مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: فائدة في النسخ من الأخف إلى الأثقل ...

فائدة في النسخ من الأخف إلى الأثقل ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فمن المشهور عند الأصوليين أن النسخ يكون من الأثقل إلى الأخف وهذا في كثير من المنسوخات ومن أشهر أمثلة ذلك آية المكاثرة في القتال

ويكون النسخ إلى مثلي كنسخ القبلة

ويكون النسخ من الأخف إلى الأثقل وهذا لا يوجد عليه إلا مثال واحد وهو نسخ صيام عاشوراء بصيام رمضان

والحكمة من التشريع ظاهرة في النسخ إلى الأخف فإن الله عز وجل يبين لطفه بعباده وأنه قادر على تكليفهم بالأشد ويظهر ذلك في سلفهم ثم يظهر منته على هذه الأمة بالتخفيف عنهم

ونسخ القبلة بين رب العالمين الحكمة من ذلك وأنه امتحان وتمييز لأهل الثبات من غيرهم ولعل في ذلك حكماً أخرى

وأما النسخ من الأخف إلى الأثقل فما حكمته ؟

يقول الطبري في تفسيره :" والصواب من القول في معنى ذلك عندنا: ما نبدل من حكم آية فنغيره، أو نترك تبديله فنقره بحاله، نأت بخير منها لكم - من حكم الآية التي نسخنا فغيرنا حكمها - إما في العاجل لخفته عليكم، من أجل أنه وضع فرض كان عليكم، فأسقط ثقله عنكم، وذلك كالذي كان على المؤمنين من فرض قيام الليل، ثم نسخ ذلك فوضع عنهم، فكان ذلك خيرا لهم في عاجلهم، لسقوط عبء ذلك وثقل حمله عنهم = وإما في الآجل لعظم ثوابه، من أجل مشقة حمله وثقل عبئه على الأبدان. كالذي كان عليهم من صيام أيام معدودات في السنة، فنسخ وفرض عليهم مكانه صوم شهر كامل في كل حول، فكان فرض صوم شهر كامل كل سنة، أثقل على الأبدان من صيام أيام معدودات. غير أن ذلك وإن كان كذلك، فالثواب عليه أجزل، والأجر عليه أكثر، لفضل مشقته على مكلفيه من صوم أيام معدودات، فذلك وإن كان على الأبدان أشق، فهو خير من الأول في الآجل لفضل ثوابه وعظم أجره، الذي لم يكن مثله لصوم الأيام المعدودات. فذلك معنى قوله: (نأت بخير منها) . لأنه إما بخير منها في العاجل لخفته على من كلفه، أو في الآجل لعظم ثوابه وكثرة أجره.
أو يكون مثلها في المشقة على البدن واستواء الأجر والثواب عليه، نظير نسخ الله تعالى ذكره فرض الصلاة شطر بيت المقدس، إلى فرضها شطر المسجد الحرام"

أقول : ذكر الطبري وجهاً وهو أن الأجر أعظم في صيام رمضان فهو وإن كان أثقل من جهة الفعل فإنه ( خير ) من جهة عظيم الثواب

والذي يظهر أن الصيام لما كان عبادة فيها طرف من المشقة حصل التدريب للمؤمنين بفرض صيام عاشوراء حتى إذا اعتادت نفوسهم الصيام ورأوا الأثر الحسن منه على نفوسهم ، فرض الله عز وجل عليهم صيام شهر كامل ولا شك أن نفوسهم قد فرحت لذلك لما كانوا يرونه من أثر الصيام ثم جعل في هذا الصيام أجراً عظيماً ويكفيك أجر ليلة القدر فكيف ببقية الشهر معها

ونسخ القبلة الذي يظهر أن جعل التوجه للكعبة أيسر من بيت المقدس وذلك أن المسلمين يحجون للكعبة فجعل قبلتهم شيئاً يرونه في الحج أيسر من جعل القبلة شيئاً غائباً عن أبصارهم هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي