من سمعه منه أقوى؛ ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين ومع جزم الصاحب فيما يقوله فكيف يقال إنه أخذه عن أهل الكتاب وقد نهوا عن تصديقهم؟.اهـ"

وظاهر القرآن يدل على أن إبليس كان من الملائكة فلو لم يكن منهم لما دخل في ظاهر الأمر

قال يحيى بن سلام في تفسيره :" قَالَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلائِكَةِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالسُّجُودِ."

وسواءً صح هذا عن ابن عباس أم لم يصح فهو حجة قوية

وقال البغوي في تفسيره :" وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ مِنَ الْجِنِّ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الْكَهْفِ: 50] ، فَهُوَ أَصْلُ الْجِنِّ كَمَا أَنَّ آدَمَ أَصْلُ الْإِنْسِ، وَلِأَنَّهُ خُلِقَ مِنَ النَّارِ وَالْمَلَائِكَةَ خُلِقُوا مِنَ النُّورِ، وَلِأَنَّ لَهُ ذُرِّيَّةً وَلَا ذُرِّيَّةَ لِلْمَلَائِكَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ خِطَابَ السُّجُودِ كَانَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَوْلُهُ: كانَ مِنَ الْجِنِّ، أَيْ: مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ"

أقول : فكيف يكون قول جمهور المفسرين يخالف ظاهر القرآن وهذا باب خبري لا دخل فيه للرأي

وكونه ملك وصدرت منه معصية فهذا باب عموم وخصوص وقد يكون الملائكة الجن الذين خلقوا من النار ليس لهم خصوصية النورانيين

أو أن الله أوكلهم إلى أنفسهم في هذا اختباراً

وحال إبليس بعد مسخه يختلف عن هيئته الملائكية وقد قال ابن تيمية أنه من الملائكة باعتبار الصورة لا باعتبار أصل الخلقة وقول ابن تيمية هذا أحسن بكثير من قول عامة المعاصرين غير أن أصل خلقته لا ينفي ملائكيته لكونه خصص من دونهم بهذا

وقد كلمني أحد تلاميذ الحجي في هذه المسألة وسفه من أقاويل السلف

وسبحان الله ( تلك العصا من العصية ) كالحجي تماماً في عدم فهم قول الطرف الآخر ثم تطويل اللسان وإظهار قلة الأدب معه مع أنني أظن أن الحجي مع السلف في هذه المسألة ولم أسمع قوله غير أن تلميذه هذا الذي يسخر من خط ابن تيمية بكل وضاعة ولما ذكرت له الطبري قال لي ( الطبري ما يستحي يروي عن الجهمية ويذكر بعض أقوالهم ) وهذا ما يربى عليه هؤلاء الصبية أن يعطى مجموعة مسائل يكفر بها ويضلل الأولين والآخرين ويصير يحتقر العلماء حتى في فنهم الذي شهد لهم فيه ولأنه لا يعرف الصحة من الضعف وأنى لرجل جلس عند الحجي أن يفهم هذا الشأن صار يحاكم إلى معرفته عن هؤلاء الأشخاص والتي تختزل في بعض الزلات أو ما يرونه هم زلات وليس كذلك والعجيب أن عبارته في الطبري قريبة من عبارة الحداد في الخلال حين ( لأحمد مسائل يخالف فيها السنة ما يستحي الخلال من إيرادها ) أما أنهم تركوا الحياء لمؤلفاتك في الجماع وأمور النساء وجمع الفواحش التي ذكرت في كتب الأدباء ، والحجي يقول في الدارقطني ( إيش عقله هذا ) لما ذكر عنه في شأن الباقلاني

وهذا الشيء كان بداية كلامي معه في أثر الحوت عن ابن عباس وقد ادعى أن هذا الأثر أخذه ابن عباس عن كعب وهذه عادة المعاصرين في الرجم بالغيب فلما بينت له وشرحت

قال بأن هذا الأثر يخالف القرآن فالقرآن لا يفهمه ابن عباس وإنما يفهمه هو لأن الأثر فيه ( بسط الله الأرض على ظهر حوت ) والأرض كروية وليست مبسوطة !

وهذا جهل فالأثر ( كبس الله الأرض ) وليس بسط ولو كان بسط لما خالف كروية الأرض فالأمر نسبي ألا تقرأ في القرآن ( وإلى الأرض كيف سطحت ) وليس معناه أنها مسطحة وإنما هو تسطيح نسبي بالنسبة لمن عليها

وهذا شغب الزنادقة في كل عصر افتراض التعارض بين ما لا يتعارض

الخطأ الثاني : إنكار عبارة الملائكة ذكور وتفسيق من يقول بها

فإن مما اشتهر في المناهج الدراسية في بلادنا أن من قال بأنوثة الملائكة فهو كافر ، ومن قال بذكوريتهم فهو فاسق

وقد بحثت في هذه المسألة فوجدت القول بذكورية الملائكة قد قال به أبو مجلز لاحق بن حميد من التابعين ولا أعلم له مخالفاً من الصحابة أو التابعين

قال ابن جرير 14713: حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز وعلى الأعراف رجال)، قال: هم الملائكة. قلت: يا أبا مجلز، يقول الله تبارك وتعالى:"رجال"، وأنت تقول: ملائكة؟ قال: إنهم ذكران ليسوا بإناث.
 14714: حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز في قوله وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)، قال: الملائكة. قال قلت: يقول الله"رجال"؟ قال: الملائكة ذكور

وقال ابن جرير 14708: حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت عمران قال: قلت لأبي مجلز: يقول الله وعلى الأعراف رجال)، وتزعم أنت أنهم الملائكة؟ قال فقال: إنهم ذكور، وليسوا بإناث

قلت : وهذا إسناد صحيح وقد انضمت إليه الأسانيد السابقة وهذا التصريح من أبي مجلز يدفع تأويل من أول كلامه بأنه أراد ( رجال من الملائكة ) ك ( رجال من الجن )

والرجل إذا أطلق فهو الآدمي قال تعالى : ( ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا)

وقول أبي مجلز في أهل الأعراف خالفه عامة الصحابة والتابعين وإنما البحث في وصفه للملائكة بالذكورية فلا يؤتى باعتراض الطبري عليه في أهل الأعراف وينزل على الوصف بالذكورية

وقد جاء عن ابن المسيب :" الملائكة عليهم السلام ليسوا بذكور ولا إناث، ولا يتوالدون، ولا يأكلون ولا يشربون؛ والجن يتوالدون، وفيهم ذكور وإناث ويموتون. والشياطين ذكور وإناث، ويتوالدون، ولا يموتون بل يخلدون ي الدنيا كما خلد إبليس. وإبليس هو أبو الجن" ذكره الزمشخري في ربيع الأبرار بغير إسناد ولا يعول عليه

وهذا أعلى ما وقفت وقد طويت كشحاً عن كلام المتأخرين ففي كلام السلف غنية ، ومن كان عنده إفادة فليفدنا، وليعلم أنه لا يجوز بعد هذا القول بتفسيق من يقول بذكورية الملائكة


ثم وجدت أن ابن باز يقول بذكورية الملائكة
سؤال من (أ.أ.ع) من الدمام يقول: نقرأ ونسمع كثيراً من عامة الناس وكتابهم وشعرائهم من يصف في كتابه أو شعره الممرضات بأنهن ملائكة الرحمة، فما رأي سماحتكم في مثل هذا الوصف، وهل يجوز ذلك؟ أفتونا جزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا الوصف لا يجوز إطلاقه على الممرضات؛ لأن الملائكة ذكور وليسوا إناثاً، وقد أنكر الله سبحانه على المشركين وصفهم الملائكة بالأنوثية؛ ولأن ملائكة الرحمة لهم وصف خاص لا ينطبق على الممرضات؛ ولأن الممرضات فيهن الطيب والخبيث فلا يجوز إطلاق هذا الوصف عليهن، والله الموفق.

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الثامن

وقد قال بذكوريتهم أيضاً يحيى الحجوي ومنه تلقيت هذه المسألة غير أنني بالبحث وقفت على الأثر

الخطأ الثالث : التوقف في مسألة تفضيل صالحي بني آدم على الملائكة أو اعتبارها من الفضول أو اختيار قول المعتزلة في تفضيل الملائكة على صالحي بني آدم

أما اعتبارها من الفضول فقال به خالد المصلح وعدنان عرعور وغيرهم

وأما اختيار قول المعتزلة في المسألة فهو ما مال إليه فلاح مندكار وقد سمعته قديماً يقول به

وقول من يقول أن مسألة المفاضلة بين الملائكة والبشر مسألة كلامية غلط بين بل هي مسألة سلفية؛ قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى في هذه المسألة (4/ 357): «وكنت أحسب أن القول فيها محدث حتى رأيتها اثرية سلفية صحابية فانبعثت الهمة الى تحقيق القول فيها فقلنا حينئذ بما قاله السلف فروى ابو يعلى الموصلى فى كتاب التفسير المشهور له عن عبد الله بن سلام وكان عالما بالكتاب الأول والكتاب الثانى اذ كان كتابيا وقد شهد له النبى صلى الله عليه و سلم بحسن الخاتمة ووصية معاذ عند موته وانه أحد العلماء الأربعة الذين يبتغى العلم عندهم قال ما خلق الله خلقا اكرم عليه من محمد الحديث عنه.


قلت: ولا جبرائيل ولا ميكائيل قال يا ابن اخى أوتدرى ماجبرائيل وميكائيل انما جبرائيل وميكائيل خلق مسخر مثل الشمس والقمر وما خلق الله تعالى خلقا اكرم عليه من محمد.


وروى عبد الله فى التفسير وغيره عن معمر عن زيد بن اسلم انه قال قالت الملائكة ياربنا جعلت لبنى آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون فاجعل لنا الاخرة فقال وعزتى لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدى كمن قلت له كن فكان وكذلك قصة سجود الملائكة كلهم أجمعين لادم ولعن الممتنع عن السجود له وهذا تشريف وتكريم له».ا.هـ.


فهي مسألة سلفية أثرية كما ترى وليست كلامية


قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (4/344) :

" قد ثبت عن عبد الله بن عمرو انه قال ان الملائكة قالت يارب جعلت بنى آدم يأكلون فى الدنيا ويشربون ويتمتعون فاجعل لنا الآخرة كما جعلت لهم الدنيا قال لا افعل ثم أعادوا عليه فقال لا افعل ثم اعادوا عليه مرتين أو ثلاثا فقال وعزتى لا اجعل صالح ذرية من خلقت بيدى كمن قلت له كن فكان ذكره عثمان بن سعيد الدارمى ورواه عبد الله بن احمد فى كتاب السنه عن النبى صلى الله عليه و سلم مرسلا

وعن عبد الله بن سلام انه قال ما خلق الله خلقا اكرم عليه من محمد فقيل له ولا جبريل ولا ميكائيل فقال للسائل اتدرى ما جبريل وما ميكائيل انما جبريل وميكائيل خلق مسخر كالشمس والقمر وما خلق الله خلقا أكرم عليه من محمد وما علمت عن أحد من الصحابة ما يخالف ذلك وهذا هو المشهور عند المنتسبين الى السنة من أصحاب الائمة الاربعة وغيرهم وهو أن الأنبياء والأولياء أفضل من الملائكة

ولنا هذه المسألة مصنف مفرد ذكرنا فيه الأدلة من الجانبين "


قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (4/369 ) :"  وأقل ما فى هذه الآثار أن السلف الأولين كانوا يتناقلون بينهم أن صالحى البشر أفضل من الملائكة من غير نكير منهم لذلك ولم يخالف أحد "


وقال أيضاً :"  الدليل الثانى عشر قد كان السلف يحدثون الاحاديث المتضمنة فضل صالحى البشر على الملائكة وتروى على رؤوس الناس ولو كان هذا منكرا لانكروه فدل على اعتقادهم ذلك "


وقال الشيخ عبد الرحمن ابن قاسم في حاشية الدرة المضية ص122 :

" أي : وعندنا، معشر أهل السنة والجماعة : أنا نعتقد تفضيل أعيان البشر، من الأنبياء والأولياء، على ملائكة ربنا، كما اشتهر من نصوص أحمد وغيره من أهل السنة ؛ والملاك : جمع ملك .

 قال أحمد رضي الله عنه : وأي إنسان قال بلسانه، أو اعتقد بجنانه غير القول بتفضيل بني آدم على الملائكة، افترى أي: أتى بما يشعر بالافتراء ؛ وقد تعدى، أي : تجاوز الحد المنقول، والثابت عن الرسول، والسلف الفحول، في المقال الذي اعتمده؛ واجترأ، أي افتات على الشارع، بالاعتقاد الذي اعتقده .

وقد دل القرآن والسنة وإجماع السلف، على فضل أعيان البشر على الملائكة كفضل محمد صلى الله عليه وسلم المجمع عليه .

 وقال معاذ رضي الله عنه : ما خلق الله خلقًا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم ؛ قيل له : ولا جبرائيل، ولا ميكائيل ؛ قال : ولا جبرائيل ولا ميكائيل؛ وإذا ثبت فضل الواحد من النوع، ثبت فضل نوعهم على جميع الأنواع وكقصة سجود الملائكة أجمعين لآدم، ولعن الممتنع عن السجود له ؛ وهذا تشريف وتكريم له ظاهر.


 وكقول إبليس :  أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ وخلق آدم بيده .

قال زيد بن أسلم : قالت الملائكة : يا ربنا جعلت لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون، فاجعل لنا الآخرة ؛ فقال : ( وعزتي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي

كمن قلت له كن فكان )

 وروي مرفوعًا ؛ ومعاذ وزيد معاذ وزيد : في علمهما وفقههما ؛ وفي حديث أبي هريرة من طريق الخلال : .... أنتم أفضل من الملائكة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وأقل ما في هذه الآثار ونحوها، أن السلف الأولين كانوا يتناقلون بينهم : أن صالحي البشر أفضل من الملائكة، من غير نكير منهم لذلك، ولم يخالف أحد منهم في ذلك.

 وكقوله تعالى:  إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً. وكتفضيلهم بالعلم.

 وكقوله صلى الله عليه وسلم :  لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن . والمؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده- رواه الترمذي -


وكحديث المباهاة، وما أعد الله لهم من الكرامة، التي لم يطلع الله عليها ملكًا ولا غيره .

 وظهور فضيلة صالحي البشر، إذا وصلوا إلى غاياتهم، فدخلوا الجنة ونالوا الزلفى، وسكون الدرجات العلى، وحياهم الرب جل جلاله، وتجلى لهم، يستمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وقامت الملائكة بخدمتهم بإذن ربهم "انتهى


وقال ابن القيم في بدائع الفوائد (3/ 1104) :" ومنها أنه سئل - يعني شيخ الإسلام - عن صالحي بني آدم والملائكة ايهما أفضل فأجاب بأن صالحي البشر أفضل باعتبار كمال النهاية والملائكة أفضل باعتبار البداية فإن الملائكة الآن في الرفيق الأعلى منزهين عما يلابسه بنو آدم مستغرقون في عبادة الرب ولا ريب أن هذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر وأما يوم القيامة بعد دخول الجنة فيصير حال صالحي البشر اكمل من حال الملائكة وبهذا التفصيل يتبين سر التفضيل وتتفق أدلة الفريقين ويصالح كل منهم على حقه .

فعلى المتكلم في هذا الباب أن يعرف أسباب الفضل أولا ثم درجاتها ونسبة بعضها إلى بعض والموازنة بينها ثانيا

 ثم نسبتها إلى من قامت به ثالثا .

كثرة وقوة ثم اعتبار تفاوتها بتفاوت محلها رابعا قرب صفة هي كمال لشخص وليست كمالا لغيره بل كمال غيره بسواها فكمال خالد بن الوليد بشجاعته وحروبه وكمال ابن عباس بفقهه وعلمه وكمال أبي ذر بزهده وتجرده عن الدنيا فهذه أربع مقامات يضطر إليها المتكلم في درجات التفضيل وتفضيل الأنواع على الأنواع أسهل من تفضيل الأشخاص على الأشخاص وأبعد من الهوى والغرض

وههنا نكتة خفية لا ينتبه لها إلا من بصره الله وهي أن كثيرا ممن يتكلم في التفضيل يستشعر نسيته وتعلقه بمن يفضله ولو على بعد ثم يأخذ في تقريظه وتفضيله وتكون تلك النسبة والتعلق مهيجة له على التفضيل والمبالغة فيه واستقصاء محاسن المفضل والإعضاء عما سواها ويكون نظره في المفضل عليه بالعكس"


ولا يظهر تناقض بين ما نقله ابن القيم عن شيخ الإسلام ، وما نقله الشيخ ابن قاسم

 فكمال النهاية خيرٌ من كمال البداية


والمفضلون للملائكة يحتجون بحديث رواه مسلم


قال مسلم في صحيحه 6902- [2-2675] حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي ، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا ، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.


فقالوا : هذا نص في أن الملائكة خيرٌ من بني آدم فهم الملأ الأخير ولا وشك


والجواب : أن الملأ الذي فيه الله عز وجل لا شك أنه خير وهذا هو المرجح


والجدير بالذكر أن علي بن عبد الكافي السبكي قد حذر من تفسير الزمخشري لأنه يفضل الملائكة على الأنبياء فاعتبر السبكي الأشعري ذلك انتقاصاً وصنف كتاباً أسماه ( الانكفاف عن إقراء الكشاف )


وما علم أن هذه العقيدة التي أخذها على الزمخشري هي عقيدة الرازي الذي كان يمتدح تفسيره جهلاً ومعاندة لابن تيمية بقوله ( فيه كل شيء مع التفسير ) وكذا عقيدة إمامهم الثاني في الضلال الباقلاني 

الخطأ الرابع : إنكار قصة هاروت وماروت واعتبارها إسرائيلية

والقول بارتكاب هاروت وماروت الخطيئة بعد إنزالهما ووضع الشهوة فيهما

عقيدة الصحابة الكرام وعامة التابعين وأتباع التابعين


قال ابن أبي حاتم في تفسيره 1004 - حدثنا أبي ، ثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، ثنا عبيد الله يعني ابن عمر ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن المنهال بن عمرو ، ويونس بن خباب ، عن مجاهد ، قال : كنت نازلا على عبد الله بن عمر في سفر ، فلما كان ذات ليلة قال لغلامه : « انظر طلعت الحمراء لا مرحبا بها ولا أهلا ولا حياها الله ، هي صاحبة الملكين ، قالت الملائكة : رب كيف تدع عصاة بني آدم وهم يسفكون (1) الدم الحرام ، وينتهكون (2) محارمك ، ويفسدون في الأرض ؟ قال : إني قد ابتليتهم  فلعلي إن ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم به فعلتم كالذي يفعلون ، قالوا : لا ، قال : فاختاروا من خياركم اثنين ، فاختاروا هاروت وماروت ، فقال لهما : إني مهبطكما إلى الأرض وعاهد إليكما أن لا تشركا ولا تزنيا ، ولا تخونا ، فأهبطا إلى الأرض ، وألقى عليهما الشبق وأهبطت لهما الزهرة في أحسن صورة امرأة ، فتعرضت لهما ، فأراداها على نفسها ، فقالت : إني على دين لا يصلح لأحد أن يأتيني إلا من كان على مثله ، قالا : وما دينك ؟ قالت : المجوسية ، قالا : الشرك هذا شيء لا نقر به ، فمكث عنهما ما شاء الله ، ثم تعرضت لهما ، فأراداها عن نفسها ، فقالت : ما شئتما غير أن لي زوجا وأنا أكره أن يطلع على هذا مني فأفتضح فإن أقررتما لي بديني ، وشرطتما لي أن تصعدا بي إلى السماء فعلت ، فأقرا لها بدينها وأتياها فيما يريان ، ثم صعدا بها إلى السماء ، فلما انتهيا بها إلى السماء اختطفت منهما ، وقطعت أجنحتها فوقعا خائفين نادمين يبكيان ، وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين ، فإذا كان يوم الجمعة أجيب ، فقالا : لو أتينا فلانا فسألناه يطلب لنا التوبة ، فأتياه فقال : رحمكما الله كيف يطلب أهل الأرض لأهل السماء ؟ قالا : إنا ابتلينا ، قال : ائتياني في يوم الجمعة ، فأتياه فقال : ما أجبت فيكما بشيء ائتياني في الجمعة الثانية ، فأتياه فقال : اختارا فقد خيرتما إن أحببتما معاقبة الدنيا وعذاب الآخرة ، وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما يوم القيامة على حكم الله ، فقال أحدهما : الدنيا لم يمض منها إلا قليل ، وقال الآخر : ويحك  إني قد أطعتك في الأمر الأول فأطعني الآن ، إن عذابا يفنى ليس كعذاب يبقى ، وإننا يوم القيامة على حكم الله ، فأخاف أن يعذبنا ، قال : لا ، إني لأرجو إن علم الله أنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة أن لا يجمعهما علينا ، قال : فاختاروا عذاب الدنيا ، فجعلا في بكرات من حديد في قليب مملوءة من نار عاليهما سافلهما »


وهذا إسناد قوي إلى ابن عمر


قال ابن حجر في المطالب العالية 3615 - قال إسحاق : أنا جرير ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عمير بن سعيد قال : سمعت عليا ، يخبر القوم أن هذه الزهرة ، تسميها العرب الزهرة وتسميها العجم أناهيد ، فكان الملكان يحكمان بين الناس ، فأتتهما كل واحد منهما من غير علم صاحبه

 فقال أحدهما لصاحبه : يا أخي إن في نفسي بعض الأمر أريد أن أذكره لك ؟

 قال : اذكره يا أخي ، لعل الذي في نفسي مثل الذي في نفسك ، فاتفقا على أمر في ذلك

 فقالت لهما : لا حتى تخبراني بما تصعدان به إلى السماء ، وبما تهبطان به إلى الأرض قالا : باسم الله الأعظم نهبط ، وبه نصعد

 فقالت : ما أنا بمؤاتيتكما الذي تريدان حتى تعلمانيه . فقال أحدهما لصاحبه : علمها إياه .

فقال : كيف لنا بشدة عذاب الله ؟

فقال الآخر : إنا نرجو سعة رحمة الله . فعلمها إياه ، فتكلمت به فطارت إلى السماء ، ففزع ملك لصعودها ، فطأطأ رأسه ، فلم يجلس بعد

 ومسخها الله فكانت كوكبا في السماء.

 وهذا إسناد صحيح ، ولا شك أن له حكم الرفع فعلي لا يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل (على قول من يرد آثار الصحابة بهذه الدعوى)، ثم إنه في سبب نزول آية، وقول الصحابي في التفسير وفي سبب النزول له حكم الرفع.


وقال ابن أبي حاتم في تفسيره 1005 - حدثنا أبي ، ثنا مسلم ، ثنا القاسم بن الفضل الحداني ، ثنا يزيد يعني الفارسي ، عن ابن عباس قال : « إن أهل السماء الدنيا أشرفوا  على أهل الأرض فرأوهم يعملون بالمعاصي ، فقالوا : يا رب ، أهل الأرض يعملون بالمعاصي ، فقال الله تعالى : » أنتم معي ، وهم غيب عني « ، فقيل لهم : » اختاروا منكم ثلاثة « ، فاختاروا منهم ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض على أن يحكموا بين أهل الأرض ، وجعل فيهم شهوة الآدميين ، فأمروا أن لا يشربوا خمرا ، ولا يقتلوا النفس ولا يزنوا ولا يسجدوا لوثن ، فاستقال منهم واحد فأقيل ، فأهبط اثنان إلى الأرض فأتتهما امرأة من أحسن الناس يقال لها مناهيد ، فهوياها  جميعا ، ثم أتيا منزلها فاجتمعا عندها فأراداها ، فقالت : لا حتى تشربا خمري ، وتقتلا ابن جاري وتسجدا لوثني ، فقالا : لا نسجد ، ثم شربا الخمر ، ثم قتلا ، ثم سجدا ، فأشرف أهل السماء عليهما ، وقالت لهما : أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما ، فأخبراها فطارت فمسخت جمرة وهي هذه الزهرة ، وأما هما فأرسل إليهما سليمان بن داود فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختاروا عذاب الدنيا ، فهما مناطان بين السماء والأرض »


وهذا إسناد قوي إلى ابن عباس


فهؤلاء الصحابة الثلاثة ينسبان الملكين إلى ارتكاب المعصية وذلك أن الله أودع فيهما الشهوة ونزع منهما عصمة الملائكة ، وابن عمر وابن عباس يقولان بأنهما يعذبان

وقال ابن حجر في كتابه العجاب في بيان الأسباب (1/322) رداً على من طعن في هذه القصة: "تنبيه طعن في هذه القصة من أصلها بعض أهل العلم ممن تقدم و كثير من المتأخرين وليس العجب من المتكلم والفقيه إنما العجب ممن ينتسب إلى الحديث كيف يطلق على خبر ورد بهذه الأسانيد القوية مع كثرة طرقها أو تباين أسانيدها أنه باطل أو نحو ذلك من العبارة مع دعواهم تقوية أحاديث غريبة أو واردة من أوجه لكنها واهية واحتجاجهم بها و العمل بمقتضاها".


وقال بعدها في صفحات :" وممن صرح بنفي ورود حديث مرفوع في هذه القصة القاضي عياض في الشفاء فقال ما نصه بعد أن حكى الخلاف في عصمة الأنبياء هل هي عامة في الجميع أو في المرسلين فقط و فيمن عداهم خلاف قال فما احتج به من لم يوجب عصمة جميعهم قصة هاروت وماروت وما ذكر فيها أهل الأخبار و نقلة التفسير وما يروى عن علي و ابن عباس في خبرهما 68 و ابتلائهما فاعلم أن هذه الأخبار لم يرو منها شيء لا سقيم و لا صحيح عن رسول الله وليس هو شيئا يؤخذ بقياس

 والذي منه في القرآن اختلف المفسرون في معناه وقد أنكر ما قال بعضهم فيه كثير من السلف وهذه الأخبار من كذب اليهود وافترائهم قلت وهذا من غريب ما وقع لهذا الإمام المشتهر بالحديث المعدود في حفاظه المصنف في شرحه كيف يجزم بما نفاه من ورود خبر مرفوع في هذه القصة وكيف يجزم بأن الذي ورد من ذلك إنما هو من افتراء اليهود مع أن عليا وابن عباس وابن عمر و غيرهم ثبت عنهم الإنكار على من سأل اليهود عن شيء من الأمور وكثرة الأخبار الواردة في هذه القصة".


وقد أحسن الدفاع عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وعن تفسيرهم أمام دعاوى المتأخرين غير المسؤولة الناشئة عن قولهم منهجنا أعلم وأحكم.

وقد تكلم ابن حزم على هذه القصة بكلام هو ضلال عريض ونقله ابن عقيل الظاهري فادعى أنه يلزم من هذه القصة أنه كلما زنت امرأة مسخت حجراً

وهذا اللازم والاعتراض الإلحادي من هذا الجهمي الحمق لا يجري على أصوله في نفي الحكمة والتعليل فافتراض أحكام مطردة فرع عن الحكمة والتعليل وهو ينفيها

وجوابنا أن المعاصي عقوباتها تتعلق بما يقوم في الباطن لا في الظاهر فقط والعقوبة الدنيوية رحمة أصلاً لأنها ترفع العقوبة الأخروية في حق أهل الإيمان ، وابتداء الذنب على غير مثال سابق ليس كمثل السير فيه على سنن من تقدم ، ثم إن أحكام الله بين الفضل والعدل فلو أمر سبحانه بالعدل في شخص وعجل له العقوبة أو عاقبه بما يستحق ثم تفضل على غيره فلم يفضل لكان ذلك من كماله إذ أن الفضل لا ينافي العدل وأفعاله سبحانه تقع لحكم دقيقة لا يعقل البشر كثيراً من تفاصيلها وأنى لهم ذلك وعلمهم محدود

وقد قال عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد :"  وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير، ومن الطبقة الثانية: قتادة والسدي وجماعة من الخلف; ومن المفسرين والمتأخرين جماعات لا يحصون كثرة.
قال العماد ابن كثير: وكأن أصله - والله أعلم - مأخوذ من أهل الكتاب.
قلت: وهذا بعيد جدا"

واستبعاد عبد الرحمن بن حسن لقول ابن كثير في هذه القصة يقال من باب أولى في قصة هاروت وماروت التي لا خلاف فيها وصحت من قول علي ولا يأخذ عن بني إسرائيل باتفاق

الخطأ الخامس : قول بعضهم ( الملائكة لها خلق عظيم )

فقد رأيت بعض المصنفين في أركان الإيمان يصف الملائكة بأن لها خلقاً عظيماً ، ويستدل لذلك بما ورد من صفة جبريل وعظم خلقه وأن له ستمائة جناح كل جناح منها سد الأفق


والحق أن هذا الاستدلال على هذا المطلوب محل نظر من وجهين


الأول : أن ثبوت في حق جبريل _ عليه السلام _ أو في حق بعض حملة العرش لا يعني ثبوته في حق بقية الملائكة بل وثبوته في حق الملائكة لا يعني ثبوته في كل الملائكة وهذا باب لا يدخله القياس إذ أنه غيب محض ، وقد دل النص على تفاوت الملائكة في الخلقة


قال الله تعالى : ( جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )


الوجه الثاني : أنه قد ورد عن بعض السلف ما يدل على أن من الملائكة من ليس عظيم الخلقة


قال ابن مندة في الرد على الجهمية 83 - أخبرنا محمد بن الحسين القطان ، ثنا أبو الأزهر النيسابوري ، ثنا صدقة بن سابق ، قال : قرأت على محمد بن إسحاق ، حدثني هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو قال : سمعته يقول : خلق الله الملائكة ، ثم قال : ليكن منكم ألف ألفين ، فيكونون ، فإن في الملائكة لخلقا هم أصغر من الذباب ، وقال غيره وزاد فيه وخلقهم من نور الذراعين والصدر


وهذا الأثر استيعاب متنه يدل على أن ابن إسحاق قد حفظ ، ولو لم نثبته فإنه يدل على جواز وقوع ذلك الأمر عند السلف إذ أنهم رووا الخبر ولم يستنكروه

وقد تقدم معنا بحث أثر الذراعين والصدر وهي مسألة مشتركة بين مسائل الصفات ومسائل الملائكة

الخطأ السادس : إنكار وقوع التزاوج بين الجن والإنس أو إنكار حصول التوالد وقد أنكر حصول التزاوج كل من مشهور حسن وتركي البنعلي ومحمد الريمي الملقب بالإمام وبشار عواد معروف وهذه نفثة اعتزالية

والحكم الشرعي في ذلك أنه محرم على الصحيح ، ولكن هل هو جائز الوقوع ( حساً ) ؟
هذا هو البحث هنا

قال ابن أبي حاتم في تفسيره [ 16430 ]:

 حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ حَمْزَةَ، ثنا شَبَابَةُ، ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قوله: صرح بِرْكُةُ مَاءٍ ضَرَبَ عَلَيْهَا سُلَيْمَانُ قَوَارِيرَ أَلْبَسَهَا وَكَانَتْ بِلْقَيْسُ هَلْبَاءَ شَعْرَاءُ قَدَمَاهَا حَافِرٌ كَحَافِرِ الْحِمَارِ، وَكَانَتْ أُمُّهَا جِنِّيَّةً.

وهذا صحيح إلى مجاهد وظاهره أنه يرى جواز وقوع التزواج والتوالد بين الجن والإنس ( حساً )

وقال ابن أبي حاتم في تفسيره [16431 ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثنا يَزِيدُ، ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: يل لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً

مَاءً وَكَانَ الصَّرْحُ بِنَاءً مِنْ قَوَارِيرَ بُنِيَ عَلَى الْمَاءِ فَلَمَّا رَأَتِ اخْتِلافَ السَّمَكِ وَرَاءَهُ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهَا أَنَّهُ لُجَّةُ مَاءٍ، كَشَفَتْ، عَنْ سَاقَيْهَا، وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ أَحَدَ أَبَوَيْهَا كَانَ جَنِيًّا وَكَانَ مُؤَخَّرُ رِجْلِهَا كَحَافِرِ الدَّابَّةِ وَكَانَتْ إِذَا وَضَعَتْهُ عَلَى الصَّرْحِ هَشَّمَتْهُ.

وهذا كسابقه ، وقد روي عن الحسن أنه كان ينكر التوالد ولم ينكر التناكح ولم أقف عليه

وقال محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (2/ 413) :" اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ الْمُنَاكَحَةِ بَيْنَ بَنِي آدَمَ وَالْجِنِّ. فَمَنَعَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَبَاحَهَا بَعْضُهُمْ.

قَالَ الْمَنَاوِيُّ (فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) : فَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ: لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَإِنْسَانِ الْمَاءِ ; لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. وَفِي فَتَاوَى الْبَارِزِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَجُوزُ التَّنَاكُحُ بَيْنَهُمَا. وَرَجَّحَ ابْنُ الْعِمَادِ جَوَازَهُ. اه.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مُسْتَنْكَرٌ لِلْعُقُولِ ; لِتَبَايُنِ الْجِنْسَيْنِ، وَاخْتِلَافِ الطَّبْعَيْنِ ; إِذِ الْآدَمِيُّ جُسْمَانِيٌّ، وَالْجِنِّيُّ رُوحَانِيٌّ. وَهَذَا مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ، وَذَلِكَ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَالِامْتِزَاجُ مَعَ هَذَا التَّبَايُنِ مَدْفُوعٌ، وَالتَّنَاسُلُ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ مَمْنُوعٌ. اه.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ: نِكَاحُهُمْ جَائِزٌ عَقْلًا ; فَإِنْ صَحَّ نَقْلًا فَبِهَا وَنِعْمَتْ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: لَا أَعْلَمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصًّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مُنَاكَحَةِ الْإِنْسِ الْجِنَّ، بَلِ الَّذِي يُسْتَرْوَحُ مِنْ ظَوَاهِرِ الْآيَاتِ عَدَمُ جَوَازِهِ. فَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا الْآيَةَ ، مُمْتَنًّا عَلَى بَنِي آدَمَ بِأَنَّ أَزْوَاجَهُمْ مِنْ نَوْعِهِمْ وَجِنْسِهِمْ، يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَا جَعَلَ لَهُمْ أَزْوَاجًا تُبَايِنُهُمْ كَمُبَايَنَةِ الْإِنْسِ لِلْجِنِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ"


أقول : الذي عليه مجاهد وقتادة جواز وقوع ذلك عقلاً وحساً ، ولا أعلم لهما مخالفاً من التابعين ولزوم هدي الأوائل هو المتعين ، ويبقى بحث جواز ذلك شرعاً فيستدل بالأدلة التي ذكرها الشيخ على التحريم

وقد ادعى الآلوسي في روح المعاني استحالة ذلك

ونقل كلامه وقال به حاطب الليل مشهور حسن سلمان في كتابه الذي جمعه في كلام شيخ الإسلام عن الجان

وقد وصف الآلوسي آثار السلف في المسألة بالخرافات وأقره مشهور

والخرافة هي وحدة الوجود التي كان يؤمن بها هذا ( الآلوسي )

وليحذر المرء من مخالفة سبيل السلف والتأثر بالمتكلمين ومن تأثر بهم ، ولم يزعم أحد من السلف في القرون الفاضلة فيما أعلم استحالة ذلك ومجاهد وقتادة نصا على ذلك وهما من أعيان التابعين وعمدة في التفسير

وقال الترمذي في جامعه [  2952 ]:

 حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَزْمٍ، أَخُو حَزْمٍ القُطَعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ.

هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ فِي سُهَيْلِ بْنِ أَبِي حَزْمٍ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي هَذَا فِي أَنْ يُفَسَّرَ القُرْآنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهُمْ فَسَّرُوا القُرْآنَ، فَلَيْسَ الظَّنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي القُرْآنِ أَوْ فَسَّرُوهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا، أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ

وهذا باب خبري محض لا علاقة له بالرأي أصلاً

وقد قال ابن تيمية كما مجموع الفتاوى (19/39) :" وقد يتناكح الإنس والجن ويولد بينهما ولد وهذا كثير معروف"

وابن تيمية ثقة إذا قال هذا كثير معروف فهو في عصره كثير معروف

وأقف هنا وتأمل كثرة مخالفة المعاصرين لابن تيمية الذي يتسمحون به كثيراً ولمشاهير تقريراته وكذا مخالفتهم لأئمة الدعوة في كثير من المسائل فضلاً عن السلف
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي