مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تقويم المعاصرين ( الحلقة الأولى )

تقويم المعاصرين ( الحلقة الأولى )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فهذا مقال يبين ما ننتهجه في العقيدة والفقه والتفسير والحديث والجرح والتعديل مما نخالف فيه جماعة المعاصرين أو أغلبهم أو عدداً من مشاهيرهم

وليعلم القاريء أن كاتب هذه السطور له معرفة بكلام المعاصرين بالجملة وسيظهر لك من خلال المقال والأمثلة أنني لا أتجنى ، والواجب على المرء التزام العلم والعدل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً سواءً رآه الناس غلواً أم جفاءً فاليوم الناس في كثير من هذه الأبواب يحاكمون غيرهم إلى طباعهم فمن كان فيه ميل للشدة أراد للناس أن يكونوا كذلك على كل حال ، ومن كان فيه ميل للين أراد أن يكون الناس كذلك على كل حال ، ولو التزم الناس ذلك لكان فساداً عريضاً

وكل امريء مع معظمه يريد التزام أدب معين يأباه لغير هذا المعظم وربما رآه في غير معظمه ضعفاً وخوراً وتمييعاً

والناصح المنصف يخاطب كلاً بحسبه بقصد هدايته وإيضاح ما أشكل عليه ، ولا يلبس غضبه الشخصي لبوس نصرة السنة ، ويراعي نظرة الناس إلى بعض المعظمين ممن هم ليسوا بغائصين في البدعة كغوص أهل الأهواء الأقحاح الذين لا يخفى أمرهم على أحد

قال تعالى : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن  إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)

ففرق بين كافر وكافر في لغة الخطاب

وقال تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)

وقال تعالى : (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)

وما كان هذا إلا لأن قصد الهداية مقدم على غيره ، ولما كان السيف في حال القوة أنجع في جلب الناس للهداية قدم

وأيضاً قد علم أهل الإسلام أن سهماً من أسهم الزكاة هو للمؤلفة قلوبهم ، وسواءً نسخ الحكم أم لم ينسخ فإنه يدل على أنه يجوز تأليف قلب المرء بالمال وبذل الإحسان إليه فإذا غلب على الظن أن تأليفه يكون بالكلمة الطيبة فلا بأس من بذلها في محلها

فالشدة في محلها واللين في محله

والآن نأتي إلى المقصود

قال مسلم في صحيحه 95 - (55) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قُلْتُ لِسُهَيْلٍ: إِنَّ عَمْرًا حَدَّثَنَا عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِيكَ، قَالَ: وَرَجَوْتُ أَنْ يُسْقِطَ عَنِّي رَجُلًا، قَالَ: فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنَ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ أَبِي كَانَ صَدِيقًا لَهُ بِالشَّامِ، ثُمَّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»

سيكون الكلام في البداية على مسائل العقيدة وسأقسم الأخطاء التي وقفت عليها عن المعاصرين على أبواب

الباب الأول : الأخطاء في باب أسماء الله الحسنى

قد ظهر في عصرنا اجتهاد في جمع أسماء الله الحسنى من الآيات والأخبار الصحيحة فجمع أسماء الله الحسنى جماعة من أشهرهم  محمد بن صالح بن عثيمين وعمر سليمان الأشقر وحصة بنت عبد الله الصغير وسلمان العودة ومحمد الحمود النجدي ومحمود الرضواني وعبد الرزاق البدر ووالده عبد المحسن البدر وزيد المدخلي وغيرهم

وقد اطلعت على أبحاثهم جميعاً وكلها فيها اجتهاد ظاهر غير أن فيها مغايرةً لطريقة السلف من عدة أبواب أخطأوا فيها

الخطأ الأول : إعراضهم عن الأسماء الثابتة بالاشتقاق وأكثرهم يصرح بدفع هذا المذهب

ولو نظرنا إلى جمع السلف كسفيان بن عيينة والجمع المنسوب لجعفر الصادق وجمع أحمد ابن حنبل وغيرهم لوجدناهم جميعاً يقولون بالاشتقاق

بل إن ابن العربي المالكي ادعى أن الاشتقاق مذهب الصحابة لأن ابن الزبير يقول ( إن الله هو الهادي وهو الفاتن )

فقال كلاماً معناه إذا كان الصحابة يشتقون فما لنا لا نشتق ؟

والعجيب أن الاشتقاق هو مذهب ابن تيمية وابن القيم وهذا ظاهر جداً من تصرفاتهم

والاعتراض على الاشتقاق على المعاصرين يأتي من عدة أوجه

الأول : الخلط بين الاشتقاق وبين قول المعتزلة في إثبات الأسماء بالعقل ، وهذه شبهة الرضواني

والجواب على هذا أن الاشتقاق إنما يكون من النصوص لا من العقل

الثاني : استشكالهم إثبات بعض الأسماء التي لم يثبتها أحد إن قلنا بطرد أصل الاشتقاق

ويجاب على هذا بأن الاشتقاق شرطه أن يكون الاسم كمالاً من كل وجه على سمت الأسماء الأخرى الثابتة

ولهذا نجد ابن تيمية _ رحمه الله _  اعترض على اسم ( المنتقم ) ولم يعترض على ( المنعم ) و ( الصبور )

الثالث : اعتراضهم على المشتقين بأنهم يتركون أسماءً ثابتة ك( المقتدر ) ويضفيون في العد أسماء اشتقوها

فيقال : الجمع جهد بشري قد يعتريه النقص من جهة الاستقصاء غير أن الإشكال في جعلكم ما توارد السلف عليه ولم ينكروه من الاشتقاق منكراً وباطلاً ومشابهاً لمذهب المعتزلة وهذا أمر مستحيل لأن بدعة في أسماء الله عز وجل لو كانت ظهرت لما سكت عنها الأئمة ولوجد من ينكرها

الرابع : جعلهم الاشتقاق من باب إدخال ما ليس من أسماء الله فيها

والجواب : أن الاشتقاق أصلاً يؤخذ من نصوص الوحيين والإدخال المذموم هو كتسمية المعتزلة رب العالمين ( عاقلاً ) وتسمية الفلاسفة رب العالمين ( العلة الأولى )

فإن قيل : ما السبب في توارد هؤلاء على هذا القول وهل نجا أحد من المعاصرين من هذا الخطأ ؟

فيقال : السبب والله أعلم النظر في كتب بعض أهل الأهواء والتقليد ، وقد رأيت بحثاً لعلي الخضير جيد في هذه المسألة في بحثه شروحه

الخطأ الثاني : عدم اعتبارهم للأسماء الثابتة في آثار الصحابة

وقد أصل محمد الحمود النجدي لهذه المسألة تأصيلاً غريباً فادعى أن كل ما ورد في آثار الصحابة فهو من باب الإخبار !

ويدرأ قوله بعدة أمور

الأول : أنه هو نفسه يثبت صفات بآثار عن الصحابة ويعتبرها من باب الموقوف الذي له حكم الرفع كأثر ( الكرسي موضع القدمين ) فلم لا تكون هذه الأسماء من هذا الباب

الثاني : أن هذه قاعدة محدثة وحتى أهل البدع وجدناهم يثبتون أسماء بآثار الصحابة فالقرطبي وابن العربي أثبتا اسم الفاتن بأثر ابن الزبير ( إن الله هو الهادي وهو الفاتن )

وأثبت ابن مندة ( وهو سني ) اسم القيام بأثر عن عمر في القراءة

الثالث : أن بعض آثار الصحابة فيها دعاء لله بهذه الأسماء والدعاء لا يكون إلا بالأسماء الحسنى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )


قال ابن أبي شيبة في المصنف 15807- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنِ الأَعْمَشِ , عَنْ شَقِيقٍ ، قَالَ : كَانَ عَبْدُ اللهِ إذَا سَعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي ، قَالَ : رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ إنَّك أَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ.

قال ابن أبي شيبة في المصنف
34816 - وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي مُوسَى، قَالَ: فَجِئْنَا اللَّيْلَ إِلَى بُسْتَانٍ خَرِبٍ، قَالَ: فَقَامَ أَبُو مُوسَى مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي، فَقَرَأَ قِرَاءَةً حَسَنَةً، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ مُؤْمِنٌ تُحِبُّ الْمُؤْمِنَ، مُهَيْمِنٌ تُحِبُّ الْمُهَيْمِنَ، سَلَامٌ تُحِبُّ السَّلَامَ، صَادِقٌ تُحِبُّ الصَّادِقَ»

فهنا اسم الصادق واسم الأعز فإذا دعا بهما ابن مسعود وأبو موسى فيجوز لنا أن ندعو بهما وإذا جاز أن ندعو بهما فمن العبث القول بأنهما ليسا اسمين ثاتبين

الرابع : أن بعض الأسماء التي يدعى أنها قيلت من باب الإخبار قرنها الصحابة بالأسماء الثابتة

قال الثوري في تفسيره عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عن ابن عباس في قوله إلا قَالَ كَافٌ كَبِيرٌ هَادٍ أَمِينٌ عزيز صادق

عَنْ مُوسَى بنِ أَبِي عَائِشَةَ عن بن عَبَّاسٍ مِثْلِهِ إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ مكان كبير هاد كاف هاد.

والسند الأول فيه إسماعيل بن راشد مجهول الحال ، والثاني منقطع وموسى من تلاميذ سعيد
وكلاهما يقوي الآخر وقد اختار هذا القول في تفسير هذه الآية مقاتل بن سليمان

ومأخذ هذا الخطأ الرجوع لبعض أبحاث الظاهرية ممن لا يعتدون بآثار الصحابة مع أنني وجدت ابن حزم يعتد بآثار الصحابة في الغيبيات

فقد قال في الفصل :" فصح أَن الملاذ من هَذِه الْأَشْيَاء والمتناولات تصل إِلَى النُّفُوس هُنَالك على حسب اخْتِلَاف وجود النَّفس لَهَا وتغاير أَنْوَاع التذاذها بهَا وأوقعت عَلَيْهَا الْأَسْمَاء لإفهامها الْمَعْنى المُرَاد وَقد روينَا عَن ابْن عَبَّاس مَا حدّثنَاهُ يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود حَدثنَا قَاسم بن أصْبع حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْعَبْسِي حَدثنَا وَكِيع بن الْجراح أَنبأَنَا الْأَعْمَش عَن أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَيْسَ فِي الْجنَّة مِمَّا فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْأَسْمَاء وَهَذَا سَنَد فِي غَايَة الصِّحَّة وَهُوَ أول حَدِيث فِي قِطْعَة وَكِيع الْمَشْهُورَة"

الخطأ الثالث : دعواهم في عدد من الأسماء أنها لا تثبت إلا مقيدة

هناك عدد من الأسماء وردت في النصوص مقيدة كقوله تعالى : ( بديع السماوات والأرض ) وقوله تعالى ( الله نور السماوات والأرض ) فتجد عامة الباحثين المعاصرين يقولون بأن هذه الأسماء لا تثبت إلا مقيدة

وعامة الجموع القديمة التي رأيتها سواءً جموع أهل السنة أو جموع الأشاعرة تثبتها أسماء دون هذا القيد ، إذا كانت مضافة للسماوات الأرض

فاسم البديع أثبته ابن مندة في التوحيد والبيهقي في الأسماء والصفات

واسم الفاطر أثبته ابن مندة

وأثبت اسم النور ونقل ابن القيم الإجماع على أنه من أسماء الله الحسنى بل قال بأن الجهمية الأولى لم تكن تنكره ، وقد صرح بإنكار هذا الاسم من المعاصرين الألباني

وقد وجد في أسماء بعض السلف ( عبد النور )

الخطأ الرابع : قولهم في اسم الله الأعظم بقول شاذ غريب

وهو قول بعضهم وهو عبد العزيز ابن باز أن كل أسماء الله عظمى وقال السعدي بأن اسم الله الأعظم ينزل على عدة أسماء

وهذا يخالف ما عليه السلف قاطبة فقد اتفقوا على أنه اسم واحد ثم اختلفوا فيه على أقوال

1_ الحي القيوم

وهو قول القاسم بن عبد الرحمن واختاره ابن القيم

2_ الله

وهو جابر بن زيد

3_ رب رب

وهو منسوب لأبي الدرداء وابن عباس

4_ ذو الجلال والإكرام

وهذا قول مجاهد بن جبر

ولا فائدة من التخصيص إذا كان أسماء الله كلها عظمى وقد أشار ابن تيمية إلى أن هذا القول يجري على أصل الأشعري في عدم تفاضل آيات الله فقال به في عدم تفاضل أسمائه سبحانه وتعالى أيضاً

والحق يقال أن عدداً من المعاصرين قد ناقشوا هذا القول ودفعوه جزاهم الله خيراً

الباب الثاني : أخطاء المعاصرين في باب الصفات

الخطأ الأول : إنكار صفة الذراعين والصدر

قد بوب غلام الخلال في عقيدته باب في الذراعين والحقو والصدر


قال عبد الله بن أحمد في السنة 987 - حدثني أبي ، نا أبو أسامة ، نا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : «خلق الله عز وجل الملائكة من نور الذراعين والصدر».

ورواه من طريق عبد الله ابن مندة في الرد على الجهمية (84)

روى عبد الله بن أحمد في السنة 1085 - حدثني سريج بن يونس ، نا سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : « ليس شيء أكثر من الملائكة ، إن الله عز وجل خلق الملائكة من نور

وهذا الأثر يدفعونه بحجة أنه إسرائيلية 

 والجواب على هذا من وجوه:

أولها : هذا الخبر أورده عبد الله بن أحمد في كتاب السنة وابن مندة في الرد على الجهمية وبوب عليه غلام الخلال وذكره ابن المحب في الصفات وبوب عليه وما أعلم أحداً من أهل العلم أنكره قبل البيهقي الأشعري فهو متلقى بالقبول


ثانيها : قد أوردت أنت نفسك عن وكيع ما روى الدارمي في رده على المريسي (2/728) : كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ أَنَّ وَكِيعًا سُئل عَنْ حَدِيثِ عبد الله ابْن عَمْرٍو: "الْجَنَّةُ مَطْوِيَّةٌ مُعَلَّقَةٌ بِقُرُونِ الشَّمْس" فَقَالَ وَكِيع: هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، قَدْ رُوِيَ فَهُوَ يُرْوَى، فَإِنْ سَأَلُوا عَنْ تَفْسِيرِهِ لَمْ نُفَسِّرْ لَهُمْ، وَنَتَّهِمُ مَنْ يُنكره وينازع فِيهِ، والْجَهْمِيَّةُ تُنْكِرُهُ.


فهذا وكيع سلم لأثر موقوف روي عن عبد الله بن عمرو بل واتهم من ينكره ، ولم يقل إسرائيلية مما يدل على أن هذا ليس مسلكاً سلفياً.


ثالثها : أننا لو زعمنا أن الصحابة كانوا يحدثون عن بني إسرائيل جازمين بما نقلوا عنهم ولم يعلموا صدق ذلك ، لكنا قد اتهمناهم بتضليل الأمة، نبه على هذا المعنى القاضي أبو يعلى

حيث قال في إبطال التأويلات (1/221) : "قيل: عبد الله بن عمرو لم يرفعه إلى النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو موقوف عليه فلا يلزم الأخذ به

قيل: إثبات الصفات لا يؤخذ إلا توقيفا لأن لا مجال للعقل والقياس فيها، فإذا روي عن بعض الصحابة فيه قول علم أنهم قالوه توقيفا

 فإن قيل: فقد قيل إن عبد الله بن عمرو وسقين يوم اليرموك، وكان فيها من كتب الأوائل مثل دانيال وغيره، فكانوا يقولون له إذا حدثهم: حَدَّثَنَا ما سمعت من رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تحدثنا من وسقيك يوم اليرموك، فيحتمل أن يكون هَذَا القول من جملة تِلْكَ الكتب فلا يجب قبوله

 وكذلك كان وهب بن منبه يَقُول: إنما ضل من ضل بالتأويل، ويرون فِي كتب دانيال أنه لما علا إلى السماء السابعة فانتهوا إلى العرش رأى شخصا ذا وفرة فتأول أهل التشبيه عَلَى أن ذَلِكَ ربهم وإنما ذَلِكَ إبراهيم

قيل: هَذَا غلط لوجوه: أحدهما أنه لا يجوز أن يظن به ذَلِكَ لأن فيه إلباس فِي شرعنا، وهو أنه يروي لهم ما يظنوه شرعا لنا، ويكون شرعا لغيرنا، ويجب أن ننزه الصحابة".


رابعاً : قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (3/268) : "وهذا الأثر وإن كان في رواية كعب فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لا دافعها لا يصدقها ولا يكذبها فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده هم من أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله ((من ثقل الجبار فوقهن))، فلو كان هذا القول منكرًا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا به على هذا الوجه" . ا.هـ


ومثل هذا يقال في أثر عبد الله بن عمرو الذي رواه من الأئمة الإمام أحمد وابنه عبد الله وعروة وابنه هشام وقبل هؤلاء الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو.


وقال العلامة ابن القيم –كما في مختصر الصواعق- ص436 : وَرَوَى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ: " أَنَا اللَّهُ فَوْقَ عِبَادِي، وَعَرْشِي فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِي، وَأَنَا عَلَى عَرْشِي أُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِي، وَلَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ» " وَرَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو الشَّيْخِ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. ووَهَبْ أَنَّ الْمُعَطِّلَ يُكَذِّبُ كَعْبًا وَيَرْمِيهِ بِالتَّجْسِيمِ، فَكَيْفَ حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامُ مُثْبِتِينَ لَهُ غَيْرَ مُنْكِرِينَ ؟ وهذا يقال في الأثر الذي معنا من باب أولى.


خامساً : جزم الصحابي بما يقول يؤكد أنه ليس إسرائيلية ، لأن الاسرائيليات لا تصدق ولا تكذب ، فكيف يجزم بما لا يصدق ولا يكذب، وقد نبه على هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية.



كما في مجموع الفتاوى (13/ 345): " وَمَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ لِأَنَّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى ؛ وَلِأَنَّ نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مِنْ نَقْلِ التَّابِعِينَ وَمَعَ جَزْمِ الصَّاحِبِ فِيمَا يَقُولُهُ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ؟".

وقد أحسن محمد بازمول حين قال في شرحه على مقدمة التفسير ص65:" قال شيخ الإسلام : وَمَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى، وَلِأَنَّ نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مِنْ نَقْلِ التَّابِعِينَ، وَمَعَ جَزْمِ الصَّاحِبِ فِيمَا يَقُولُهُ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ؟".


ثم علق في الحاشية بقوله :" لدى بعض الناس جرأة غريبة، إذا ما جاء نص عن الصحابي، في قضية مما لا يجدها في القرآن العظيم والسنة النبوية، فإنه يهجم على القول بأنها مما تلقاه ذلك الصحابي عن بني إسرائيل!

والحقيقة أن الأمر يحتاج إلى وقفة متأنية؛ فأقول: لا شك أن الصحابي الذي جاء في كلامه ما هو من قبيل كشف المبهم، لن يورد شيئاً عن أهل الكتاب يخالف ما في شرعنا، نجزم بذلك.
 إذا ما أورده الصحابي - على فرض أنه مما تلقاه عن أهل الكتاب - إمّا أن يكون مما يوافق شرعنا، وإما أن يكون مما لا يوافق و لا يخالف، ويدخل تحت عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حدثوا عن بني إسرائيل ولاحرج" [أحمد وأبو داود]، "وإذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم و لا تكذبوهم" [أحمد وأبو داود].


فالجرأة على رد ما جاء عن الصحابي بدعوى أنه من أخبار أهل الكتاب، لا يناسب علمهم وفضلهم رضي الله عنه
 ويوضح هذا: أن الصحابي إذا جزم بشيء من هذه الأمور في تفسير آية فإنه يغلب على الظن أنه مما تلقاه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو مما قام على ثبوته الدليل، وإلا كيف يجزم به في تفسير الآية، وهو يعلم أن غاية هذا الخبر أنه مما لا نصدقه أو نكذبه؟!

من ذلك ما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: (فُصِل القرآن الكريم من اللوح المحفوظ وأُنزِل في بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نَزَل على محمد صلى الله عليه وسلم مُنَجَّمَاً في ثلاث وعشرين سنة) [الطبراني في الكبير: (12243)،والحاكم في المستدرك: (2932)،والبزارفي مسنده: (210/ 2)].
رأيتُ بعض المتأخرين يجزم بأن هذا من الإسرائيليات، وبأن هذا مما تلقاه ابن عباس عنهم، مع أن هناك قرائن في نفس الخبر تمنع هذا؛ منها:
أولاً: جَزْم ابن عباس به.
ثانياً: لا علاقة له بالتوراة والإنجيل لأنه يتكلم عن القرآن.
ثالثاً: هو يتكلم عن نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: لا مخالف لابن عباس في هذا.
فهذا مما يجعل سند ابن عباس هذا - وإن كان موقوفاً سنداً - فهو مرفوع حكماً ومعنى، يعني أن له حكم الرفع.
وجاء عن ابن عباس نفسه أنه كان ينهى عن الأخذ عن أهل الكتاب، كما روى البخاري في صحيحه، فكيف نقول: إن هذا من الإسرائيليات" انتهى

والمعاصرون الذين يثبتون هذا الأثر الشيخ عادل آل حمدان ، وأسامة بن عطايا الفلسطيني وأما كبار السن فلا أعلم أحداً يثبته

وقد كتب بعض المارقين في شبكة سحاب أن هذا اعتقاد المجوس أو كلمة نحوها وهذا المغرور الجاهل الظالم قال في أثر عبد الله بن عمرو نحواً مما قاله الترمذي المبتدع وهو غير صاحب السنن في أثر مجاهد وأنكره عليه أئمة السلف وجهموه بذلك 
ومن العجائب أن الألباني يأتي إلى أثر يرويه عبد الله بن عمرو موقوفاً في أشراط الساعة فيقول في الصحيحة (7/1706) :" وأما إيقاف سعيد إياه؛ فلا يضر؛ لأنه في حكم المرفوع؛ كما لا يخفى، وهو من أعلام صدقه ونبوته - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن ما فيه من الغيب قد تحقق في هذا الزمان. والله المستعان"

ويأتي إلى أثر عبد الله في الذراعين والصدر ويقول ( لا يجوز لمسلم اعتقاده ) فالصحابي إذن يتكلم جازماً بما لا يجوز لمسلم اعتقاده ؟

سبحان الله 

فإن قيل : أليس نور الله ليس مخلوقاً فكيف تخلق منه الملائكة 

فيقال : يجوز ان يكون خلق الملائكة من آثار هذه الصفة كما قال تعالى ( وأشرقت الأرض بنور ربها ) ( هذا ليس جوابي بل جواب أحد الأخوة ) 

الخطأ الثاني : نفي الاستقرار عن الله عز وجل

والاستقرار من معاني الاستواء الثابتة

وإنما أنكره من المعاصرين الألباني وتابعه بكر أبو زيد في معجم المناهي اللفظية والبقية عامتهم يثبته

 قال ابن عبد البر في التمهيد (7/ 121) : "لو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات وجل الله عز وجل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه قال أبو عبيدة في قوله تعالى: ﴿اسْتَوَى﴾ قال علا قال وتقول العرب استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت وقال غيره استوى أي انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد.

قال أبو عمر:

الاستواء الاستقرار في العلو وبهذا خاطبنا الله عز وجل وقال :﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِا﴾"


وابن عبد البر عليه مآخذ في باب الصفات غير أن نصه هنا جيد

وقد نقل ابن القيم هذا الكلام في اجتماع الجيوش الاسلامية وأقره، وقال شيخ الإسلام في شرح حديث النزول ص145 : "وقال عبد اللّه بن المبارك ـ ومن تابعه من أهل العلم، وهم كثير ـ : إن معنى ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾: استقر، وهو قول القتيبي"

 والقتيبي يعني به شيخ الإسلام ابن قتيبة.


قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص171 : "وكيف يسوغ لأحد أن يقول أنه بكل مكان على الحلول مع قوله:: الرحمن على العرش استوى " أي استقر كما قال: " فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك " أي استقررت".


قال الذهبي في العلو : "315- قال العلامة أبو أحمد الكرجي في عقيدته التي ألفها، فكتبها الخليفة القادر بالله وجمع الناس عليها، وذلك في صدر المائة الخامسة، وفي آخر أيام الإمام أبي حامد الإسفراييني شيخ الشافعية ببغداد، وأمر باستتابة من خرج عنها من معتزلي ورافضي وخارجي، فمما قال فيها:

"كان ربنا عز وجل وحده لا شيء معه، ولا مكان يحويه، فخلق كل شيء بقدرته، وخلق العرش لا لحاجة إليه، فاستوى عليه استواء استقرا1 كيف شاء وأراد، لا استقرار راحة كما يستريح الخلق"، وقد علق الذهبي بقوله (قلت: ليته حذف "استواء استقرار" وما بعده فإن ذلك لا فائدة فيه بوجه).


أقول : بل ليت الذهبي ترك هذا التعليق فإن هذا التفسير منقول عن جماعة من السلف كما تقدم ولا يناقض التفاسير الأخرى المنقولة عنهم بل يؤكدها ، وما أنكره أحد في زمن السلف ، وتحتمله اللغة .


وقال ابن القيم في الكافية الشافية (2/361) :

فلهم عبارات عليها أربع*** قد حصلت للفارس الطعان

وهي استقر وقد علا وكذلك *** ارتفع الذي ما فيه من نكران

وكذاك قد صعد الذي هو أربع *** وأبو عبيدة صاحب الشيباني

يختار هذا القول في تفسيره *** أدرى من الجهمي بالقرآن


وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كما في الدرر السنية (3/215) :" وهو الذي ورد عن الصحابة، والتابعين من المفسرين وغيرهم، في معنى قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ إن معنى استوى: استقر، وارتفع، وعلا، وكلها بمعنى واحد؛ لا ينكر هذا إلا جهمي زنديق، يحكم على الله وعلى أسمائه وصفاته بالتعطيل، قاتلهم الله أنى يؤفكون"
الخطأ الثالث : إقرار طريقة الكلابية في الإثبات واعتبارها طريقة سنية

وطريقة الكلابية أن تقول ( لله يد ليست بجارحة ) وأن تقول ( لله عين ليست بحدقة )

وهذه الطريقة نبه ابن تيمية مراراً على بطلانها ومخالفتها لطريقة السلف

ومن المعاصرين ممن وقع في إقرارها

محمد أمان الجامي في كتابه الصفات الإلهية حيث نقل قول ابن بطال :" قال ابن بطال عند تفسير قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} في هذه الآية إثبات يدين لله تعالى وهما صفتان من صفات ذاته، وليستا بجارحتين"

وأيضاً عمرو عبد المنعم سليم حيث نقل اعتقاد التميميين عن أحمد مقراً إياه في كتابه ( لا دفاعاً عن الألباني فحسب )

وكذا الألباني في كتابه مختصر العلو حيث نقل من متن بدء الأمالي قوله

ورب العرش فوق العرش لكن
بلا وصف التمكن واتصال"

والمدخلي في ردوده على المأربي بين بطلان هذه الطريقة في تعليقه على كلام السجزي في المماسة

الخطأ الرابع : إنكار صفة الجلوس واعتبارها تجسيماً

فأما الإنكار فوقع فيه الألباني ووقع في التوقف ابن عثيمين ووقع في اعتبارها تجسيماً محمود الرضواني في ردوده على النصارى

والحق أن الجلوس ثابت ولم أعلم أحداً ينسب للسنة أنكره قبل هذا العصر وإنا لله وإنا إليه راجعون

قال الطبراني في الكبير 1364- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْعَلاءُ بن مَسْلَمَةَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الطَّالْقَانِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ سُفْيَانَ بن حَرْبٍ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بن الْحَكَمِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِذَا قَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ لِقَضَاءِ عِبَادِهِ : إِنِّي لَمْ أَجْعَلْ عِلْمِي ، وحُكْمِي فِيكُمْ ، إِلا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْفِرَ لَكُمْ ، عَلَى مَا كَانَ فِيكُمْ ، وَلا أُبَالِي.


وقد قوى السيوطي هذا الخبر في اللآليء المصنوعة (1/281) :" له طريق لا بأس به قال الطبراني حدثنا أحمد بن زهير التستري حدثنا العلاء بن مسلمة حدثنا إبراهيم بن الطالقاني حدثنا ابن المبارك عن سفيان عن سماك بن حرب عن ثعلبة بن الحكم" فذكره

 قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " ( 3 / 141 ) : "إسناده جيد"

والخبر ضعيف ولكنني أذكر هذا إلزاماً

قال الذهبي في كتاب العرش ص155 :" ورواه أيضا عن أبيه، حدثنا وكيع بحديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر "إذا جلس الرب على الكرسي" فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع، فغضب وكيع، وقال: أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون [بهذه الأحاديث] ولا ينكرونها.


قلت: وهذا الحديث صحيح عند جماعة من المحدثين، أخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي في صحيحه، وهو من شرط ابن حبان فلا أدري أخرجه أم لا؟

 فإن عنده أن العدل الحافظ إذا حدث عن رجل لم يعرف بجرح، فإن ذلك إسناد صحيح.


فإذا كان هؤلاء الأئمة: أبو إسحاق السبيعي، والثوري و الأعمش، وإسرائيل، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو أحمد الزبيري، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وغيرهم ممن يطول ذكرهم وعددهم الذين هم سُرُج الهدى ومصابيح الدجى قد تلقوا هذا الحديث بالقبول وحدثوا به، ولم ينكروه، ولم يطعنوا في إسناده، فمن نحن حتى ننكره ونتحذلق عليهم؟، بل نؤمن به ونكل علمه إلى الله عز وجل.


قال الإمام أحمد: "لا نزيل عن ربنا صفة من صفاته لشناعة شنِّعت وإن نَبَت عن الأسماع".


فانظر إلى وكيع بن الجراح الذي خلف سفيان الثوري في علمه وفضله، وكان يشبه به في سمته وهديه، كيف أنكر على ذلك الرجل، وغضب لما رآه قد تلون لهذا الحديث" ، فإذا كان كل هؤلاء مجسمة ، فمن الموحدون ؟


وقال العلامة سليمان بن سحمان في كتابه الضياء الشارق ص معلقاً على كلام الذهبي 178 :

" فإذا ثبت هذا عن أئمة أهل الإسلام، فلا عبرة بمن خالفهم من الطغام أشباه الأنعام" .

 نعم هناك من ضعف هذا الحديث ممن تأخر عن سفيان ووكيع ، ولكنه لم يرمِ القائلين به بالتجسيم أو التشبيه، وقد نص شيخ الإسلام على أن أكثر أهل السنة قبلوا هذا الحديث حيث قال كما في مجموع الفتاوى (16/ 435) :" وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ الْمَشْهُورُ الَّذِي يَرْوِي عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ المقدسي فِي " مُخْتَارِهِ ".

 وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ تَرُدُّهُ لِاضْطِرَابِهِ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ.

لَكِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَبِلُوهُ. وَفِيهِ قَالَ: ﴿إنَّ عَرْشَهُ أَوْ كُرْسِيَّهُ وَسِعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّهُ يَجْلِسُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ أَوْ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ بِرَاكِبِهِ﴾"، وهذه الأحاديث أقوى بكثير من الأحاديث التي يعتمدها هؤلاء في باب التوسل وشد الرحال إلى القبور .


ثانيها : أنه ورد عن جمع من السلف تفسير الاستواء بالقعود


قال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص158 :

" وفي تفسير السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس الرحمن على العرش استوى قال قعد "

 ورواية السدي يصححها جمع أهل العلم .

 وقد بحث  أحمد شاكر بحثاً طويلاً في تفسير الطبري في تقويتها .

 وجود  الألباني خبراً من طريق السدي في التفسير في مختصر العلو.

 وقال الدشتي في إثبات الحد ص82 :" وفيه: عن عباد بن منصور قال: سألت الحسن وعكرمة عن قوله: {الرحمن على العرش استوى} قالا:  جالس .


فعلق  أسامة عطايا بقوله : "رواه الحكم بن معبد في كتاب السنة-كتاب الرؤية- وإسناده حسن" ، وكذلك فسر الاستواء بالقعود عبد الوهاب الوراق صاحب الإمام أحمد.


قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (1/435) :" من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي وعن عبد الوهاب قال الرحمن على العرش استوى قال قعد وعن ابن المبارك قال الله على العرش بحد" .


قال الدشتي في إثبات الحد ص88:

" قال الخلال: أخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعت عبدالوهاب يقول: {الرحمن على العرش استوى} قال:  قعد ، وقيل للإمام أحمد بن حنبل: من نسأل بعدك؟

فقال: سل عبد الوهاب.

 وقال الإمام أحمد: عبدالوهاب أهل يُقْتَدَى به، عافا الله عبدَالوهاب، عبدُالوهابِ إمامٌ، وهو موضعٌ للفتيا.


قيل له: كلما أجاب عبدُالوهاب في شيء تقبله؟

قال: «سبحان الله! الناس يختلفون في الفقه، هو موضعز

 فإذا تبين هذا لم يجز تبديع من يثبت لله صفة الجلوس أو القعود ، كما هو شأن بعض الإخوة.

 فإن قال قائل : هذا لم يثبت بدليل مستقل من الكتاب أو السنة.


فيقال : هذا تفسير التابعين للقرآن ، وهم أعلم الناس باللسان وهذا التفسير ، لا يناقض التفاسير الأخرى ولا تحيله اللغة وقد رد ابن حجر تفسير العلو بالارتفاع بهذا التعليل .

 وليس الأمر كذلك فهو  نفسه قبل تفسير الصمد بالذي ( لا جوف له ) ، وهذه كتلك

قد ورد عن جماعة منهم تفسير الاستواء بالقعود أو الجلوس، ولهذا أورد عبد الله بن أحمد في السنة ، والخلال في السنة قول خارجة بن مصعب :" وهل يكون الاستواء إلا بجلوس "، وحتى لو كان خارجة بن مصعب فيه كلام ، فإيراد الأئمة لكلامه يعني إقرارهم له، وقد صح عن التابعي الجليل محمد بن كعب القرظي ، أنه أثبت الجلوس لله عز وجل ، أمام عمر بن عبد العزيز وأقره.


قال ابن وهب في تفسيره 187 - قال: وحدثني حرملة بن عمران، عن سليمان بن حميد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار أقبل الله في ظللٍ من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة في أول درجة فيردون عليه السلام، قال القرظي: وهذا في القرآن ﴿سلامٌ قولا من ربٍ رحيمٍ﴾، فيقول: سلوني، فيقولون: ماذا نسألك أي رب، قال: بلى سلوني، قالوا: نسألك أي رب رضاك، قال: رضائي أدخلكم دار كرامتي، قالوا: يا رب، وما الذي نسألك فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم لا ينقصنا من ذلك شيئا؛ قال: إن لدي مزيدا؛ قال: فيفعل الله ذلك بهم في درجتهم حتى يستوي في مجلسه؛ قال: ثم تأتيهم التحف من الله تحمله إليهم الملائكة، قال: وليس في الآخرة ليل ولا نصف نهارٍ، إنما هو بكرة وعشيا، وذلك في القرآن، في آل فرعون: ﴿النار يعرضون عليها غدوا وعشيا﴾، وكذلك قال لأهل الجنة: ﴿لهم زرقهم فيها بكرة وعشيا﴾، قال: وقال: والله، الذي لا إله إلا هو، لو أن امرأة من حور العين أطلعت سوارها لأطفأ نور سوارها الشمس والقمر، فكيف المسورة وإن خلق الله شيئاً يلبسه إلا عليه مثلما عليها من ثياب أو حلي.


الشاهد قوله رحمه الله : "فيفعل الله ذلك بهم في درجتهم حتى يستوي في مجلسه" ، والسند رجاله ثقات إلا سليمان بن حميد المزني وثقه ابن حبان، قال الذهبي في تاريخ الإسلام :" سليمان بن حميد المزني. عن أبيه عن أبي هريرة وعن محمد بن كعب القظي وعامر بن سعد، وعنه الليث بن سعد وضمام بن إسماعيل وجماعة، مات بمصر سنة خمس وعشرين ومائة"

 فرواية جماعة من الثقات عنه ، مع توثيق ابن حبان يجعل خبره مقبولاً في خبر مقطوع.

قال ابن تيمية  في شرح حديث النزول ص149: "وإذا كان قعود الميت في قبره ليس هو مثل قعود البدن فما جاءت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم من لفظ " القعود والجلوس " في حق الله تعالى كحديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيرهما أولى أن لا يماثل صفات أجسام العباد"


وقال  عبد الرحمن بن ناصر السعدي كما في الأجوبة السعدية على الأسئلة الكويتية ص146 :

 "نثبت أنه على عرشه استواء يليق بجلاله ، سواءً فسر ذلك : بالارتفاع ، أو بعلوه على عرشه ، أو بالاستقرار ، أو الجلوس فهذه التفاسير واردة عن السلف" .


والأمر كما قال : وعليه قد أثبت صفة الجلوس مع من تقدم ذكرهم في كلام الذهبي ، الحسن البصري وعكرمة و عثمان الدارمي وعبد الله بن أحمد وعبد الوهاب الوراق وشيخ الإسلام وابن القيم والذهبي وابن كثير ( فقد قوى حديثاً في الباب ) والدشتي وعامة أئمة الدعوة النجدية وغيرهم.

وقد أحسن عبد العزيز بن فيصل الراجحي في تقرير هذه المسألة في كتابه ( قمع الدجاجلة ) وكذا سمير بن خليل المالكي في تعليقه ونقده لتحقيق القحطاني على السنة وعادل آل حمدان ومسلط العتيبي في تعليقهما على إثبات الحد للدشتي ، وكنت أثبت صفة الجلوس منذ كتبت كتابي ( الدفاع عن حديث الجارية ) غير أنني ثبتني وأثراني ما كتبه الراجحي والمالكي ثم رجعت لكتب السلف وبعدها وقفت على كلام محققي إثبات الحد

الخطأ الخامس : قولهم العلاقة بين أسماء الله وأسماء المخلوق الاشتراك اللفظي

وهذه وقع فيها الصلابي ويقع فيها كثيرون مع الأسف

والاشتراك معناه اتفاق الكلمة في الرسم مع عدم وجود أي قدر مشترك بين الاسمين كقولك في الجاسوس ( عين ) وقولك في الماء ( عين )


وكقولك في المبتاع ( مشتري ) وقولك في الكوكب ( مشتري )


وجعل العلاقة بين اسم الخالق واسم المخلوق اشتراكاً لفظياً في حقيقته تعطيل


وإنما الصواب أن يقال العلاقة التواطؤ ، كقولك نور الشمعة ونور الشمس فينهما قدر مشترك وليس النور كالنور


وقد نص شيخ الإسلام على أن القول بأن العلاقة بين أسماء الخالق وصفاته وأسماء المخلوق وصفاته علاقة اشتراك لفظي هو قول متأخري الأشاعرة


قال شيخ الإسلام في درء التعارض (5/324) :" وقد رام طائفة من المتأخرين كالشهر ستاني والآمدي والرازي في بعض كلامه ونحوهم أن يجيبوا هؤلاء عن هذا بأن لفظ الموجود و الحي و العليم و القدير ونحوها من الأسماء تقال على الواجب والممكن بطريق الإشتراك اللفظي كما يقال لفظ المشتري على الكوكب والمبتاع وكما يقال لفظ سهيل على الكوكب والرجل المسمى بسهيل وكذلك لفظ الثريا على النجم والمرأة المسماه بالثريا

ومن هنا قال الشاعر :

أيها المنكح الثريا سهيلا *** عمرك الله كيف يلتقيان

هي شامية إذا ما استقلت *** وسهيل إذا استقل يمان  "


ونص شيخ الإسلام على أن الصواب هو وجود التواطؤ مع وجود الاشتراك في اللفظ في بيان تلبيس الجهمية


قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (4/386) :" فان مذهب عامة الناس بل عامة الخلائق من الصفاتية كالأشعرية والكرامية وغيرهم أن الوجود وهو مقولا بالاشتراك اللفظي فقط وكذلك سائر أسماء الله التي سمي بها وقد يكون لخلقه اسم كذلك مثل الحي والعليم والقدير فإن هذه ليست مقولة بالاشتراك اللفظي فقط بل بالتواطىء وهي أيضا مشككة فإن معانيها في حق الله تعالى أولى وهي حقيقة فيهما ومع ذلك فلا يقولون أن ما يستحقه الله تعالى من هذه الأسماء إذا سمي بها مثل ما يستحقه غيره ولا أنه في وجوده وحياته وعلمه وقدرته مثلا لخلقه ولا يقولون أيضا أن له أو لغيره في الخارج وجودا غير حقيقتهم الموجودة في الخارج بل اللفظ يدل على قدر مشترك إذ اطلق وجرد عن الخصائص التي تميز أحدهما وهو لا يستعمل كذلك في أسماء الله فقط ولا هو موضوعا في اللغة كذلك وإنما يذكر كذلك في مواضع تجرد عن الخصائص كما تجرد في المناظرة لأمور يحتاج إليها فيقدر تجريده عن الخصائص تقديرا كما يقدر أشياء لم توجد وهو حينئذ دال على قدر مشترك بين المسميين ولكن ذلك المشترك ليس مجموع حقيقة كل منهما الموجودة في الخارج فإن لفظ الموجود إذا جرد يدل على الموجود المطلق لم يكن الوجود المطلق حقيقة إلا في الذهن وأما الوجود الخارجي فوجود كل موجود معين مميز عن الآخر مختص به وذلك الجسم المطلق والحيوان المطلق والإنسان المطلق"


وقال شيخ الإسلام في الرد على المنطقيين موضحاً مسألة التواطؤ أكثر ص155 :" ولهذا كان الحذاق يختارون أن الأسماء المقولة عليه وعلى غيره مقولة بطريق التشكيك الذي هو نوع من التواطؤ العام ليست بطريق الاشتراك اللفظي ولا بطريق الاشتراك المعنوي الذي تتماثل أفراده بل بطريق الاشتراك المعنوي الذي تتفاضل أفراده كما يطلق لفظ البياض والسواد على الشديد كبياض الثلج وعلى ما دونه كبياض العاج فكذلك لفظ الوجود يطلق على الواجب والممكن وهو في الواجب أكمل وأفضل من فضل هذا البياض على هذا البياض"


ومما يدل على هذا المعنى ما روى مسلم 19 - ( 2752 ) حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا أبي حدثنا عبدالملك عن عطاء عن أبي هريرة

: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة


فبين أن رحمة الخلق من آثار رحمة الله عز وجل ، مع كون رحمة الخالق ليست كرحمة المخلوق وهذا هو المراد بيانه

الخطأ السادس : قولهم باب الأفعال أوسع من باب الصفات

وهذه العبارة أشهرها صالح آل الشيخ ، وهي غلط محض فأفعال الله من صفاته

ولعل قائلاً سيقول أن هذا الفاضل لعله قصد أن صفة المكر لا تطلق إلا مقيدة فتقول ( هو يمكر بالماكرين )


فيقال : فقد سميتها صفة في النهاية ولم تقل فعلاً وليس بصفة


وإنما القاعدة التي ذكرها ابن القيم في بدائع الفوائد أن باب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات



قال ابن القيم في بدائع الفوائد (1/284) :" ويجب أن تعلم هنا أمور

أحدها أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء والموجود والقائم بنفسه فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا

الثاني أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه بل يطلق عليه منها كمالها وهذا كالمريد والفاعل والصانع فإن هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق بل هو الفعال لما يريد فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلا وخبرا"



فهنا ابن القيم مثل بالإرادة ولا يظن أنه يقول أن الله عز وجل ليس له صفة اسمها الإرادة وإنما هي فعل فقط وإنما أراد ابن القيم أن هذه لا يشتق منها أسماء مطلقة لأنها لا تحمد بإطلاق وإنما حمدت على وجه مقيد لا يدخل عليه الذم بحال


ثم إنه مثل للإخبار الجائز بما يصلح أن يكون اسماً وليس أفعالاً فتأمل هذا


وابن القيم لم يقل ( باب الأفعال أوسع من باب الصفات ) بل قال ( باب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات ) وإلا إذا كانت الفعل لا يطلق على الله عز وجل إلا مقيداً فهو صفة فعلية لا تطلق على الله عز وجل إلا مقيدةً وانتهى الأمر


وقد وقع في كلام شيخ الإسلام قوله ( إثبات الأسماء والصفات والأفعال معلوم بالضرورة )


وأحسب أنه أراد بالأفعال الصفات الفعلية وقد خصها بالذكر لأن المعطلة متفقون على نفي الصفات الفعلية مع تنازعهم في إثبات الصفات الذاتية


الاستهزاء أثبوه صفة وكذلك الملل


فقد قرن شيخ الإسلام الاستهزاء بالمكر


وقال شيخ الإسلام في ((الفتاوى)) (7/111) رداً على الذين يدعون أنَّ هناك مجازاً في القرآن : ((وكذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن كلفظ (المكر) و(الاستهزاء) و (السخرية) المضاف إلى الله ، وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز ، وليس كذلك ، بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة ؛ كانت ظلماً له ، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله ؛ كانت عدلاً ؛ كما قال تعالى : )كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ( فكاد له كما كادت اخوته لما قال له أبوه )لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً(، وقال تعالى : )إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا $ وَأَكِيدُ كَيْدًا( وقال تعالى : )وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُون َ$ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ( وقال تعالى : )الذِينَ يَلمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنْ المُؤْمِنِينَ فِي الصـَّدَقَاتِ وَالذِينَ لا يَجـِدُونَ إِلا جُهـْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَـخِرَ اللهُ مِنْهُمْ(

ولهذا كان الاستهزاء بهم فعلاً يستحق هذا الاسم ؛ كما روى عن ابن عباس ؛ أنه يفتح لهم باب من الجنة وهم في النار ، فيسرعون إليه ، فيغلق ، ثم يفتح لهم باب آخر ، فيسرعون إليه ، فيغلق ، فيضحك منهم المؤمنون.

قال تعالى)فَاليَوْمَ الذِينَ آمَنُوا مِنْ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ $ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ $هَل ثُوِّبَ الكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(.

وعن الحسن البصري : إذا كان يوم القيامة ؛ خمدت النار لهم كما تخمد الإهالة من القدر ، فيمشون ، فيخسف بهم.

وعن مقاتل : إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب ؛ باطنه فيه الرحمة ، وظاهره من قبله العذاب ، فيبقون في الظلمة ، فيقال لهم : ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً.

وقال بعضهم : استهزاؤه : استدراجه لهم.

وقيل : إيقاع استهزائهم ورد خداعهم ومكرهم عليهم.

وقيل : إنه يظهر لهم في الدنيا خلاف ما أبطن في الآخرة.

وقيل : هو تجهيلهم وتخطئتهم فيما فعلوه.

وهذا كله حق ، وهو استهزاء بهم حقيقة)) اهـ.



وقال  عبد العزيز بن بار في ((الفتح)) (3/300) معقباً على  ابن حجر لَمَّا تأوَّل صفةً من صفات الله : (( هذا خطأ لا يليق من الشارح ، والصواب إثبات وصف الله بذلك حقيقة على الوجه اللائق به سبحانه كسائر الصفات ، وهو سبحانه يجازي العامل بمثل عمله ، فمن مكر ؛ مكر الله به ، ومن خادع ؛ خادعه ، وهكذا من أوعى ؛ أوعى الله عليه ، وهذا قول أهل السنة والجماعة ؛ فالزمه ؛ تفز بالنجاة والسلامة ، والله الموفق))اهـ .


وقد نص الطبري على إثبات صفة الاستهزاء

حيث قال في تفسيره :" وأما الذين زعمـوا أنَّ قول الله تعالى ذكره (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) إنما هو على وجه الجواب ، وأنه لم يكن من الله استهزاء ولا مكر ولا خديعة ؛ فنافون عن الله عَزَّ وجَلَّ ما قد أثبته الله عَزَّ وجَلَّ لنفسه وأوجبه لها، وسواءٌ

قال قائل : لم يكن من الله جل ذكره استهزاء ولا مكر ولا خديعة ولا سخرية بمن أخبر أنه يستهزئ ويسخر ويمكر به .

 أو قال : لم يخسف الله بمن أخبر أنه خسف به من الأمم ولم يغرق من أخبر أنه أغرقه منهم.

ويقال لقائل ذلك : إنَّ الله جل ثناؤه أخبرنا أنه مكر بقوم مضوا قبلنا لم نرهم ، وأخبرنا عن آخرين أنه خسف بهم ، وعن آخرين أنه أغرقهم ، فصدقنا الله تعالى فيما ذكره فيما أخبرنا به من ذلك ، ولم نفرق بين شيء منه؛ فما برهانك على تفريقك ما فرقت بينه بزعمك أنه قد أغرق وخسف بمن أخبر أنه أغرقه وخسف به ، ولم يمكر بمن أخبر أنه قد مكر به؟!"



وأما الملل



وقال الشيخ محمد بن إبراهيم في ((الفتاوى والرسائل)) (1/209) : ((((فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا)) : من نصوص الصفات ، وهذا على وجه يليق بالباري ، لا نقص فيه ؛ كنصوص الاستهزاء والخداع فيما يتبادر)).

وقد سئل ابن عثيمين -رحمه الله- في ((مجموعة دروس وفتاوى الحرم)) (1/152) : هل نستطيع أن نثبت صفة الملل والهرولة لله تعالى ؟ فأجاب: ((جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قولـه : ((فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملوا)).

فمن العلماء من قال : إنَّ هذا دليل على إثبات الملل لله ، لكن ؛ ملل الله ليس كملل المخلوق ؛ إذ إنَّ ملل المخلوق نقص ؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء ، أما ملل الله ؛ فهو كمال وليس فيه نقص ، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالاً


ومن العلماء من يقول : إنَّ قولـه : ((لا يَمَلُّ حتى تملوا)) ؛ يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل ؛ فإنَّ الله يجازيك عليه ؛ فاعمل ما بدا لك ؛ فإنَّ الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل ، وعلى هذا ، فيكون المراد بالملل لازم الملل.

ومنهم من قال : إنَّ هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقاً ؛ لأنَّ قول القائل : لا أقوم حتى تقوم ؛ لا يستلزم قيام الثاني ، وهذا أيضاً : ((لا يمل حتى تملوا)) ؛ لا يستلزم ثبوت الملل لله عَزَّ وجَلَّ.

وعلى كل حال يجب علينا أن نعتقد أنَّ الله تعالى مُنَزَّه عن كل صفة نقص من الملل وغيره ، وإذا ثبت أنَّ هذا الحديث دليل على الملل ؛ فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق))اهـ.

وهذه النقول استفدتها من كتاب الصفات لعلوي عبد القادر السقاف

الخطأ السابع : إنكار صفة الساعد

وهذه ضعف الحديث الوارد فيها علوي السقاف في كتابه الصفات

وخبر ( الساعد ) ثابت


قال أحمد في مسنده 16308حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت أبا الأحوص يحدث عن أبيه قال أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا قشف الهيئة فقال « هل لك مال ». قال قلت نعم. قال « من أي المال ». قال قلت من كل المال من الإبل والرقيق والخيل والغنم. فقال « إذا آتاك الله مالاً فلير عليك ». ثم قال « هل تنتج إبل قومك صحاحا آذانها فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها فتقول هذه بحر وتشقها أو تشق جلودها وتقول هذه صرم وتحرمها عليك وعلى أهلك ». قال عم. قال « فإن ما آتاك الله عز وجل لك وساعد الله أشد وموسى الله أحد ».


قلت : إسناده صحيح إذ أن شعبة روى عن أبي إسحاق قبل الإختلاط وقد صرح أبو إسحاق بالسماع من أبي الأحوص


وقد روى هذا الحديث أيضاً النسائي في الكبرى ( 11155) ابن حبان (5613) والحاكم (7364) والطحاوي في مشكل الآثار (2580) من طرق عن أبي الأحوص به

قال أبو يعلى في كتابه (إبطال التأويلات لأخبار الصفات) قال: "اعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في إثبات الساعد صفة لذاته، كما حملنا قوله -تعالى-: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )على ظاهره، وأنها صفة ذات؛ إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته". اهـ

الخطأ الثامن : إنكار لفظة ( بذاته )

وهذه وقع فيها عبد الله الغنيمان متابعة للذهبي وذلك في تقريظه لرسالة التنبيهات العلمية على منهج الجمعية لجاسم الفهيد وحاكم العبيسان وعامة المعاصرين يخالفونه

قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتابه العرش (1/291) :" ثُمَّ تَوَافَرَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَرْشَ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ بِذَاتِهِ ثُمَّ خلق الأرض والسموات، فَصَارَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، وَمِنَ السَّمَاءِ إلى العرش.

فَهُوَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَفَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ مُتَخَلِّصًا"


2_ قال قوام السنة الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة (2/109) :" قَالَ يَحْيَى بن عمار: لَا نحتاج فِي هَذَا الْبَاب إِلَى قَول أَكثر من هَذَا أَن نؤمن بِهِ، وننفي الْكَيْفِيَّة عَنهُ، ونتقي الشَّك فِيهِ، ونوقن بِأَن مَا قَالَه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَا نتفكر فِي ذَلِكَ وَلَا نسلط عَلَيْهِ الْوَهم، والخاطر، والوسواس، وَتعلم حَقًا يَقِينا أَن كل مَا تصور فِي همك ووهمك من كَيْفيَّة أَو تَشْبِيه. فَالله سُبْحَانَهُ بِخِلَافِهِ وَغَيره، نقُول: هُوَ بِذَاتِهِ عَلَى الْعَرْش، وَعلمه مُحِيط بِكُل شَيْء"


3_ قال شيخ الإسلام في درء التعارض (6/250) :" قال الشيخ أبو نصر السجزي في كتاب الإبانة له فأئمتنا كسفيان الثوري ومالك وسفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن ويد وعبد الله بن المبارك وفضيل بن عياض وأحمد ابن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش وأن علمه بكل مكان وأنه يرى يوم القيامة بالأبصار فوق العرش وأنه ينزل إلى سماء الدنيا وأنه يغضب ويرضى ويتكلم بما شاء فمن خاف شيئا من ذلك فهو منهم برئ وهم منه براء

وأبو نصر هذا كان مقيما بمكة في أثناء المائة الخامسة"


فهذا نقل الاتفاق


4_ وقال شيخ الإسلام كما في المصدر السابق :" وقال قبله الشيخ أبو عمر الطلمنكي المالكي أحد أئمة وقته بالأندلس في كتاب الوصول إلى معرفة الأصول قال وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله { وهو معكم أين ما كنتم } سورة الحديد 4 ونحو ذلك من القرآن أن ذلك علمه وأن الله فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء"


فهذا أيضاً نقل الاتفاق


5_ قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/ 412) :" قَالَ ابْنُ الزَّاغونِيِّ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ:

إِنِّيْ سَأَذْكُرُ عَقْدَ دِيْنِي صَادِقاً ... نَهْجَ ابْنِ حَنْبَلٍ الإِمَامِ الأَوْحَدِ

منهَا:

عالٍ عَلَى العَرْشِ الرَّفِيْعِ بِذَاتِهِ ... سُبْحَانَهُ عَنْ قول غاوٍ ملحد"


وعلق الذهبي بأن تركها أولى وسيأتي بيان وجه تصويب هذه الكلمة



وهناك غيرهم كثير ذكر الذهبي طائفة منهم في كتابه العلو وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية


6_ قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (2/ 326) :" فالأشعري وقدماء أصحابه كانوا يقولون إنه بذاته فوق العرش وهو مع ذلك ليس بجسم"


فحتى الأشاعرة المتقدمون يقولون بهذه اللفظة




ثانيها : إن سأل سائل ما الفائدة من هذه الألفاظ ( بائن من خلقه ) و ( بذاته ) و ( غير مخلوق ) مع أنها لم ترد بهذا اللفظ في النصوص


فالجواب : أن هذه الألفاظ ليس فيها إثبات صفة زائدة على ما في النصوص فقولهم في القرآن ( ليس بمخلوق ) يريدون به تحقيق أن لله صفة هي صفة الكلام ، وصفات الله ليست مخلوقة اتفاقاً ، وقولهم ( بائن من خلقه ) و ( بذاته ) يريدون بها تحقيق العلو وقد تواترت النصوص في إثبات العلو


وأما فائدة هذه العبارات ، فيدرك هذه الفائدة من عرف قدر السلف وقوة فهمهم ، فهم يريدون بهذه العبارات التمايز عن مذهب الجهمية وألا تحمل أقوالهم على أقوال الجهمية


فإن قلت : كيف ذاك ؟


قلت لك : الجهمي يقول ( القرآن كلام الله ) ويريد بكلام الله خلق من خلق الله كقولك ( ناقة الله ) و ( بيت الله ) فإذا قال القائل ( غير مخلوق ) علم أنه أراد أن القرآن كلام الله وأن الكلام صفة من صفات الله عز وجل


والجهمي ربما قال ( الله فوق العرش ) وأراد أنه فوق العرش بعلمه وقدرته ، أو أراد أنه فوق العرش وتحت العرش أيضاً فإذا قال القائل ( بائن من خلقه ) أو ( بحد ) أو ( بذاته ) دفع هذا أن يريد ما أراد الجهمي لهذا الجهمية المتأخرون عجزوا عن تأويل كلام السلف لأنه غاية في الوضوح في الدلالة على الإثبات ومباينة أقوال الجهمية


لهذا لم يكن استخدامهم لهذه العبارات من باب ( فضول الكلام ) بل من كان من فقه عميق


فلا يجوز إنكار هذه اللفظة بعد ثبوت استخدام السلف لها بدون نكير ، وقد أبنت لك المأخذ في استخدامها

الخطأ التاسع : قولهم ( التلاوة مخلوقة ) والمتلو غير مخلوق

وهذه مسألة وقع فيها الاشتباه لكثير من المعاصرين كأحمد الحازمي وعبد العزيز الراجحي لأنهم تأثروا بكلام ابن القيم في مختصر الصواعق والذي أخذه ابن عيسى في شرح النونية وغفل كثيرون أن ابن القيم مخالف لشيخه ابن تيمية في هذه المسألة

وشبهة ابن القيم جاءت من رواية إبراهيم الحربي عن أحمد وهي رواية تخالف المشهور عنه

وقد سكت الرواية على قول ابن أبي زمنين أن التلاوة غير مخلوقة

موطن الانتقاد جزمة بأن التلاوة غير مخلوقة وهذا نظير قول اللفظية النفاة الذين يقولون ( لفظي بالقرآن غير مخلوق ) وأهل السنة لا يطلقون ( مخلوق ) ولا ( غير مخلوق ) بل هذه ألفاظ مجملة تحتمل حقاً وباطلاً فإن قلت مخلوق احتمل القول بمخلوقية القرآن لأن اللفظ يدخل فيه الملفوظ وإن قلت غير مخلوق احتمل القول بأن أفعال العباد غير مخلوقة فلا يطلق هذا ولا ذاك


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/ 373) :" وأما المنصوص الصريح عن الامام أحمد وأعيان أصحابه وسائر أئمة السنة والحديث فلا يقولون مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا يقولون التلاوة هى المتلو مطلقا ولا غير المتلو مطلقا كما لا يقولون الاسم هو المسمى ولا غير المسمى

وذلك أن التلاوة والقراءة كاللفظ قد يراد به مصدر تلى يتلو تلاوة وقرأ يقرأ قراءة ولفظ يلفظ لفظا ومسمى المصدر هو فعل العبد وحركاته وهذا المراد باسم التلاوة والقراءة واللفظ مخلوق وليس ذلك هو القول المسموع الذى هو المتلو وقد يراد باللفظ الملفوظ وبالتلاوة المتلو وبالقراءة المقروء وهو القول المسموع وذلك هو المتلو ومعلوم أن القرآن المتلو الذى يتلوه العبد ويلفظ به غير مخلوق وقد يراد بذلك مجموع الأمرين فلا يجوز إطلاق الخلق على الجميع ولا نفى الخلق عن الجميع "


وهذا تلخيص جيد في المسألة


ثم قال شيخ الإسلام بعدها :" ويظن هؤلاء أنهم يوافقون أحمد واسحق وغيرهما ممن ينكر على اللفظية وليس الأمر كذلك فلهذا كان المنصوص عن الامام أحمد وأئمة السنة والحديث أنه لا يقال ألفاظنا بالقرآن مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا أن التلاوة هى المتلو مطلقا ولا غير المتلو مطلقا فان اسم القول والكلام قد يتناول هذا وهذا ولهذا يجعل الكلام قسيما للعمل ليس قسما منه فى مثل قوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وقد يجعل قسما منه كما فى قوله فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون قال طائفة من السلف عن قول لا إله إلا الله ومنه قول النبى فى الحديث الصحيح لا حسد إلا فى اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار فقال رجل لو أن لى مثل ما لفلان لعملت فيه مثل مايعمل ولهذا تنازع أصحاب أحمد فيمن حلف لايعمل اليوم عملا هل يحنث بالكلام على قولين ذكرهما القاضى أبو يعلى وغيره "


والخلاصة أن هذا الإطلاق من مسلمة بن القاسم خطأ والصواب السكوت وألا يقال مخلوقة ولا غير مخلوقة


فإن قال قائل : أليست التلاوة غير المتلو فالمتلو غير مخلوق والتلاوة فعل العبد مخلوقة كما قرر البخاري في خلق أفعال العباد


فيقال : هذا غلط فالتلاوة تتضمن المتلو وقد قال تعالى ( حتى يسمع كلام الله ) فسمى تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن ( كلام الله ) ولا شك أن فعله مخلوق ولكن هذا يذكر لبيان أن التلاوة تتضمن المتلو فلا يطلق القول بخلقها أو عدمه وإنما يفصل فيفرق بين فعل العبد وكلام الله ولهذا احتج أحمد بهذه الآية على اللفظية ، ودعوى أنها مجاز غلط بل هي على ظاهرها وتعضد دلالتها الظاهرة النصوص والآثار وكل ما قيل في تعظيم المصحف


ولهذا لو قال شخص سمع قارئاً يقرأ ( ما سمعت كلام الله ) كان كاذباً ولو حلف كان حانثاً


وقد احتج أحمد على اللفظية بقوله تعالى ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم )


 قال أبو بكر المروذي : وقال لي إسحاق بن حنبل عم أبي عبد الله : لما قدم الشراك من طرسوس جاءني فانكب على رأسي فقبله وقال : إن أبا عبد الله غليظ علي ، فقلت : قد حذر عنك ، قال : فأكتب رقعة وتعرضها على أبي عبد الله ؟ قال : فكتب رقعة بخطه فأخذتها ، فأي شيء لقيت من أبي عبد الله من الغلظة ؟ وأريت أبا عبد الله كتاباً جاءني من طرسوس في الشراك أنهم احتجوا عليه بقول الله عز وجل { بلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } وفي حديث أبي أمامة : (هو أشد تفصياً من صدور الرجال من النعم من عقلها) وحديث ابن أشعث الباهلي : (القرآن - وفيه الذي في صدورنا - غير مخلوق) فقال أبو عبد الله : ما أحسن ما احتجوا عليه .


وقال الخلال في السنة  2112- وسألت أبي عن من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، فقال : قال الله عز وجل : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ } ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (حتى أبلغ كلام ربي) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) .


فقراءة العباد للقرآن لا تسمى ( كلام الناس ) حتى يقال أنها مخلوقة ، بل القرآن كلام الله وفعل العبد مخلوق فلا يجوز أن يقال والحال هذه ( لفظي بالقرآن مخلوق ) فيدخل فيه القرآن فيكون قول جهم ولا يقال ( غير مخلوق ) فيدخل فيه أفعال العباد فيكون قول المعتزلة ومثل هذا يقال في التلاوة والمتلو


قال الخلال في السنة 2116- أخبرنا سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني ، قال : ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي .وأخبرني أحمد بن محمد بن مطر ، قال : ثنا أبو طالب أنه سمع أبا عبد الله سأله يعقوب الدورقي .وأخبرنا محمد بن علي ، قال : ثنا صالح ، قال سمعت أبي سألة يعقوب الدورقي .وأنبأ محمد بن علي ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثنا يعقوب الدورقي .وأخبرنا عثمان بن صالح الأنطاكي ، قال ثنا الدورقي ، قال : قلت لأحمد بن حنبل المعنى قريب . ما تقول في من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق ؟ قال : فاستوى أحمد لي جالساً ثم قال : يا أبا عبد الله ، هؤلاء عندي أشر من الجهمية ، من زعم هذا فقد زعم أن جبريل هو المخلوق وأن النبي صلى الله عيله وسلم تكلم بمخلوق وإن جبريل جاء إلى نبينا بمخلوق ، هؤلاء عندي أشر من الجهمية ، لا تكلم هؤلاء ولا تكلم في شيء من هذا ، القرآن كلام الله غير مخلوق على كل جهة وعلى كل وجه تصرف وعلى أي حال كان ، لا يكون مخلوقاً أبداً ، قال الله تبارك وتعالى : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ } ولم يقل : حتى يسمع كلامك يا محمد ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يصلح في الصلاة شيء من كلام الناس) وقال النبي عليه السلام : (حتى أبلغ كلام ربي) ، هذا قول جهم على من جاء بهذا غضب الله ، قلت له : إنما يريدون هؤلاء على الإبطال؟ قال : نعم ، عليهم لعنة الله .


 ذر عنك ، قال : فأكتب رقعة وتعرضها على أبي عبد الله ؟ قال : فكتب رقعة بخطه فأخذتها ، فأي شيء لقيت من أبي عبد الله من الغلظة ؟ وأريت أبا عبد الله كتاباً جاءني من طرسوس في الشراك أنهم احتجوا عليه بقول الله عز وجل { بلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } وفي حديث أبي أمامة : (هو أشد تفصياً من صدور الرجال من النعم من عقلها) وحديث ابن أشعث الباهلي : (القرآن - وفيه الذي في صدورنا - غير مخلوق) فقال أبو عبد الله : ما أحسن ما احتجوا عليه .


 قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/421) :" وَأَمَّا الْبِدْعَةُ الثَّانِيَةُ - الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ تِلَاوَةُ الْعِبَادِ لَهُ - وَهِيَ " مَسْأَلَةُ اللَّفْظِيَّةِ " فَقَدْ أَنْكَرَ بِدْعَةَ " اللَّفْظِيَّةِ " الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتَهُ وَاللَّفْظَ بِهِ مَخْلُوقٌ أَئِمَّةُ زَمَانِهِمْ جَعَلُوهُمْ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَبَيَّنُوا أَنَّ قَوْلَهُمْ: يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِمْ تَكْفِيرُهُمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْهُ أَوْ عِبَارَةٌ عَنْهُ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ وَالصُّدُورِ إلَّا كَمَا أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي الْمَصَاحِفِ وَالصُّدُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا مَحْفُوظٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي الْوَلِيدِ الْجَارُودِيَّ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ وَيَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الدورقي وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْعَدَنِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذهلي وَمُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطوسي وَعَدَدٍ كَثِيرٍ لَا يُحْصِيهِمْ إلَّا اللَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُدَاتِهِ"


وهذا كلام حسن لشيخ الإسلام وفيه التصريح أن السلف كفروا اللفظية

والكلمة المنسوبة لأحمد في رسالة الرد على من يقول القرآن مخلوق لإبراهيم الحربي

ومدار هذه الرسالة على جعفر بن إدريس القزويني انفرد بحديث موضوع على الإمام مالك !


قال ابن حجر: أخرج الدَّارَقُطْنِيّ في «غرائب مالك» عنه حديثًا بواسطة، فقال: حدثنا عبد الواحد بن الحسن البصلاني، حدثنا جعفر بن إدريس بمكة، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عن سريج بن يونس، حدثنا معن، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، رضي الله عنه، «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عاد مريضًا قال أذهب الباس» ... الحديث.

وقال هذا غير محفوظ عن مالك، وجعفر هذا ضعيف. «لسان الميزان» 2 (1986)


وقول الدارقطني ( غير محفوظ ) يساوي ( منكر ) و ( موضوع )


ويروي عن جعفر أحمد بن عمر بن سعيد


قال الذهبي في الميزان :" 504 - أحمد بن عمر بن سعيد، أبو الفتح الجهازي (1) .

قال الحبال: تكلم فيه القاضي علي بن الحسن بن خليل"


وكما قدمت آنفاً أن هذه الرواية أن هذا يخالف المتواتر عن الإمام أحمد


ولو صح هذا عن أحمد لرواه كل الناس عنه ولما تركه الخلال ولاشتهر في كتب المعتقد وما قال الأصبهاني وابن أبي يعلى والهروي والسجزي أن التلاوة هي المتلو


فإن الإمام أحمد لم يرض من اللفظية بقولهم ( القرآن غير مخلوق ) ولفظي بالقرآن مخلوق لئلا يريدوا ما يريده الأشاعرة من كون القرآن الذي في الأرض مخلوق والذي عند الله هو غير المخلوق


لذا غضب على نعيم لما روي عنه الكلام باللفظ مع أنه يصرح بأن القرآن غير مخلوق


فإن : ألا يقبل الضعفاء في المقطوع


فيقال : هذا إن لم يخالفوا المشهور عن الإمام ويرووا عنه تفصيلا لا يعلم من طريقته وإليه يتشوف أعيان أصحابه لما في ذلك من فض نزاعات عظيمة حصلت بين الناس بعد الإمام أحمد في هذه المسائل وكلهم يعظمه ويطلب قوله


وإذا كان بعض أعيان أصحاب أحمد غلط عليه لما رأى من كثرة رده على اللفظية فنسب إليه القول بأن ( لفظي بالقرآن غير مخلوق ) حتى رده أحمد وبين له


ووجه انتقادي على الكاتب إطلاقه بأن اعتقاد أهل السنة بأن التلاوة مخلوقة وهذا نص ابن تيمية على أنه باطل عن أحمد وهذا هو الصواب


بل لما استدل على اللفظية بقوله تعالى ( حتى يسمع كلام الله ) قال : ممن سمع


يريد أن تسمية تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن ( كلام الله ) يبطل الإطلاق بأنها مخلوقة بل لا بد من التفصيل فيقال : كلام الله غير مخلوق وفعل العبد مخلوق


وهذه الرواية تناقض كلام ابن تيمية مناقضة صريحة الذي صرح أن أحمد لم يطلق بأن التلاوة مخلوقة فلا ينبغي الممحاكة في هذه الأبحاث الخطيرة


وأعيد نصه هنا


قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (12/373) :" وكانت اللفظية الخلقية من أهل الحديث يقولون نقول أن ألفاظنا بالقرآن مخلوقة وان التلاوة غير المتلو والقراءة غير المقروء و اللفظية المثبتة يقولون نقول أن الفاظنا بالقرآن غير مخلوقة والتلاوة هى المتلو والقراءة هى المقروء

 وأما المنصوص الصريح عن الامام أحمد وأعيان أصحابه وسائر أئمة السنة والحديث فلا يقولون مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا يقولون التلاوة هى المتلو مطلقا ولا غير المتلو مطلقا كما لا يقولون الاسم هو المسمى ولا غير المسمى

 وذلك أن التلاوة والقراءة كاللفظ قد يراد به مصدر تلى يتلو تلاوة وقرأ يقرأ قراءة ولفظ يلفظ لفظا ومسمى المصدر هو فعل العبد وحركاته وهذا المراد باسم التلاوة والقراءة واللفظ مخلوق وليس ذلك هو القول المسموع الذى هو المتلو وقد يراد باللفظ الملفوظ وبالتلاوة المتلو وبالقراءة المقروء وهو القول المسموع وذلك هو المتلو ومعلوم أن القرآن المتلو الذى يتلوه العبد ويلفظ"


فانظر كيف سمى القائلين بأن التلاوى غير المتلو لفظية ونص على مخالفة مذهبهم للمشهور المتواتر عن أحمد


وما نقله حرب عن أحمد هو الآكد 


وإليك هذه الرواية القاصمة في إنكار أحمد على من يقول التلاوة مخلوقة


أبو أبو داود في مسائله 1712 - كَتَبْتُ رُقْعَةً، وَأَرْسَلْتُ بِهِ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُتَوَارٍ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ جَوَابَهُ مَكْتُوبًا فِيهِ: قُلْتُ: رَجُلٌ يَقُولُ: التِّلَاوَةُ مَخْلُوقَةٌ، وَالْفَاظُنَا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ وَالْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، مَا تَرَى فِي مُجَانَبَتِهِ؟ وَهَلْ يُسَمَّى مُبْتَدِعًا؟ وَعَلَى مَا يَكُونُ عَقْدُ الْقَلْبِ فِي التِّلَاوَةِ وَالْأَلْفَاظِ؟ وَكَيْفَ الْجَوَابُ فِيهِ؟ قَالَ: هَذَا يُجَانَبُ، وَهُوَ فَوقُ الْمُبْتَدِعِ، وَمَا أَرَاهُ إِلَّا جَهْمِيًّا، وَهَذَا كَلَامُ الْجَهْمِيَّةِ، الْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ، يُرِيدُ حَدِيثَهَا» : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] ، فَقَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَاحْذَرُوهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ» ، وَالْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ


فليبصر المرء أمر دينه فأنا لكم ناصح

وما أحسن ما قال يوسف الغفيص في شرح الطحاوية :" إن كان ابن القيم رحمه الله ذكر كلام الإمام أحمد والذهلي والبخاري، وقال: وأحسنه قول أبي عبد الله البخاري، وهذا ليس كذلك، بل أحسنه قول الإمام أحمد رحمه الله، وهو أن يترك هذا الباب ويعبر بالعبارات الشرعية المحكمة"

وهنا لا بد من كلمة حق في ابن القيم فقد كان متحرياً تمام التحري للحق وشبهته في مثل هذا قوية والله يعفو عنا وعنه

الخطأ العاشر : تأويل صفة الاستطابة

وهذا الخطأ فيه ابن عثيمين ويحيى الحجوري

قال الأخ مأمون الشامي :"    قال البخاري في صحيحه : 7538 - حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم، قال: «لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».

    ورواه مسلم كذلك 163 - (1151).

    قال النووي في "شرحه على مسلم" 8/30 :
    وأما معنى الحديث فقال القاضي قال المازري هذا مجاز واستعارة لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طبائع تميل إلى شئ فتستطيبه وتنفر من شيء فتستقذره والله تعالى متقدس عن ذلك لكن جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك في الصوم لتقريبه من الله تعالى قال القاضي وقيل يجازيه الله تعالى به في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما أن دم الشهيد يكون ريحه ريح المسك وقيل يحصل لصاحبه من الثواب أكثر ممن يحصل لصاحب المسك وقيل رائحته عند ملائكة الله تعالى أطيب من رائحة المسك عندنا وإن كانت رائحة الخلوف عندنا خلافه والأصح ما قاله الداورى من المغاربة وقاله من قال من أصحابنا إن الخلوف أكثر ثوابا من المسك حيث ندب إليه في الجمع والأعياد ومجالس الحديث والذكر وسائر مجامع الخير.اهـ.

    وهذا التحريف لصفة الاستطابة الذي استبعده المازري وأقره عليه النووي, قد تبعه عليه كذلك ابن حجر في "شرحه على الصحيح" 4/105 وكذلك العراقي والعيني والسيوطي والقسطلاني والشوكاني وغيرهم من الشراح بل عامتهم.

    وعامة من تقدم ذكرهم من الشراح هم: من المعطلة, الذين سلكوا مسلك التعطيل في أبواب الصفات وتحريف نصوص الكتاب والسنة عن المعاني التي دلت عليها ظواهرها.


    وقد انبرى لرد هذا التحريف الإمام ابن القيم رحمه الله واعتبره ضرباً من ضروب التأويل بغير ضرورة وإخراجاً للفظ عن حقيقته وظاهره وحقق القول في هذه الصفة بما لا نظير له , حيث قال في كتابه "الوابل الصيب" ص/28:
    ثم ذكر (أي ابن الصلاح) كلام الشراح في معنى طيبه وتأويلهم إياه بالثناء على الصائم والرضى بفعله، على عادة كثير منهم بالتأويل من غير ضرورة، حتى كأنه قد بورك فيه فهو موكل به، وأي ضرورة تدعو إلى تأويل كونه أطيب عند الله من ريح المسك بالثناء على فاعله والرضا بفعله، وإخراج اللفظ عن حقيقته؟ وكثير من هؤلاء ينشئ للفظ معنى ثم يدعي إرادة ذلك المعنى بلفظ النص من غير نظر منه إلى استعمال ذلك اللفظ في المعنى الذي عينه أو احتمال اللغة له.
    ومعلوم أن هذا يتضمن الشهادة على الله تعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن مراده من كلامه كيت وكيت، فإن لم يكن ذلك معلوماً بوضع اللفظ لذلك المعنى أو عرف الشارع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعادته المطردة أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى أو تفسيره له به وإلا كانت شهادة باطلة.
    ومن المعلوم أن أطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة المسك، فمثل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الخلوف عند الله تعالى بطيب رائحة المسك عندنا وأعظم.
    ونسبة استطابة ذلك إليه سبحانه وتعالى كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين، كما أن رضاه وغضبه وفرحه وكراهته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك، كما أن ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات خلقه وصفاته لا تشبه صفاتهم وأفعالهم.
    وهو سبحانه وتعالى يستطيب الكلم الطيب فيصعد إليه، والعمل الصالح فيرفعه.
    وليست هذه الاستطابة كاستطابتنا.
    ثم إن تأويله لا يرفع الإشكال، إذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابة يلزم مثله الرضا، فإن قال رضا ليس كرضا المخلوقين، فقولوا استطابة ليس كاستطابة المخلوقين.
    وعلى هذا جميع ما يجيء من هذا الباب.اهـ.

    وقد أشار إلى كلام ابن القيم السابق الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله في تعليقه على فتح ابن حجر ص/6 ,حيث قال :
    كل هذا تأويل لا حاجة إليه وإخراج للفظ عن حقيقته والصواب أن نسبة الاستطابة إليه سبحانه كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين كما أن رضاه وغضبه وفرحه وكراهته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك كما أن ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات المخلوقين وصفاته لا تشبه صفاتهم وأفعاله لا تشبه أفعالهم قاله العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الوابل الصيب والله أعلم.اهـ."

أقول : هذه نهاية الحلقة الأولى إذ لم أود الإثقال وهذه السلسلة ستكون اختصاراً لما في المدونة ككل ، وليعلم أن القول الفصل في المعاصرين أنهم ليسوا طبقة واحدة وهم متفاوتون وعدد ممن أنقده له فضل علي في إيضاح الكثير من المسائل غير أن دين الله عز وجل فوق الجميع والنصيحة والتقويم إحسان وما على المحسنين من سبيل

والكلمة الأخيرة في تقويم طريقة المعاصرين وبيان الفروق بينهم ستكون في الحلقة الأخيرة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم



. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي