الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فهنا خاطرة علمية إن صح التعبير تتعلق
بالفريق الذي ينكر وجود عبد الله بن سبأ وأثره في ظهور التشيع
وهذه الفئة قلدت بعض الروافض وعلى رأسهم
حسن المالكي وعدنان إبراهيم ( وهما رافضيان ولكن ليسا إماميين ) حتى وصل الأمر إلى
بعض الباحثين المنتسبين للسنة كمصطفى العدوي المصري
والحق أن هذا ليس قصوراً في البحث فحسب بل
تناقض ظاهر من مثل عدنان إبراهيم بالذات
فلو فرضنا أن عبد الله بن سبأ شخصية
اخترعها سيف بن عمر التميمي
فلماذا يقبل من سيف بن عمر وأضرابه
الروايات التي فيها ذكر بعض الصحابة في المؤلبين على عثمان ولا يقبل قوله في عبد
الله بن سبأ ؟
فهذا أمرٌ انفرد به التميمي أيضاً ومن هو
مثله
ولماذا تقبل الروايات التي فيها طعن على
معاوية ولا تقبل الروايات التي فيها ذكر لعبد الله بن سبأ ؟
وقول القائل ( قصة عبد الله بن سبأ لا أصل
لها )
فكأنه لو كان للخبر أصل أو أسانيد لآمن به
وما هذا شأن من ينكر حكم الرجم الذي تواردت عليه الأحاديث وعمل به الخلفاء ووتتابع
عليه الفقهاء وكذا حد الردة وكذا عذاب القبر
فإن قيل : إنما يلزمكم على أصلكم ؟
فيقال : بل الظاهر أنه هو يقبل الكثير من
الأخبار وهي دون ما دفعه خصوصاً فضائل أهل البيت وما ورد في ثلب معاوية أو الحكم
بن أبي العاص أو أي صحابي يطمع هذا الرجل في ثلبه
ولنعد إلى بحث عبد الله بن سبأ
إثبات وجود شخصية تاريخية لا يتطلب الشروط
التي يتعامل بها مع الأحاديث النبوية ومنهج المحدثين المتشدد بل مجرد ذكر بعض
المعاصرين له لشخصه أو من اقترب من زمنهم دل على أنه وجد حقيقة
خصوصاً إذا لم يكن هناك من ينكر وجوده في
ذلك الزمن مع اشتهار أخباره
فقد وجد في الناس من تشكك في وجود أويس
القرني ولم يوجد من تشكك في وجود عبد الله بن سبأ
والقرائن إذا اجتمعت ربما أعطت من اليقين
ما لا يعطيه بعض أفراد الأدلة
ولنجعل هذه القرينة منطلق البحث
وهو أن الشيعة كان لهم وجود تاريخي وقوة
في الكوفة بالذات سواءً التشيع الخفيف أو الغالي وحتى الرفض كان له ظهور ولم يدفع
أحد من هؤلاء وجود عبد الله بن سبأ ولو كانت أكذوبة من خصومهم لكانت نفوسهم إلى
دفعها متشوفة أشد التشوف
وهذه مجرد قرينة
ولنأتي إلى بينة أخرى
قال ابن أبي خيثمة في تاريخه 4358-
حَدَّثَنا عَمْرو بْن مَرْزُوق، قَالَ: أخبرنا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَة بْنِ
كُهَيْل، عَنْ زَيْد بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قال عليٌّ: مالي (1- وَلِهَذَا الحَمِيت
الأَسْوَدِ يَعْنِي: عَبْد اللَّهِ بْنَ سَبَإٍ وَكَانَ يَقَعُ فِي أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ.
كَذَا قَالَ: عَنْ سَلَمَة، عَنْ زَيْد
بْنِ وَهْبٍ.
4359- حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ عباد
المكى، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عَبْد الْجَبَّارِ بْنُ عَبَّاس
الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ سَلَمَة، عَنْ حُجَيَّة الْكِنْدِيِّ، رَأَيْتُ عَلِيًّا عَلَى
الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ هَذَا الحَمِيت الأَسْوَدِ
الَّذِي يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ؛ يَعْنِي: ابْنَ السَّوْدَاءِ.
4360- حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عباد، قال:
حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ عمار الدهني، قَالَ: سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت الْمُسَيَّب
بْن نَجِيَّة أتى بِهِ مُلَبِّبه؛ يَعْنِي: ابْن السوداء، وعليٌّ عَلَى المنبر،
فَقَالَ عليٌّ: ما شأنه؟ فَقَالَ: يكذب عَلَى اللَّه وعلى رسوله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هذه الأسانيد كلها قوية وقد ذكر عبد الله
بن سبأ باسمه الصريح في الرواية الأولى وذكر بوصفه في الروايات الأخرى فابن
السوداء هو نفسه ابن سبأ ولو فرضنا أنه ابن السوداء وليس اسمه الحقيقي عبد الله بن
سبأ وإنما له اسم آخر واصطلح المؤرخون على تسميه بابن سبأ لم يكن هذا ليغير شيئاً
في صلب البحث
وهذه الأخبار تذكر أنه أول من أظهر
الوقيعة في أبي بكر وعمر
وقال ابن عساكر في تاريخه (29/7) : أخبرنا
أبو البركات الأنماطي أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن وأبو الفضل أحمد بن الحسن قالا
أنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله أنا أبو علي بن الصواف نا محمد بن عثمان بن أبي
شيبة نا محمد بن العلاء نا أبو بكر بن عياش عن مجالد عن الشعبي قال أول من كذب عبد
الله بن سبأ
هذا إسناد حسن إلى مجالد
ومجالد ضعيف ولكنه يروي هنا كلام شيخه فهو
يحتمل بمثل هذا وقد احتج أحمد بخبره عن شيخه الشعبي في المقطوع يعني كلام الشعبي
فهو في بقية الأخبار قد يخلط بين المرفوع والموقوف غير أن كلام شيخه أيسر للحفظ
وأحمد وابن معين أخذا على مجالد رفعه للأحاديث غير المرفوعة وهنا هو لا يرفع بل يحكي كلام شيخه فهذا يقوي أمره هنا
وأحمد وابن معين أخذا على مجالد رفعه للأحاديث غير المرفوعة وهنا هو لا يرفع بل يحكي كلام شيخه فهذا يقوي أمره هنا
والشعبي رجل رأى علياً ورأى جمعاً من
الصحابة وكان صاحباً لشريح فهو معاصر لابن سبأ وهو رجل كوفي يعني حيث لا سلطان
للنواصب من الناحية العقدية بل الناس كلهم متشيعون لعلي إما تشيع بدعة وإما تشيع
بمعنى نصرة ومحبة
وقال يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ثنا أَبُو الزَّعْرَاءِ عَمْرُو
بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَمِّهِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْجَشْمِيِّ
عَنْ أَبِيهِ: أَتَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم (232 ب) .
وَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا
الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ- وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا مُحَمَّدِ [2]
بْنِ عَلِيٍّ، وَكَانَ حَسَنٌ أَرْضَى مِنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ عَبْدُ
اللَّهِ يَجْمَعُ أَحَادِيثَ السّبيئَةِ- عَنْ أَبِيهِمَا: أَنَّ عَلِيًّا قَالَ
لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّكَ امْرُؤٌ تَائِهٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ، لَا تُفْتِ بِنِكَاحِ المتعة
عبد الله بن محمد بن الحنفية _ حفيد علي _
يصفه الزهري بأنه يجمع حديث ( السبئية ) نسبة إلى عبد الله بن سبأ
ولو لم يكن عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية
وله أناس يتبعونه أكان الزهري وهو التابعي الذي سمع من أنس وسهل بن سعد سيجرؤ على
ذكر هذه الكلمة أو تخطر له ببال إنما هو يتكلم عن كيان حقيقي موجود
وقال الطبري في تفسيره حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ}
[آل عمران: 7] وَكَانَ قَتَادَةُ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَأَمَّا
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7] قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُونُوا
الْحَرُورِيَّةَ وَالسَّبَئِيَّةَ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ؟
وهذا إسناد قوي لقتادة وفيه عبد الرزاق المتشيع
وقتادة تابعي سمع أنساً وأبا الطفيل وعبد
الله بن سرجس وهنا يذكر السبئية كفرقة معروفة عندهم فلو يكن عبد الله بن سبأ حقيقة
وأثره معروف أكانت ستنسب إليه فرقة في ذلك الوقت المبكر من التاريخ الإسلامي من
رجل يروي عن النبي كثيراً من الأحاديث بواسطة خادمه أنس فحسب !
وقال الآجري في الشريعة وَأَنْبَأَنَاهُ
أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ يُونُسَ , عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَا
رَأَيْتُ قَوْمًا أَشْبَهَ بِالنَّصَارَى مِنَ السَّبَائِيَّةِ قَالَ أَحْمَدُ
بْنُ يُونُسَ: هُمُ الرَّافِضَةُ
ورواه أيضاً ابن عبد البر في جامع بيان
العلم وفضله وهذا إسناد قوي للزهري
والزهري تابعي معروف فهل كان مجنوناً حتى
يتكلم عن فرقة لا وجود لها أو ينسبهم لرجل لا وجود له ؟!
وقد رواه حرب عن أحمد بن يونس مباشرة
وفي علل المروذي عن أحمد 325 - قَالَ
حَدثنِي أبي، قَالَ: حَدثنَا معَاذ، قَالَ، حَدثنَا ابْن عون , قَالَ: ذكرت
لإِبْرَاهِيم رجلَيْنِ من السبائية , يَعْنِي الْمُغيرَة بن سعيد , وَأَبا عبد
الرَّحِيم , قد عرفهما، قَالَ: احذروهما، فَإِنَّهُمَا كذابان.
إبراهيم النخعي تابعي كوفي معروف مشهور
وهذا إسناد صحيح له
فإذا كان عالم المدينة والشام الزهري يذكر
السبئية وعالم البصرة قتادة يذكر السبئية وعالم الكوفة إبراهيم النخعي يذكر
السبئية
كل ذلك بأسانيد ثابتة عنهم مع ما ورد عن
الشعبي ومع الأخبار الواردة عن علي وكل واحد من هذه دليل كاف مع قرينة عدم وجود
معارض أو منكر لوجود ابن سبأ من الشيعة الرافضة أنفسهم في ذلك الزمان
فلو عددنا كل هذه قرائن فحسب وليست أدلة
مع أنها أدلة لجعلت قول من يجزم بتكذيب قصة ابن سبأ محض أضحوكة وسخف في العقل ودفع
شنيع بالصدر
وقال ابن حبان في المجروحين أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الثَّقَفِيّ
قَالَ سَمِعت أَبَا يحيى مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم يَقُول سَمِعت أَبَا سَلمَة
يَقُول سَمِعت همامَا يَقُول سَمِعت الْكَلْبِيّ يَقُول أَنا سبئي
هنا محمد بن السائب الكلبي يشهد على نفسه
بالسبئية مما يدل على أنها فرقة موجودة وتنسب لعبد الله بن سبأ
وقال ابن عدي في الكامل حَدَّثَنَا
الساجي، قَال: حَدَّثني مُحَمد بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ،
حَدَّثَنا الكلبي وكان سبئيا.
حَدَّثَنَا الساجي، قَال: حَدَّثَنا ابْنُ
الْمُثَنَّى، حَدَّثَنا أَبُو معاوية، حَدَّثَنا سَعِيد الهمداني، قَالَ: سَمِعْتُ
الشعبي يقول دست هذه الأهواء كلها بقدمي فلم أر قوما أحمق من هذه السبئية.
حَدَّثَنَا السَّاجِيُّ، حَدَّثَنا ابْنُ
الْمُثَنَّى، حَدَّثَنا أَبُو معاوية، قَال: قَال الأَعْمَش اتق هذه السبئية فإني
أدركت الناس وإنما يسمونهم الكذابين
وهذه كلها أسانيد قوية فإذا كان الأعمش
والشعبي وهما عالما الكوفة والأعمش يتشيع والشعبي رأى علياً يذكران السبئية
المنسوبة لعبد الله بن سبأ أفلا يجعل هذا وجوده حقيقة قطعية بل وجود فرقة كاملة
تتبع عقيدته
والأعمش يقول ( أدركت الناس يسمونهم ) فهو
ينقل اتفاق أهل الكوفة على وجودهم وذمهم إذ لا يذم ما ليس في حيز الوجود وشيوخ
الأعمش هم كبار التابعين ممن هم في طبقة ابن سبأ أو أكبر منه بل كثير من شيوخه
أكبر سناً من ابن سبأ ففي شيوخه من أدرك الصديق وفيهم من أدرك الفاروق بل فيهم
المخضرم الذي أدرك النبي ولم يره
وهذه الكلمة من الأعمش تدفع عنه تهمة
السبئية التي ذكرها يزيد بن زريع في حقه
وأكتفي بنقل كلام هذه الطبقة فحسب ولا
أريد النزول إلى الطبقات التي تبعت هذه الطبقة
فعندنا الآن آثار ثابتة عن الشعبي والأعمش
وإبراهيم وقتادة والزهري والكلبي تذكر السبئية وهؤلاء كلهم من طبقة تلاميذ الصحابة
بل الشعبي تتلمذ على علي بل الأعمش نقل ذلك عن شيوخه
وعندنا أثر ثابت عن علي في تاريخ ابن أبي
خيثمة بل آثار
وعندنا أثر عن الشعبي إسناده محتمل في
تاريخ دمشق
إضافة إلى قرينة عدم وجود من ينكر وجود
عبد الله بن سبأ في تلك القرون لا من الشيعة ولا من غيرهم بل كثير من الروايات
التي يذكر فيها عبد الله بن سبأ في أسانيدها من يتشيع مع اتفاق كتب الفرق على ذكر
السبئية
فوجود عبد الله بن سبأ وفرقته السبئية
أقوى بكثير من فضائل أهل البيت أو مثالب بني أمية التي يعول عليها هؤلاء كثيراً
وهذا يدلك أن هؤلاء المنكرين ليسوا باحثين
جادين بل محض عابثين ومشوشين، وصنيعهم يشبه صنيع الخوارج الذين لم يعتدوا بالكثير
من السنن وزعموا الأخذ بظواهر القرآن ثم إنهم تناقضوا حيث نهوا الحائض على الصلاة
والصيام ثم أمروها بقضاء الاثنين وهذا حكم إنما جاء في السنة دون القرآن والوارد
في السنة قضاء الصيام دون الصلاة وهكذا كل صاحب هو يتناقض
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم