مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تقويم المعاصرين ( الحلقة السادسة عشر )

تقويم المعاصرين ( الحلقة السادسة عشر )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فهذا هو الباب الأخير من أبواب العقيدة في سلسلة تقويم المعاصرين ، وبعدها ننتقل إلى الفقه إن شاء الله تعالى وهذا الباب خصصته للاستدراكات على الأبواب السابقة ومسائل متفرقة

الخطأ الأول : إنكار أن برهوت فيه أرواح الكفار

وهذا ردي عليهم

قال الحدوشي المغربي المخرف في نقده لكتاب شرح السنة للبربهاري :" مثل ادعائه"(أن أرواح الكفار في بئر برهوت في حضرموت)وهذه خرافة" _ استفدته من الأخ الكثيري _


أقول : هذه ردة عن الإسلام لأن هذا الاعتقاد بسند صحيح عن علي ولا يعرف عن علي الأخذ عن بني إسرائيل


قال عبد الرزاق في المصنف 9118 - عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " خَيْرُ وَادِيَيْنِ فِي النَّاسِ ذِي مَكَّةُ، وَوَادٍ فِي الْهِنْدِ هَبَطَ بِهِ آدَمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ هَذَا الطِّيبُ الَّذِي تَطَّيَّبُونَ بِهِ، وَشَرُّ وَادِيَيْنِ فِي النَّاسِ وَادِي الْأَحْقَافِ، وَوَادٍ بِحَضْرَمَوْتَ يُقَالُ لَهُ: بَرَهَوْتُ، وَخَيْرُ بِئْرٍ فِي النَّاسِ زَمْزَمُ، وَشَرُّ بِئْرٍ فِي النَّاسِ بَلَهَوْتُ، وَهِيَ بِئْرٌ فِي بَرَهَوْتَ تَجْتَمِعُ فِيهِ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ "


وهذا إسناد صحيح


وقال الآلوسي في الآيات البينات :" وَقَالَ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه قَالَ طَائِفَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِن التَّابِعين إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ بالجابية وأرواح الْكفَّار ب (برهوت) بِئْر ب (حَضرمَوْت)"


وقد علق الألباني بأن هذا لا دليل عليه لا من آية ولا حديث ولا قول صاحب وهذا غير صحيح فقد تقدم أثر علي


وكذا قال ناصر العقل في تعليقه على شرح السنة للبربهاري :" وكذلك أن أرواح الكفار في سجين وردت فيها النصوص، أما أن أرواح الكفار والفجار في برهوت فهذا لم يرد فيه نص صحيح والله أعلم"


وكذا قال الراجحي في شرحه على السنة للبربهاري :" وأما القول بأن أرواح الكفار في برهوت وهي بئر في حضرموت فهذا لا دليل عليه"


وهذه آفة الجهل بالأثر وقد سرد ابن القيم الآثار في الباب في كتاب الروح رداً على مجازفة وقحة لابن حزم


قال ابن القيم في الروح :" فصل وَأما قَول من قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ بالجابية وأرواح الْكفَّار

بحضرموت ببرهوت فَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم هَذَا من قَول الرافضة وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بل قد قَالَه جمَاعَة من أهل السّنة

وَقَالَ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه وروى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ بالجابية ثمَّ قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُونُس حَدثنَا احْمَد بن عَاصِم حَدثنَا أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان ابْن دَاوُد حَدثنَا همام حَدثنِي قَتَادَة حَدثنِي رجل عَن سعيد بن الْمسيب عَن عبد الله بن عَمْرو وَأَنه قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تَجْتَمِع بالجابية وان أَرْوَاح الْكفَّار تَجْتَمِع فِي سبخَة بحضرموت يُقَال لَهَا برهوت

ثمَّ سَاق من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن عبد الْجَلِيل بن عَطِيَّة عَن شهر بن حَوْشَب أَن كَعْبًا رأى عبد الله بن عَمْرو وَقد تكلب النَّاس عَلَيْهِ يسألونه فَقَالَ لرجل سَله أَيْن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ وأرواح الْكفَّار فَسَأَلَهُ فَقَالَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ بالجابية وأرواح الْكفَّار ببرهوت

قَالَ ابْن مَنْدَه وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره عَن عبد الْجَلِيل ثمَّ سَاق من حَدِيث سُفْيَان عَن فرات الْقَزاز عَن أَبى الطُّفَيْل عَن على قَالَ خير بِئْر فِي الأَرْض زَمْزَم وَشر بِئْر فِي الأَرْض برهوت فِي حَضرمَوْت وَخير وَاد فِي الأَرْض وَادي مَكَّة والوادي الَّذِي أهبط فِيهِ آدم بِالْهِنْدِ مِنْهُ طيبكم وَشر وَاد فِي الأَرْض الْأَحْقَاف وَهُوَ فِي حَضرمَوْت ترده أَرْوَاح الْكفَّار

قَالَ ابْن مَنْدَه وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن على بن زيد عَن يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس عَن على أبْغض بقْعَة فِي الأَرْض وَاد بحضرموت يُقَال لَهُ برهوت فِيهِ أَرْوَاح الْكفَّار وَفِيه بِئْر مَاؤُهَا بِالنَّهَارِ أسود كَأَنَّهُ قيح تأوي إِلَيْهِ الْهَوَام

ثمَّ سَاق من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي حَدثنَا على بن عبد الله حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا إبان بن تغلب قَالَ قَالَ رجل بت فِيهِ يعْنى وَادي برهوت فَكَأَنَّمَا حشرت فِيهِ أصوات النَّاس وهم يَقُولُونَ يَا دومه يَا دومه قَالَ إبان فحدثنا رجل من أهل الْكتاب أَن دومة هُوَ الْملك الَّذِي على أَرْوَاح الْكفَّار"



وقال مقاتل بن سليمان في تفسيره :" وترتفع أروح الكفار من تحت الأرض السفلى إلى واد يقال له برهوت وهو بحضرموت"


وكثير من الفقهاء من جميع المذاهب ينصون على كراهية الوضوء بماء برهوت لهذا الداعي


وأثر موجود في مصادر عديدة لوم يصف أحد هذا بأنه خرافة قبل هذا المجرم المتعجل

الخطأ الثاني : إنكار صفة الحقو أو التوقف فيها

وهذه وقع فيه الألباني فيما أخبرني الأخوة

قال ابن أبي حاتم في العلل : "2118- وسألتُ أبي عن تفسير حديث النبي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ الرحم شجنة من الرحمان وإنها آخذة بحقو الرحمان، فقال : قال الزُّهْريّ على رسول الله البلاغ ومنا التسليم ؛ قال أمروا حديث رسول الله على ما جاء .

وحدثت عن مُعتمر بن سليمان ، عن أَبيه أَنه قال كانوا يكرهون تفسير حديث رسول الله بآرائهم كما يكرهون تفسير القرآن برأيهم.

وقال الهيثم بن خارجة سمعت الوليد بن مسلم يقول سألتُ الأوزاعي وسفيان الثَّورِيّ ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الاحاديث التي فيها الصفة والرؤية والقرآن فقال أمروها كما جاءت بلا كيف"

وقال سعود العثمان أنه لم يجد كلاماً لمتقدم في هذا فكتبت عليه رداً وذكرت هذا ، فلما أخبروه سأل عن عمري وقال بأنه قرأ هذا الكتاب يعني العلل قبل أولد ( وهذا فيما أخبرت به ) وأحسب أن فرعون لو كان حياً لن يزيد على هذا الجواب شيئاً

وهذا الرجل له بحث سوء في أبي حنيفة وأبي يوسف في مقدمة تحقيقه للآثار مبني على الاجتزاء لا يكتبه إلا رجل جعل المقدمة النفسية عنده حاكمة على البحث اجتزأ كثيراً واعتمد على أغاليط ابن عبد البر مع أنه وقف على ما ينقضها لا بارك الله في هكذا أبحاث

الخطأ الثالث : إثبات صفة التحسر !

وهذه وقع فيها السعدي في تفسيره

قال الله تعالى : (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)
 استشكل بعض الناس هذه الآية وظن أن فيها نسبة التحسر لله عز وجل .
 ولو رجعوا إلى تفاسير السلف لدفع الاستشكال

قال الطبري في تفسيره (20/511) :" القول في تأويل قوله تعالى : { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) }
يقول تعالى ذكره: يا حسرةً من العباد على أنفسها وتندّما وتلهفا في استهزائهم برسل الله( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ ) من الله( إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) وذكر أن ذلك في بعض القراءات(يَاحَسْرَةَ العِبَادِ عَلى أنْفُسِهَا).
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ) أي: يا حسرة العباد على أنفسها على ما ضَيَّعت من أمر الله، وفرّطت في جنب الله. قال: وفي بعض القراءات:(يَاحَسْرَةَ العِبَادِ عَلى أنْفُسِهَا).
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن؛ قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله( يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ) قال: كان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل .
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله( يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ) يقول: يا ويلا للعباد. وكان بعض أهل العربية يقول: معنى ذلك: يا لها حسرة على العباد "

فيكون معنى الآية ( وقعت الحسرة على العباد ) فمعنى ( حسرة على العباد ) كقولك ( اللعنة على العباد ) فالتحسر فعل العباد وليس فعل الرب

وقال البغوي في تفسيره (7/16) :" { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ } قال عكرمة: يعني يا حسرتهم على أنفسهم، والحسرة: شدة الندامة، وفيه قولان: أحدهما: يقول الله تعالى: يا حسرة وندامة وكآبة على العباد يوم القيامة حين لم يؤمنوا بالرسل.
والآخر: أنه من قول الهالكين. قال أبو العالية: لما عاينوا العذاب قالوا: يا حسرة أي: ندامة على العباد، يعني: على الرسل الثلاثة حيث لم يؤمنوا بهم، فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم.
قال الأزهري: الحسرة لا تدعى، ودعاؤها تنبيه المخاطبين. وقيل العرب تقول: يا حسرتي! ويا عجبًا! على طريق المبالغة، والنداء عندهم بمعنى التنبيه، فكأنه يقول: أيها العجب هذا وقتك؟ وأيتها الحسرة هذا أوانك؟
حقيقة المعنى: أن هذا زمان الحسرة والتعجب. ثم بين سبب الحسرة والندامة، فقال: { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }"

إذا فهمت هذا علمت  تبين لك ما في قول عبد الرحمن السعدي في تفسيره تيسير الكريم الرحمن ص659:" قال اللّه متوجعا للعباد: { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي: ما أعظم شقاءهم، وأطول عناءهم، وأشد جهلهم، حيث كانوا بهذه الصفة القبيحة، التي هي سبب لكل شقاء وعذاب ونكال"


ولا أعلم أحداً من السلف نسب صفة التوجع لله عز وجل ، وكلامه مدفوع بما تقدم عن السلف

الخطأ الرابع : إنكا حادثة قتل يحيى بن زكريا أو التوقف في ذلك

وهذه وجدته لمركز الفتوى الذي على الشابكة حيث قالوا بأنه لا يوجد على قتل يحيى بن زكريا

والواقع أن قتله إجماع فقد أجمع المفسرون أن الإفساد الثاني لبني إسرائيل قتل يحيى بن زكريا

قال الطبري في تفسيره :" وأما إفسادهم في الأرض المرّة الآخرة، فلا اختلاف بين أهل العلم أنه كان قتلهم يحيى بن زكريا"

وقد ذكرت أسماء بنت أبي بكر قتل يحيى بن زكريا وإهداء رأسه إلى بغي أمام ابن عمر متسلية بذلك فما أنكر عليها

وصح هذا عن ابن عباس فالسلف لا يختلفون فيه ومن المعاصرين من يتوقف فيه !

الخطأ الخامس : إنكار أن يكون الرعد ملكاً !

وهذا عليه كثير من المعاصرين بل حاكم العبيسان جعل تضعيف الحديث ذريعة لذلك والقوم لا يفرقون بين الرعد نفسه وأثر فعل الرعد فيجعلون أثر فعله هو نفس الرعد فينكرون وهذه طريقة الملاحدة في أفعال الله

وقد نص الشافعي على أن قول من قال الرعد ملك هو أشبه ما يكون بظاهر التنزيل

وإليك البحث في الخبر مرفوعاً ثم الكلام على الموقوفات والمقطوعات

قال الترمذي في جامعه 3117 : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الوَلِيدِ - وَكَانَ يَكُونُ فِي بَنِي عِجْلٍ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:

 أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا القَاسِمِ، أَخْبِرْنَا عَنِ الرَّعْدِ مَا هُوَ؟

 قَالَ: مَلَكٌ مِنَ المَلَائِكَةِ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ. فَقَالُوا: فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ؟ قَالَ:  زَجْرَةٌ بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَيْثُ أُمِرَ» قَالُوا: صَدَقْتَ. فَقَالُوا: فَأَخْبِرْنَا عَمَّا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَ:  اشْتَكَى عِرْقَ النَّسَا فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَائِمُهُ إِلَّا لُحُومَ الإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا  قَالُوا: صَدَقْتَ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.


بكير بن شهاب قال فيه أبو حاتم ( شيخ ) وقال أبو نعيم في هذا الحديث ( غريب من حديث سعيد ) ، وقد ذكر النسائي هذا الحديث في سننه الكبرى وحذفه من الصغرى مما يدل على استنكاره له


وقد روي هذا الخبر من طرق كثيرة عن ابن عباس موقوفاً عليه


قال البخاري في الأدب المفرد 722: حَدثنا بِشْرٌ، قَالَ: حَدثنا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ قَالَ: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سَبَّحْتَ لَهُ، قَالَ: إِنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ يَنْعِقُ بِالْغَيْثِ، كَمَا يَنْعِقُ الرَّاعِي بِغَنَمِهِ.


وهذا روي من كلام عكرمة


قال أبو الفضل صالح بن الإمام أحمد في مسائله:459- حدثني أبي, ثنا وكيع , عن عمر بن أبي الزائدة قال سمعت عكرمة يقول (ويسبح الرعد بحمده ) قال : الرعد ملك يزجر السحاب بصوته.


وقال أبو الشيخ في العظمة 751 : حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، حدثنا ابن أبي الشوارب ، حدثنا أبو عوانة ، عن موسى البزار ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال : الرعدملك يسوق السحاب بالتسبيح ، كما يسوق الحادي الإبل بحدائه .


وشهر ضعيف ، واضطرب فيه فتارة رواه عن أبي هريرة وأخرى عن كعب الأحبار


وقال أيضاً في العظمة 754 : حدثنا أحمد بن عمر ، حدثنا عبد الله ، قال : حدثني الحسين بن الأسود ، حدثنا أبو أسامة ، عن عبد الملك بن الحسين ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال :   الرعد ملك يحدو يزجر السحاب بالتسبيح والتكبير .


وقال البغوي في الجعديات 226 : حدثنا علي ، أنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد قال :

 الرعد ملك يزجر السحاب بصوته .

وهذا مقطوع على مجاهد


قال إبراهيم الحربي في غريب الحديث :" قوله :   الرعد ملك   .

 هو عند الصحابة : علي ، وابن عباس ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي هريرة ، وكذا قال التابعون : مجاهد ، وعكرمة ، وأبو صالح ، والضحاك ، وشهر ، وعطية ، والحسن ، ومحمد بن قيس ، والسدي"


قال ابن رجب في شرح علل الحديث : ونقل محمد بن سهل بن عسكر عن أحمد قال : (( إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون : هذا الحديث غريب أو فائدة ، فاعلم أنه خطأ أو دخل حديث في حديث ، أو خطأ من المحدث ، أو ليس له إسناد ، وإن كان قد روى شعبة ، وسفيان . وإذا سمعتم يقولون : لا شئ فاعلم أنه حديث صحيح . .


وقول ابن مندة فيه : هذا إسناد متصل ورواته مشاهير ثقات. تساهل بين فإن بكيراً ليس له إلا هذا الحديث فمن أين جاءته الشهرة !


وتفرده من دون بقية أصحاب سعيد بهذا الخبر محل غرابة فعلاً


قال ابن أبي حاتم في تفسيره 3866 : حدثنا أبو الأشج ، ثنا ابن نمير ، عن الأعمش ، وسفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، ( إلا ما حرم إسرائيل على نفسه ) قال : اشتكى عرق النسا ، فبات وبه زقا حتى أصبح فقال : لئن شفاني الله لا آكل عرقا


وهذا إسناد صحيح وعنعنة حبيب لا تضر على الصواب وقد تراجع الألباني عن الإعلال بها


فهذا الخبر إما أن يكون هو خبر بكير وهذه علته الاختصار والوقف

وإما أن يكون دليل نكارته فإن في خبر بكير فيه أنه حرم لحوم الإبل وألبانها ، لأجل ملائتها لعرق النسا ، وهذا الخبر الموقوف فيه أنه نذر ألا يأكل عرقاً إذا شفاه الله عز وجل


فخالفه في ذكر سبب التحريم ، وخالفه في العين المحرمة فخبر بكير فيه تحريم الإبل وألبانها ، وخبر حبيب فيه تحريم كل عرق من إبل وغيرها ، لا ذكر للبن فيه


وقال ابن أبي حاتم في تفسيره 187 : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ فُرَاتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْجَلْدِ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الرَّعْدِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ الرَّعْدَ رِيحٌ.


وقال الطبري في تفسيره 437: حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزُّبيري، قال: حدثنا بِشير بن سليمان، عن أبي كثير، قال: كنت عند أبي الجَلد، إذْ جاءه رسول ابن عباس بكتاب إليه، فكتب إليه:"كتبتَ تَسألني عن الرّعد، فالرعد الريح .


الحسن بن الفرات قال أبو حاتم :" منكر الحديث " وأبو كثير ما عرفته وهذا الخبر فيه اضطراب


قال الطبراني في الدعاء 999 : حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابَ الصَّفَّارُ الْكُوفِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَبِي الْجِلْدِ يَسْأَلُهُ عَنِ الرَّعْدِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: الرَّعْدُ مَلَكٌ.


وقال الطبري في تفسيره 434: حدثنا المثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنا موسى بن سالم أبو جَهْضم، مولى ابن عباس، قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجَلْدِ يسألهُ عن الرعد، فقال: الرعد مَلك


عطاء اختلط ، وموسى لم يدرك ابن عباس والخبر كما ترى اضطرب متنه فتارة ( ريح ) وأخرى ( ملك )


وهذا لو صح لكان قاضياً على الخبر المرفوع بالنكارة ، فلو كان ابن عباس عنده خبر مرفوع فلم يسأل الناس عن الرعد وعنده خبر مرفوع


وللخبر مرفوع شاهد منكر


قال الطبراني في الأوسط 7731 : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْخَطِيبُ الْأَهْوَازِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، نَا أَبُو عِمْرَانَ الْحَرَّانِيُّ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ، وَلَيْسَ بِالْأَنْصَارِيِّ، كَانَ فِي عِيرٍ لِخَدِيجَةَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَرَى فِيكَ خِصَالًا، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ النَّبِيَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ تِهَامَةَ، وَقَدْ آمَنْتُ بِكَ، فَإِذَا سَمِعْتُ بِخُرُوجِكَ أَتَيْتُكَ، فَأَبْطَأَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَرْحَبًا بِالْمُهَاجِرِ الْأَوَّلِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مَنَعَنِي أَنْ أَكُونَ مِنْ أَوَّلِ مَنْ أَتَاكَ، وَأَنَا مُؤْمِنٌ بِكَ غَيْرُ مُنْكَرٍ لِبَيْعَتِكَ، وَلَا ناكِثٌ لِعَهْدِكَ، وَآمَنْتُ بِالْقُرْآنِ، وَكَفَّرْتُ بِالْوَثَنِ، إِلَّا أَنَّهُ أَصَابَتْنَا بَعْدَكَ سَنَوَاتٌ شِدَادٌ مُتَوَالِيَاتٌ، تَرَكَتِ الْمُخَّ رِزَامًا وَالْمَطِيَّ هَامَا، غَاضَتْ لَهَا الدِّرَّةُ، ونَبَعَتْ لَهَا التَّرَةُ، وَعَادَ لَهَا النِّقَادُ مُتَجَرْثِمًا وَالْقِنَطَةُ أَوِ الْعِضَاهُ مُسْتَحْلِفًا، وَالْوَشِيجُ مُسْتَحْنِكًا يَبِسَتْ بِأَرْضِ الْوَدِيسِ، واجْتَاحَتْ جَمِيعَ الْيَبِيسِ وَأَفْنَتْ أُصُولَ الْوَشِيجِ، حَتَّى قُطَّتِ الْقَنِطَةُ، أَتَيْتُكَ غَيْرَ ناكِثٍ لِعَهْدِي، وَلَا مُنْكِرٍ لِبَيْعَتِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذْ عَنْكَ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَاسِطٌ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِمُسيءِ النَّهَارِ لِيَتُوبَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وباسطٌ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِمُسيءِ اللَّيْلِ لِيَتُوبَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ كَثِقَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ الْبَاطِلَ خَفِيفٌ كَخِفَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ الْجَنَّةَ مَحْظُورٌ عَلَيْهَا بِالْمَكَارِهِ، وَإِنَّ النَّارَ مَحْظُورٌ عَلَيْهَا بِالشَّهَوَاتِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ ضَوْءِ النَّهَارِ، وَعَنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَعَنْ حَرِّ الْمَاءِ فِي الشِّتَاءِ، وَعَنْ بَرْدِهِ فِي الصَّيْفِ، وَعَنِ الْبَلَدِ الْأَمِينِ، وَعَنْ مَنْشَأِ السَّحَابِ، وَعَنْ مَخْرَجِ الْجَرَادِ، وَعَنِ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، وَعَمَّا لِلْوَلَدِ مِنَ الرَّجُلِ، وَمَا لِلْمَرْأَةِ. فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَضُوءُ النَّهَارِ: فَإِنَّ الشَّمْسَ إِذَا سَقَطَتْ سَقَطَتْ تَحْتَ الْأَرْضِ، فَأَظْلَمَ اللَّيْلُ لِذَلِكَ، وَإِذَا أَضَاءَ الصُّبْحُ ابْتَدَرَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، وَهِيَ تَقَاعَسُ كَرَاهَةَ أَنْ تُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، حَتَّى تَطْلُعَ فَتُضِيءَ، فَبِطُولِ اللَّيْلِ يَطُولُ مُكْثُهَا، فَيَسْخُنَ الْمَاءُ لِذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ قَلَّ مُكْثُهَا فَبَرَدَ الْمَاءُ لِذَلِكَ. وَأَمَّا الْجَرَادُ: فَإِنَّهُ نَثْرَةُ حُوتٍ فِي الْبَحْرِ، يُقَالُ لَهُ: الْإِيوَانُ، وَفِيهِ يَهْلَكُ. وَأَمَّا مَنْشَأُ السَّحَابِ: فَإِنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ قِبَلِ الْخَافِقَيْنِ أَوْ مِنْ بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ، تُلْحِمُهُ الصَّبَا وَالْجَنُوبُ وتُسْدِيهِ الشَّمَالُ وَالدَّبُورُ. وَأَمَّا الرَّعْدُ: فَإِنَّهُ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِخْرَاقٌ يُدْنِي الْقَاصِيَةَ وَيُؤَخِّرُ الدَّانِيَةَ، وَإِذَا رَفَعَ بَرَقَتْ، وَإِذَا زَجَرَ رَعَدَتْ، وَإِذَا ضَرَبَ صَعِقَتْ. وَأَمَّا مَا لِلرَّجُلِ مِنَ الْوَلَدِ، وَمَا لِلْمَرْأَةِ: فَإِنَّ لِلرَّجُلِ الْعِظَامَ، وَالْعُرُوقَ، وَالْعَصَبَ، وللمرأةِ اللَّحْمَ، وَالدَّمَ، وَالشَّعْرَ،. وَأَمَّا الْبَلَدُ الْأَمِينُ: فَمَكَّةُ»

لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ إِلَّا أَبُو عِمْرَانَ الْحَرَّانِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ "


قال الذهبي في ميزان الاعتدال :" 9892 - يوسف بن يعقوب، أبوعمران.

عن ابن جريج بخبر باطل طويل.

وعنه إنسان مجهول"


والخلاصة أن الخبر المرفوع لا يثبت وإنما هي موقوفات والمقطوعات على عكرمة ومجاهد صحيحة وقد تلقيت بالقبول وما خالفها أحد

وهناك باحث اسمه محمد بن صالح بن محمد بن سليمان له رسالة اسمها اختلاف السلف في التفسير بين التنظير والتطبيق

ولهذا الباحث في رسالته المذكورة مناقشة جيدة لمحمد رشيد رضا وحاكم العبيسان في زعمهما أن الأخبار الواردة عن السلف في أن الرعد ملك إسرائيليات


قال الباحث المذكور في 380 من رسالته :" ثالثاً قوله - يعني محمد عبده - (( ولكن أكثر المفسرين ولعوا بحشو تفاسيرهم بالموضوعات التي نص المحدثون على كذبها ، كما ولعوا بحشوها بالقصص والاسرائيليات التي تلقفوها من أفواه اليهود )) دعوى عريضة لا أساس لها .

 إذ الشيخ لم يذكر محدثاً واحداً نص على كذب هذه الروايات ، سواءً كانت مرفوعة أو موقوفة ، بل الطرق على ما في كثير منها من ضعف ليس فيها راو واحد اتهم بالكذب فضلاً عن أن يكون كذاباً ، وقد كان اللائق قبل إصدار هذا الحكم العام الكلام على أسانيد وطرق هذه الأخبار والآثار لكن ذلك لم يكن ، والبينة على من ادعى


رابعاً : لم يثبت عن واحد من الصحابة ولا عن واحد من التابعين في مسألة الرعد هذه أنه نقل عن أهل الكتاب ، فادعاء أن هذا مما نقلوه عن كعب الأحبار وغيره لم يثبت .

 بل اضطربت فيه الروايات ، وهو معارض بما ثبت عن ابن عباس أنه فسر الرعد بأنه ملك يزجر السحاب وكذا عن مجاهد وأبي صالح وعكرمة وغيرهم .

 ولو سلمنا على سبيل التنزل أن هذا مما أخذوه عن أهل الكتاب فهو من الإسرائيليات الموافقة للشرع ، لا المخالفة له وقد نص الشافعي على كون هذا التفسير موافقاً لظاهر القرآن ، كما سبق الإشارة إليه من كلامه والشافعي أفهم لكلام السلف ، واعرف بمرادهم من غيره ، ثم إن هذا القول هو قول جمهور السلف فهل كان كل هؤلاء الأعلام في غفلة مما فطن إليه المتأخرون ؟"


وهذا لا مزيد عليه جزاه الله خيراً

الخطأ السادس : اعتبار البحث في مسألة أبوي النبي صلى الله عليه وسلم بحثاً جانبياً لا فائدة منه

وهذه وقع فيها محمود شاكر في تعليقه على تفسير الطبري ، ووقع فيها نظام يعقوبي ومحمد ناصر العجمي في تعليقهما على المعجم المختص

ومعلوم ما تكلم به كثير من الصوفية من الكفر البواح في هذا الباب وتكذيبهم بأخبار يحتجون بأوهى منها بكثير إذا احتاجوا

فكيف يطلب من أهل السنة السكوت وغيرهم يتكلم بالزندقة والباطل ويدفع الأخبار ؟!

وهذا ردي على المغامسي في المسألة والمغامسي ليس عندي من طبقة من يرد عليهم هنا وإنما أذكر ردي عليه لتناوله لهؤلاء المشار إليهم

:" فإن للمغامسي مقطعاً يذهب فيه إلى التوقف في مسألة أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقول أن هذا هو الحق، هذا هو أبطل الباطل إذ أنه رد صريح لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة

وتوقير النبي لا يكون بتكذيبه ورد خبره عليه.

 قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.


والاتباع يكون الإيمان بالخبر والتسليم للأمر والعمل به ، وما سوى ذلك فليس بمحبة، والآن مع الأحاديث الواردة في أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار:


(1) قال مسلم في صحيحه 2218- [105-976] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ، وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى ، قَالاَ : حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ يَزِيدَ ، يَعْنِي ابْنَ كَيْسَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي.


قال النووي في شرح صحيح مسلم (3/ 402) :" فِيهِ جَوَاز زِيَارَة الْمُشْرِكِينَ فِي الْحَيَاة ، وَقُبُورهمْ بَعْد الْوَفَاة ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَتْ زِيَارَتهمْ بَعْد الْوَفَاة فَفِي الْحَيَاة أَوْلَى ، وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾، وَفِيهِ : النَّهْي عَنْ الِاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ".


وكذا قال القاضي عياض في شرحه على صحيح مسلم، وهذا الحديث اتفق الأئمة على تصحيحه وما رأيت أحداً تكلم فيه ، وعند جمهور المتكلمين الحديث المتفق عليه يفيد القطع فكيف بأهل السنة.

 قال شيخ الإسلام في الأجوبة على الاعتراضات ص43 :" القسم الثاني من الأخبار ما لم يَروِه إلّا الواحد العدلُ ونحوُه، ولم يتواتر لا لفظُه ولا معناهُ، ولكن تلقَّتْه الأمةُ بالقبول عملًا به أو تصديقًا له، كخبر أبي هريرة: «لا تُنكَحُ المرأةُ على عمتها ولا على خالتها». فهذا يُفيد العلم اليقيني أيضًا عند جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الأولين والآخرين. أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاعٌ، وأما الخلف فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة"


ومع صحة هذا الحديث ووروده في صحيح مسلم ضاق صدر السيوطي به فلم يورده في جامعه الصغير ، الذي أورد فيه العديد من الأخبار الموضوعة التي جمعها الصوفي الشيعي أحمد الغماري في كتابه (المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير) !


وقد ضاق صدر السيوطي بحديث (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ ، أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ ، لاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) لأنه يخالف مذهبه في الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم يرى يقظة الآن ! ، فلم يذكره في جامعه الصغير !


(2) قال مسلم في صحيحه 420- [347-203] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ : فِي النَّارِ ، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ.


وهذا حديث ثابت باتفاق أهل العلم:


قال المعلقون على مسند أحمد :" رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد -وهو ابن سلمة- فمن رجال مسلم، وقد تفرد برواية هذا الحديث بهذا اللفظ، وخالفه معمر عن ثابت -فيما قاله السيوطي في رسالته" مسالك الحنفا في والدي المصطفى" المدرجة في = "الحاوي" 2/402، 444 -فلم يذكر "إن أبي وأباك في النار" ، ولكن قال له: "إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار" ، ومعمر أثبت من حيث الرواية من حماد بن سلمة، فإن حمادا تكلم في حفظه، ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه ابن أبي العوجاء دسها في كتبه، فحدث بها فوهم فيها، أو أنه تصرف فرواه في المعنى، وأما معمر فلم يُتكلم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه. قلنا: ورواية معمر هذه التي أشار إليها السيوطي لم تقع لنا، لكن ورد من حديث سعد بن أبي وقاص وابن عمر بإسنادين صحيحين بمثل لفظ رواية معمر، وسيأتي تخريجهما فيما بعد. قال السيوطي: فعُلم أن هذا اللفظ الأول (وهو لفظ رواية حماد) من تصرُف الراوي، رواه بالمعنى على حسب فهمه، وقد وقع في "الصحيحين" روايات كثيرة من هذا النمط فيها لفظ تصرف فيه الراوي، وغيره أثبت منه".


أقول : ألا لعنة الله على الكاذبين، حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت ولم يستنكروا عليه شيئاً عن ثابت، وقد نقل مسلم الإجماع على هذا

قال مسلم في التمييز ص51 :" والدليل على ما بينا من هذا اجتماع أهل الحديث، ومن علمائهم، على أن أثبت الناس في ثابت البناني، حماد بن سلمة"، وأما رواية معمر عن ثابت فهي ضعيفة عند العامة من أهل الفن، قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين قال :" إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه إلا عن الزهري وابن طاوس فإن حديثه عنهما مستقيم ، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا"، وثابت عراقي، بل قال ابن معين : "معمر عن ثابت ضعيف".


وقال ابن حجر في هدي الساري (1/377) : "معمر بن راشد صاحب الزهري كان من أثبت الناس فيه قال بن معين وغيره ثقة إلا أنه حدث من حفظه بالبصرة بأحاديث غلط فيها قاله أبو حاتم وغيره وقال العلائي عن يحيى بن معين حديث معمر عن ثابت البناني ضعيف وقال بن أبي خيثمة عن بن معين إذا حدثك معمر عن الزهري وابن طاوس فحديثه مستقيم وما عمل في حديث الأعمش شيئا وإذا حدث عن العراقيين خالفه أهل الكوفة وأهل البصرة وقال عمرو بن علي كان معمر من أصدق الناس وقال النسائي ثقة مأمون قلت أخرج له البخاري من روايته عن الزهري وابن طاوس وهمام بن منبه ويحيى بن أبي كثير وهشام بن عروة وأيوب وثمامة بن أنس وعبد الكريم الجزري وغيرهم ولم يخرج له من روايته عن قتادة ولا ثابت البناني إلا تعليقا ولا من روايته عن الأعمش شيئاً ولم يخرج له من رواية أهل البصرة عنه إلا ما توبعوا عليه عنه واحتج به الأئمة كلهم".


وأما الإمام مسلم فلم يخرج من روايته عن قتادة إلا ما كان متابعةً فقد خرج له ثلاث أحاديث من هذا الضرب ( انظر الأحاديث (933) ، (1776) ، (7255).


وأما روايته عن ثابت فهي كذلك فقد خرج له حديثين وهما الحديث رقم ( 393) ، وقد تابعه عليه حماد بن سلمة ، والحديث رقم (5448) ، وقد تابعه عليه سليمان بن المغيرة، والمعلقون على المسند يعلمون هذا ولكنهم تغابوا وقلدوا السيوطي ، وقد حكيت لك من حال السيوطي طرفاً، وهم قد ساروا في تحقيقهم للمسند على تصحيح أحاديث حماد بن سلمة غير ثابت ، فكيف بروايته عن ثابت وهنا تعنتوا للهوى،

 ولا أجد أحسن من كلام السيوطي نفسه في الذب عن حماد بن سلمة.

قال السيوطي في اللآليء المصنوعة (1/31) :

"هذا الحديث صحيح رواه خلق عن حماد وأخرجه الأئمة من طرق عنه وصححوه

فأخرجه أحمد في مسنده من طريق معاذ بن معاذ العنبري عن حماد ومن طريق روح عنه

وأخرجه الترمذي من طريق سليمان بن حرب عن حماد وقال حسن صحيح غريب

وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة من طريق أسد بن موسى وحجاج بن المنهال كلاهما عن حماد

وأخرجه ابن مردويه في التفسير من طريق مسلم بن إبراهيم عن حماد

وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عفان بن مسلم وسليمان بن حرب كلاهما عن حماد

وأخرجه البيهقي في كتاب الرؤية من طريق سليمان بن حرب ومن طريق محمد بن كثير عن حماد وأخرجه الضياء المقدسي في المختار وصححه وقد ذكر الزركشي في تخريج الرافعي أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم وإنه قريب من تصحيح الترمذي وابن حبان وقال ابن طاهر في تذكرة الحفاظ أورد ابن عدي هذا الحديث في ترجمة حماد بن سلمة ولعله أشار إلى تفرده به وحماد إمام ثقة".


سبحان الله أين كان هذا التحقيق لما صنف (الوفا)، والصوفية أنفسهم يحتجون بعدة أخبار رواها حماد بن سلمة:


(أ) عن أنس قال:كانت الحبشة يزفنون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرقصون ويقولون محمد عبد صالح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقولون قالوا يقولون محمد عبد صالح.


قلت : هذا الحديث يحتج به المتصوفة على جواز الرقص ، وهو عند أحمد من طريق حماد عن ثابت عن أنس !! وليس له طريق غير هذا !!


فانظر -رحمني الله وإياك- كيف أنهم يضعفون حديثه في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أحاديثه في الصفات فلما وافق حديثه هواهم احتجوا به ! فيلزمهم أحد أمرين إما تضعيف هذا الحديث مع تلك الأحاديث ، أو تصحيحها جميعاً ، وأما صنيع المتصوفة فهو لعب تنفر منه الفطر السليمة، وليس في هذا الحديث حجة للمتصوفة إذ أن رقص الأحباش راجعٌ إلى ما ألفوه وأن هذا الأمر لا يخرم المروءة عندهم وأما بقية الصحابة فلم يقع ذلك منهم.


كما أن رقص الأحباش ليس فيه تكسر المخنثين ، ولم يصنعوه في المساجد مصحوباً بالدفوف والغناء فإن هذا صنيع مخانيث الرجال لا عبادهم.


(ب) عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً أعمى أتى النبي e فقال: إني أصبت في بصري، فادع الله لي. قال: "اذهب فتوضأ، وصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أستشفع بك على ربي في رد بصري، اللهم فشفعني في نفسي، وشفع نبيي في رد بصري، وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك". فرد الله عليه بصره.


قلت : الزيادة الأخيرة هي موطن احتجاج المتصوفة بهذا الخبر إذ أنهم يحتجون بها على أن هذا النوع من التوسل غير منقطع، وهذه الزيادة انفرد بها حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف -كما في تاريخ ابن أبي خيثمة على ما أفاد شيخ الإسلام في قاعدة جليلة-، وقد خالفه شعبة بن الحجاج فروى هذا الحديث دون هذه الزيادة وحديثه عند أحمد (4/138)، وقد روى هذا الحديث هشام الدستوائي وروح بن القاسم ولم يذكروا هذه الزيادة أيضاً، وحماد بن سلمة نفسه قد روى هذا الحديث عنه جمع ولم يذكروا هذه الزيادة.


فقد روى النسائي في السنن الكبرى ( 9171) هذا الحديث من طريق محمد بن معمر (وهو ثقة روى عن أبو داود والنسائي ) قال حدثنا حبان ( هو ابن هلال ثقة حافظ ) قال حدثنا حماد أخبرنا أبو جعفر فذكره وفي آخره، ((اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي)).


قلت : و قد تابع مؤمل بن إسماعيل حبان بن هلان عند أحمد في المسند (4/138) وروايته نحو من رواية شعبة، وجميعهم لم يذكروا هذه الزيادة، ومع ذلك فقد صحح عبد الله الغماري هذه الزيادة في رسالته التي صنفها في تصحيح حديث الأعمى، فانظر -رحمني الله وإياك- إلى تناقض الصوفية كيف ردوا رواية حماد بن سلمة عن أخص شيوخه وهو ثابت بن أسلم.


ثم قبلوا زيادةً انفرد بها من دون الأكثر والأوثق عن شيخٍ لم يعرف بملازمته -وقد علمت ما في رواية حماد عن غير ثابت- ولم يذكرها معظم تلاميذه، ومعلوم أن باب القبول في الزيادات أضيق منه في الانفرادات، وهذا الحديث (إن أبي وأباك في النار) أيضاً اجتنه السيوطي في جامعه الصغير.


(3) قال أحمد في مسنده 16189 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَمِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ أُمِّي؟ قَالَ: «أُمُّكَ فِي النَّارِ» قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِكَ؟ قَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ مَعَ أُمِّي» قَالَ أَبِي: " الصَّوَابُ: حُدُسٌ"، وهذا إسناد حسن.


قال الجوزقاني في الأباطيل والمناكير والصحاح المشاهير :" هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، وَوَكِيعٌ هَذَا كُنْيَتُهُ أَبُو مُصْعَبٍ، وَهُوَ صَدُوقٌ، صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَيَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ طَائِفِيٌّ، نَزَلَ وَاسِطَ، وَمَاتَ بِهَا، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هُوَ ثِقَةٌ"، وقد صحح لوكيع بن حدس كل من الترمذي والطبري وابن خزيمة وابن حبان، وقال ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار : فهذه الأحاديث قطعية الثبوت تلقاها المحدثون بالقبول ، ولم يضعفها أحد من أئمة الفن ، ولا يجوز معارضتها بخبر باطل في أن الله عز وجل أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وأسلما فهذا باطل لم يخرجه أحد من الأئمة المعتبرين ، وهو منكر المتن إذ أن الأخبار لا تنسخ، ويقارن كلمة المغامسي بالسوء كلمة محمد بن ناصر العجمي ونظام يعقوبي في تعليقهما على المعجم المختص ص199 :" هذا من المؤلف -رحمه الله- اجتهاد في المسألة ، وهي مثار بحث طويل وجدال علمي ، الأولى تركه وعدم الاشتغال به".


وهذا كلمة خبيثة بل الواجب اعتقاد الأحاديث الصحيحة لا ترك اعتقادها كما يدعو إليه هؤلاء ، بل الأولى ترك تحقيق هذه الكتب الملأى بالخرافات والشركيات ، ومن السخف زعمهم في مقدمة الكتاب أن الزبيدي سلفي المعتقد، ومع ذلك أقروا في الكتاب أن الزبيدي قال بشركيات كثيرة في باب توحيد الألوهية وعظم أصحاب وحدة الوجود، أليس توحيد الألوهية من العقيدة ؟! وتراهم يقولون ( سامحه الله لما أورد هذا ) وكلمات نحوها في عبارات من الشرك الصريح أوردها الزبيدي في كتابه هذا ، وليس من منهج أهل السنة إذا رأوا شخصاً على الشرك أن يقولوا (سامحه الله)، والله عز وجل يقول : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، ولعل مدافعاً عن المغامسي سيأتي بكلام محمد الأمين الشنقيطي ، وكلام عبد الحميد بن باديس..


وأقول : الأخطاء لا تبرر الأخطاء ورد الأحاديث الواردة في المسألة قول باطل وإن قال به من قال.

 ودعوى البعض في دفاعه عن ابن باديس أنه لا يرى تخصيص عموم القرآن بالسنة .

 وأن هذا هو قول جماعة من الأصوليين، فهذا القول باطل .

 فالقول بعدم تخصيص السنة للقرآن هو قول أهل البدع ولم يقل به لا أهل الرأي ولا أهل الحديث.

 فالكل قد خصصوا آيات المواريث على عمومها ، بأحاديث عدم توريث الكافر للمسلم وأحاديث عدم توريث الرقيق.

 والكل قد خصصوا قوله تعالى : ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾، وقوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾، بأحاديث تحريم الجمع بين المرأة وعمتها ، والمرأة وخالتها، وخصصوا قوله تعالى : ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، بالأحاديث الواردة في نصاب السرقة ، ومقدار القطع، والأمثلة في ذلك كثيرة جداً بسطها الشافعي في مقدمة الرسالة، وكثير من كتب الأصول عليها مأخذان في مثل هذه المسائل:


الأول: أنهم يحكون مسائل فيها خلاف في العقيدة كأنها مسائل فقهية اجتهادية.

الثاني : أنهم يستفيدون مذهب الإمام من تخريج هم يفهمونه في مسألة ما ، وربما ناقضها في مسألة أخرى ، وانظر على سبيل المثال ما كتبه الزركشي حول موقف الشافعي من القراءة الشاذة في البحر المحيط .

 وكلام ابن القيم في إعلام الموقعين حول موقف الشافعي من حجية قول الصحابي.

 والقول بأن السنة لا تخصص القرآن قول خطير يفتح الباب لأهل البدع على مصراعيه ولا يقول به فقيه قط.

 ولا ينبغي أن نشكك في الثوابت من أجل شخص رجل نعظمه ، وابن باديس رجل على خطى رشيد رضا وكتب يوسف العيد فيه كتاباً قوياً

فإنما يرتفع الناس بنصرتهم للسنة فما ينبغي أن يرفع فوق السنة.

 فإن قيل هذه الأحاديث تخالف قوله تعالى: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً﴾، فيقال : هذه الآية إنما فيها نفي التعذيب قبل إرسال الرسل ، وليس فيها أن أهل الفترة في الجنة.


والعامة من أهل العلم على أن أهل الفترات فيهم من يدخل النار ، والأحاديث في ذلك متواترة ونقل الأشعري في مقالات الإسلاميين أنهم يمتحنون يوم القيامة.

 فإذا جاءنا خبر في أن بعض أهل الفترات سيدخل النار ، لم يكن معارضاً بحال للآية لأنهم يمتحنون يوم القيامة فمنهم من ينجو ومنهم من يهلك.

 ولو فرضنا أن الآية تدل على نجاتهم فالسنة تخصص القرآن كما قدمنا.

 وإن من ضيق العطن افتراض المعارضة بين الأخبار التي بابها الخصوص والعموم، ومن أعظم منافع علم الأصول القدرة على التوفيق بين الأخبار.

 وأما أن يفهم المرء من القرآن فهماً ، ثم يعترض على أحاديث السنة بفهمه فهذا منهج خطير، سار عليه من أنكر أحاديث قتل المرتد، وسار عليه المعتزلة والخوارج في إنكارهم أحاديث الشفاعة.


وسار عليه معمر القذافي فيما ذكره عنه غازي القصيبي في مناظرته مع الملك خالد في مسألة تعدد الزوجات ، حيث قال أن قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾، فدلت الآية على أنها خاصة بمن أراد أن يحمي اليتيمات ! .

 ورفض الأحاديث التي تخالف هذا الفهم الغريب، بل سار عليه حتى مدعي النبوة  فهموا من سورة الدخان فهماً ، ثم طعنوا في الأحاديث التي تخالف فهمهم.

 وسار عليه الكثير من المبطلين .

 وقد حمل لواء السنة حملاً مجيداً في الرد على هذا المسلك وما شابهه ابن القيم في الطرق الحكمية، وهم يعولون على أن النصوص القرآنية قطعية الثبوت ، وهذا لا إشكال فيه، ولكن النصوص ينظر إليها من جهة ثبوتها ومن جهة دلالتها على المقصود، ودلالتها على مقصودهم ظنية بدليل مخالفة بقية الأمة لهم ، فإن كان فهمهم ظني ، وفهمنا ظني فلا بد من مرجح، والمرجح الأدلة قطعية الدلالة التي في الأحاديث ، مع إجماع الأمة ودلالة القرآن القطعية على أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، قال الله تعالى : ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾، وقد قدمنا قطعية ثبوت هذه الأدلة، ولا يجوز للمرء أن يكون مغروراً ينفرد بفهمه عن فهم السلف ، فإنك مهما قرأت في كتب الأصول واللغة والحديث لن تبلغ علم السلف وفقههم.


ومن أسوأ ما وقفت في هذا الباب ما نقله الأشعري وهبي سليمان غاوجي الألباني عن ابن العربي المالكي أنه يكفر من يأخذ بالأحاديث الواردة في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا غاية في القبح ومن يكفر من يأخذ الأحاديث الصحيحة فهو أولى بالتكفير ، وأقل أحواله التبديع والتضليل، ويلزم وهبي سليمان أن يكفر عياضاً والنووي وابن حجر والبيهقي"

وقد وقفت على كلام للطبري مع كتاتبتي لهذا يقول بأنه لا يجوز على النبي أن يشك في هلاك أبويه ! في نقده لرواية ( ما فعل أبواي )

الخطأ السابع : الخلط في أحكام الدور

أولاً ينبغي أن يعلم أن القول الصواب في تعيين دار الإسلام أو دار الشرك

أن ذلك راجع إلى الأغلب من الأحكام فيها ، فلو كان حكم الدار راجعاً الحاكم للزم أن تكون الحبشة دار إسلام حين حكمها النجاشي المسلم !

ولو كانت تعد دار إسلام بحسب أهلها للزم أن تكون خيبر دار شرك وحرب لما كان أكثر أهلها يهود وكانوا تحت حكم النبي صلى الله عليه وسلم

ولهذا ذهب كثير من المعاصرين ومنهم بعض أعيان أئمة الدعوة النجدية أن الدار التي تسود فيها القوانين الوضعية تعد دار كفر

فجاء بعض الناس وسووا بين الدار التي يكون فيها المسلمون أو المنتسبون للإسلام ودول الكفر المنحلة وجوزوا للناس أن يهاجروا إلى بلدان الكفر المنحلة بحجة أن كلها ديار كفر فحصل لذلك فساد عظيم

وذلك أن الدول التي تحكم بالقوانين كثير منها يوجد في كثير من أهلها التدين والغيرة والعفة وينشأ الولد والفتاة على قرب من دين الإسلام الحق وأهم الشيء يأمن المرء على عرضه والزنا فيهم قبيح

أما دول الكفر المنحلة فهي عامتها دول إباحية وينشأ الولد بين أهل الكفر الصراح والانحلال فدار الكفر الذي يتكلم عنها الفقهاء في الكتب أنزه بكثير من ديار الكفر هذه فالكفار قديماً كانوا أهل غيرة وكثير منهم يتدين بشيء من دينه وأما اليوم فدول أوروبا وأمريكا ونظائرها تعيش حالة إباحية مقرفة

ويفرض على الأبناء الدارسة في مدارس اختلاطية ، وبلغني عن المدارس أن هناك حصص للتربية الجنسية ويجعلون البنات يتعرين أمام الشباب لكسر الحاجز النفسي

وعدد منها منع فيها الحجاب وعندهم قوانين تخبب الابنة على أبيها والمرأة على زوجها والولد على أبيه

فلا مقارنة بين هذه البلدان والبلدان التي تحكم بالقانون الوضعي مع انتساب أهلها للإسلام وتمسكهم بالكثير من أخلاقياته ولو سبيل النخوة

فإن قيل : ما الدليل على ما تقول من التفريق بين دار كفر ودار كفر عند التزاحم

قلت لك : قد علم الخاص والعام أن المسلمين هاجروا من مكة إلى الحبشة لما تزاحمت عليهم ديار الكفر وكانوا أقدر على إظهار دينهم في الحبشة

وقد عدت تلك هجرة مباركة وهجرة شرعية بل أهلها كانوا أصحاب الهجرتين والحبشة آنذاك دار كفر باتفاق

وأمر الأعراض والنساء شديد فلم يجز في قول أهل العلم القتال في الفتنة إلا دفعاً عن النساء

قال الخلال في السنة 154 - وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، ثَنَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَسَأَلَهُ، قَالَ: قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دُخِلَ عَلَى رَجُلٍ فِي بَيْتِهِ فِي الْفِتْنَةِ، قَالَ: " لَا يُقَاتِلْ فِي الْفِتْنَةِ، قُلْتُ: فَإِنْ أُرِيدَ النِّسَاءُ، قَالَ: إِنَّ النِّسَاءَ لَشَدِيدٌ "

وقال أيضاً 187 - أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثَنَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي قِتَالِ اللُّصُوصِ، قَالَ: أَرَى أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ مَالِهِ وَيُقَاتِلَ، قَالَ: أَلَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ. قَالَ: وَلَكِنْ إِذَا وَلَّى اللِّصُّ لَا يَتَّبِعُهُ، قُلْتُ: أَلَيْسَ اللِّصُّ مُحَارِبًا؟ قَالَ: أَنْتَ [ص:181] لَا تَدْرِي قَتَلَ أَمْ لَا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ لِصٌّ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَ، وَشَقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُحَارِبٌ، يَفْعَلُ بِهِ الْإِمَامُ مَا أَحَبَّ، قَالَ: وَلَا أَرَى قِتَالَهُمْ فِي الْفِتْنَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ إِمَامٌ، فَهَذِهِ فِتْنَةٌ لَا يُحْمَلُ فِيهَا سِلَاحٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ فِي الْفِتْنَةِ: «اجْلِسْ فِي بَيْتِكَ» ، قَالَ: «فَإِنْ خِفْتَ شُعَاعَ السَّيْفِ فَغَطِّ وَجْهَكَ»
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ» ، فَقَالَ فِي الْفِتْنَةِ هَكَذَا، وَقَالَ: مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ هَكَذَا، فَهُوَ عِنْدِي قِتَالُ اللِّصِّ جَائِزٌ إِلَّا فِي الْفِتْنَةِ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ دُخِلَ عَلَى رَجُلٍ بَيْتُهُ فِي الْفِتْنَةِ؟ قالَ: لَا نُقَاتِلُ فِي الْفِتْنَةِ، قُلْتُ: فَإِنْ أُرِيدَ النِّسَاءُ؟ قَالَ: إِنَّ النِّسَاءَ لَشَدِيدٌ "

وقد كان في زمن أحمد يحكمه الجهمية وقد أظهروا الكفر وفرضوه على الناس وظاهر قضاة البلاد الجهمية وصار لا يفتدى الأسير حتى يظهر التجهم

فلما ظهر بابك الخرمي الإباحي وقاتل المسلمين واستباح نساءهم دعا أحمد إلى قتاله مع الأمراء الذين كانوا جهمية

غير أن الجهمية كان تحت إمرتهم مسلمين وبابك إنما استباح مسلمين وهذا دفع عن الأعراض على سنن ما كان يفعل المسلمون في زمن الأول

وهذا الفقه الدقيق من أحمد هو الذي عناه ابن تيمية في كلامه على ماردين ولم يفهمه بعض الناس

الخطأ الثامن : دعوى انفراد أحمد بعدم تكفير المرجئة مرجئة الفقهاء

وهذه التقليعة بلغتني عن عماد فراج وأنا أعلم ما الذي فتنه ، ذهب إليه بعض الناس يريه آثاراً في الإبانة لابن بطة يرى أن ظاهرها تكفير المرجئة يطلب منه توجيهاً لها ففرح بها لينقض بها على ابن تيمية الذي قال ( لا أعلم أحداً كفرهم ) وابن تيمية هنا يعيد الأمر إلى علمه فحسب

وفي بحث مختزل وهزيل بناه على ما ذكر له خرج بهذه النتيجة

وهو الذي يزعم أنه كان يقرأ لابن تيمية ويلخص له من العام 1994 هكذا يؤرخ بالميلادي ثم لم يعرف بدعة ابن تيمية وكفره ! إلا قبل عام أو عامين فإما أن يكون لم يعرف ابن تيمية كل هذه المدة وإما أن يكون لم يكن يعرف العقيدة والتوحيد

وعدم تكفير المرجئة ليس قول أحمد وما كان أحمد ليخالف اتفاق السلف ويعرفه هذا الرجل

غير أن الأمر كما قال الأول

وكم عائب قولاً صحيحاً *** وآفته من الفهم السقيم

قال العقيلي في الضعفاء  حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُؤَمَّلَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: إِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ لَمْ يُصَلِّ عَلَى ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ فَقِيلَ لَهُ: " وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ عِنْدِي، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُرِيَ النَّاسَ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى بِدْعَةٍ

فهل يرى سفيان صحة الصلاة على رجل بدعته مكفرة ويقول ( أرى الصلاة على من دونه ) ؟!

و قال أحمد بن بشير عن مسعر : سمعت عبد الملك بن ميسرة و نحن فى جنازة عمرو بن مرة يقول : إنى لأحسبه خير أهل الأرض .

وعمرو بن مرة مرجيء

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه الإيمان :" اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ , أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْعِنَايَةِ بِالدِّينِ افْتَرَقُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ فِرْقَتَيْنِ , فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: الْإِيمَانُ بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ بِالْقُلُوبِ , وَشَهَادَةِ الْأَلْسِنَةِ , وَعَمَلِ الْجَوَارِحِ وَقَالَتِ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى: بَلِ الْإِيمَانُ بِالْقُلُوبِ وَالْأَلْسِنَةِ , فَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَإِنَّمَا هِيَ تَقْوَى وَبِرٌّ , وَلَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ وَإِنَّا نَظَرْنَا فِي اخْتِلَافِ الطَّائِفَتَيْنِ , فَوَجَدْنَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يُصَدِّقَانِ الطَّائِفَةَ الَّتِي جَعَلَتِ الْإِيمَانَ بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا"

وهذا ظاهر في عدم التكفير

وقال أيضاً :" وَكَذَلِكَ نَرَى مَذْهَبَ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَسَمَّوْنَ بِهَذَا الِاسْمِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ , فَيَقُولُونَ: نَحْنُ مُؤْمِنُونَ , مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ , وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ , وَعَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِثْلُ: عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ , وَالصَّلْتُ بْنُ بَهْرَامَ , وَمِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ , وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ , إِنَّمَا هُوَ عِنْدَنَا مِنْهُمْ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِيمَانِ لَا عَلَى الِاسْتِكْمَالِ"

وقال محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة :" وَقَدْ جَامَعَتْنَا فِي هَذَا الْمُرْجِئَةُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا فِرْقَةً مِنَ الْجَهْمِيَّةِ كَفَرَتْ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الْمُرْجِئَةِ بِزَعْمِهِمْ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ فَقَطْ"

فخصص مرجئة الجهمية بالكفر فدل على  أن الثانية لا تكفر عنده

ولما قال طاوس ( عجبت لإخواننا في العراق يقولون الحجاج مؤمن ) فتسمية الحجاج مؤمن لا تجري إلا على أصول المرجئة

وقد ذكر الخلال هذا الأثر عن طاوس في باب الرد على المرجئة ولم يذكر لفظة ( إخواننا ) فهي ثابتة عن غيره مثل اللالكائي التي أوردها في باب الرد على المرجئة


وقال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدِ بْنِ عُمَرَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ خَلْفَ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ، فَقَالَ: " يُصَلَّى خَلْفَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً إِلَى بِدْعَتِهِ مُجَادِلًا بِهَا، إِلَّا هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ: الْجَهْمِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ؛ فَإِنَّ الْجَهْمِيَّةَ كُفَّارٌ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالرَّافِضَةُ يَنْتَقِصُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

ولا شك أن الإرجاء من الأهواء الداخلة في قوله

وقال الدوري في تاريخه 1766 - سَمِعت يحيى يَقُول أَسد بن عَمْرو لَا بَأْس بِهِ أنكر عينه وَهُوَ على الْقَضَاء فَأَعْطَاهُمْ القمطر وَقَالَ قد أنْكرت عَيْني لَا وَالله لَا أقضى لكم ثمَّ قَالَ يحيى رَحمَه الله

هذا الذي ترحم عليه ابن معين من أعيان أصحاب أبي حنيفة وقد هجره المحدثون لهذا فلم يخرج له في الكتب الستة بل ادعى ابن حبان أنه كان يسوي الأخبار لمذهب أبي حنيفة وقال يزيد بن هارون لا تحل الرواية عنه

وقال أبو حاتم وأبو زرعة في عقيدتهما التي نقلا عليها الإجماع :" وَالْمُرْجِئَةُ وَالْمُبْتَدِعَةُ ضُلَّالٌ , وَالْقَدَرِيَّةُ الْمُبْتَدِعَةُ ضُلَّالٌ , فَمَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَعْلَمُ مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ فَهُوَ كَافِرٌ"

وتخصيصهم لهم بالتبديع يدل على أنهم يكفرونهم بدليل قرنهم بالقدرية الذين لا يكفرون عندهم وخصصوا نفاة العلم من القدرية بالكفر وألفاظ هذه العقيدة منتقاة

بدليل قولهم : (وَمَنْ وَقَفَ فِي الْقُرْآنِ جَاهِلًا عُلِّمَ وَبُدِّعَ وَلَمْ يُكَفَّرْ. وَمَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ أَوِ الْقُرْآنُ بِلَفْظِي مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ)

فالكافر كافر والمبتدع مبتدع


وقال أبو عبيد في الإيمان 23 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ , قَالَ: اجْتَمَعَ الضَّحَّاكُ وَمَيْسَرَةُ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بِدْعَةٌ , وَالْإِرْجَاءَ بِدْعَةٌ , وَالْبَرَاءَةَ بِدْعَةٌ

ولم يقولوا كفر

وقال البخاري في خلق أفعال العباد :" وَقَالَ وَكِيعٌ: " أَحْدَثُوا هَؤُلَاءِ الْمُرْجِئَةُ الْجَهْمِيَّةُ - وَالْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ - وَالْمَرِّيسِيُّ جَهْمِيٌّ، وَعَلِمْتُمْ كَيْفَ كَفَرُوا، قَالُوا: يَكْفِيكَ الْمَعْرِفَةُ، وَهَذَا كُفْرٌ، وَالْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا فِعْلٍ، وَهَذَا بِدْعَةٌ، فَمَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْتَتَابُ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ "

ففرق وكيع بين مقالة الجهمية في الإيمان فقال ( كفر ) ومقالة مرجئة الفقهاء أو المرجئة فقال ( وهذا بدعة ) وهذا اللفظ أصوب من اللفظ الذي ذكره ابن بطة في الإبانة

ولو كان قول عماد صحيحاً لجعل القولين كفراً

وأما قول ابن بطة في الإبانة :" : فَاحْذَرُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مُجَالَسَةَ قَوْمٍ مَرَقُوا مِنَ الدِّينِ , فَإِنَّهُمْ جَحَدُوا التَّنْزِيلَ , وَخَالَفُوا الرَّسُولَ , وَخَرَجُوا عَنْ إِجْمَاعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ , وَهُمْ قَوْمٌ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ , وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ الْفَرَائِضَ , وَلَمْ يُرِدْ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلُوهَا , وَلَيْسَ بِضَائِرٍ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوهَا , وَحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْمَحَارِمَ , فَهُمْ مُؤْمِنُونَ , وَإِنِ ارْتَكَبُوهَا , وَإِنَّمَا الْإِيمَانُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَعْتَرِفُوا بِوُجُوبِ الْفَرَائِضِ , وَأَنْ يَتْرُكُوهَا , وَيَعْرِفُوا الْمَحَارِمَ وَإِنِ اسْتَحَلُّوهَا , وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ بِاللَّهِ إِيمَانٌ يُغْنِي عَنِ الطَّاعَةِ , وَإِنَّ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ بِلِسَانِهِ وَالْعَارِفَ بِقَلْبِهِ مُؤْمِنٌ كَامِلُ الْإِيمَانِ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ , وَإِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتَفَاضَلُ وَلَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ , وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ , وَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ وَالْمُقَصِّرَ وَالْمُطِيعَ وَالْعَاصِيَ جَمِيعًا سِيَّانِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَكُلُّ هَذَا كُفْرٌ وَضَلَالٌ , وَخَارِجٌ بِأَهْلِهِ عَنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ , وَقَدْ أَكْفَرَ اللَّهُ الْقَائِلَ بِهَذِهِ الْمَقَالَاتِ فِي كِتَابِهِ , وَالرَّسُولُ فِي سُنَّتِهِ , وَجَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ بِاتِّفَاقِهِمْ. وَكُلُّ ذَلِكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ مُفَصَّلًا فِي أَبْوَابِهِ , وَلِلْقَائِلِ: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ إِيمَانٌ"

فواضح أن الشيخ يعني المرجئة الجهمية القائلين بالاكتفاء بالمعرفة بدليل قوله : (وَإِنَّ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ بِلِسَانِهِ وَالْعَارِفَ بِقَلْبِهِ مُؤْمِنٌ كَامِلُ الْإِيمَانِ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ , وَإِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتَفَاضَلُ وَلَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ)

وإن كان أدخل معهم بعض أفراد مقالة المرجئة الأخرى التي تشترك معهم ولو فرضنا أن ابن بطة يكفرهم أو يختار هذا فإمامه أحمد يخالف بل الروايات عنهم مستفيضة بالتفريق بين داعيتهم وغيره

بل قال أحمد ( احتملت المرجئة في الحديث )

وهذا القول بتكفير المرجئة يخدم أهل التمييع أكثر من خدمته لأهل الغلو

فإننا وجدنا أحمد وصفنا ابن أبي رواد بأنه ( كان رجلاً صالحاً وكان مرجئاً )

وقال الجوزجاني في إبراهيم بن طهمان ( كان فاضلاً )

ورأينا من يثني على عبادة إبراهيم التيمي حتى قال القطان ما رأينا خيراً منه

وما احتمل أصحاب بدعة في الحديث احتمالهم للمرجئة والشيعة المفضلة

وثناء ابن عيينة على مسعر معروف

فإذا كان الجهمية والمرجئة شيء واحد بحسب قول عماد فهذا يفتح باب عظيم لعاذري الجهمية أنهم كمن لم يكفر المرجئة من السلف وأن من يثني على الجهمية كمن أثنى على المرجئة من السلف وأن من فرق بين الداعية وغير الداعية في الجهمية الصرحاء كمن فرق بين المرجئة الدعاة وغيرهم من السلف

وهذا أبو حنيفة على كل ما له من ضلالات زائدة على الإرجاء يقول ابن الجارود ( اختلفوا في تكفيره ) 

فإن قيل : شريك سمى إرجاء أبي حنيفة كفراً حين ذكر استتابته 

فيقال : إنما كانت الاستتابة من القول بخلق القرآن كما في أكثر الروايات وهذه إما تحمل على ذكر الإرجاء تبعاً أو أن أبا حنيفة قال بإرجاء جهم وقد وارد عنه 

 قال يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 369) : حدثنا أبو بكر الحميدي ثنا حمزة بن الحارث مولى عمر بن الخطاب عن أبيه قال: سمعت رجلاً يسأل أبا حنيفة في المسجد الحرام عن رجل قال أشهد أن الكعبة حق ولكن لا أدري هي هذه أم لا، فقال: مؤمن حقاً. وسأله عن رجل قال أشهد أن محمداً بن عبد الله نبي ولكن لا أدري هو الذي قبره بالمدينة أم لا. قال: مؤمن حقاً - قال أبو بكر الحميدي: ومن قال هذا فقد كفر - .
قال أبو بكر: وكان سفيان يحدث عن حمزة بن الحارث حدثنا مؤمل ابن إسماعيل عن الثوري بمثل معنى حديث حمزة.

وهذا ثابت عنه

قال عبد الله بن أحمد في السنة 316 - حدثني محمد بن هارون ، نا أبو صالح ، قال : سمعت الفزاري وحدثني إبراهيم بن سعيد ، نا أبو توبة ، عن أبي إسحاق الفزاري ، قال : « كان أبو حنيفة يقول إيمان إبليس وإيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه واحد ، قال أبو بكر : يا رب ، وقال إبليس : يا رب »

وهذا إسناد صحيح وهذا إرجاء جهم

وقد روى الشيباني عن أبي حنيفة أنه كان يكره أن يقال ( إيماني كإيمان جبريل ) يعني من باب التواضع والشيباني متهم بالكذب ولا ندري أي قولي أبي حنيفة المتأخر إن صح هذا

وقد يطلق بعض العلماء من قال كذا فهو كفر على مقالة هي بدعة عنده كقول ابن عمر ( من خالف السنة فقد كفر ) والأصل حمل الكفر على حقيقته حتى تأتي قرينة توضح

وهذا كقول الآجري في الشريعة :" كُلُّ هَذَا يَدُلُّ الْعَاقِلَ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ، وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ، كَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ، وَأَنَا بَعْدَ هَذَا أَذْكُرُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَنْ كَثِيرٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ، وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ عِنْدَهُمْ بِهَذَا فَقَدْ كَفَرَ"


وقال اللالكائي في السنة 1828 - أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ إِجَازَةً قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: نا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَسْلَمَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، يَقُولُ: «مَنْ كَانَ دَاعِيَةً إِلَى الْإِرْجَاءِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ تُعَادُ»

فخص الداعية فحسب فدل على أن غير الداعية لا تعاد خلفه وهذا حكم بالإسلام

وأكثر ما استفزني في ذلك البحث الذي بلغني عن الرجل دعواه انفراد أحمد بهذا القول !

ثم دعواه أن أحمد له رواية أخرى تكفر وهذا أمر عامة الحنابلة تدفعه ولم يفهمه أحد قبل هذا الرجل بحسب اطلاعي والأمر في فهمه هو فحسب وإنما نقل بعض الحنابلة عن أحمد تكفير أهل الأهواء مطلقاً وهذا غاية في البعد

وقد كثر تهويش القوم على الإمام أحمد وهذه طريقة الحداد وقد صاحبه عماد مدة أثرت على عماد ونقلته نقلة نوعية إلا أنه أظهر لمذاهبه من الحداد ، فالحداد يوحي إلى جلسائه ومن يخالطه تصغير أحمد ويتحرى ذكره عند المخالفة حتى أنه ليظهر في عدد ممن جالسه أو صحبه ولو عن طريق الأجهزة الحديثة الحط على أحمد ولا يدرى ما حقيقة مذهبهم فيه

وإنه لزمان سوء حيث يتجرأ فيه السفهاء من غلاة وجفاة على الإمام أحمد وقد كان يهابه حتى الأشعرية والماتردية فلا يذكرونه إلا بخير فإننا لله وإنا إليه راجعون

الخطأ التاسع : إقرار كلام من يقول بعدم تفاضل الآيات والسور القرآنية

وهذا من محمود شاكر في تعليقه على تفسير الطبري وكلام الطبري يشير إلى هذا

قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل :" وهو قول جمهور العلماء من الأولين والآخرين، فإن طائفة من المنتسبين إلى السنة وغيرهم يقولون: إن نفس كلام الله تعالى لا يتفاضل في نفسه، بناء على أنه قديم، والقديم لا يتفاضل.
ويتأولون قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} ، أي خير لكم وأنفع.
والصواب الذي عليه جمهور السلف والأئمة: إن بعض كلام الله أفضل من بعض، كما دل على ذلك الشرع والعقل.
ففي الحديث الثابت «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي سعيد بن المعلى: لأعلمنك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها» ، ثم أخبره أنها فاتحة الكتاب، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس في القرآن لها مثل، فبطل قول من يقول بتماثل جميع كلام الله.
وكذلك ثبت في الصحيح أنه قال لأبي بن كعب: أتدري أي آية في كتاب الله أعظم: فقال: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} ، فضرب بيده في صدري، وقال: ليهنك العلم أبا المنذر، فبين أنه هذه الآية أعظم من غيرها من الآيات.

وقد ثبت عنه في الصحيحين من غيره وجه أن: {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن.
وذلك أن القرآن: إما خبر، وإما إنشاء، والخبر: إما خبر عن الخالق، وإما عن المخلوق.
فثلثه قصص.
وثلثه أمر، وثلثه توحيد، فهي تعدل ثلث القرآن بهذا الاعتبار.
وأيضاً فالكلام وإن اشترك من جهة المتكلم به في أنه تكلم بالجميع.
فقد تفاضل من جهة المتكلم فيه، فإن كلامه الذي وصف به نفسه، وأمر فيه بالتوحيد، أعظم من كلامه الذي ذكر فيه بعض خلقه، وأمر فيه بما هو دون التوحيد.
وأيضاً فإذا كان بعض الكلام خيراً للعباد وأنفع، لزم أن يكون في نفسه أفضل من هذه الجهة، فإن تفاضل ثوابه ونفعه إنما هو لتفاضله في نفسه، وإلا فالشيئان المتساويان من كل وجه، لا يكون ثواب أحدهما أكثر، ولا نفعه أعظم"

الخطأ العاشر : وصف مسألة تسلسل الحوادث بأنها مسألة من الفضول

قال «خالد المصلح» في شرحه على الطحاوية: «ولكونه حوى مسائل هي من فضول المسائل وليست من أصول مسائل الاعتقاد كمسألة التسلسل على سبيل المثال ، وكمسألة أيهما أفضل؛ الملائكة أم البشر وما أشبه ذلك من المسائل الكلامية».



أقول : هذا غير صحيح فمسألة التسلسل مسألة متعلقة بأسماء الله وصفاته وهي اعتقاد أهل السنة أن أفعال الله عز وجل لا بداية لها وأن كماله لا ابتداء له خلافاً للمعطلة القائلين بأن أفعال الله لها بداية ، وعقيدة أهل السنة أن أفعاله ليس لها بداية كما أن وجوده ليس له بداية، وهذا مأخوذ من قوله تعالى ﴿فعال لما يريد﴾، وقوله تعالى: ﴿وكان الله سميعاً بصيراً﴾، روي عن ابن عباس أنه قال (لم يزل كذلك).


وحتى مسألة أول مخلوق من هذا العالم هي بحث في دلالات ظواهر النصوص، وأما التسلسل في المستقبل وهو اعتقاد أن أفعال الله لا نهاية لها وأن نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار لا نهاية له فهذا أيضاً من مسائل الاعتقاد.

وقد خلط عدد من المعاصرين في هذه المسألة فردت عليهم كاملة الكواري في رسالة مفردة جيدة

الخطأ الحادي عشر : تجويز تسمية رب العالمين ب( المقصود ) بدعوى الاشتقاق

وهذا صدر من المدعو ياسر برهامي وهو من أقل المردود عليهم في هذه السلسلة ديانة وعلماً

وهذا رد لي قديم عليه وقد شبهته بمحمد عبد المقصود ويبدو أن بين الرجلين تباين ظاهر

قلت في ردي (فقد أرسل إلي الأخ بعضهم مقطعاً لياسر برهامي يدافع فيه عن قناة الحكمة

 وعن محمد عبد المقصود وهذا لا يستغرب منه فالطيور على أشكالها تقع

 ولكن لفت نظري عبثه في مسألة الأسماء الحسنى إذ أثبت اسم (المقصود) في أسماء الله الحسنى محتجاً بالاشتقاق، والجواب على هذا من وجوه:


أولها : أن السلف لم يثبت أحدٌ منهم اسم ( المقصود ) في أسماء الله الحسنى ، وقد أقمت الدنيا وما أقعدتها على الرضواني ، لما نفى بعض الأسماء التي لم تصح عنده ، واحتججت عليه بان السلف اشتقوا ، وفعلك أشد من فعله إذ أنك أثبت اسماً لم يثبته أحدٌ من السلف ، ولا دليل على هذا الاسم في الكتاب أو السنة


ثانيها : أننا لو قلنا بجواز الاشتقاق فلا نتجاوز ما اشتقه السلف ولا نزيد عليهم ، وإلا كنا محدثين مبتدعة


ثالثها : أن الاشتقاق عند من أثبته يثبت من أفعال الله عز وجل لا من أفعال العباد فلا يقال ( العباد يقصدون الله فهو مقصود ) كما يقول برهامي بل يقال ( الله ينفع فهو نافع ) ، ( الله يضر فهو ضار ) على قولكم ، ولا يقال ( العباد يقصدون فهو مقصود ) ولا تجد في عامة النصوص التنصيص على أن العباد ( يقصدون الله عز وجل )


رابعها : قول برهامي محتجاً على إثبات اسم المقصود بقول أهل العلم ( توحيد القصد والطلب )

 فهل نثبت في أسماء الله تعالى اسم ( المطلوب ) !


قال  شمس الأفغاني في جهود علماء الحنفية (3/1765) :" المقصود ليس من أسماء الله تعالى


فلا يجوز التسمية بعبد المقصود ، وبعبد الموجود ،


ولأن هذا النوع من الأسماء من مصطلحات الصوفية الاتحادية الوجودية "


فهذا هو التحقيق لا هنبثة برهامي)

الخطأ الثاني عشر : دعوى أن وصف المعاصي بالأصنام تكفير لفاعليها

وهذا الإنكار طريقة خالد محمد عثمان المصري ومحمود لطفي عامر وغيرهم ينكرون هذه الألفاظ على مثل محمد حسين يعقوب والواقع أن مثل هذا اللفظ استخدمه بعض العلماء ولم ينكره أحد وهو كقول النبي ( تعس عبد الدينار )

قال ابن القيم في روضة المحبين :" أن التوحيد واتباع الهوى متضادان فإن الهوى صنم ولكل عبد صنم في قلبه بحسب هواه وإنما بعث الله رسله بكسر الأصنام وعبادته وحده لا شريك له وليس مراد الله سبحانه كسر الأصنام المجسدة وترك الأصنام التي في القلب بل المراد كسرها من القلب أولا قال الحسن بن علي المطوعي صنم كل إنسان هواه فمن كسره بالمخالفة استحق اسم الفتوة وتأمل قول الخليل لقومه {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} كيف تجده مطابقا للتمائيل التي يهواها القلب ويعكف عليها ويعبدها من دون الله قال الله تعالى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}"

وقد ورد عن علي أنه قال في أقوام يلعبون الشطرنج ( ما هذه الأوثان التي أنتم عليها عاكفون ) وأورده ابن تيمية وابن القيم والآجري وغيرهم مقرين وهذا نظير كلام محمد حسين يعقوب والمقدم عن التلفاز 

الخطأ الثالث عشر : قولهم الحاكمية أخص خصائص الألوهية

وهذه الكلمة يكفيك منها أنها مأخوذة من المودودي وسيد قطب ولم يقلها أحد من السلف ولا برهان عليها البتة ويرددها خلفهم أقوام كأبي إسحاق الحويني

وقد صرح الحويني في دروسه عن فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه لا إشكال في ترتيب خصائص الألوهية بهذا الشكل [ الحاكمية ثم العبودية ثم المحبة ] فجعل الحاكمية أعلى من المحبة والعبودية !

وهذا كلام يكفي في نقضه أنه محض إنشاء لا بينة عليه

وقد ورد في الحديث أن أول ما يرفع من الإسلام الحكم وآخر ما يرفع الصلاة ، وورد الحديث بأن خير أعمالكم الصلاة

والإمام العادل له فضل عظيم خير أن الإمام الجائر الذي لم يطبق الحاكمية غير جهة الكفر واعتناق ملة من ملل الكفر كالعلمانية والشيوعية هذا الحاكم مسلم لا خلاف بإسلامه بين أهل السنة إن لم يستحل أو يستكبر بخلاف تارك الصلاة وبخلاف تارك المحبة

وإن أريد بالحاكمية اعتقاد أن حكم الله الأفضل فهذا من توحيد المعرفة والإثبات

الخطأ الثالث عشر : عدم ذكر العلمانية والديمقراطية والقومية وغيرها في الأديان المناقضة للإسلام

كثير من الناس يظن أن الأديان الأخرى غير دين الإسلام هي البوذية والمجوسية واليهودية وما شابهها فحسب

والواقع أن العلمانيين والشيوعيين وأضرابهم لهم أديانهم والتي وإن نافقوا أهل الإسلام وادعوا أنهم منهم لا تجتمع مع ملة الإسلام وأحسن أحوالهم أن يكونوا كالباطنية

فكل واحدة من هذه لها في مبادئها ما يناقض الشريعة مناقضة ظاهرة لا تخفى على أحد من المنتسبين للملة كدعوى عدم صلاحية الشريعة للعصر ودعوى استواء المسلم والكافر إذا كانا عربيين وأن الكافر العربي أقرب للمسلم العربي من المسلم غير العربي ، ومثل هذا في الوطنية

فهذه في حقيقتها أمرها أديان يؤمن أصحابها بمباديء معينة ويسيرون عليها في حياتهم وهم على كتب منظريهم حريصون كحرص أهل الأديان على كتبهم التي يقدسونها

بل تمسك هؤلاء بما قال منظريهم من الكفر أعظم من تمسك اليهود والنصارى بما بين أيديهم وهم يقاتلون في سبيلها ويبغضون من يعارضهم ويسبون ما يخالفها من الشرع فيصفونه بالرجعية والتخلف

وهناك دين الإنسانية أو الماسونية وعامة وسائل الإعلام اليوم تبث بعض مباديء هذه الأديان أو نهاياتها فتأثر بذلك كثير من العوام ، ووجب على كل غيور على دينه أن يحارب العلمانية والوطنية والقومية والديمقراطية والاشتراكية والليبرالية  وما شابهها فلقد أضلت جبلاً كثيراً

وإن من السفه إدخال من يدينون بهذه الأديان خصوصاً كبارهم ومنتسبي أحزابهم في مسمى المسلمين لمجرد أنهم يظهرون الإسلام نفاقاً

فهم لهم نفس طويل في هذا الباب وينافقون الناس ويستغلون من يتأثر ببعض أطروحاتهم من الدعاة المنهزمين فكرياً ويعلون من شأنهم كمثل عدنان إبراهيم ويليه وإن كان أحسن حالاً منه سلمان العودة وطارق السويدان  وأضراب هؤلاء

وهم من يدعم مثل إسلام البحيري

ومعاولهم مهاجمة الثوابت الدينية والتشكيك في الصورة المشرقة للتاريخ الإسلامي وإيصال فكرة استحالة تحكيم الشريعة إلى العامة وتعظيم الغرب في أعينهم ودعم كل فساد أخلاقي واستغلال النساء في ذلك استغلالاً ولهم في ذلك مكر شيطاني عظيم

وقد استغلوا أيضاً انهزامية كثير من الحركات المنتسبة للإسلام وتناقضها وعلى رأسها الإخوان المسلمين

الخطأ الرابع عشر : التأثر ببعض كلمات الأديان العصرية المنحرفة والدعوة المطلقة للمساواة !

وهذه وقع فيها أبو بكر الجزائري

قال  أبو بكر الجزائري كما في رسائله ص30 :

" فالمسلمون عامة يعرفون أن العدل في الأحكام ، والمساواة في الحقوق ، والإنصاف بين الناس ، وتكافؤ الفرص ، وعدم التمييز العنصري ، وعدم اعتبار الفوارق الجنسية ، كل هذه المباديء السامية جاء بها الإسلام ونزل بها القرآن "


أقول : إن مما لا شك فيه أن أبا بكر ما أراد إلا الدفاع عن الإسلام بهذه الكلمات إلى أنه ( كم من مريد للحق لم يبلغه ) ، فإن كلامه فيه نظر من وجوه


أولها : قوله ( المساواة في الحقوق ) ، فيقال هذا ليس على إطلاقه فالعدل أعظم حقوقاً من الفاسق والسني أعظم حقوقاً من المبتدع


قال البخاري في الأدب المفرد 1018: حَدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، وَمُعَلَّى، وَعَارِمٌ، قَالُوا: حَدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْفَاسِقِ حُرْمَةٌ.


وقال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (3/1023) :" ولهذا يعاقب الفاسق الملي من الهجر والاعراض والجلد وغير ذلك بما لايعاقب به الكافر الذمي مع أن ذلك أحسن حالا عند الله"


وأما المبتدع فالأمر فيه أوضح وأوضح


قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (28/205) :" وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة ان الدعاة الى البدع لا تقبل شهادتهم ولا يصلى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يناكحون فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية لأن الداعية اظهر المنكرات فاستحق العقوبة بخلاف الكاتم"


وباب نقد هذه الكلمة أوسع من هذا والمراد هنا التنبيه


وإطلاق ( دين المساواة ) على دين الإسلام خطأ


قال  ابن عثيمين كما في أسئلة لقاء الباب المفتوح (13/17) :

وينبغي أن نعرف الفرق بين العدل والمساواة، الآن كثير من الناس يقول: الإسلام دين المساواة، وهذا غلط، ليس في القرآن كلمة مساواة أو أن الناس سواء، بل لو تأملت أكثر ما في القرآن تجد نفي المساواة: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}  ، {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}

وما أشبه ذلك، فأكثر ما في القرآن نفي للمساواة فيما بينهما اختلاف.

في القرآن العدل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ}  {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 

وفرق بين العدل والمساواة، لو أخذنا بظاهر كلمة المساواة لقلنا: الذكر والأنثى سواء كما ينادي به الآن المتفرجون، لكن إذا قلنا العدل أعطينا الذكر ما يستحق والأنثى ما تستحق.

ولهذا نرجو من إخواننا الكتاب وغير الكتاب أن ينتبهوا إلى هذه النقطة؛ لأن كلمة المساواة أدخلها بعض المعاصرين، والله أعلم كيف أدخلوها، قد يكون عن سوء فهم، وقد يكون لسبب آخر، إنما الدين دين العدل، والعدل إعطاء كل أحد ما يستحق"


وقال ابن عثيمين أيضاً في تفسير سورة البقرة (3/65) :

ومنها: الرد على الذين قالوا: «إن دين الإسلام دين مساواة»؛ لأن التفضيل ينافي المساواة؛ والعجيب أنه لم يأت في الكتاب، ولا في السنة لفظة «المساواة» مثبتاً؛ ولا أن الله أمر بها؛ ولا رغب فيها؛ لأنك إذا قلت بالمساواة استوى الفاسق، والعدل؛ والكافر، والمؤمن؛ والذكر، والأنثى؛ وهذا هو الذي يريده أعداء الإسلام من المسلمين.

لكن جاء دين الإسلام بكلمة هي خير من كلمة «المساواة»؛ وليس فيها احتمال أبداً، وهي «العدل» ، كما قال الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل} ؛ وكلمة «العدل» تعني أن يسوى بين المتماثلين، ويفرق بين المفترقين؛ لأن «العدل» إعطاء كل شيء ما يستحقه.

والحاصل: أن كلمة «المساواة» أدخلها أعداء الإسلام على المسلمين؛ وأكثر المسلمين - ولا سيما ذوو الثقافة العامة - ليس عندهم تحقيق، ولا تدقيق في الأمور، ولا تمييز بين العبارات؛ ولهذا تجد الواحد يظن هذه الكلمة كلمة نور تحمل على الرؤوس: «الإسلام دين مساواة»! ونقول: لو قلتم: «الإسلام دين العدل» لكان أولى، وأشد مطابقة لواقع الإسلام"


وقال الشيخ أيضاً في تفسير سورة الحديد :" {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} دين الإسلام دين العدل في العمل والجزاء، وانتبه دين العدل في العمل والجزاء وليس كما يقول المحدَثون: «إنه دين المساواة» ، هذا غلط عظيم، لكن يتوصل به أهل الآراء والأفكار الفاسدة إلى مقاصد ذميمة.

حتى يقول: المرأة والرجل، والمؤمن والكافر سواء، ولا فرق.

وسبحان الله إنك لن تجد في القرآن كلمة المساواة بين الناس، بل لابد من فرق، بل أكثر ما في القرآن نفي المساواة {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} وآيات كثيرة، فاحذر أن تتابع فتكون كالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء.

بدل من أن تقول: (الدين الإسلامي دين مساواة) قل: (دين العدل الذي أمر الله به، يعطي كل ذي حق حقه) ، أرأيت المرأة مع الرجل في الإرث، وفي الدية، وفي العقيقة، وفك الرهان يختلفون.

وفي الدين: المرأة ناقصة إذا حاضت لم تصل ولم تصم، وفي العقل المرأة ناقصة: شهادة الرجل بشهادة امرأتين، وهلم جرا.

والذين ينطقون بكلمة مساواة إذا قررنا هذا وأنه من القواعد الشرعية الإسلامية ألزمونا بالمساواة في هذه الأمور، وإلا لصرنا متناقضين، فنقول: دين الإسلام هو دين العدل يعطي كل إنسان ما يستحق، حتى جاء في الحديث: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود »

يعني إذا أخطا الإنسان الشريف الوجيه في غير الحدود فاحفظ عليه كرامته وأقله، هذا الذي تقيله إذا كان من الشرفاء، إقالتك إياه أعظم تربية من أن تجلده ألف جلدة.

لأنه كما قيل: الكريم إذا أكرمته ملكته، لكن لو وجد إنسان فاسق ماجن فهذا اشدد عليه العقوبة وأعزره، ولهذا لما كثر شرب الخمر في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ضاعف العقوبة بدل أربعين جعلها ثمانين ، كذلك الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن: «من شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه» .

لأن لا فائدة في جلده، ثلاث مرات نعاقبه ولا فائدة إذن خير له ولغيره أن يقتل، وإذا قتلناه استراح من الإثم، كما قال الله عز وجل: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأَنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين} والخلاصة أن التعبير بأن دين الإسلام دين ااساواة غلط وليس بصحيح، بل هو دين العدل ولا شك، والعجب أن هؤلاء الذين يقولون هذا الكلام، يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى »

فيتناقضون، والحديث لم ينف مطلقاً، وإنما قال: «إلا بالتقوى» فهم يختلفون بالتقوى، ثم إن هذا الحديث لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه قال: «إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم » ففضل، ولا شك أن جنس العرب أفضل من جنس غير العرب لا شك عندنا في هذا، والدليل على هذا أن الله جعل في العرب أكمل نبوة ورسالة، محمد صلى الله عليه وسلم"


ثانيها : قوله ( وعدم اعتبار الفوارق الجنسية )


فهذا أمرٌ عجيب فالرجل غير المراة في أحكام كثيرة جداً يصعب حصرها


ففي المواريث للذكر مثل حظ الأنثيين من الفروع الوارثه ، والزوج يرث ضعف الزوجة


وفي الطهارة يلحق في المرأة الكثير من الأحكام في حال الحيض والنفاس من ترك الصلاة والصيام والطواف ومس المصحف وعدم اقتراب زوجها منها


وفي الصلاة لا تلزم صلاة الجماعة وصلاتها في بيتها خيرٌ من صلاتها في المسجد خلافاً للرجل ، ولا يجوز أن تؤم في الجمعة والجماعة في قول الكافة من أهل العلم ، وإنما اختلفوا في إمامتها للرجال في النافلة إذا كانت قارئة وليس فيهم قاريء والجمهور على المنع


ولا تسافر إلا ومعها محرم ، ولا يجوز توليتها في القضاء ولا الإمامة العظمى وغيرها من الأحكام فأين ( عدم اعتبار الفوارق الجنسية ) ؟


فإن قيل الجزائري  يريد ( عدم اعتبار الفوارق بين الأبيض والأسود ، والطويل والقصير وغيرها )


فيقال : قد أبان الشيخ عن هذا في قوله ( وعدم التمييز العنصري ) ، فدل على أنه يريد بقوله ( وعدم اعتبار الفوارق الجنسية ) غير ما أراد به قوله ( وعدم التمييز العنصري )

 ثم إنه لو أراد هذا فأنه أخطأ باللفظ فلا يقال ( البيض جنس ) و ( السود الجنس ) وإنما يقال ( الرجال جنس ) و ( النساء جنس ) ومن كان حسن القصد وأخطأ باللفظ فإنه ينكر عليه ويبين له اللفظ الصحيح


فالمراد لا يدفع الإيراد ، قال الله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا}.


قال الطبري 1437 : حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا} قول كانت تقوله اليهود استهزاء، فزجر الله المؤمنين أن يقولوا كقولهم.


قلت : هذا مع سلامة صدور المؤمنين من كل ما فيه انتقاصٌ للنبي صلى الله عليه وسلم.


وقال الإمام مسلم 870 : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبدالله. قالا: حدثنا وكيع عن سفيان، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن تميم بن طرفة، عن عدي بن حاتم ؛ أن رجلا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد. ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله".


قلت : هذا من ذاك ،وتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم الشدة مع هذا الصحابي مع كونه لا يعرف الحكم الشرعي في المسألة بياناً منه صلى الله عليه وسلم لعظيم خطر هذه المخالفة ، فإن الشدة تكون نصحاً وبياناً كما أنها تكون تعزيراً وتبكيتاً.


و أبو بكر الجزائري له غرائب ، أكتفي منها بما ذكره أحمد أبو العينين مع ماعرف به أبو العينين من الميل عن القصد


قال أحمد أبو العينين في كتابه الفائق في بيان الفجر الصادق ص108 في الحاشية :" وينبغي التنبه إلى أن الشيخ أبا بكر الجزائري مع ما بذله من جهد في الدعوة إلى الله له أحياناً فهم عجيب ، فقد ألف رسالتين في محاولة تنزيل الأحاديث وتفسيرها على مقتضى المخترعات الحديثة ، فرد عليه الشيخ حمود التويجري رحمه الله في جزء أسماه (( تنبيهات على رسالتين للشيخ أبي بكر الجزائري )) .

وقد قال عنه : وبعد فإن كثيراً مما تأوله الجزائري على ظهور المخترعات الحديثة لا يخلو من التكلف في التطبيق ، وأخشى أن يدخل في القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يقل . اهـ

وقد سمعت شريطاً بصوت الشيخ أبي بكر يدافع فيه عن جماعة التبليغ أتى فيه بكلام في غاية الغرابة ، فمما قال بمعناه : يعيبون عليكم أنكم حددتم الخروج بثلاثة أيام والحجة في كتاب الله ، قال الله عز وجل (( فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام )) ، ويعيبون عليكم التحديد بأربعة أشهر ، والحجة في كتاب الله ، قال الله (( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر )) فهل يقول هذا أحد ؟!! " انتهى كلام أبي العينين

ومثل هذا تصنيف عبد الله الطيار _ إن لم تخني الذاكرة _ حقوق الإنسان في الإسلام ، وعبارة حقوق الإنسان عبارة خارجة من رحم الماسونية وليست شرعية فالإنسان قد يكون كافراً وقد يكون مسلماً وأنت حين تخاطب الكافر بأن له حقوقاً مطلقاً فكأنك تدعوه أن يبقى على الكفر ، نعم قد يكون له بعض الحقوق في بعض الحالات بناءً على قربه أو على عقد الذمة أو المعاهدة أو الأمان أو الجوار ولكن هذه الإطلاقات لم يطلقها السلف وما ظهرت إلا بعد الاستعمار وفيها من الانهزامية والبعد عن العزة ما فيها

ومثلها عبارة ( الإسلام دين السلام ) فلا شك أنه دين السلام لأن السلام من أسماء الله ولكنهم يطلقونها ويريدون أنه لا حرب فيه وهذا باطل

الخطأ الخامس عشر : تقليد ملاحدة الفلكيين وجهلتهم في مسألة دوران الأرض

وهذه المسألة كتبت فيها كثيراً ومن ضمن ما قلته : (والعجب أنه مع هذا التعالي على السلف نجد تصديقاً عجيباً لخرافات التجريبيين فمن ذلك قول الألباني أن دوران الأرض حول الشمس حقيقة لا يشك فيها


والواقع أنه عند التجريبيين أنفسهم هذه المسألة ليست حقيقة قطعية ، والمسألة نظرية قابلة للدحض وهي إلى الآن محل نقاش


وقد كتب المهندس عادل العشري كتاباً كاملاً في بيان أن الأرض ثابتة بحسب القواعد التجريبية وما تمكن أحد من نقضه


وكتب الطيار نادر الجنيد عدة أسئلة أوردها على القائلين بدوران الأرض وحقق ثبوتها تجريبياً


وكتب عيد ورداني كتاب أسماه من العرش على الفرش وأثبت بالتجريب ثبات الأرض


وكتب المهندس طارق محمد شوقي كتاباً أسماه (ألآرض مركز الكون وليست أحد الكواكب والشمس مركز المنظومة الشمسية تدور حولها)


وهو كتاب قوي في بابه


وكتب الدكتور محمد الطويرقي كتاباً في ثبات الأرض


هذا غير الباحثين الأجانب وقد اعترف هوكنغ أنه لا يوجد دليل على دوران الأرض حول الشمس


وهناك كتاب ( لماذا حركوا الأرض )؟


وقد قال عادل العشري :" أن النظرية التى قال بها كوبر نيك القائلة بعكس نظرية ثبات ألارض ,تبدأ بفرضيات من دوران ألارض حول نفسها الى دوران ألارض حول الشمس

حركة دوران الارض حول نفسها لتبرير ظهور البقعة الشمسية طول العام

الاختلاف للمناظر النجمية التى لا قيام لنظرية كوبر نيك ان تقوم إلابها,وقال انها عجز للنظرية.

أى رصد لحركة النجوم الثوابت وافترضوا ان لها ابعاد سحيقة وهائلة لا تكفى لرصد هذه الحركة

نقد المدار الاهليجى

نقد زاوية الميل وألاشعة التى تسقط من تلك الكتلة الهائلة عموديا

نقد ظاهرة الفصول الاربعة والفرضيات المعتمدة التى لا شواهد عليها.

بإختصار

نقد السرعات الغير قائمة على تجارب"


واليوم توجد رابطة للقائلين بمركزية الأرض وقد ذهبت إليهم وسألتهم عدة أسئلة في الموضوع وبينوا لي تناقض القائلين بدوران الأرض حول الشمس وأنه يمكن تفسير الظواهر الكونية في ظل ثبات الأرض


وإليك بحث النقولات عن أقوام يقولون بدوران الأرض حول الشمس يؤكدون أنها نظرية غير قطعية


يقول الدكتور عدنان محمد فقيه(في بحث مقدم للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة) : "يجب أن نقرر أولاً أن مسألة دوران الأرض حول الشمس مما اتفق عليه العلماء الكونيين منذ قرون مضت غير أن هذا الاتفاق لا يعود إلى حقيقة مشاهدة أو واقع ملموس بل يرجع إلى دقة الحسابات الناشئة من افتراض أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس.


يقول الفيزيائي المعاصر بول ديفس (من كبار علماء الفيزياء الفلكية في القرن الواحد والعشرين) :"واليوم لا يشك عالم في كون الشمس مركز المجموعة الشمسية وأن الأرض هي التي تدور وليس السماء" ،

ولكنه يستدرك قائلاً أنه لن نتمكن أبداً من التأكد من صحة هذا التصور مهما بدا دقيقاً "فليس لنا أن نستبعد كلياً أن صورة أكثر دقة قد تُكتشف في المستقبل". والحقيقة أننا لا نحتاج أن ننتظر اكتشاف تصور آخر لحركة النظام الشمسي حتى نتمكن من القول أن النظام الحالي والذي يفترض مركزية الشمس ودوران الأرض حولها هو مجرد افتراض رياضي لا يصور الحقيقة، بل إن العلم يذهب إلى أبعد من ذلك فيقول إن السؤال عمّا إذا كان هذا التصور حقيقاً أو غير ذلك ليس بذي معنى في لغة العلم. فالحركة - والتي هي أساس المسألة التي نتحدث عنها - كمية نسبية. فإن قلت أن الأرض تتحرك فلا بد أن تنسبها إلى شيء ما حتى يصبح قولك معقولاً، فلو تصورنا كوناً فارغاً لا حدود له، ولا يوجد به سوى جرم واحد، فلن نستطيع حينئذ أن نقول أن هذا الجرم ساكن أو متحرك، إذ لا بد أن ننسبه إلى مرجع لكي نقول إنه متحرك بسرعة كذا بالنسبة إلى هذا المرجع، أو إنه ساكن بالنسبة له. ومنذ أن ألغت النسبية الخاصة فكرة الأثير والذي كان يمثل الوسط الساكن والمطلق الذي تتحرك فيه الأجرام السماوية أصبح قولنا إن الأرض تدور حول الشمس مجرد افتراض وجدنا أنه يفيدنا من الناحية العملية أكثر من الافتراض المعاكس، بل إنه حتى في زمن كوبرنكس نفسه "فقد دافع مناصروه عنه أمام الكنيسة بأن النموذج الذي قدمه كان مجرد تحسين رياضي مفيد لتحديد أماكن الكواكب في المجموعة الشمسية وليس تمثيلاً حقيقيا لواقع العالم". لكن الإضافة التي جاءت بها النسبية هي أنها جعلت من قضية مركزية الشمس أو مركزية الأرض مسألة اعتبارية بالضرورة، إذ إن كل شيء في هذا الكون يتحرك بالنسبة لكل شيء فيه ولا يوجد سكون مطلق أو حركة مطلقة كما أوضح ذلك الرياضي والفيلسوف الإنجليزي الشهير برتراند رسل. وخلاصة القول كما يعبر عنه الفيلسوف الإنجليزي-الأمريكي والترستيس إنه "ليس من الأصوب أن تقول أن الشمس تظل ساكنة وأن الأرض تدور من حولها من أن تقول العكس. غير أن كوبرنكس برهن على أنه من الأبسط رياضياً أن نقول أن الشمس هي المركز ... ومن ثم فلو أراد شخص في يومنا الراهن أن يكون "شاذاً" ويقول إنه لا يزال يؤمن بأن الشمس تدور حول أرض ساكنة فلن يكون هناك من يستطيع أن يثبت أنه على خطأ". أ.هـ.


 محمد فريد وجدي أيضا في كتابه المشهور ( الإسلام في عصر العلم) المطبوع سنة 1350 هـ صفحة – 137 - من الجزء الثاني ما نصه: الأدلة على دوران الأرض حول الشمس غير حاصلة على صفة الأدلة المحسوسة حتى لا يمكن الخوض فيها كمسألة كرويتها، ولذلك ترى نفرا من العلماء الرياضيين لا يزالون يتشككون في ذلك ويشككون غيرهم،

كتب المسيو درمون في جريدة ( ليبربارول) الباريسية في 9 يناير الماضي يقول: لم يقم الدليل للآن على صحة دوران الأرض كما كان يزعم جاليليه ( هو ناشر تعاليم كوبرنيك ) ولا على أنها مركز العلم الشمسي، وهذا المسيو ( بوانكاريه) أكبر علماء الهندسة والطبيعة الفرنساويين لم يجزم للآن بدوران الأرض لأنه يقول: يقولن إن الأرض تدور، وأنا لا أرى مانعا من دورانها فإن فرض دورانها سهل القبول ويمكن به فهم كيفية تكون ونمو الدنياوات، ولكنه فرض لا يمكن إثباته ولا نفيه بالأدلة المحسوسة، هذا الفضاء المطلق أي الحيز الذي يلزم نسبة الأرض إليه للتحقق من دورانها أو عدم دورانها ليس له وجود في ذاته، من هنا ترى أن قولهم الأرض دائرة لا معنى له البتة لأنه ليس في وسع أية تجربة إثباته لنا بالحس، هاتان الجملتان: ( الأرض دائرة ) والأسهل فر أن الأرض دائرة لا تعنيان إلا شيئا واحدا، ولا تمتاز إحداهما عن الأخرى في معنى جديد، وجاء في جريدة ( اكلير )الفرنساوية في 17 فبراير الماضي تحت إمضاء بعض الكاتبين قوله: ليس من المحقق الثابت أن الأرض دائرة ومع ذلك فهذه نظرية شائعة ذائعة، وعقيدة علمية كبرى لا يحسبون لها سقوطا، هذا وأنك ترى أن نظرية الجاذبية العامة قد عادت لمجال المناقشة، وأن قوانين ( كلير ) اشتهرت بكونها فروضا ظنية ليس إلا، يريد الكاتب أن يقول : إذا كانت نظرية الجاذبية العامة وقوانين ( كلير ) تعتبر فروضا قابلة للبحث فلم لا يكون الأمر كذلك بالنسبة لنظرية دوران الأرض،..... ثم نقل الكاتب الشهير محمد فريد وجدي عمن سماه بالأستاذ الفلكي الطائر الصيت الذي يعد أول رياضي الآن في البلاد الفرنسية كلاما مسهبا في الرد على القول بدوران الأرض قال في آخره صفحة – 141 – ما نصه : ومن هنا ترى أن تأكيدهم أن الأرض تدور لا معنى له لأنه لا يوجد ما يثبته بالتجربة. انتهى، ثم قال العلامة محمد فريد وجدي بعد هذا ما نصه: يرى أيضا من تضارب هذه الأفكار بين أكبر علماء الأرض أن أمر دوران الأرض غير حاصل على ما يجعله من العلوم البديهية فإن مثل العلامة ( بوانكاريه ) لم يكن يتجاسر على مثل هذا القول، وهو أكبر رياضي فرنسي اليوم إن لم نقل أكبر رياضي فلكي في العالم إذا لم يكن على ثقة تامة مما يقول وعلى بينة مما يرمي إليه، ولو كان المعلمون في أثناء تدريسهم للعلوم الطبيعية يسلكون مسلك العلماء في الإقرار بالجهل فيرون تلاميذتهم وجه الضعف في المعلومات الطبيعيةلأدوا لتلامذتهم أكبر خدمة لأنهم بهذا يعودونهم على الأدب النفسي فتنشا نفوسهم معتادة على التواضع أمام فخامة الكون وجلالته والسجود أمام مبدعه ومصوره،، ولكن أكثرهم يدرسون لهم العلوم المشكوك فيها والفروض الطبيعية الظنية بصفة حقائق ثابتة فيتذرع بها أولئك التلامذة الأغرار متى كبروا إلى الإلحاد ونفي الروح والخلود ولا يدرون انهم يتمسكون بالظنون، وأن الظن لا يغني من الحق شيئا. انتهى كلام  محمد فريد وجدي " _ مسنفاد من أحد الأخوة _


وقد ظهر الآن فريق من العلماء يعرفون بـ (Neo-geocentric scientists) أو "العلماء الجدد للنموذج الأرضي " و يؤيدون بأدلتهم النموذج الأرضي القائل بثبات الأرض ودوران الشمس. ولذلك لم يجرؤ العلماء على الإجماع بثبوت النموذج الشمسي بطريق الحس والمشاهدة وإن كان لديهم قرائن ليست بأفضل من استحسانهم الرياضي للنموذج. ومع كونه رياضياً فإنهم لم يجعلوا الحساب فيصلاً يقينياً لأن جمهورهم متفقون على أنه لا يلزم من صحة النتيجة الرياضية مطابقتها للحقيقة الفيزيائية الخارجية من كل وجه ، وقد اشتغل الفيزيائي ستيفن هوكنغ ردحاً من الزمن بتفسير ما أسماه الثقوب السوداء بالاعتماد على الرياضيات والمعادلات حتى اغتر هو وكثير من العلماء – فضلاً عن عوام الناس - وكادوا يقطعون بوجود هذه الثقوب لولا أن هذا العالم أعلن قبل عدة أشهر أنه لم يتوصل إلى نتيجة مرضية وأنه لا يوجد ما يمكن الاعتماد عليه للقطع بوجود هذه الظاهرة سوى التخمينات الرياضية


ولأبين للقاريء كيف يتم اعتماد نظرية علمياً أقول :  الذي لاحظته أن النظريات السائدة المشهورة في عدد من العلوم والتي يعاملها العوام على أنها حقائق مطلقة تم اختيارها بناءً على اعتبارات عديدة ومهما أوردت عليها من اعتراضات ومهما كانت قوية فلا يمكن أن يغير المجتمع العلمي وجهة نظره أو يرحب بك كوجهة نظر مقبولة


وسيبقى العوام يسخرون منك


وستجد المؤسسات الرسمية والجامعات تدفع في نحرك فما السبب مما يشاهد من ضعف المرونة تجاه أي نقد موجه لنظريات سائدة يعترف في خبايا الزوايا أنها ليست الحقيقة المطلقة


السبب من وجهة نظري ( وقد يضاف له أسباب أخرى ) ، أن العلم التجريبي يعيش عصوره الذهبية اليوم وأن التجريبيين صاروا يحظون بتكريم لم يسبق أن حظي به التجريبيون في أي عصر من العصور السابقة


من الأفكار الملهمة التي اتصلت بالعلم التجريبي المعاصر أنه قادر على أن يجيب على جميع الأسئلة عاجلاً أم آجلاً ، أو أنه قادر على تجاوز حدود الحواس والاستنباط البدائي أو العميق المعتمد عليها


فالنظرية لكي تكون مقبولة في المجتمعات العلمية لا بد أن تجيب على أكبر عدد ممكن من أسئلة وتجعل ذلك في قانون منتظم ثم يقدم بعد ذلك قرائن أو أدلة لتأييد هذه النظرية فساعتئذ تكون مقبولة في المجتمع العلمي وإن وجد فيها فجوات وتقرر في المدارس والجامعات ومع استمرار ذلك يبدأ عامة الناس في التعامل معها على أنها حقيقة مطلقة لا تقبل التشكيك


فإذا جاء شخص وبدأ بالاعتراض على هذه النظرية وأظهر عيوباً في أدلتها أو اتساقها فالمجتمع العلمي لن يقبل اعتراضك ويتخلى عن هذه النظرية حتى تعطيه بديلاً ولا بد أن يكون هذا البديل يغطي المساحة نفسها التي غطتها النظرية السابقة لكي لا يزول عنفوان العلم ولا تقل ثقة الناس به مما يحطم الإلهام الذي يحرك الكثير من التجريبيين


باختصار هم يفضلون أن توضع إجابة خاطئة باسم العلم أو مشكوك بها على أن تكون خانة الجواب فارغة أو متروكة لاعتقادات الناس الدينية


ولو طبقنا هذا على الأمر الذي نبحثه ستعلم أن إقرارهم بأن الشمس تدور حول الأرض سيقتضي كون ظهور الأرض آية من الآيات لا تخضع لقوانينهم وهذا لا ما يحبذونه


إذا علمت تعلم سفه وسيم يوسف فيما غرده وتعلم جهل الساخرين وجهل المتعنتين الذين حرفوا كتاب الله ليناسب نظريات غير مثبتة والواقع أنه لم يفهم أحد في تاريخ الأمة دوران الأرض من القرآن إلا في عصرنا هذا


قال ابن حزم في كتابه الفصل (2/80) :" وَأَن الشَّمْس أَيْضا فِي السَّمَاء ثمَّ قد قَامَ الْبُرْهَان الضَّرُورِيّ الْمشَاهد بالعيان على دورانها حول الأَرْض من مشرق إِلَى مغرب ثمَّ من مغرب إِلَى مشرق فَلَو كَانَ على مَا يظنّ أهل الْجَهْل لكَانَتْ الشَّمْس وَالْقَمَر إِذْ دَارا بِالْأَرْضِ وصارا فِيمَا يُقَابل صفحة الأَرْض الَّتِي لسنا عَلَيْهَا قد خرجا عَن السَّمَاء"


ولو كان هناك ثمة برهان ظاهر في القرآن على عكس هذا لما خفي على ابن حزم


وقد نقل عبد القاهر بن طاهر البغدادي التميمي المتوفى 429هـ في كتابه (الفرق بين الفرق) في بيان أوصاف الفرقة الناجية في الباب الخامس في الفصل الثالث الركن الثاني في بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة والجماعة ص 330 طبعة دار المعرفة بيروت – لبنان، نقل الإجماع على ثبوت الأرض فقال: “وأجمعوا على وقوف الأرض وسكونها، وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها خلاف قول من زعم من الدهرية أن الأرض تهوي أبداً ولو كانت كذلك لوجب ألا يلحق الحجرُ الذي نلقيه من أيدينا أبداً، لأن الخفيف لا يلحق ما هو أثقل منه في انحداره”


وعبد القاهر رجل أشعري ولا يوثق بإجماعاته كثيراً ولكن لا يشك أن هذا قول الجمهور إن لم يكن قول الكل


 والمعاصرين محمد بن يوسف المالكي التونسي في كتابه الأجوبة الشامية وهو رجل أشعري المعتقد كتب كتابه هذا رداً تأثر محمد عبده بنظرية دارون ونظرية كوبرنكس وقد اشتد حتى كفر المخالف في هذه المسألة


ومنهم أيضاً الشيخ عبد الله الدويش في كتابه زوائد مسائل الجاهلية


حيث قال وهو يعدد خصال الجاهلية :" 201 - القول بدوران الأرض، كقول بعض الفلاسفة فأتى الشرع بالأدلة على ثبوتها.

202- القول بثبوت الشمس، فرده الله بقوله {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} الآية"


ومنهم الشيخ حمود التويجري حيث قال في كتابه غربة الإسلام :" فكيف لو رأى حال الأكثرين في أواخر القرن الرابع عشر، فقد تغيرت فيه الأحوال وانعكست الأمور، وظهر الكفر والنفاق، حتى كان بعض ذلك يُدرس في المدارس ويعتنى به، فالله المستعان.

فمن ذلك ما فشا في زماننا؛ من موافقة طواغيت الإفرنج، وزنادقة المنجمين ونحوهم، وتقليدهم فيما ذهبوا إليه من التخرصات، والظنون الكاذبة المخالفة للقرآن والأحاديث الصحيحة؛ كقولهم: إن الشمس قارة ساكنة لا تزول عن مكانها، وإن الأرض هي التي تجري وتدور حول الشمس، وشبهوا ذلك براكب القطار ونحوه من المراكب السريعة يرى في حال سيرها كأن الذي حوله من المباني والشجر يسير، وكأن ما تحته من المركوب واقف، والحال بالعكس، قالوا: فهكذا الأرض مع الشمس، فالشمس قارة لا تزول، والأرض هي التي تجري، ولها دورتان، دورة في كل يوم وليلة، ودورة في كل سنة، هكذا افتروا وزعموا، وهي دسيسة خبيثة من دسائس أعداء الله ورسوله والمؤمنين، قد جعلوها حبالة يصيدون بها خفافيش الأبصار من غوغاء المسلمين وجُهَّالهم، ويحملونهم بذلك على تكذيب القرآن والأحاديث الصحيحة، حتى ينسلخوا من دين الإسلام بالكلية ويصيروا كفارا مثلهم، وقد قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} الآية [النساء: 89]، وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 100 - 101]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران: 149]، ففي هؤلاء الآيات الكريمات أبلغ تحذير للمؤمنين من طاعة الكفار والمنافقين، وقبول آرائهم وظنونهم وتخرصاتهم، فإنهم لا يألون المسلمين خبالا، وودوا ما عنَّتهم، وأزلَّهم عن الحق، وأضلهم عن الصراط السوي والهدى، وقد جعل الله سبحانه وتعالى للمسلمين في كتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كفاية وغنية عما سواهما من أقوال الناس وآرائهم وتخرصاتهم، قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51]، وقال تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} [آل عمران: 101]، وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3].

وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء»، قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: صدق والله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء. رواه ابن ماجة.

وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» رواه الإمام أحمد، وابن ماجة، والحاكم في مستدركه.

ومن لم يكتف بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما عند المسلمين من العلوم الشرعية النافعة المستفادة من الكتاب والسنة، بل ذهب يطلب غير ذلك من أقوال الكفار والمنافقين وآرائهم وتخرصاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، فأبعده الله ولا كفاه، والمقصود ههنا التحذير من دسيسة أعداء الله التي قد سرت في جميع الأقطار الإسلامية على أيدي الكفار والمنافقين، وقبلها الجماهير تلو الجماهير من الأغبياء الغافلين الذين لا يسمعون ولا يعقلون، {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}"


إلى أن قال :" وقد ثبت أيضا بالدليل العقلي أن الأرض قارة ساكنة لا تدور، ولا تفارق موضعها أبدا، وذلك بما يسره الله تعالى في زماننا من وجود المراكب الجوية التي تخترق الهواء في جميع أرجاء الأرض، فإن سيرها من المشرق إلى المغرب مثل سيرها من المغرب إلى المشرق، وكذلك سيرها من الجنوب إلى الشمال مثل سيرها من الشمال إلى الجنوب، كل ذلك لا يختلف، ولو كان الأمر على ما يزعمه الجغرافيون لكان من في المشرق إذا أراد المغرب رفع طائرته في الهواء، ثم امسكها وقتا يسيرا حتى تصل إليه أقطار المغرب فينزل فيها، وأما من في المغرب فلا يمكنه أن يسير إلى المشرق في مركب جوي أبدا؛ لأنه إذا رفع طائرته عن الأرض فاتته الأرض بسرعة سيرها، هذا على حد زعمهم، وكذلك الذين في الجنوب والشمال لابد أن تفوتهم الأرض بسرعة سيرها، فلا يهتدون إلى موضع قصدوه، ولما كانت هذه التقديرات منتفية، وكان السير في الجو من الأقطار المتباينة مقاربا بعضه بعضا؛ دل ذلك على أن الأرض قارة ساكنة، فقاتل الله زنادقة الجغرافيين الذين خالفوا النقل والعقل جميعا"


قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (25/195) :" وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمُنَادِي مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ بِمَعْرِفَةِ الْآثَارِ وَالتَّصَانِيفِ الْكِبَارِ فِي فُنُونِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد: لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ السَّمَاءَ عَلَى مِثَالِ الْكَرَّةِ وَأَنَّهَا تَدُورُ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا مِنْ الْكَوَاكِبِ كَدَوْرَةِ الْكُرَةِ عَلَى قُطْبَيْنِ ثَابِتَيْنِ غَيْرِ مُتَحَرِّكَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي نَاحِيَةِ الشَّمَالِ وَالْآخَرُ فِي نَاحِيَةِ الْجَنُوبِ. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ جَمِيعَهَا تَدُورُ مِنْ الْمَشْرِقِ تَقَعُ قَلِيلًا عَلَى تَرْتِيبٍ وَاحِدٍ فِي حَرَكَاتِهَا وَمَقَادِيرِ أَجْزَائِهَا إلَى أَنْ تَتَوَسَّطَ السَّمَاءَ ثُمَّ تَنْحَدِرُ عَلَى ذَلِكَ التَّرْتِيبِ. كَأَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي كُرَةٍ تُدِيرُهَا جَمِيعَهَا دَوْرًا وَاحِدًا. قَالَ: وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ حَرَكَاتِهَا مِنْ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ مِثْلُ الْكُرَةِ. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ لَا يُوجَدُ طُلُوعُهَا وَغُرُوبُهَا عَلَى جَمِيعِ مَنْ فِي نَوَاحِي الْأَرْضِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَلْ عَلَى الْمَشْرِقِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ. قَالَ: فَكُرَةُ الْأَرْضِ مُثَبَّتَةٌ فِي وَسَطِ كَرَّةِ السَّمَاءِ كَالنُّقْطَةِ فِي الدَّائِرَةِ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ جُرْمَ كُلِّ كَوْكَبٍ يُرَى فِي جَمِيعِ نَوَاحِي السَّمَاءَ عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى بُعْدِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" تأمل قوله ( فكرة الأرض مثبتة في وسط كرة السماء )


و العلم التجريبي الصحيح لا يتناقض مع النقل الصحيح وكذلك العقل الصريح لا يتعارض مع النقل الصحيح واتفاق الأوائل على ثبات الأرض أقوى بكثير من دلالة العلم التجريبي على دورانها فالاحتياط للدين القول بثباتها وقد ثبت عندنا صحة الدين بشكل قطعي


وبهذا تعلم سفه عدنان إبراهيم في هذه المسألة أيضاً


ومن أعاجيب عدنان أنه أنكر ختان الإناث وزعم أنه يؤذي الفتاة فرأيت بحثاً لدكتور يعيش في أمريكا اسمه سيد السقا يرد على عدنان ويذكر أن هناك مجمعات طبية صارت توصي بالختان بعد ثبوت فائدته


ومن عجائب الاعجازيين استخراجهم الثقوب السوداء من القرآن ثم بعد ذلك تراجع هوكنغ صاحب هذه النظرية عنها !


فما أقبح معارضة بالشرع القطعي بأخبار الكفار الظنية ، وما أقبح تحريف الشرع ليستقيم مع الظنيات المشكوك بها)


وقلت أيضاً :" فقد سبق أن كتبت مقالاً نقلت فيه كلام نادر الجنيد في ذكر الأدلة التجريبية على عدم دوران الأرض حول الشمس ، وهناك كتاب لكاتب مصري اسمه عادل العشري قدم فيه عشرات الأدلة فيها في هذا الخضم ، وليعلم أن كثيراً من الغربيين يجادلون في هذا الأمر لعدم وجود أدلة حسية عليه وكل الظواهر التي يدعون أنها يفسرها دوران الأرض حول الشمس يمكن عكسها بظاهرة دروان الشمس حول الأرض


يقول الفيلسوف الإنجليزي/الأمريكي والتر ستيس أنه :

"ليس من الأصوب أن تقول أن الشمس تظل ساكنة وأن الأرض تدور من حولها من أن تقول العكس !! غير أن كوبرنكس برهن على أنه من "الأبسط رياضياً" أن نقول أن الشمس هي المركز ... ومن ثم فلو أراد شخص في يومنا الراهن أن يكون "شاذاً" ويقول إنه لا يزال يؤمن بأن الشمس تدور حول أرض ساكنة فلن يكون هناك مَن يستطيع أن يثبت أنه على خطأ" !

المصدر :

والتر ستيس، 1998، الدين والعقل الحديث، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، مكتبة مدبولي، القاهرة.


والآن مع هذا الاعتراف للملحد الشهير الفيزيائي ستيفن هوكنغ


قال  هوكنج بعد أن تحدث عن المشاهدات التجريبية التي استنتج العلماء منها أن المجرات في هذا الكون الفسيح تبتعد عنا مسرعة من جميع النواحي : فيشرح هوكنج في كتابه "موجز في تاريخ الزمن" : كيف أن الفيزيائي والرياضي الروسي ألكسندر فريدمان قد وضع فرضيتين بسيطتين حول الكون بغرض شرح النسبية العامة لأينشتين وينصّان على :

1.

أن مظهر الكون يبدو واحداً من أي اتجاه نظرنا إليه.

2.

أن هذا الأمر لا يختص بكوكبنا الأرضي بل هو صحيح أيضاً لو كنا في أي موقع آخر في هذا الكون.

ثم يستطرد في شرح كيف أن الأدلة قد تضافرت على تأييد الفرضية الأولى، ومن ثم أصبح من المقبول علمياً أن نعتقد صحتها، ثم يقول :

"وللوهلة الأولى فإن هذه الأدلة والتي تبين أن الكون يبدو متشابها بغض النظر عن الاتجاه الذي ننظر منه، قد توحي بأن هناك شيئاً خاصاً حول مكاننا من هذا الكون، والذي نعنيه بالذات أننا إذا كنا نشاهد جميع المجرات الأخرى وهي تتجه مبتعدة عنا من جميع الاتجاهات فلابد إذا أن نكون في مركز هذا الكون" !!!..

لكنه يستطرد قائلاً أن :

"هناك بديلاً آخر لهذا الاستنتاج، وهو أن الأمر سيبدو كذلك أيضاً لو كنا في أي موقع آخر في هذا الكون" ..

مشيراً بذلك إلى فرضية فريدمان الثانية والتي ذكرناها آنفاً. ولكن إذا كان هناك من الأدلة العلمية التجريبية ما يؤيد فرضية فريدمان الأولى، مما جعلنا نتقبلها، ونتساءل بناء على قبولنا إياها :

هل الأرض مركز الكون ؟!! فهل هناك من دليل علمي على فرضيته الثانية ؟!!

يجيب هوكنج قائلاً :

"إننا لا نملك دليلاً علميا يؤيد أو يناقض هذه الفرضية ولكننا نؤمن بها بدافع التواضع" !..

المصدر :

Stephen Hawking, 1996, “ The Illustrated A Brief History Of Time


فإذا كان هذا الملحد لا يجد دليلاً على نفي مركزية الأرض وهو فيزيائي كبير فما بال بعض الناس يزعم أن المسألة قطعية بجهله وترديده كلاماً تعلمه في المدرسة

وهناك  رجل بولندي مسلم من أصل مصري له كتاب علمي عن موافقة ظاهرة الزيح النجمي لمركزية الأرض وثباتها.. واسمه د\ ياسر رجب شعبان

خريج جامعة إلينوي بأمريكا، وحاصل على جائزة من ناسا، وبراءات اختراع إلخ


و للفائدة، كتب أحد المختصين في علم الفلك من ذوي الشهرة العالمية كتابا في أزيد من 100 صفحة يثبت فيه صحة القول بأن الأرض ثابتة و أنَّها محور الكون و أسمى كتابه بـ " المقاييس الجديدة للمجموعة الشَّمسيَّة " للأستاذ المغربي محمّد بن علي. طبعة 2008 . و كتابهُ هذا جاء خلاصة حسابات و إعادة دراسةٍ للدِّراسات و النَّظريات السَّابقة .


وهناك كتاب اسمه ( لماذا حركوا الأرض ) لكاتب اسمه ياسر فتحي أثبت أن اعتقاد دوران الأرض حول الشمس ناشيء عن اعتقاد وثني في تعظيم النار


إذا أضفنا لهذا ما كتبه عادل العشري ونادر الجنيد مع اعتراف هوكنغ نجد أن من يجزم بدوران الأرض حول الشمس أمام معضلة حقيقية والمسألة ليست قطعية كما يظن الجهلة


وانظر هنا  http://alkulify.blogspot.com/2014/02/blog-post_17.html"


وهذه مسألة فيها أبحاث كثيرة وقد بلغني عن رجل غربي أنه أنتج فيلماً يقرر فيه عدم دوران الأرض وأحدث ضجة كبيرة

وهذا تلخيص عن بحثه حيث قيل :" مركزية ألارض

د/سنجينيس (المشرف على الفيلم الوثائقي) والضجة المثارة حوله من فترة.
الفيلم يوضح أن النظريات الفلكية الحديثة تخالف المبدأ الكوبرنيكي القائل أن الأرض ليست في مكان مميز من الكون..
حيث أن الأشعة الكونية وُجد أنها متعامدة على مسار الشمس وخط الاستواء الأرضي!
وهو شيء طبيعي في نظام ثبات الأرض، لكنه غير متوقع وغير مفهوم في نظام دوران الأرض!"

الخطأ السادس عشر : إنكار التسمي بالسلفية مطلقاً

وهذا كثير حتى فيه علي الخضير وأيضاً وقع فيها الجامي مع أن أكثر معظميه يخالفون قوله في هذا

والواقع أن كثيرين تلقبوا بالسلفي ولم ينكر عليهم أحد وإنكار هذا اللقب بدعة عصرية

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (4/149) :" فيقال له لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا"

وشيخ الإسلام هنا يبين علة عدم النهي عن الانتساب لمذهب وهو أنه لا يكون إلا حقاً في الوقت الذي كان كثير الأمة ينسب إلى غير المعصومين في المذاهب الفقهية وغيرها


وقال ابن حجر في الدرر الكامنة (1/15) في ترجمة إبراهيم الجعبري :" وقال ابن رافع كان عارفاً بفنون من العلم محبوب الصورة بشوشاً وكان يكتب بخطه السلفي فسألته عن ذلك فقال بالفتح نسبة إلى طريقة السلف"


وقال الذهبي في السير (13/183) :" وَمَا عَلِمْتُ يَعْقُوْبَ الفَسَوِيَّ إِلاَّ سَلَفِيّاً، وَقَدْ صَنَّفَ كِتَاباً صَغِيْراً فِي السُّنَّةِ"


وقال الذهبي أيضاً (16/ 457) :" لَمْ يَدْخلِ الرَّجُلُ أَبداً فِي علمِ الكَلاَمِ وَلاَ الجِدَالِ، وَلاَ خَاضَ فِي ذَلِكَ، بَلْ كَانَ سلفيّاً، سَمِعَ هَذَا القَوْلَ مِنْهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ"


وللمزيد في هذا الباب ليراجع كتاب ( إرشاد البرية إلى مشروعية الانتساب للسلفية )

وهذا اللقب أهدى من لقب حنبلي وشافعي ومالكي التي توارد عليها الناس

وكثير ممن ينكر هذا اللقب تراه يلتزم أموراً فيها تزكية ورفعة كلقب ( الشيخ ) و ( فضيلة الشيخ  ) وهذه ما التزمها السلف

وإن كان في القلب شيء مما اعتاده كثير من الشباب من وضع السلفي والأثري

فإن كثيراً منهم لا يعرف من السلفية إلا ما يتلقاه عن شيوخه الذين يقلدهم وهؤلاء يذكرون له سلفية مخلوطة ببلايا ليست من السلفية في شيء

وأنكى منه في نفسي لقب ( الأثري ) فمعناه ملازمة الآثار وهذا ليس حال معظم من يضع هذا اللقب بل الأثريون حقاً لا يضعونه

الخطأ السابع عشر : القول ببعض ضلالات المتصوفة المتأخرين في زيارة القبر النبوي

وهذا وقع فيه محمد حسين يعقوب هداه الله

قال محمد حسين يعقوب في كتيبه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ص14 :" ومن الأدب معه صلى الله عليه وسلم أن نزور قبره ونصلي في مسجده

قال القاسمي : من قصد زيارة المدينة ، فليصل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه كثيراً ، وليتطيب وليلبس أحسن ثيابه ، فإذا دخلها فليدخلها متواضعاً معظماً ، ويقصد فيه بجانب المنبر ركعتين ، ثم يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقف عند وجهه .

ويقول : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا نبي الله ، ويصلي ويسلم عليه كثيراً ، ثم يسلم على أبي بكر وعمر "

أقول : في كلام القاسمي الذي نقله يعقوب وأقره عدة بدع

الأولى : قوله (من قصد زيارة المدينة ، فليصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه كثيراً ) تخصيص هذا الموضع بكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بدعة ، لم يرد عن أحد من السلف

الثانية :قوله (وليتطيب وليلبس أحسن ثيابه ) هذه بدعة أيضاً لم ترد عن أحد من السلف

فإن قال قائل : أليس الله عز وجل يقول ( خذوا زينتكم عند كل مسجد )

فيقال : هذا في كل مسجد فلا وجه لتخصيص المسجد النبوي بذلك ، والآية فيها الأمر بستر العورة كما ورد في كتب التفسير فالأمر بأخذ أحسن الثياب أمرٌ زائد

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس أحسن ثيابه في يوم الجمعة وللوفود

قال البخاري في صحيحه 5981 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ رَأَى عُمَرُ حُلَّةَ سِيَرَاءَ تُبَاعُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ وَالْبَسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِذَا جَاءَكَ الْوُفُودُ قَالَ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا بِحُلَلٍ فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ فَقَالَ كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ قَالَ إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا وَلَكِنْ تَبِيعُهَا أَوْ تَكْسُوهَا فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ

فعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يلبس أحسن ثيابه لكل صلاةٍ يصليها في مسجده بل كان يلبس الحلة ليوم الجمعة وللوفود يدل عليه قول عمر (وَالْبَسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِذَا جَاءَكَ الْوُفُودُ ) ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم

فيستحب لكل مسلم أن يلبس خير ثيابه ليوم الجمعة ، لا خصوصية للمسجد النبوي بذلك

ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه أنهم كانوا يتحرون لبس أحسن الثياب لدخول مدينة ما ، أو زيارة قبر أحد

الثالثة : قوله (السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا نبي الله ، ويصلي ويسلم عليه كثيراً )

تحري كثرة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بدعة ، لم ترد عن أحد من السلف

قال عبد الرزاق في المصنف 6724 - عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَتَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَتَاهُ»

وَأَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ مَعْمَرٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: «مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا ابْنَ عُمَرَ»

وورد الصلاة عن ابن عمر دون تحري إكثار 

قال ابن تيمية في الرد على الأخنائي :"  ويؤيد ذلك أنه قال في وراية ابن وهب (يقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، وقد يريد أنه يدعو له بلفظ الصلاة كما ذكر في الموطأ من رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر (أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر)، وفي رواية [يحيى بن يحي] وقد غلط ابن عبد البر وغيره وقالوا: إنما لفظ الرواية ما ذكره ابن القاسم والقعنبي وغيرهما (يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر).
قال أبو الوليد الباجي: وعندي أنه يدعو للنبي صلى الله عليه وسلم / بلفظ الصلاة ولأبي بكر وعمر لما في حديث ابن عمر من الخلاف"

فهذا ابن عمر وهو الوحيد الذي أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة ، لم يذكر الصلاة ولو مرة فضلاً عن الإكثار ، وإنما وردت الصلاة في بعض الروايات وكأنه بمعنى الدعاء ولو صح فهو صلاة دون تحري الإكثار وأبو بكر وعمر مشروكان بذلك

وقال أحمد في مسنده 8804 - حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي "

فهذا الحديث يرد على تحرى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم كما دعا إليه القاسمي ، وتابعه محمد حسين يعقوب

وقد أنكر الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب على من تحرى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره مستدلاً بهذا الحديث

قال القاضي إسماعيل بن إسحاق الجهضمي في رسالته فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم 29 - حدثنا إبراهيم بن حمزة قال : ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن سهيل قال : جئت أسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وحسن بن حسن يتعشى في بيت عند النبي فدعاني فجئته فقال : ادن فتعش قال : قلت : لا أريده قال : مالي رأيتك وقفت ؟ قال : وقفت أسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخلت المسجد فسلم عليه ، ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم مقابر ، لعن الله يهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، وصلوا علي ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم »

وقول محمد حسين يعقوب : ( زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم )

عليه مآخذ

أولها : أنه لم يقيد ذلك بعدم شد الرحال مع افتتان الناس بهذا الأمر ، ولم يبين أنه يجب أن تكون النية هي زيارة المسجد النبوي ، وأما زيارة القبر فتبع لزيارة المسجد


وتقديمه لذكر زيارة القبر ، على الصلاة في المسجد يوحي بأن الأصل هو زيارة القبر ، والصلاة في المسجد تبع والصواب العكس


ثانيها : قوله ( زيارة قبر النبي صلة الله عليه وسلم ) فيه نظر إذ أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن الوصول إليه ، لذا لا يمكن زيارته لما أحاط به من الجدران لهذا كره مالك قول من يقول ( زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم )

قال شيخ الإسلام في الرد على الأخنائي ص19:" وإذا كان السفر الذي يسمى زيارة لقبره إنما هو سفر إلى مسجده لا إلى غيره وكان ما شرع فيه مشروعا في ذلك المسجد وفي غيره وإن لم يكن القبر هناك لم يكن شيء من ذلك مشروعا لأجل القبر ولا مختصا به
وأما ما يفعله بعض الناس من البدع المختصة بالقبر فذلك ليس بمشروع بل هو منهي عنه
فتبين أنه ليس في الشريعة عمل يسمى زيارة لقبره وأن هذا الاسم لا مسمى له والذين أطلقوا هذا الاسم إن أرادوا به ما يشرع فالمعنى صحيح لكن عبروا عنه بلفظ لا يدل عليه ولهذا كره من كره أن يقال لمن سلم عليه هناك زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وان أرادوا مالا يشرع فذاك المعنى خطأ مفهوم ومع هذا فليس هو زيارة"

وقال أيضا في الرد على الأخنائي ص162:" ولم يقل أحد من المسلمين إن السفر إلى زيارة قبره محرم مطلقا بل من سافر إلى مسجده وصلى فيه وفعل ما يؤمر به من حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم كان هذا مستحبا مشروعا باتفاق المسلمين لم يكن هذا مكروها عند أحد منهم لكن السلف لم يكونوا يسمون هذا زيارة لقبره وقد كره من كره من ائمة العلماء أن يقال زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم"

وأما الوقوف على قبره فلا يسمى زيارة كما حقق شيخ الإسلام في الأخنائية

ثالثها :أنه لم يبين حكم هذه الزيارة هل واجبة أم مستحبة أم مشروعة فقط بل جعلها من الآداب مطلقاً ، وما بين الحكم

وقال عبد الرزاق في المصنف 6724 - عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَتَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَتَاهُ»

وَأَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ مَعْمَرٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: «مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا ابْنَ عُمَرَ»

فهل كل الصحابة لم يقوموا بهذا ( الأدب ) إلا ابن عمر _ رضي الله عنه _ ؟

ولو كان عندهم أدباً متقرراً على كل مسلم فهل تراهم يتركونه كلهم ؟

وقد بين شيخ الإسلام أن ابن عمر لم يكن يفعل ذلك إلا إذا عاد من سفر أو عزم على سفر ، وقال أن مذهب مالك أن أهل المدينة لا يشرع لهم الوقوف على قبره إلا إذا كانوا عائدين من سفر ، أو عزموا على سفر

الخطأ الخامس عشر : التوسع في دعوى الوقوع في التشبيه على الخصوم

وهذا وقع من خالد محمد عثمان المصري في رده على محمد حسين يعقوب

فينشر في بعض المنتديات هذا الموضوع :"


قال محمد حسين يعقوب : إذا كنت تسير في طريق ونبحتك كلاب الراعي.. فماذا تصنع؟ تقول: أدافعه.. إن دافعته عاد يجري وراءك.. ثم تدافعه فيعود ويجري خلفك.. وهكذا.. فما الحل؟ . استعن بالراعي .. يكفيك كلابه.. ناد على الراعي.. عندها ينادي كلبه.. وتنتهي القضية.. فكذلك استعن بالله يكفك شر الشيطان . من كتاب كيف أتوب


قال الشيخ أبو عبد الأعلى خالد عثمان : أعوذ بالله شبه الله تعالى بالراعي '' ليس كمثله شيء وهو السميع البصير '' ''أيضربون لله مثل السوء و لله المثل الأعلى '' لا يضرب لله مثل السوء أبدًا يمثل الله عز و جل براعي الغنم و يقول نادي الراعي يعني نادي الله عز و جل كما أنك تنادي الراعي ليكفك كلابه فكذلك نادي الله ليكفك شياطينه و العياذ بالله هي في مقام كلاب الله تعالى الله عن ذلك الإفك و الزور عُلوا كبيرا يعني فنعوذ بالله من أن نضرب لله مثل السوء


مفرّغ من شريط بعنوان بيان حال يعقوب الشيخ أبو عبدالأعلى خالد"


أقول : هذا نقد بارد وسخيف فهذا الكلام الذي انتقده على محمد حسين يعقوب هو كلام ابن تيمية !




فقد قال ابن القيم في كتابه أسرار الصلاة :" وقال لي شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يومًا: إذا هاش عليك كلب الغنم فلا تشتغل بمحاربته، ومدافعته، وعليك بالراعي فأستغث به فهو يصرف عنك الكلب، ويكفيكه.

فإذا استعاذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم أبعده عنه.

فأفضى القلب إلى معاني القرآن، ووقع في رياضه المونقة وشاهد عجائبه التي تبهر العقول، واستخرج من كنوزه وذخائره ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وكان الحائل بينه وبين ذلك، النفس والشيطان، فإن النفس منفعلة للشيطان، سامعة منه، مطيعة فإذا بَعُدَ عنها، وطُرد ألم بها الملَك، وثبتها وذكرها بما فيه سعادتها ونجاتها.

فإذا أخذ العبد في قراءة القرآن، فقد قام في مقام مخاطبة ربِّه ومناجاته، فليحذر كل الحذر من التعرض لمقته وسخطه، بأن يناجيه ويخاطبه، وقلبه معرِض عنه، ملتفت، إلى غيره، فإنه يستدعي بذلك مقته، ويكون بمنزلة رجل قربه ملك من ملوك الدنيا، وأقامه بين يديه فجعل يخاطب الملك، وقد ولاه قفاه، أو التفت عنه بوجهه يَمنَة ويسرة، فهو لا يفهم ما يقول الملك، فما الظن بمقت الملك لهذا.

فما الظن بمقت الملك الحق المبين رب العالمين وقيوم السماوات والأرضين"


وليس في هذا أدنى تشبيه بل هذا قياس أولى كأمثال القرآن


قال تعالى : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)



فقال: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا» رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ يعني مختلفين يملكونه جميعا، ثم قال: وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ يعني خالصا لرجل لا يشركه فيه أحد يقول فهل يستويان؟ يقول: هل يستوي من عبد آلهة شتى مختلفة يعني الكفار والذي يعبد ربا واحدا يعني المؤمنين؟_ هذا كلام مقاتل وعليه عامة المفسرين _


وقال تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)


قال قتادة , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [الروم: 28] قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْمُشْرِكِينَ , يَقُولُ: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ غَيْرُهُ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ وَزَوْجِهِ حَتَّى يَكُونَِ مِثْلَهُ , يَقُولُ: «فَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ نَاسٌ لِلَّهِ فَجَعَلُوا مَعَهُ إِلَهًا شَرِيكًا» رواه عبد الرزاق


ومثل هذا يقال هنا فإذا كان الراعي يكفيك نباح كلبه فالله عز وجل وهو القدير من باب أولى قادر على أن يكفيك الشيطان فهو أقدر عليه من مقدرة الراعي على الكلب


وهذا كلام حسن نقده سخف في العقل

الخطأ السادس عشر : دعوى أن السلف اختلفوا في عذاب القبر يقع على الروح أم على البدن وهذه وقع فيها ابن عثيمين في شرح السفارينية حيث قال :" فمثلا اختلف العلماء رحمهم الله في عذاب القبر؛ هل هو واقع على البدن أو على الروح؟"

ووقع فيها الرضواني

قال  محمود الرضواني في كتابه منة الرحمن ص835 :" وهناك من مسائل الاعتقاد ما اختلف فيه السلف ولم يورث اختلافهم تضليلاً ولا تبديعاً ولا تفسيقاً كمسألة هل رأى محمد ربه ليلة الإسراء ؟ والعذاب في القبر على الروح أم على الروح والبدن "


أقول : مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء على التحقيق الخلاف فيها ليس حقيقياً فمن أثبت رؤية قلبية ومن نفى نفى رؤية عينية


غير أن المصيبة في نسبته القول بأن العذاب يقع على الروح فقط للسلف وهذا ليس من أقوال السلف بل هو من أقوال المبتدعة وقد وصفه شيخ الإسلام بأنه ضلال


قال ابن القيم في كتاب الروح ص51 :" وَقد سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام عَن هَذِه الْمَسْأَلَة وَنحن نذْكر لفظ جَوَابه

 فَقَالَ بل الْعَذَاب وَالنَّعِيم على النَّفس وَالْبدن جَمِيعًا بِاتِّفَاق أهل السّنة وَالْجَمَاعَة تنعم النَّفس وتعذب مُنْفَرِدَة عَن الْبدن وتنعم وتعذب مُتَّصِلَة بِالْبدنِ

وَالْبدن مُتَّصِل بهَا فَيكون النَّعيم وَالْعَذَاب عَلَيْهَا فِي هَذِه الْحَال مُجْتَمعين كَمَا تكون على الرّوح مُنْفَرِدَة عَن الْبدن وَهل يكون الْعَذَاب وَالنَّعِيم للبدن بِدُونِ الرّوح هَذَا فِيهِ قَولَانِ مشهوران لأهل الحَدِيث وَالسّنة وَأهل الْكَلَام

 وَفِي الْمَسْأَلَة أَقْوَال شَاذَّة لَيست من أَقْوَال أهل السّنة والْحَدِيث قَول من يَقُول إِن النَّعيم وَالْعَذَاب لَا يكون إِلَّا على الرّوح وأن الْبدن لَا ينعم وَلَا يعذب

 وَهَذَا تَقوله الفلاسفة المنكرون لِمَعَاد الْأَبدَان وَهَؤُلَاء كفار بِإِجْمَاع الْمُسلمين ويقوله كثير من أهل الْكَلَام من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم الَّذين يقرونَ بمعاد الْأَبدَان لَكِن يَقُولُونَ لَا يكون ذَلِك فِي البرزخ وَإِنَّمَا يكون عِنْد الْقيام من الْقُبُور لَكِن هَؤُلَاءِ يُنكرُونَ عَذَاب الْبدن فِي البرزخ فَقَط

وَيَقُولُونَ إِن الْأَرْوَاح هِيَ المنعمة أَو المعذبة فِي البرزخ فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة عذبت الرّوح وَالْبدن مَعًا

وَهَذَا القَوْل قَالَه طوائف من الْمُسلمين من أهل الْكَلَام والْحَدِيث وَغَيرهم وَهُوَ اخْتِيَار ابْن حزم وَابْن مرّة فَهَذَا القَوْل لَيْسَ من الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الشاذة بل هُوَ مُضَاف إِلَى قَول من يَقُول بِعَذَاب الْقَبْر ويقر بالقيامة وَيثبت معاد الْأَبدَان والأرواح وَلَكِن هَؤُلَاءِ لَهُم فِي عَذَاب الْقَبْر ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهَا أَنه على الرّوح فَقَط

الثَّانِي أَنه عَلَيْهَا وعَلى الْبدن بواسطتها

الثَّالِث أَنه على الْبدن فَقَط وَقد يضم إِلَى ذَلِك القَوْل الثَّانِي وَهُوَ قَول من يثبت عَذَاب الْقَبْر وَيجْعَل الرّوح هِيَ الْحَيَاة

وَيجْعَل الشاذ قَول مُنكر عَذَاب الْأَبدَان مُطلقًا وَقَول من يُنكر عَذَاب الرّوح مُطلقًا فَإِذا جعلت الْأَقْوَال الشاذة ثَلَاثَة فَالْقَوْل الثَّانِي الشاذ قَول من يَقُول إِن الرّوح بمفردها لَا تنعم وَلَا تعذب وَإِنَّمَا الرّوح هِيَ الْحَيَاة وَهَذَا يَقُوله طوائف من أهل الْكَلَام من الْمُعْتَزلَة والأشعرية كَالْقَاضِي أَبى بكر وَغَيره

وَيُنْكِرُونَ أَن الرّوح تبقى بعد فِرَاق الْبدن وَهَذَا قَول بَاطِل وَقد خَالف أَصْحَابه أَبُو الْمَعَالِي الجريني وَغَيره

 بل قد ثَبت بِالْكتاب وَالسّنة واتفاق الْأمة أَن الرّوح تبقى بعد فِرَاق الْبدن وَأَنَّهَا منعمة أَو معذبة

والفلاسفة الإلهيون يقرونَ بذلك لَكِن يُنكرُونَ معاد الْأَبدَان وَهَؤُلَاء يقرونَ بمعاد الْأَبدَان لَكِن يُنكرُونَ معاد الْأَرْوَاح وَنَعِيمهَا وعذابها بِدُونِ الْأَبدَان

وكلا الْقَوْلَيْنِ خطأ وضلال لَكِن قَول الفلاسفة أبعد عَن أَقْوَال أهل الْإِسْلَام وَإِن كَانَ قد يوافقهم عَلَيْهِ من يعْتَقد أَنه متمسك بدين الْإِسْلَام بل من يظنّ أَنه من أهل الْمعرفَة والتصوف وَالتَّحْقِيق وَالْكَلَام

وَالْقَوْل الثَّالِث الشاذ قَول من يَقُول إِن البرزخ لَيْسَ فِيهِ نعيم وَلَا عَذَاب بل لَا يكون ذَلِك حَتَّى تَقول السَّاعَة الْكُبْرَى كَمَا يَقُول ذَلِك من يَقُوله من الْمُعْتَزلَة وَنَحْوهم مِمَّن يُنكر عَذَاب الْقَبْر ونعيمه بِنَاء على أَن الرّوح لَا تبقى بعد فِرَاق الْبدن وَأَن الْبدن لَا ينعم وَلَا يعذب فَجَمِيع هَؤُلَاءِ الطوائف ضلال فِي أَمر البرزخ لكِنهمْ خير من الفلاسفة فَإِنَّهُم مقرون بالقيامة الْكُبْرَى"


فهذا قول قال به بعض المتأخرين كابن حزم وابن مرة وهؤلاء لهم مخالفات في العقيدة


وقد ذكر شيخ الإسلام أدلة كثيرة جداً في الفتاوى على أن العذاب والنعيم في البرزخ يقع على الأرواح والأبدان


حتى قال بعد أن سردها (4/298) :" وهذا الباب فيه من الأحاديث والآثار ما يضيق هذا الوقت عن استقصائه مما يبين أن الأبدان التى فى القبور تنعم وتعذب اذا كما وأن الأرواح باقية بعد مفارقة البدن ومنعمة ومعذبة"


ومن يخالف الأحاديث والآثار لا شك يبدع ويضلل


وقد نص شيخ الإسلام على أن هذا القول منكر


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (5/ 525) :" ولهذا صار بعض الناس الى أن عذاب القبر انما هو على الروح فقط كما يقوله ابن ميسره وابن حزم وهذا قول منكر عند عامة أهل السنة والجماعة "


فكيف لا يضلل ولا يبدع يا دكتور العقيدة ؟!


ولا يصح عن أحد من السلف البتة القول بأن عذاب القبر يقع على الروح فقط

الخطأ السابع عشر : إنكار أن تكون نار جهنم في الأرض

وهذه وقع فيها الألباني فيما أظن

قال الطبري في تفسيره [22/ 458]:
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ: أَيْنَ جَهَنَّمُ؟ فَقَالَ: الْبَحْرُ، فَقَالَ: مَا أُرَاهُ إِلَّا صَادِقًا، {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِرَتْ} مُخَفَّفَةً.
أقول: داود هو ابن أبي هند.

الخطأ الثامن عشر : قولهم الجماعات الإسلامية

وهذا تنبيه لي قديم على هذه الكلمة

قلت :" فإن كلمة «الجماعات الإسلامية»، وإن تكلم بها عدد من المعاصرين إلا أن فيها نظراً كبيراً

 وبيان ذلك من وجوه:

الأول : قال أبو داود في سننه 4597 - حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى قالا ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان ح وثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية قال حدثني صفوان نحوه قال حدثني أزهر بن عبد الله الحرازي عن أبي عامر الهوزني عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فينا فقال: ألا إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام فينا فقال " ألا إن من قبلكم منن أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة".


فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الفرق عدة ، والجماعة واحدة ، فتسمية الفرق جماعات مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم فالجماعة في الإسلام واحدة ، والفرق عدة والفرق كلها مذمومة إلا الفرقة الناجية والطائفة المنصورة وهم أهل الحديث.


الوجه الثاني : دل الحديث السابق على أن لفظ الجماعة محمود في الشرع ، وهذه الفرق الحزبية مذمومة فما ينبغي أن تذكر بلفظ محمود شرعاً.


الوجه الثالث : أن السلف فسروا الجماعة بعدة تفسيرات تختلف في ألفاظها وتتحد في معانيها ، لا شيء فيها ينطبق على الفرق الحزبية الموجودة الآن، قال البخاري في صحيحه : بَاب قَوْلِهِ تَعَالَى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } وَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ.


وقال الترمذي في جامعه : وَتَفْسِيرُ الجَمَاعَةِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ هُمْ أَهْلُ الفِقْهِ وَالعِلْمِ وَالحَدِيثِ، وسَمِعْت الجَارُودَ بْنَ مُعَاذٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الحَسَنِ، يَقُولُ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ المُبَارَكِ: مَنِ الجَمَاعَةُ؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، قِيلَ لَهُ: قَدْ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، قَالَ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ، قِيلَ لَهُ: قَدْ مَاتَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ: أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ جَمَاعَةٌ: وَأَبُو حَمْزَةَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ وَكَانَ شَيْخًا صَالِحًا، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا فِي حَيَاتِهِ عِنْدَنَا.


وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/70) : "وقال أبو شامة عن مبارك عن الحسن البصري قال السنة والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي فاصبروا عليها رحمكم الله فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقي : الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ولا مع أهل البدع في بدعهم وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم فكذلك إن شاء الله فكونوا وكان محمد بن أسلم الطوسي الإمام المتفق على إمامته مع رتبته أتبع الناس للسنة في زمانه حتى قال : ما بلغني سنة عن رسول اللهإلا عملت بها ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا فما مكنت من ذلك فسئل بعض أهل العلم في زمانه عن السواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم فقال : محمد بن أسلم الطوسي هو السواد الأعظم وصدق والله فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها فهو الحجة وهو الإجماع وهو السواد الأعظم وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا".


فالتبليغ والإخوان أبعد الناس عن الحديث والعلم ، وهدي الأوائل بل هي فرق محدثة.


الوجه الرابع: أن هذا التفريق بين الفرق والجماعات أحدث إشكالاً عند عامة الناس فصاروا يسألون (هل الإخوان من الاثنتين وسبعين فرقة ، وهل التبليغ كذلك)، ولو سميناها فرقاً منذ البداية لانحل الإشكال وعرف العامي أن الفرقة الناجية واحدة ، وكل ما سواها داخل في مسمى الفرقة الهالكة.


وذلك أحدث عند كثير من الناس اعتقاد أن الخلاف بين المذاهب في الفقه والخلاف بين الفرق في العقيدة ، والخلاف بين الجماعات في أسلوب الدعوة وطريقة الإصلاح !

فالتبليغ جماعة دعوية !

والإخوان جماعة سياسية !

والسلفيون جماعة علمية !


وهذا تقسيم باطل فالتبليغ لا يدعون على منهج الأنبياء ويهملون ركن الدعوة الأعظم ، ألا وهو الدعوة إلى التوحيد والسنة، والإخوان لا يسيرون على السياسة الشرعية ، بل يسيرون على الديمقراطية ، وأما تقتضيه السياسة الشرعية من الصبر على جور الأئمة فلا يقولون به، واستبدلوا ما دلت الأحاديث النبوية ، بنظرية ( العقد الاجتماعي ) ، وصاروا ينظرون للخروج بحجة أن ( المسلمين على شروطهم ) والحاكم أخل بالشرط ، وناسوا أو تناسوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ) ، فإن لم يكن الشرط المخالف لأحاديث السمع والطاعة باطلاً فما هو الباطل ؟


الوجه الخامس : أن عدداً من هذه الفرق سمت نفسها ب( الجماعة ) لاعتقادها شغور الزمان عن الإمام الشرعي ، فجعلوا أنفسهم نموذجاً مصغراً للدولة الاسلامية التي يريدون إقامتها وجعلوا لأنفسهم إماماً أعظم يسمعون له ويطيعون ، فخلعوا البيعة الشرعية ، واتبعوا بيعة بدعية، فتسميتهم بـ( الجماعة ) إقرار لهم على هذا المعنى الباطل

قال مسلم في صحيحه 4818- [55-1849] حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، يَرْوِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا ، فَمَاتَ ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ.


وهم إذا رأوا من الأمير ما يكرهون شهروا به ودعوا للخروج عليه ولم يصبروا ، فكيف يوصفون بالجماعة وهم مفارقون للجماعة، وإن عجبي لا يكاد ينتهي من الإخوان المسلمين اليوم فقد بلغ تنظيمهم أن دخلوا في أكثر من 80 دولةً كل أعضاء التنظيم يبايعون على السمع والطاعة، ومع ذلك ما استطاعوا أن يقيموا دولة الإسلام المنشودة ، فما سر هذا الأمر ؟


سر المسألة أن فاقد الشيء لا يعطيه ، ومثلهم كمثل رجل كان معه عجين وأراد أن يخبزه ، ولا يخبزه إلا بتنور فباع العجين واشترى تنوراً ، فصار عنده تنور ولكن لا عجين ليخبزه ! فهؤلاء تنازلوا عن كل شيء قبل الوصول إلى السلطة ، فلما وصلوا لم يعد عندهم شيء ليطبقوه، واليوم يتكلمون كلام الفاتحين عن دستور ينص على أن الشعب مصدر السلطات ! وتخرج المظاهرات الحاشدة في تأييد هذا ، ويستعدون للاصتدام بالمعارضين وسفك الدماء ! ويغلو بعضهم بالحاكم فيقول ( اختطف من عصر الصحابة )! ، وهذه الكلمة لو قيلت في شيخ الإسلام لكانت غلواً، فإما الغلو في الحاكم حتى يجعل من الصحابة ، او الخروج عليه وأما الصبر على الجور مع عدم إقرار منكر ، وبذل النصح له دون تهييج للغوغاء فلا ! فلزموا الضلال أولاً وأخيراً، وأؤكد ولي الأمر المسلم له السمع والطاعة.


قال البيهقي في الشعب 7523 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن موسى السني بمرو أنا أبو الموجه محمد بن عمرو أنا عبدان بن عثمان عن أبي حمزة عن قيس بن وهب الهمداني عن أنس بن مالك قال : نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم قال : لا تسبوا أمراءكم و لا تغشوهم و لا تعصوهم و اتقوا الله و اصبروا فإن الأمر إلى قريب، وهذا هو اللفظ الصحيح (لا تغشوهم) وليس (لا تبغضوهم).


ولو تأمل الإخوان المسلمون في عدد من آيات كتاب الله عز وجل الذي فيه الخير كله ، لعرفوا الداء والدواء، قال الله تعالى:﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.


فجعل شرط الاستخلاف الإيمان الصحيح ، والعمل الصالح وترك الشرك ، فدل على الاعتقادات الباطلة والبدع العملية والشرك هي أكبر عائق للتمكين


وقال الله تعالى : ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِن اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾، فجعل التمكين والنصرة لأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأعظم المعروف التوحيد والسنة وأعظم المنكر الشرك والبدعة.


الوجه السادس : أن هذه الفرق الحزبية قد أسست على أصل الفرقة ويعسوبها ، ألا وهي البدع فكيف تسمى (جماعات)

 قال أبو داود في سننه 4607 - حدثنا أحمد بن حنبل ثنا الوليد بن مسلم ثنا ثور بن يزيد قال حدثني خالد بن معدان قال حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر قالا: أتينا العرباض بن سارية وهو ممن نزل فيه: ﴿ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه﴾ فسلمنا وقلنا أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين فقال العرباض صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يارسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".


فذكر النبي صلى الله عليه وسلم الاختلاف ، ثم ذكر سببه وهي البدع وذكر سبب العصمة منه وهو التزام سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فإن قيل : تسمية الجماعات الإسلامية تسمية دارجة لذا تستخدم، فيقال : وكم من لفظ دارج فيه مخالفة شرعية.


ولما سمى الجهمية التومرتية أنفسهم بـ(الموحدين) ما أبه لهم أهل السنة، ولما سمى العبيديون أنفسهم ب( الفاطميين ) ما جاراهم أهل السنة، بل لما سمى المعتزلة أنفسهم بأهل التوحيد والعدل ما كانوا إلا معتزلة"

الخطأ التاسع عشر : المجادلة عن الساجدين لغير الله بحجة عدم معرفة قصده هل هو سجود تحية أم غيره !

وهذا مقال لي في تقض هذا :" فقد أرسل إلي أحد الأخوة كرتاً ينشر بين المسلمين للتحذير مما يسميه الكاتب ب( داعش ) وخطورة التكفير ، وذكر في هذا الكرت أن العلماء لا يكفرون من سجد لغير الله حتى  يسألونه عن قصده


أقول : وهذا كذب على العلماء سواءً علماء أهل السنة أو علماء أهل الضلالة ، ولا يعالج الغلو في التكفير بإرجاء الجهمية ، وإنما أبيح سجود التحية في بعض الشرائع السابقة ونسخ في شرعنا والسجود للصنم أو الشمس أو القمر أو الشيخ وغيره مما يعبد من دون الله كفر بإجماع


ويقول إسماعيل الدهلوي في رسالته في التوحيد  " إن حقيقة الشرك أن يأتي الإنسان بخلال وأعمال خصها الله بذاته العلية، وجعلها شعاراً للعبودية، لأحد من الناس

كالسجود لأحد،و الذبح باسمه، والنذر له والاستغاثة به في الشدة... كل ذلك يثبت به الشرك ويصبح الإنسان به مشركاً، وإن كان يعتقد أن هذا الإنسان، أو الملك، أو الجن الذي يسجد له، أو ينذر له، أو يذبح له، أو يستغيث به دون الله شأناً، وأن الله هو الخالق"


ويقول ابن القيم في رسالة الصلاة :" وها هنا أصل آخر، وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد، فكفر الجحود: أنه يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه، وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه، وأما كفر العمل، فينقسم إلى ما يضاد الإيمان، وإلى ما لا يضاده، فالسجود للصنم، والإستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان "


والسجود للقبر بالذات لا يكون إلا تعبداً لأن الميت لا يحيا بالتحية المعهودة بين الأحياء أصلاً بأفعال الجوارح


ويقول ابن القيم  في إغاثة اللهفان: _ " المشبهة هم الذين يشبهون المخلوق بالخالق في العبادة، والتعظيم والخضوع، والسجود له، والاستغاثة به...فهؤلاء هم المشبهة حقاً"


ويبين ابن تيمية هذه المسألة فيقول: -

" أما تقبيل الأرض، ووضع الرأس، ونحو ذلك مما فيه السجود، مما يفعل قدام بعض الشيوخ، وبعض الملوك، فلا يجوز، بل لا يجوز الانحناء كالركوع أيضاً، كما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: " الرجل منا يلقى أخاه، أينحني له؟

قال لا "

وأما فعل ذلك تديناً وتقرباً فهذا أعظم المنكرات، ومن اعتقد مثل هذا قربة وتديناً فهو ضال مفتر، بل يبين له أن هذا ليس بدين ولا قربة، فإن أصر على ذلك استتيب، فإن تاب وإلا قتل"


وقصد التدين يظهر من القرائن بل اليوم لا يفعل إلا كذلك كفعل ذلك عند الشيوخ أو القبور


ويقول الطيبي كما في رسالة البدر الرشيد في الألفاظ المكفرة: - وحجرة نبينا صلى الله عليه وسلم، وحجرة الخليل، وغيرهما من المدافن التي فيها نبي ورجل صالح، لا يستحب تقبيلها ولا التمسح بها باتفاق الأئمة، بل منهي عن ذلك، وأما السجود لذلك فكفر"


حتى أن جماعة من مرجئة الجهمية الأشعرية لا ينازعون في تكفير الساجد لغير الله غير أنهم يقول بأن هذا علامة على الكفر لا كفر بذاته كما قال ذلك عبد القاهر البغدادي


يقول ابن نجيم الحنفـي في البحر الرائق : - " والسجود للجبابرة كفر إن أراد به العبادة، إن أراد به التحية علـى قـول الأكثر"


فتأمل نقل هذا المرجيء عن جمهور الأحناف تكفير من يسجد لغير الله للتحية !


وجاء في الفتاوى البزازية من كتب الحنفية : - " والسجدة لهؤلاء الجبابرة كفر؛ لقوله تعالى مخاطباً للصحابة رضي الله عنهم: - {أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران، آية 80]، نزلت حين استأذنوا في السجود له عليه الصلاة والسلام

ولا يخفى أن الاستئذان لسجود التحية بدلالة: {بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} ومع اعتقاد جواز سجدة العبادة لا يكون مسلماً، فكيف يطلق عليهم بعد إذ أنتم مسلمون "، وقيل لا يكفر لقصة إخوة يوسف عليه السلام، والقائل الأول يدعي نسخة بتلك الآية، وبقوله تعالى: - {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن، آية 18]، وقيل إن أراد العبادة كفر، وإن أراد التحية لا، وهذا موافق لما ذكر في فتاوى الأصل"


وممن صرح بتكفير الساجد للتعظيم والتحية السرخسي الحنفي في المبسوط


وقال عياض في الشفاء :" وكذلك نكفر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر … كالسجود للصنم، وللشمس، والقمر، والصليب، والنار"


وهذه المذكورة السجود لها لا يكون إلا عبادة


ويقول النووي في روضة الطالبين :" والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح كالسجود للصنم، أو الشمس"


ولما أورد الرملي الشافعي أنواع الردة في غاية المحتاج  كان مما قاله: - " السجود لصنم أو شمس، أو مخلوق آخر؛ لأنه أثبت لله شريكاً، نعم إن دلت قرينة قوية على عدم دلالة الفعل على الاستخفاف كسجود أسير في دار الحرب بحضرة كافر خشية منه فلا كفر. – إلى أن قال – وإن قصد تعظيم مخلوق بالركوع كما يعظم الله به فلا فرق بينهما في الكفر حينئذ"


ويقول القبوري ابن حجر الهيتمي في إعلامه :" إن اشتمل (السحر) على عبادة مخلوق كشمس، أو قمر، أو كوكب أو غيرها، أو السجود له، أو تعظيمه كما يعظم الله تعالى، أو اعتقاد أن له تأثيراً بذاته، أو تنقيص نبي، أو ملك... كان كفراً وردة"


ويقول ابن القيم في بيان هذا الشرك في المدارج: - " ومن أنواع الشرك: - سجود المريد للشيخ، فإنه شرك من الساجد والمسجود له، والعجب أنهم يقولون: - ليس هذا سجود، وإنما هو وضع الرأس قدام الشيخ احتراماً وتواضعاً، فيقال لهؤلاء ولو سميتموه ما سميتموه، فحقيقة السجود: - وضع الرأس لمن يسجد له، وكذلك السجود للصنم، وللشمس، وللنجم، وللحجر، كله وضع الرأس قدامه.

ومن أنواعه: - ركوع المتعممين بعضهم لبعض عند الملاقاة، وهذا سجود في اللغة، به تفسير قوله تعالى: - {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} [البقرة، آية 58] أي منحنين، وإلا فلا يمكن الدخول بالجبهة على الأرض، ومنه قول العرب: سجدت الأشجار إذا أمالتها الريح"


فلو سلمنا لصاحب البطاقة بالتفريق بين سجود التحية وسجود العبادة في شرعنا فلا يختلف الناس أن السجود للشمس والقمر والوثن والقبر من الشرك ولا يكون إلا عبادة إلا هذه الأمور لا تحيا تحية الآدميين فيما بينهم


وقال ابن عابدين في حاشية الدر المختار :" وَالسُّجُودُ أَصْلٌ لِأَنَّهُ شُرِعَ عِبَادَةً بِلَا قِيَامٍ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالْقِيَامُ لَمْ يُشْرَعْ عِبَادَةً وَحْدَهُ، حَتَّى لَوْ سَجَدَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَكْفُرُ بِخِلَافِ الْقِيَامِ"



ولو فرضنا أن هناك من يفعله تحية فلا شك أنه يستحله في عامة الأحوال


ولهذا قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن :" فنهى عن السجود لغير الله تعالى، فقال: "لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد "، وأنكر على معاذ لما سجد له، وقال: "مه! "؛ فتحريم هذا معلوم من دينه بالضرورة، وتجويز من جوزه لغير الله، مراغمة لله ولرسوله، وهو من أبلغ أنواع العبودية، فإذا جوز هذا المشرك هذا النوع للبشر، فقد جوز عبودية غير الله; وأيضاً، فإن الانحناء عند التحية سجود، ومنه قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً} [سورة البقرة آية: 58] أي: منحنين، وإلا فلا يمكن الدخول على الجباه"


وما أحسن قال إسماعيل الدهلوي في رسالته تقوية الإيمان :" وقال اللَّه تعالى: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] .

فقد دلت هذه الآية على أن السجدة من أعظم شعائر العبادة، وهي مختصة بالخالق جل وعلا، فلا تجوز لمخلوق، وقد تساوى في هذه الصفة القمر والشمس، والنبي والولي، ومن قال إنه قد جاز السجود في الأديان القديمة لبعض المخلوقات، ونقل ذلك بالخبر الصحيح، فصح سجود الملائكة لآدم، وسجود يعقوب ليوسف، فلا بأس أن نسجد لشيخ أو ولي، وهذا باطل (1) ، فقد جازت أشياء في الأديان السابقة، وحرمت في ديننا، وقد أبيح النكاح بالأخوات الشقيقات في عهد آدم، فهل يبيح هؤلاء المحتجون بهذه الدلائل أن يتزوج الإخوة أخواتهم؟ .

والأصل أن العبد مكلف بامتثال أمر ربه، فعليه أن يمتثل أمره عن رضا وطواعية نفس، لا يجد في نفسه حرجا مما أمر به، ولا يحاج ولا يتشبث بأمور الأولين وأخبارهم، لأن هذا يؤدي إلى الكفر، ومثل ذلك أن ملكا أصدر مرسوما في مملكته، وبقي هذا الأمر مدة، ثم نسخ، وأبدل بمرسوم آخر، فمن قال: إني سأظل متمسكا بالمرسوم الأول، ولا أقبل المرسوم الجديد، اعتبر خارجا على الملك محاربا له"


وقال شاه عبد العزيز الدهلوي في مختصر التحفة الاثنا عشرية :" لأن السجدة لغير الله تعالى على وجه العبادة أو التعظيم كفر وشرك بدليل قوله تعالى {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} وقوله تعالى {ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون} وغيرها من الآيات الدالة على انحصار السجدة في حق الخالق العليم بالغيب والشهادة خصوصا في الشريعة المحمدية. والتمسك بسجدة الملائكة لآدم ههنا في غاية الفساد، إذ لا يمكن أن تقاس أحكام البشر على أحكام الملك، وبسجود إخوة يوسف فإنه لم يكن أولا سجودا مصطلحا،  وثانيا إنما يصلح التمسك بشرائع من قبلنا إذا لم يأت في شريعتنا نسخها وهذا الحكم منسوخ في شريعتنا قطعا. وإلا لكان الحق بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم –"




ومع التحفظ على بعض ما ورد في كلام بعض المذكورين إلا أن المقصود بيان عدة حقائق


الأولى : أن السجود للشمس والقمر والصنم والقبر لا يكون إلا عبادة لذا لا يستفصل فيه حتى في مذهب من يستفصل


الثاني : بيان كذب صاحب البطاقة في دعواه الاتفاق على عدم تكفير الساجد تحية، وقد نقلت كلام الجهمية وأهل الرأي والقبورية من باب الإلزام


ثم إنه لا يوجد أحد يسجد إلا ويصرف عبادات أخرى لا شك فيها كالاستغاثة والذبح والنذر ، والذبح والنذر بالذات مع السجود لغير الله رأينا أجلاف القبورية كالديوبندية والبريلوية يحرمونه


فالعامي المعتقد حله مخالف لأهل الإسلام وطوائف من أهل الشرك أيضاً


فلو توقف بعضهم ونافح عن المشركين في هذه المسألة فلا يسعه المنافحة في مسائل أخر ولو سأل أي مريد يسجد للشيخ أو القبر هل تعتقد أن هذا جائز لأجاب بالإيجاب فاتركوا التلاعب


وشتان بين الخوارج الذين يكفرون بالمعاصي وبين من يكفر بالشرك ومن يسوي بين الأمرين متلاعب ومرجيء جهمي خبيث

تنبيه : كثير من النقول السابقة مستفادة من رسالة عبد آل عبد اللطيف في نواقض الإيمان"

الخطأ العشرون : القول بأن البرزخ لا نوم فيه

وهذا وقع فيه عثمان الخميس

فقد قال لي بعض أصدقائي أن البرزخ لا نوم فيه فسألته عن مصدره فأحالني على عثمان الخميس وأراني مقطعاً له يقول فيه أنه لا نوم في البرزخ فهو إما نعيم وإما عذاب


وتأول الآية ( من بعثنا من مرقدنا ) أن عذاب القبر بالنسبة لهذا الآخرة كالنوم !


وقد أحسن في تضعيف أخبار تزاور الموتى المرفوعة


فقلت لهذا الأخ أن هناك أخباراً في أن المؤمن في القبر يقال له نم نومة العروس ، والكافر يقال له نم نومة المنهوش وهذا يدفع ما قال عثمان الخميس ، فتشكك هذا الأخ لما كان الخميس يتكلم به من ثقة ، ولما للشهرة من سلطان على قلوب كثير من العباد يقارع سلطان الحجة ويغلب في أحيان كثيرة والله المستعان


قال عبد الله بن أحمد في السنة 1320 - حدثني أبي ، نا يحيى بن سعيد ، عن يزيد بن كيسان ، حدثني أبو حازم ، عن أبي هريرة أن المؤمن حين ينزل به الموت ويعاين ما يعاين ود أنها خرجت والله يحب لقاء المؤمن ويصعد بروحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن موتاهم من أهل الأرض فإذا قال : إن فلانا قد فارق الدنيا قالوا ما جيء بروح ذلك إلينا لقد ذهب بروح ذلك إلى النار أو إلى أهل النار وإن المؤمن إذا وضع في القبر يسأل من ربك ؟ فيقول ربي الله فيقال من نبيك فيقول نبيي محمد صلى الله عليه وسلم فيقال ما دينك فيقول الإسلام ديني ثم يفتح له باب في القبر فيقال انظر إلى مقعدك ثم يتبعه نوم كأنما كانت رقدة فإذا كان عدو الله عاين ما يعاين ود أنها لا تخرج أبدا والله يبغض لقاءه وإنه إذا دخل القبر يسأل من ربك قال : لا أدري قال : لا دريت قال : من نبيك قال : لا أدري قالا : لا دريت قال : ما دينك قال : لا أدري قال : لا دريت ثم يضرب ضربة يسمعه كل دابة إلا الثقلين  ثم يقال له : نم كما ينام المنهوش . قلت يا أبا هريرة وما المنهوش ؟ قال : « الذي تنهشه الدواب والحيات » ثم قال أبو هريرة : « ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه هكذا وشبك بين أصابعه »


وهنا تصريح بذكر نوم المؤمن ونوم الكافر وهذا الخبر إسناده صحيح إلى أبي هريرة ، وهذا الخبر وإن كان موقوفاً إلا أن له حكم الرفع


وقال ابن أبي شيبة في المصنف  12188- حدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : إنَّ الْمَيِّتَ لَيَسْمَعَ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ مُدْبِرِينَ ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَانَتِ الصَّلاَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَكَانَتِ الزَّكَاةُ عَنْ يَمِينِهِ وَكَانَ الصِّيَامُ عَنْ يَسَارِهِ وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ فَيَؤتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَتَقُولُ الصَّلاَةُ مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ وَيَأْتِي عَنْ يَمِينِهِ فَتَقُولُ الزَّكَاةُ مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ وَيَأْتِي عَنْ يَسَارِهِ فَيَقُولُ الصِّيَامُ مَا قِبَلِي مَدْخَل وَيَأْتِي مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ فَيَقُولُ فِعْلُ الْخَيْرِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ ، قَالَ فَيُقَالُ لَهُ اجْلِسْ فَيَجْلِس قَدْ مُثِّلَتْ لَهُ الشَّمْسُ تَدَانَتْ لِلْغُرُوبِ فَيُقَالُ لَهُ أَخْبِرْنَا عَنْ مَا نَسْأَلُك عَنْهُ فَيَقُولُ دَعَوْنِي حَتَّى أُصَلِّيَ فَيُقَالُ لَهُ إنَّك سَتَفْعَلُ فَأَخْبِرْنَا عَمَّا نَسْأَلُك فَيَقُولُ وَعَمَّ تَسْأَلُونِي فَيَقُولُونَ أَرَأَيْت هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَا تَقُولُ فِيهِ وَمَا تَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ ، قَالَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيُقَالُ لَهُ نَعَمْ فَيَقُولُ أَشْهَدُ ، أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ وَأَنَّهُ جَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَصَدَّقْنَاهُ فَيُقَالُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ وَعَلَى ذَلِكَ مُتَّ وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَيُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى النَّارِ ، فَيُقَالُ لَهُ : ذَلِكَ مَقْعَدُك وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا لَو عَصَيته فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا ثُمَّ يُجْعَلُ نَسَمَةً في النَّسْمِ الطَّيِّبِ وَهِيَ طَيْرٌ خُضْرٌ تَعَلَّقَ بِشَجَرِ الْجَنَّةِ وَيُعَادُ الْجِسْمُ إلَى مَا بُدِأَ مِنْهُ مِنَ التُّرَابِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى : {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَفِي الآخِرَةِ} قَالَ مُحَمَّدٌ ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ : ثُمَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ فَيَنَامُ نَوْمَةِ الْعَرُوسِ لاَ يُوقِظُهُ إِلاَّ أُحِبُّ أَهْلِهِ إلَيْهِ , حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَ مُحَمَّدٌ ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَيؤْتَي مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ , فَلاَ يُوجَدُ لَهُ شَيْءٌ ، ثُمَّ يَأْتِي عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يُوجَدُ لَهُ شَيْءٌ ، ثُمَّ يَأْتِي عَنْ شِمَالِهِ فَلاَ يُوجَدُ لَهُ شَيْءٌ ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ فَلاَ يُوجَدُ لَهُ شَيْءٌ , فَيُقَالُ لَهُ : اجْلِسْ فَيَجْلِسُ فَزِعًا مَرْعُوبًا , فَيُقَالُ لَهُ : أَخْبِرْنَا عَمَّا نَسْأَلُك عَنْهُ ؟ فَيَقُولُ : وَعَمَّ تَسْأَلُونِي ؟ فَيُقَالُ : أَرَأَيْت هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَاذَا تَقُولُ فِيهِ وَمَاذَا تَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ ، قَالَ : فَيَقُولُ : أَيُّ رَجُلٍ ؟ قَالَ : فَيُقَالُ الَّذِي فِيكُمْ فَلاَ يَهْتَدِي لاِسْمِهِ فَيُقَالُ : مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ : لاَ أَدْرِي سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلاً فَقُلْت كَمَا قَالُوا : فَيُقَالُ عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ , وَعَلَى ذَلِكَ مُتَّ , وَعَلَى ذَلِكَ تَبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى النَّارِ ، فَيُقَالُ لَهُ ذَلِكَ مَقْعَدُك وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا , فَيَزْدَادُ حَسْرَةً وَثُبُورًا ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى الجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ ذَلِكَ مَقْعَدُك مِنْهَا فَيَزْدَاد حَسْرَةً وَثُبُورًا ، ثُمَّ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاَعُهُ , وَهِيَ الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.


وهذا موقوف حسن


وأما الآية التي أولها فتفسيره مخالف لتفسير السلف للآية _ وإن قال به ابن كثير _ ومن خالف تفسير المتفق عليه انخرط في سلك البدعة


قال الطبري في تفسيره (2/532) : حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن خيثمة، عن الحسن، عن أُبي بن كعب، في قوله( يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) قال: ناموا نومة قبل البعث .

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن رجل يقال له خيثمة في قوله( يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) قال: ينامون نومة قبل البعث .

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) هذا قول أهل الضلالة. والرَّقدة: ما بين النفختين.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله( يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا ) قال: الكافرون يقولونه .

ويعني بقوله( مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا ) من أيقظنا من منامنا، وهو من قولهم: بعث فلان ناقته فانبعثت، إذا أثارها فثارت. وقد ذُكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود:(مِنْ أّهَبَّنَاِ مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا) .."


ففسر الطبري الرقدة بالمنام بعد ذكره للآثار


وقال هناد في الزهد 312 - حدثنا المحاربي ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله عز وجل ( قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا  ) قال : « للكفار هجعة  يجدون فيها طعم النوم حتى يوم القيامة فإذا صيح : يا أهل القبور . يقولون : ( قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ) قال مجاهد : يرى أن لهم رقدة . قال : يقول المؤمن إلى جنبه : ( هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) »


ورواية ليث عن مجاهد في التفسير مقبولة


وقال ابن أبي شيبة في المصنف 36513- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} قَالَ : كَانُوا يَرَوْنَ ، أَنَّ الْعَذَابَ يُخَفَّفُ ، عَنْ أَهْلِ الْقُبُورِ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ ، فَإِذَا جَاءَتِ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ ، قَالُوا : {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}.


وهذا إسناد صحيح إلى أبي صالح السمان التابعي المعروف


ونوم أهل الإيمان لا يمنع من تنعمهم كما لا يخفى ولا يتعارض معه والمراد هنا إثبات وقوع الأمر


وأود أن أنبه هنا إلى أمر وهو أن كثيراً من المتصدين للدعوة لا يراعون أنهم يستمع إليهم عامة وضعفاء في العلم فيتكلمون في عدد من المسائل دون أدنى تحرير وإذا وقع منهم الغلط ونبههم بعض الناس لا يرجعون في غالب أحوالهم وقد جربت هذا بنفسي فمنهم من جربت معه المراسلة ومنهم من رددت عليه علناً ومنهم استخدمت معه الشدة ومنهم من استخدمت معه اللين والنتيجة واحدة في كل هذا تقريباً


ولا أحد يكاد يسلم من الغلط ولكن هذا لا يعني السكوت عن الغلط أو الإعراض عن نصح الناصحين


على أن الغلط ليس درجة واحدة فمن تبع من يثق في علمه في مسألة مشهورة عند أهل عصره أو بيئته ليس كمن أحدث قولاً غريباً شذ به عن الناس وكان باطلاً


ومن وقع في ضلالة بينها السلف ليس كمن وقع في أمر خفي من أمور الفقه أو الحديث أو التفسير أو حتى التاريخ


فقد يقول قائل : لعل الخلل فيما تكتب


فيقال : الاعتراضات على درجات منها ما للمرء مندوحة في الإعراض عنه لوهنه أو سخفه كمعارضة كلام السلف بكلام بعض المتأخرين أو المعاصرين ، أو ترديد اعتراض تمت الإجابة عليه في المقال الأصل


أو مجرد التشكيك أو الاتهام بالتسرع دون بينة


وكثير مما كتبت إن لم يكن كله خارج عن هذا بل هو رد في أصل الموضوع واستدلال بالمأثور والمخالف إن كان من الضرب كان من أصحاب الشبهة المعتبرة إن كان مخطئاً وحقه البيان والجواب على ما قال أو التسليم له بصواب قوله إن كان مصيباً


والحال اليوم بعيدة عن هذا جداً في أحوال كثير من الدعاة والله المستعان فكثير منهم سعى لغرس قيم معينة في نفوس العامة تعطيه حصانة ضد النقد فتجد العامي يقول ( من أنت حتى ترد على الشيخ فلان ) أو ( أنت حاسد وحاقد ) وهذا يردده أيضاً أتباع الشيخ والشيخ لا يبين ولا يقوم الغلاة فيه بل يقربهم أكثر من الناصحين مما يدل على أنه سعيد بهذا الذي يقال وهو بذلك أقرب إلى أخلاق الفراعنة الذين يحلو لهم تشبيه الحكام بهم من أخلاق الأنبياء الذين يزعمون أنهم من ورثتهم


قال ابن وضاح في كتابه البدع :" إنما هلكت بنو إسرائيل على يدي قرائهم وفقهائهم وستهلك هذه الأمة على يدي قرائهم وفقهائهم"


وقال أبو نعيم في الحلية (2/370) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: ثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: ثَنَا حَزْمٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ: «أَنا لِلْقَارِئِ الْفَاخِرِ أَخْوَفُ مِنِّي لِلْفَاجِرِ الْمُبْرِزِ بِفُجُورِهِ إِنَّ هَذا أَبْعَدُهُمَا غَوْرًا»


وقد قال الله تعالى في بني إسرائيل (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)


والأمة متوعدة باتباع سبيل هؤلاء حذو القذة بالقذة ومن ذلك جعل أعراض العلماء أعظم من الشرع نفسه فيسكت عن بيان الشرع تقديساً لبعض الأشخاص


هذا إن سلمنا أنه عالمٌ حقاً لا أنه من الرؤوس الجهال يتخذهم الناس علماء في آخر الزمان


وأنا قلت تحذيراً للمردود عليه ومن يحبه من السلوك في هذا المسلك بل إن المحبة تقتضي النصح والبيان والتقويم لا الغش والدفاع بالباطل


قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)


وكثير من المتعصبين يؤذون من يبين الخطأ بأي أسلوب كان _ وشنشنة الأسلوب آخر ما يلجأون إليه _ أذية غير شرعية تدخلهم في هذا الوعيد من باب أولى

الخطأ الحادي والعشرون : قول بعضهم أن عبارة ( إن لم تكن معنا فأنت علينا ) هي كلمة بوش ومبدؤه وهذه وقع فيها الشريم ووقع فيها حسين محمود في طوره السابق ولا أدري ما حاله الآن

وقد قلت في الرد عليه قديماً :" هذه ليست قاعدة صليبية يا أنوك إنما هي قاعدة سلفية


قال ابن بطة في الإبانة 487 - حدثني أبو علي إسحاق بن إبراهيم الحلواني قال : حدثنا يعقوب بن يوسف بن دينار ، قال : حدثنا أحمد بن داود الحداد ، قال : حدثني جعفر بن سليمان الضبعي ، قال : سمعت عتبة الغلام ، يقول :   من لم يكن معنا فهو علينا .


وقال أبو نعيم في الحلية (6/ 238) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَا: ثَنَا سَيَّارٌ، ثَنَا رِيَاحٌ، قَالَ: قَالَ لِي عُتْبَةُ الْغُلَامُ: يَا رِيَاحُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا فَهُوَ عَلَيْنَا


وابن بطة في الإبانة يذكر كلمات السنة ، وأبو نعيم ينتقي عيون كلمات العباد والزهاد"

الخطأ الثاني والعشرون : دعوى ضرورة تعدد الجماعات الدعوية

وهذا قال به عيسى مال الله الفرج وهو من منتسبي جمعية إحياء التراث الإسلامي

قال عيسى مال الله الفرج في ص764 من كتابه الحلية بشرح كتاب القضايا الكلية للاعتقاد :

" وتعدد جماعات الدعوة جائزة وهذا لا شيء فيه فإن الدين الإسلامي وما يحتاجه من تخصصات وما يحمله من أعباء أكبر من أن تحيط به جماعة واحدة خاصة مع اتساع رقعة العالم الإسلامي "


أقول : هذا كلام ركيك أجنبي عن العلم ، فإن ظاهره أن تعدد الجماعات أمرٌ لا تتم الدعوة إلى الإسلام بدونه ، وساعتئذ التعبير الصحيح ( تعدد الجماعات واجب إذ لا ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب )


وكلامه هذا باطل أشد البطلان وبيان ذلك من وجوه


أولها : أنه لا يوجد في النصوص إلا جماعة واحدة والبقية فرق


قال أبو داود في سننه 4597 : حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى قالا ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان ح وثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية قال حدثني صفوان نحوه قال حدثني أزهر بن عبد الله الحرازي عن أبي عامر الهوزني عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فينا فقال

" ألا إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام فينا فقال " ألا إن من قبلكم منن أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة "


ثانيها : أنه لا شك أن من ضمن هذه الجماعات أهل الحديث الذين هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة


وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ( لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ) فمن ادعى أنهم بحاجة إلى جهد غيرهم فقد رد على النبي صلى الله عليه وسلم


ومن ادعى أن منهجهم غير وافٍ بمتطلبات الدعوة كما هو ظاهر كلام عيسى فقد اتهم منهج الصحابة بالقصور


وتباعد الأقطار بين أهل الحديث لا يجعلهم جماعات بل هم جماعة واحدة وإن تباعدت أقطارهم كما كان الصحابة والتابعون وأتباع التابعين


ثالثها : أن تعدد المواهب لا يعني ضرورة تكون جماعات ، فلم يزل أهل الحديث على مر العصور منهم من يغلب عليه الفقه ( فقه أهل الحديث لا أهل الرأي ولا أهل الظاهر ) ومنهم من يعلم عليه الحديث والعلل ومنهم من يغلب عليه الوعظ ومنهم من يغلب عليه التفسير


ومع ذلك ما صاروا ( جماعات ) بل هم فرقة واحدة وجماعة واحدة


رابعها : أن تعدد الأقطار وتباعدها قد حصل في زمن السلف خصوصاً في زمن التابعين وأتباع التابعين وما صاروا ( جماعات ) بل كلهم جماعة واحدة وفرقة واحدة جمعت أصول معتقدها في مصنفات عدة ينصح كل مسلم بالقراءة فيها لمعرفة الاعتقاد الصحيح


وهي على سبيل المثال لا الحصر السنة لعبد الله بن أحمد والشريعة للآجري والإبانة لابن بطة والسنة للالكائي وغيرها


قال أبو المظفر السمعاني (ت 489 هـ):

(ومما يدل على أن أهل الحديث هم على الحق أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم، مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم في الديار، وسكون كل واحد منهم قطرا من الأقطار، وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة، ونمط واحد، يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها، ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد، ونقلهم واحد، لا ترى بينهم اختلافا، ولا تفرقا في شيء ما، وإن قل.

بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم، ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء من قلب واحد، وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبن من هذا، قال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] ، وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] .

وأما إذا نظرت إلى أهل الأهواء والبدع رأيتهم متفرقين مختلفين، أو شيعا وأحزابا، لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقة واحدة في الاعتقاد، يبدع بعضهم بعضا.

بل يرتقون إلى التكفير، يكفر الابن أباه، والرجل أخاه، والجار جاره.

تراهم أبدأ في تنازع، وتباغض، واختلاف، تنقضي أعمارهم، ولما تتفق كلماتهم {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14] .


أو ما سمعت أن المعتزلة مع اجتماعهم في هذا اللقب يكفر البغداديون منهم البصريين، والبصريون منهم البغدادين.

ويكفر أصحاب أبي علي الجبائي ابنه أبا هاشم، وأصحاب أبي هاشم يكفرون أباه أبا علي، وكذلك سائر رءوسهم.

وأرباب المقالات منهم، إذا تدبرت أقوالهم رأيتهم متفرقين يكفر بعضهم بعضا، ويتبرأ بعضهم من بعض.

وكذلك الخوارج والروافض فيما بينهم، وسائر المبتدعة بمثابتهم، وهل على الباطل دليل أظهر من هذا، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا (1) دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} [الأنعام: 159] .

وكان السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطريق النقل، فأورثهم الاتفاق والاختلاف.

وأهل البدع أخذوا الدين من المعقولات والآراء، فأورثهم الافتراق والاختلاف.

فإن النقل والرواية من الثقات والمتقنين قلما يختلف، وإن اختلف في لفظ أو كلمة، فذلك اختلاف لا يضر الدين، ولا يقدح فيه.

وأما دلائل العقل فقلما تتفق، بل عقل كل واحد يري صاحبه غير ما يرى الآخر، وهذا بين والحمد لله) انتهى كلام أبي المظفر السمعاني، نقله عنه قوام السنة الأصبهاني، في كتابه "الحجة في بيان المحجة" (2 / 224 - 227) [ مستفاد من أحد الأخوة ]


ودعني أضرب للقاريء مثالاً تقريبياً فهذه جماعة الإخوان المسلمين والتي هي في الحقيقة فرقة من الفرق


تمتد في أكثر من ثمانين دولة وينتظم تحتها أناس كثر متعددي المواهب ومع ذلك هي ( عندهم ) جماعة واحدة ذات مرجعية وليست عدة جماعات !


ويذكرني هذا التعليل البارد من عيسى مال الله بقول صاحبه ناظم المسباح في كتابه الذي ألفه عن أحكام الرايات حيث ذهب إلى عدم جواز تعدد البيعات في هذا العصر !


لتوفر وسائل التواصل والاتصال ! ، وكأن الأمة لم يكن يحول بينها وبين الاجتماع على إمام إلا عدم توفر وسائل الاتصال ! سبحان قاسم العقول


الوجه الأخير : أن الذين اعتمد فتاويهم في مسائل عديدة في هذا الكتاب قد أفتوا بحرمة تعدد الجماعات الدعوة وبرهنوا على ذلك بالأدلة


فقد سئل ابن باز س 2: ماواجب علماء المسلمين حيال كثرة الجمعيات والجماعات في كثير من الدول الإسلامية وغيرها ، واختلافها فيما بينها حتى إن كل جماعة تضلل الأخرى . ألا ترون من المناسب التدخل في مثل هذه المسألة بإيضاح وجه الحق في هذه الخلافات ، خشية تفاقمها وعواقبها الوخيمة على المسلمين هناك ؟

ج 2 : إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بين لنا درباً واحداً يجب على المسلمين أن يسلكوه وهو صراط الله المستقيم ومنهج دينه القويم ، يقول الله تعالى : {وأنَّ هَذَا صِرَاطي مُسْتَقِيمَاً فاتَّبعوهُ وَلا تتبعُوا السُبُلَ فَتَفَرَّق بكم عَن سَبيْلِه ذَلِكم وَصَّاكم به لعَلكم تَتَّقون}

جَميعاً وَلا تَّفرَّقُوا} وقوله تعالى : {شَرَعَ لَكم من الدينِ مَا وَصَّى به نُوحَاً وَالذِي أوحَيْنَا إليكَ وَمَا وَصَّيْنا بِه إبرَاهيْمَ وَمُوسَى وَعيسَى أنْ أقيمُوا الدينَ وَلا تتفرَّقوا فيه كَبُرَ على المشركين َ مَا تَدْعُوهُم إليْه }

فهذه دعوة إلهية إلى اتحاد الكلمة وتآلف القلوب . والجمعيات إذا كثرت في أي بلد إسلامي من أجل الخير والمساعدات والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين دون أن تختلف أهواء أصحابها فهي خير وبركة وفوائدها عظيمة .

أما إن كانت كل واحدة تضلل الأخرى وتنقد أعمالها فإن الضرر بها حينئذ عظيم والعواقب وخيمة. فالواجب على المسلمين توضيح الحقيقة ومناقشة كل جماعة أو جمعية ونصح الجميع بأن يسيروا في الخط الذي رسمه الله لعباده ودعا إليه نبينا محمد ز ، ومن تجاوز هذا أو استمر في عناده لمصالح شخصية أو لمقاصد لا يعلمها إلا الله ـ فإن الواجب التشهير به والتحذير منه ممن عرف الحقيقة ، حتى يتجنب الناس طريقهم وحتى لا يدخل معهم من لا يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه ويصرفوه عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه في قوله جل وعلا : {وأنَّ هَذَا صِرَاطي مُسْتَقِيمَاً فاتَّبعوهُ وَلا تتبعُوا السُبُلَ فَتَفَرَّق بكم عَن سَبيْلِه ذَلِكم وَصَّاكم به لعَلكم تَتَّقون}

ومما لا شك فيه أن كثرة الفرق والجماعات في المجتمع الإسلامي مما يحرص عليه الشيطان أولا وأعداء الإسلام من الإنس ثانياً ، لأن اتفاق كلمة المسلمين ووحدتهم وإدراكهم الخطر الذي يهددهم ويستهدف عقيدتهم يجعلهم ينشطون لمكافحة ذلك والعمل في صف واحد من أجل مصلحة المسلمين ودرء الخطر عن دينهم وبلادهم وإخوانهم وهذا مسلك لا يرضاه الأعداء من الإنس والجن ، فلذا هم يحرصون على تفريق كلمة المسلمين وتشتيت شملهم وبذر أسباب العداوة بينهم ، نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق وأن يزيل من مجتمعهم كل فتنة وضلالة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه))( ( ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/202ـ204) . ) .




وسئل  ابن عثيمين هل هناك نصوصٌ في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيهما إباحة تعدد الجماعات أو الإخوان ؟

ج / ((نعم . . أقول ليس في الكتاب ولا في السنة ما يبيح تعدد الأحزاب والجماعات ، بل إن في الكتاب والسنة ما يذم ذلك ، قال الله تعالى {إنَّ الذينَ فَرَّقُوا دينهم وَكانُوا شِيَعَاً لستَ مِنْهُم في شَئ إنَما أمْرُهُم إلى الله ثُمَّ ينبئهم بِمَا كانوا يَفعَلُون} وقال تعالى : {كلُ حِزبٍ بمَا لَدَيْهم فَرِحُون } ولا شك أن هذه الأحزاب تتنافى ما أمر الله به بل ما حث الله عليه في وقوله {وأنَّ هَذه أمَّتُكم أمَّةً وَاحدَة وَأنا رَبُكم فَاتَّقون} .

وقول بعضهم : إنه لا يمكن للدعوة أن تقوى إلا إذا كانت تحت حزب ؟

نقول : هذا ليس بصحيح ، بل إن الدعوة تقوى كل ما كان الإنسان منطوياً تحت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم متبعاً لآثار النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين)) من شريط مجموع كلام العلماء في عبدالرحمن عبدالخالق . الوجه الثاني.) ( مستفادة من كتاب جماعة واحدة لا جماعات لربيع المدخلي )


وأما اشتراط عيسى مال الله في الجماعات ألا تتباغض ولا تتدابر فهذا من باب ألقاه في اليم مقيداً ثم قال إياك إياك أن تبتل فإن الفرقة مقرونة بالتباغض والتدابر شئنا أم أبينا

وقد قلت أيضاً في الرد على هذه الشبهة :"  فالقائلون بوجوب أو جواز تعدد الجماعات الدعوية لهم تعليلات باردة في تسويغ هذا المنكر منها دعوى الضرورة ودعوى تباعد الأقطار أو غياب الخلافة الإسلامية (كما علل بذلك عمر الأشقر ) ! .
 والحق أن هذه الأدواء تعالج بالمعروف لا بالمنكر وما يزيد المسلمين فرقة .
 وقد وجدت كلمة نفيسة للإمام المجدد في رد هذه الدعوى

ذكرها تفسيره لقوله تعالى : ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ )

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله _ كما في مجموعة رسائله ومؤلفاته (5/270) :" السابعة: المسألة العظيمة التي سيق الكلام لأجلها، وهي فرض الاجتماع في المذهب.
 وتحريم الافتراق: فإذا فرضه على الأنبياء مع اختلاف الأزمنة والأمكنة فكيف بأمة واحدة، ونبيها واحد، وكتابها ودينها واحد؟"

أقول : الله أكبر وتباعد الأقطار أهون من هذا ولا شك"

هذا آخر ما أكتبه في هذا الباب فإن حصل استدراك وإلا دخلنا في الفقهيات

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي