مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: من نفائس ابن تيمية : غلاة الصوفية أكفر من اليهود والنصارى ....

من نفائس ابن تيمية : غلاة الصوفية أكفر من اليهود والنصارى ....



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال ابن تيمية في الرد على البكري ص 483 :" ويذكرون ما هو أعظم كفراً من هذه الحكاية وهو أن الله تعالى أطلع رسوله على سر الأسرار ليلة المعراج وأمره ألا يخبر به أحداً وأنه رأى أهل الصفة يتكلمون به فقال لهم من أين لكم هذا فقالوا أخبرنا الله به فقال يا رب ألم تأمرني بكتم السر فقال أنا أمرتك أن تكتمه واخبرتهم به

وقد ذكر لي غير واحد من كبار شيوخ هؤلاء من غير واحد من شيوخها الكبار فبينت لهم كذب هذا حتى قلت لبعضهم : الصفة إنما كانت بالمدينة والمعراج كان بمكة فلم يكن ليلة المعراج أحد يذكر أنه من أهل الصفة

وأعظم من هذا كفراً ما يذكره بعضهم من أن الله أمر نبيه بزيارة أهل الصفة وأنه ذهب ليزورهم فلم يفتحوا له الباب وقالوا له اذهب إلى من أرسلت إليه فإنه لا حاجة لنا بك وأنه عاد إلى ربه ............"

إلى أن قال :" وكل هذا كفر من قائله ومعتقده ونحو هذه الكفريات لا يقولها إلا من هو أبعد الناس عن الإيمان بالله ورسوله ومع هذا فهي عند أصحابها من حقائق العارفين وأسرار أولياء الله المصطفين خواص الرب الذين هم أفضل من الأنبياء والمرسلين عند أصحابهم هؤلاء الكفار الذين اكفر من اليهود والنصارى "


أقول : الشيخ هنا كان يتكلم عن طائفة البكري وليعلم أن رده على البكري الأصلي غير موجود وإنما وجد تلخيص ابن كثير وأمور جمعت من هنا وهناك لذا يحاول بعض إخواننا التشكيك بما في الكتاب غير أن أكثر ما فيه محتمل

وإنني لأتعجب ممن يقول بأن ابن تيمية لم يكفر البكري في هذا الكتاب ، والواقع أنه صرح في موطن واحد أنه لم يبدأه بالتكفير والتجهيل كما فعل هو ولما أظهره لما يبادله غير أن الناظر في الكتاب يجد مواطن عديدة واضحة في الحكم على البكري بأنه مشرك ومن طائفة مشركة

قال ابن تيمية الرد على البكري في ص250 :" فليتدبر العاقل فعل من بدل دين الله ، وسلك سبيل المرتدين والمنافقين الذين جعلوا الإيمان كفراً "

والبكري كفر ابن تيمية بالاستغاثة فجعل الإيمان كفراً فهو المقصود بهذا

وقال أيضاً في الرد على البكري ص290 :" فغاية ما أقر به على نفسه وعلى أصحابه لما خاطبه بعض أصحابنا فقال أنتم نسبتمونا إلى الشرك ونحن ننسبكم إلى تنقص الرسول

فغاية الأمر أن ما يدعيه منازعيه تنقص الرسول وهم يقولون عنه وعن أمثاله إنهم مشركون "

فهنا ابن تيمية يصرح بأنه هو تلاميذه يصفون البكري وأضرابه بالمشركين

وقال في ص448 :" وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن أحداً منهم ما كان إذا نزلت به حاجة لميت يا سيدي فلان أنا في حسبك أو اقض حاجتي كما يقول هؤلاء بعض هؤلاء المشركين "


وهو هنا يعين مشركين في عصره

وتقدم معنا تصريحه بأن غلاة الصوفية الذين يذكرون الحكايات المختلقة عن مكاشفات أهل الصفة أكفر من اليهود والنصارى

ثم قال متكلماً عن البكري وطائفته بعدها :" لكن هؤلاء كلهم ما فيهم من يعد نفي هذا أو النهي عنه كفراً إلا مثل هذا الأحمق _ يعني البكري _ الضال الذي حاق به وبال النكال فإنه من غلاة أهل البدع "


وقال في ص565 وهو يتكلم عن استغاثاتهم :" فيقول السادن قد قلت للشيخ والشيخ يقول للنبي والنبي يقول لله والله قد بعث رسولاً إلى السلطان فلان فهل إلا محض دين المشركين والنصارى وفيه من الكذب والجهل ما يستجيزه كل مشرك أو نصراني ولا يروج عليه "


وهذا تفضيل للنصارى عليهم

وفي ص 584 في جوابه على قول البكري أن من يحرم الاستغاثة ينتقص الرسول :" الوجه الرابع : أن يقال : الغلاة المشركون هم في الحقيقة من بخسوا الرسل ما يستحقونه من التعظيم "


ومن هم الغلاة المشركون إلا المستغيثين كالبكري ومن معه

وفي ص585 :" أن أهل التوحيد والسنة يصدقونهم فيما أخبروا ويطيعونهم فيما أمروا ويحفظون ما قالوا ويفهمونه ويعملون به وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ويجاهدون من خالفهم ويفعلون ذلك تقرباً إلى الله طلباً للجزاء منه لا منهم وأهل الجهل والغلو لا يميزون بين ما أمروا به ونهوا عنه ولا بين ما صح عنهم وما كذب عليهم ولا يفهموه حقيقة مرادهم ولا يتحرون طاعتهم ومتابعتهم بل جهال بما أتوا به معظمون لأغراضهم "

حتى قال :" فالسدنة الذين عند القبور ونحوهم غرضهم يأكلون أموال الناس بهم وأتباعهم غرضهم تعظيم أنفسهم عند الناس وأخذ أموالهم لهم والصادق المحض المتدين منهم غرضه أنه إذا سألهم واستغاث بهم في دفع شدة أو طلب حاجة قضوها له ، فأي الفريقين أشد تعظيماً أولئك أو هؤلاء

الأمر الرابع : أن أولئك الغلاة المشركين "


فوصفهم بالغلاة والمشركين مع تصريحه بأنهم جهال

وهو يتحدث عن عباد القبور البكري وطائفته


وقال في ص 594 معلقاً على تكفير البكري له :" ومن أعظم المبتدعين من جعل التوحيد كفراً والشرك إيماناً وكفر من هو أحق بالإيمان من طائفته ونفى الكفر عن طائفته الذين هم أحق بالكفر ممن كفروه "

فمن الذين كفروه ؟

وكون طائفته أحق بالكفر لا يدل على تكفيره لهم وفيهم البكري نفسه !



إلا ابن تيمية وطائفته !

وقال في ص628 :" فهذا القول الذي يقوله هذا _ يعني البكري _ هو مطابق لأحوال هؤلاء المشركين الضالين _ يعني عباد الكواكب _ لكن هذا يقوله مسلم ولا عاقل يتصور ما يقوله بل هو جنس قول النصارى "


وقال في 628 :" فإن هؤلاء الضالين جعلوا الصالحين مع الله كالوكيل مع موكله فإذا طلب الوكيل الدعاء كانت المطالبة للموكل في المعنى لكن هذا ليس من أقوال الموحدين بل هو من أعظم شرك الملحدين "



وقال في ص674 :" وهؤلاء إذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه يبكي عنده ويخضع ويتضرع ويدعو ويحصل له من الرقة والتواضع والعبودية وحضور القلب ما لا يحصل له مثله في الصلوات الخمس والجمعة وقيام الليل وقراءة القرآن فهل هذا إلا حال المشركين المبتدعين "

فصرح بتكفير هؤلاء وأنهم لا يكونون إلا مشركين مع أنهم يصلون ويصومون

فإن قيل : ماذا عن نقل الذهبي عن ابن تيمية أنه لا يكفر أهل القبلة ؟

فيقال :  هذا النقل لا يعتمد عليه إلا فاجر معلوم الفجور

فابن تيمية في كل مؤلفاته ينص على وجود ومكفر وكفر غلاة الرافضة والنصيرية

وكفر من يعبد علياً وكفر ابن عربي وأضرابه وكفر القلندرية وكفر التتر مع تلفظهم بالشهادتين

ولا يوجد إنسان في الدنيا ينفي وجود الكفر في الناس المصلين

وهذا ظاهر في مؤلفات ابن تيمية متقدمها ومتأخرها وظاهر من ثنائه على صنيع الصحابة مع المرتدين وكثرة قوله ( يستتاب )

ومحمد بن عبد الوهاب وصف من ينسب هذا لابن تيمية بانه زائغ القلب

وقد كفر الرازي وكفر ابن رشد وهذا معلوم

فهذا النقل إما أن يحمل على من لم يقع في ناقض أو يكون سوء فهم من الذهبي لأنه مخالف لكل ما في كتب ابن تيمية

وحين ينقل شخص عن آخر شيء يناقض ما في كتبه ويناقض ما عليه أعيان طلبته كابن القيم فهذا يبين لك وجود غلط أو سوء فهم

وقد غلط على أناس كثيرين في هذا وغيره

وإلا هل ابن تيمية لا يكفر ساب الرسول وساب الله إن كان يصلي ؟

وعامة نصوصه تناقض هذا بل كل الناس في الدنيا ليس هذا مذهبهم

فخذ مثلاً قوله في الفتاوى الكبرى :" فَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَهَا عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ بَالِغٍ إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا عَمَلٌ صَالِحٌ، وَأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهَا وَيُثِيبُ عَلَيْهَا، وَصَلَّى مَعَ ذَلِكَ وَقَامَ اللَّيْلَ وَصَامَ النَّهَارَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا عَلَى كُلِّ بَالِغٍ، فَهُوَ أَيْضًا كَافِرٌ مُرْتَدٌّ، حَتَّى يَعْتَقِدَ أَنَّهَا فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ عَاقِلٍ. وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ الْعَارِفِينَ وَالْمُكَاشِفِينَ وَالْوَاصِلِينَ، أَوْ أَنَّ لِلَّهِ خَوَّاصًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ، بَلْ قَدْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ لِوُصُولِهِمْ إلَى حَضْرَةِ الْقُدْسِ، أَوْ لِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْهَا بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا أَوْ أَوْلَى، أَوْ أَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ الْقَلْبِ مَعَ الرَّبِّ، أَوْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا تَفْرِقَةٌ، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ فِي جَمْعِيَّتِهِ مَعَ اللَّهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الصَّلَاةِ، بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْ الصَّلَاةِ هِيَ الْمَعْرِفَةُ، فَإِذَا حَصَلَتْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَحْصُلَ لَك خَرْقُ عَادَةٍ، كَالطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ، وَالْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ أَوْ مَلْءِ الْأَوْعِيَةِ مَاءً مِنْ الْهَوَاءِ، أَوْ تَغْوِيرِ الْمِيَاهِ وَاسْتِخْرَاجِ مَا تَحْتَهَا مِنْ الْكُنُوزِ، وَقَتْلِ مَنْ يُبْغِضُهُ بِالْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ، فَمَتَى حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ اسْتَغْنَى عَنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ أَنَّ لِلَّهِ رِجَالًا خَوَّاصًا لَا يَحْتَاجُونَ إلَى مُتَابَعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ كَمَا اسْتَغْنَى الْخَضِرُ عَنْ مُوسَى، أَوْ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَاشَفَ وَطَارَ فِي الْهَوَاءِ، أَوْ مَشَى عَلَى الْمَاءِ فَهُوَ وَلِيٌّ سَوَاءٌ صَلَّى، أَوْ لَمْ يُصَلِّ، أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ، أَوْ أَنَّ الْمُوَلِّهِينَ وَالْمُتَوَلَّهِينَ وَالْمَجَانِينَ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي الْمَقَابِرِ وَالْمَزَابِلِ وَالطِّهَارَاتِ وَالْخَانَاتِ وَالْقَمَّامِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِقَاعِ، وَهُمْ لَا يَتَوَضَّئُونَ وَلَا يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ.
فَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَوْلِيَاءُ، فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ عَنْ الْإِسْلَامِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ زَاهِدًا عَابِدًا، فَالرُّهْبَانُ أَزْهَدُ وَأَعْبَدُ، وَقَدْ آمَنُوا بِكَثِيرٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ"

وقوله في قاعدة جليلة :"  ومن أنكر التوسل به بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً."

ولا يعقل أن يترك رجل عشرات الإجماعات التي نقلها في كتبه على تكفير من وقع في بعض الأمور ثم يترك هذا كله ويقول الصلاة كافية !

وكلام ابن تيمية في تكفير الجهمية في درء التعارض وهو من أواخر كتبه من أكثر ما يكون

فقد قال :" وكلام السلف والأئمة في تكفير الجهمية، وبيان أن قولهم يتضمن التعطيل والإلحاد كثير ليس هذا موضع بسطه.
وقد سئل عبد الله ابن المبارك ويوسف بن أسباط فأجابا بما تقدم.
وقد تبين أن الجهمية عندهم من نوع الملاحدة الذين يعلم بالاضطرار أن قولهم مخالف لما جاءت به الرسل، بل إنكار صفات الله أعظم إلحاداً في دين الرسل من إنكار معاد الأبدان، فإن إثبات الصفات لله أخبرت به الرسل أعظم مما أخبرت بمعاد الأبدان ولهذا كانت التوراة مملوءة من إثبات صفات الله، وأما ذكر المعاد فليس هو فيها كذلك، حتى قد قيل: إنه ليس فيها ذكر المعاد.
والقرآن فيه من ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله أكثر مما فيه من ذكر الأكل والشرب والنكاح في الجنة، والآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته، أعظم قدراً من آيات المعاد، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي المتضمنة لذلك"

وقد قال الأخ حمود الكثيري في مقال نافع له :" يستدل المعترضون بكلام لابن تيمية رحمه الله هذا نصه:
"نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحدا من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم مما يخالفه ولهذا ما بينت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل الإسلام إلا تفطن وقال هذا أصل دين الإسلام"[الرد على البكري2/731]

أقول:
قال العلامة عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله:
"ومراد شيخ الْإِسلام ابن تيمية بهذا الاستدراك(أي قوله ولكن لغلبة...)، أنَّ الحجة إنَّما تقوم على المُكَلَّفين، ويترتَّب حكمها بعد بلوغ ما جاءت به الرسل من الهدى ودين الحق، وزبدة الرسالة ومقصودها الذي هو توحيد الله وإسلام الوجوه  له وإنابة القلوب إليه. قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.
 وقد مثَّل العلماء هذا الصنف بمن نشأ ببادية، أو ولد في بلاد الكفار، ولم تبلغه الحجة الرسالية"[مصباح الظلام3/499]
فمعنى كلام الشيخ أن الحجة الرسالية لم تقم على هؤلاء، لذلك ضرب أمثلة بمن نشأ ببادية بعيدة أو ولد في بلاد الكفار وهذان الصنفان لا ينازع فيهما أحد، فكيف يُستدل والحال هذه بكلام ابن تيمية رحمه الله على إعذار من يصلي الجمع ويقرأ القرآن وربما كان عنده قليل من العلم الشرعي ؟! فهذا جمع لمن فرق الله بينهما ومساواة للمختلفات.
ثم إنه يقال: أن قول ابن تيمية "لم يمكن تكفيرهم" أي الكفر المعذب عليه؛فقد قال رحمه الله:
"إن حال الكافر: لا تخلو من أن يتصور الرسالة أو لا؛ فإن لم يتصورها فهو في غفلة عنها وعدم إيمان بها. كما قال: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} وقال: {فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين} لكن الغفلة المحضة لا تكون إلا لمن لم تبلغه الرسالة والكفر المعذب عليه لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة"
[مجموع الفتاوى2/78]
قلت:فتأمل قوله والكفر المعذب عليه لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة، أي أن هناك كفر لا يُعذب عليه وهو كفر أهل الفترة ومن كان في حكمهم لأنهم يُمتحنون يوم القيامة.
وهذا الجواب محتمل خاصة،أن لابن تيمية رحمه الله نصوص في نفس المسألة ونفس ظروف الجهل المذكورة كفر الملابس فيها للشرك؛فقال رحمه الله:
"فإذا قصد الإنسان السجود للشمس وقت طلوع الشمس ووقت غروبها كان أحق بالنهي والذم والعقاب، ولهذا يكون هذا كافرًا كذلك من دعا غير الله وحج إلى غير الله هو أيضًا مشرك، والذي فعله كفر، لكن قد لا يكون عالمًا بأن هذا شرك محرم. كما أن كثيرًا من الناس دخلوا في الإسلام من التتار وغيرهم وعندهم أصنام لهم صغار من لبد وغيره وهم يتقربون إليها ويعظمونها ولا يعلمون أن ذلك محرم في دين الإسلام، ويتقربون إلى النار أيضًا ولا يعلمون أن ذلك محرم، فكثير من أنواع الشرك قد يخفى على بعض من دخل في الإسلام ولا يعلم أنه شرك، فهذا ضال وعمله الذي أشرك فيه باطل، لكن لا يستحق العقوبة حتى تقوم عليه الحجة، قال تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون}"[الرد على الأخنائي ص205-206]
قلت:
فتأمل قوله" ولهذا يكون هذا كافرًا كذلك من دعا غير الله وحج إلى غير الله هو أيضًا مشرك، والذي فعله كفر، لكن قد لا يكون عالمًا بأن هذا شرك محرم"
فسماه كافراً مشركاً وأن ما فعله لا يعلم أنه شرك
وأما قوله"لكن لا يستحق العقوبة" أي في الآخرة لأنه لم تقم عليه الحجة الرسالية، فيكون حكمه حكم أهل الفترة.
وقال رحمه الله:
"والذين يؤمنون بالرسول، إذا تبين لأحدهم حقيقة ما جاء به الرسول، وتبين أنه مشرك، فإنه يتوب إلى الله، ويجدد إسلامه، فيسلم إسلامًا يتوب فيه من هذا الشرك"[قاعدة عظيمة ص70]
قلت:
فتأمل قوله"إذا تبين لأحدهم حقيقة ما جاء به الرسولr "
فهم كانوا جهلة بحقيقة ما جاء به الرسولr ، وجهلة بأنهم كانوا مشركين
فإنهم كما قال رحمه الله:يتوبون إلى الله ويجددون إسلامهم فيسلمون إسلاماً يتوبون فيه من هذا الشرك"
ولابن تيمية رحمه كلام أكثر في هذه المسألة نقله شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مفيد المستفيد ونقله ابن حفيده إسحاق في تكفير المعين وكذا غيرهم من أئمة الدعوة السلفية في نجد فلينظر في موضعه، وفيما تقدم الكفاية إن شاء الله لطالب الحق، وأما طالب الجدل فإنه لا يقتنع مهما حصل إلا أن يشاء الله"

أقول : لا بد هنا من وقفة إنصاف كلام ابن تيمية في نصرة التوحيد مؤثر ويلين الحديد ، وقد بلغ أعلى درجات الامتحان إذ ابتلي بأقوام متمكنين ولهم سبب في العلم

فنصر المنبجي كان من خاصة بيبرس وكان من أنصار ابن عربي ناصحه ابن تيمية في هذا الأمر فحنق على الشيخ

والأخنائي الذي أذكره أنه كان قاضياً مالكياً وقد نازع الشيخ في مسألة شد الرحال واتهمه بانتقاص النبي صلى الله عليه وسلم

وكذا البكري اتهمه بالتهمة نفسها لما نازعه في مسألة الاستغاثة وأفتى بحل دم ابن تيمية وسود بذلك فتيا وقد كان له سبب في الدولة وأعوان

وكذا السبكي فقد كان قاضياً وقد رد على ابن تيمية في مسائل عديدة

وكذا ابن مخلوف الذي نازع ابن تيمية في بعض مسائل الصفات كان قاضياً وكان ممن سجن ابن تيمية

أضف إلى ذلك محنته بالرفاعية الأحمدية والمناظرة على الواسطية وما حصل له في مسائل الطلاق آخر عمره ترى جلداً ملفتاً للنظر ومثيراً للإعجاب

خصوصاً في صموده أمام هؤلاء جميعاً ولم يفرغ زمانه للرد عليهم فقط بل رد على أسلافهم ورد على الرافضة والنصارى وغيرهم

والعالم لا يتضح مذهبه حتى يجمع كلامه في الباب خصوصاً إذا كان كثير الكلام والاستطراد والتنزل مع الخصوم 

وابن تيمية بعد كل هذه الامتحانات صار بعض الولاة يحمل عليه لما يراه من كثرة مخالفته للعلماء في نظره في وقته فكان الشيخ يحاول دفع سورة هؤلاء خصوصاً مع ما ادعاه عليه المنبجي من أنه خارجي يحاول الاستيلاء على الحكم 

وقد ذكر هو نفسه في التسعينية أن الله يغفر للمؤمن إن شاء الله ما قاله لهؤلاء _ يعني القضاة والولاة _ في حال اضطرار وضعف 

وذكر في رده على البكري أن المرء لو كان بين روافض فلم يترضَ على الصحابة وعرض بما يدفع عنه لم يأثم 

وقد أرسل إلي بعضهم يدعي أن ابن تيمية يثبت الإيمان لعباد النبي صلى الله عليه وسلم وها قد ذكرت لك كلامه في الباب كله وذكرت لك قوله فيمن جعل لأهل الصفة بعض خصائص الألوهية

فتلك الكلمة ينظر إليها في سياقها وتحمل على الإيمان المقيد

كالوارد في القرآن (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)

قال الطبري في تفسيره 19961 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، فإيمانهم قولُهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا.

وقال الطبري في تفسيره  19973 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال: سمعت ابن زيد يقول: (وما يؤمن أكثرهم بالله) ، الآية، قال: ليس أحدٌ يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله، ويعرف أن الله ربه، وأن الله خالقه ورازقه، وهو يشرك به. ألا ترى كيف قال إبراهيم: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ) [سورة الشعراء: 75-77] ؟ قد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون. قال: فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به. ألا ترى كيف كانت العرب تلبِّي تقول:"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك"؟ المشركون كانوا يقولون هذا.

وقد ذكر ابن تيمية أن المحتجين بالقدر على المعاصي والقائلين بسقوط التكاليف أكفر من اليهود والنصارى هذا مع إقرارهم بالشهادتين واستدلالهم ببعض النصوص

جاء في دقائق التفسير :" فصل
فِي بطلَان الِاحْتِجَاج بقوله تَعَالَى {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون}
سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام حَسَنَة الْأَيَّام أحد الْمُجْتَهدين قامع المبتدعين تَقِيّ الدّين أَحْمد بن عبد السَّلَام ابْن تَيْمِية الْحَرَّانِي ثمَّ الدِّمَشْقِي رَضِي الله عَنهُ عَن قوم يحتجون بِالْقدرِ وَيَقُولُونَ قد قضي الْأَمر من الذَّر فالسعيد سعيد والشقي شقي من الذَّر ويحتجون بقوله تَعَالَى {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} وَيَقُولُونَ مَا لنا فِي جَمِيع الْأَفْعَال قدرَة وَإِنَّمَا الْقُدْرَة لله تَعَالَى قدر الْخَيْر وَالشَّر وَكتبه علينا وَالْمرَاد بَيَان خطأ هَؤُلَاءِ بالأدلة القاطعة وَيَقُولُونَ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة ويحتجون بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن زنا وَإِن سرق وَبِغير ذَلِك فَمَا الْجَواب عَن هَذَا جَمِيعه أفتونا مَأْجُورِينَ
فَأجَاب نفعنا الله بِعُلُومِهِ الْحَمد لله رب الْعَالمين هَؤُلَاءِ الْقَوْم إِذا صَبَرُوا على هَذَا الِاعْتِقَاد كَانُوا أكفر من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَإِن النَّصَارَى وَالْيَهُود يُؤمنُونَ بِالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب لَكِن حرفوا وبدلوا وآمنوا بِبَعْض وَكَفرُوا بِبَعْض كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين يكفرون بِاللَّه وَرُسُله ويريدون أَن يفرقُوا بَين الله وَرُسُله وَيَقُولُونَ نؤمن بِبَعْض ونكفر بِبَعْض ويريدون أَن يتخذوا بَين ذَلِك سَبِيلا أُولَئِكَ هم الْكَافِرُونَ حَقًا وأعتدنا للْكَافِرِينَ عذَابا مهينا وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله وَلم يفرقُوا بَين أحد مِنْهُم أُولَئِكَ سَوف يُؤْتِيهم أُجُورهم وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} فَإِذا كَانَ من آمن بِبَعْض وَكفر بِبَعْض فَهُوَ كَافِر حَقًا فَكيف بِمن كفر بِالْجَمِيعِ وَمن لم يقر بِأَمْر الله وَنَهْيه ووعده ووعيده بل ترك ذَلِك محتجا بِالْقدرِ فَهُوَ أكفر مِمَّن آمن بِبَعْض وَكفر بِبَعْض وَقَول هَؤُلَاءِ يظْهر بُطْلَانه من وُجُوه"

ثم سردها

وقد سوى ابن تيمية في الكفر بين هؤلاء ومن يقابلهم ممن أنكر العلم من القدرية

فقال كما في الفتاوى (8/445) :" فَإِنْ ضَمُّوا _ يعني الجبرية _ إلَى ذَلِكَ إقَامَةَ الْعُذْرِ لِلْعُصَاةِ بِالْقَدَرِ وَقَالُوا: إنَّهُمْ مَعْذُورُونَ لِذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّونَ اللَّوْمَ وَالْعَذَابَ أَوْ جَعَلُوا عُقُوبَتَهُمْ ظُلْمًا فَهَؤُلَاءِ كُفَّارٌ كَمَا أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ عِلْمَ اللَّهِ الْقَدِيمَ مِنْ غُلَاةِ الْقَدَرِيَّةِ فَهُوَ كَافِرٌ"

وصرح ابن تيمية بتكفير الحلولية القائلين بحلول الرب في الأجسام الجميلة

فقال كما في مجموع الفتاوى (3/394) :" فَهَؤُلَاءِ " الضُّلَّالُ الْكُفَّارُ " الَّذِينَ يَزْعُمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَرَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْهِ وَرُبَّمَا زَعَمَ أَنَّهُ جَالَسَهُ وَحَادَثَهُ أَوْ ضَاجَعَهُ وَرُبَّمَا يُعَيِّنُ أَحَدُهُمْ آدَمِيًّا إمَّا شَخْصًا؛ أَوْ صَبِيًّا؛ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ كَلَّمَهُمْ يُسْتَتَابُونَ. فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ وَكَانُوا كُفَّارًا؛ إذْ هُمْ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى"

وجاء في الفتاوى الكبرى :" :" كَمَا قِيلَ لِأَفْضَلِ مُتَأَخِّرِيهِمْ التِّلِمْسَانِيِّ: إذَا كَانَ قَوْلُكُمْ بِأَنَّ الْوُجُودَ وَاحِدٌ هُوَ الْحَقُّ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أُمِّي وَأُخْتِي، وَابْنَتِي؟ تَكُونُ هَذِهِ حَلَالًا، وَهَذِهِ حَرَامًا؟ فَقَالَ: الْجَمِيعُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ، لَكِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُوبُونَ قَالُوا: حَرَامٌ فَقُلْنَا: حَرَامٌ عَلَيْكُمْ. وَمَنْ هَؤُلَاءِ الْحُلُولِيَّةِ، وَالِاتِّحَادِيَّةِ مَنْ يَخُصُّ الْحُلُولَ وَالِاتِّحَادَ بِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ، إمَّا بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ كَالْمَسِيحِ أَوْ بِبَعْضِ الصَّحَابَةِ، كَقَوْلِ الْغَالِيَةِ فِي عَلِيٍّ؛ أَوْ بِبَعْضِ الشُّيُوخِ كَالْحَلَّاجِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ؛ أَوْ بِبَعْضِ الْمُلُوكِ؛ أَوْ بِبَعْضِ الصُّوَرِ كَصُوَرِ الْمُرْدِ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَنَا أَنْظُرُ إلَى صِفَاتِ خَالِقِي، وَأَشْهَدُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَالْكُفْرُ فِي هَذَا الْقَوْلِ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَوْ قَالَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ فِي بَنِي كَرِيمٍ لَكَانَ كَافِرًا، فَكَيْفَ إذَا قَالَهُ فِي صَبِيٍّ أَمْرَدَ."

 قال ابن تيمية  في الصارم المسلول :" وأما من سبهم سبا لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم.
وأما من لعن وقبح مطلقا فهذا محل الخلاف فيهم لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد"


فصرح بأن الفئة التي لم تكفر من الرافضة هي الرافضة التي هذا سبها سب لا يقدح في الدين ولا العدالة ومفهوم هذا أن سب سباً يقدح في الدين أو العدالة فهو كافر 

وقال في الجهمية أنهم أكفر من اليهود بوجه واليهود أكفر منهم بوجه

قال كما في مجموع الفتاوى (12/14) :" فَهَؤُلَاءِ أَيْضًا مُبَعِّضِينَ مُفَرِّقِينَ؛ حَيْثُ صَدَّقُوا بِبَعْضِ صِفَاتِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَبَعْضِ صِفَاتِ رُسُلِهِ دُونَ بَعْضٍ وَرُبَّمَا كَانَ مَا كَفَرُوا بِهِ مِنْ الصِّفَاتِ أَكْثَرَ مِمَّا آمَنُوا بِهِ كَمَا أَنَّ مَا كَفَرَ بِهِ الْيَهُودُ مِنْ الْكِتَابِ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِمَّا آمَنُوا بِهِ؛ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ مِنْ وَجْهٍ وَإِنْ كَانَ الْيَهُود أَكْفَرَ مِنْهُمْ مَنْ وَجْهٍ آخَرَ"

وجاء في مجموع الفتاوى (12/485) :" فَ " مَسْأَلَةُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ " مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ. وَنَحْنُ نَبْدَأُ بِمَذْهَبِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فِيهَا قَبْلَ التَّنْبِيهِ عَلَى الْحُجَّةِ فَنَقُولُ: الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَعَامَّةِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ تَكْفِيرُ الْجَهْمِيَّة وَهُمْ الْمُعَطِّلَةُ لِصِفَاتِ الرَّحْمَنِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ صَرِيحٌ فِي مُنَاقَضَةِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ الْكِتَابِ وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ جُحُودُ الصَّانِعِ فَفِيهِ جُحُودُ الرَّبِّ وَجُحُودُ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: إنَّا لَنَحْكِي كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّة وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنَّهُمْ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَعْنُونَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَلِهَذَا كَفَّرُوا مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا رَحْمَةٌ وَلَا غَضَبٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ. وَأَمَّا " الْمُرْجِئَةُ ": فَلَا تَخْتَلِفُ نُصُوصُهُ أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُهُمْ"

وجاء في الفتاوى الكبرى (1/189) :" فَمَنْ اعْتَقَدَ فِيمَنْ لَا يَفْعَلُ الْفَرَائِضَ وَلَا النَّوَافِلَ أَنَّهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، إمَّا لِعَدَمِ عَقْلِهِ أَوْ جَهْلِهِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَمَنْ اعْتَقَدَ فِي مِثْلِ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ فَهُوَ كَافِرٌ، مُرْتَدٌّ عَنْ دِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَإِذَا قَالَ: أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المنافقون: 2] {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 3]"

وجاء في اختيارات ابن تيمية الفقهية :" كما لو عظم رجل الصليب وصلى إلى المشرق، وتعمد بالعمودية فإن من فعل هذا فهو كافر مرتد يجب قتله شرعا وإن أظهر مع ذلك الإسلام"

وجاء في مجموع الفتاوى (35/197) :" وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
عَمَّنْ قَالَ لِشَرِيفِ: يَا كَلْبُ يَا ابْنَ الْكَلْبِ لَا تَمُدَّ يَدَك إلَى حَوْضِ الْحَمَّامِ. فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ شَرِيفٌ فَقَالَ: لَعَنَهُ اللَّهُ وَلَعَنَ مَنْ شَرَّفَهُ. فَقِيلَ لَهُ: أَيْنَ عَقْلُك؟ هَذَا شَرِيفٌ فَقَالَ: كَلْبُ بْنُ كَلْبٍ فَقَامَ إلَيْهِ وَضَرَبَهُ فَهَلْ يَجِبُ قَتْلُهُ أَمْ لَا؟ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَدُوٌّ لَهُ؟
فَأَجَابَ:
لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا؛ وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ بِمُجَرَّدِهِ مِنْ بَابِ السَّبِّ الَّذِي يُقْتَلُ صَاحِبُهُ بَلْ يُسْتَفْسَرُ عَنْ قَوْلِهِ مِنْ شَرَفِهِ. فَإِنْ ثَبَتَ بِتَفْسِيرِهِ أَوْ بِقَرَائِنَ حَالِيَّةٍ أَوْ لَفْظِيَّةٍ أَنَّهُ أَرَادَ لَعْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ قَتْلُهُ"

فهنا تكفير بالقرينة ! 

 وبين الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن أن عدم تكفير ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ابتداء للمعين من المشركين كان من باب السياسة الشرعية، ومراعاة لمصلحة الدعوة والمدعوين، وحتى لا يأنف المشركون عن ترك الشرك إذا سمعوا كفرهم على رؤوس الأشهاد فقال رحمه الله تعالى: "بقي مسألة حدثت تكلم فيها شيخ الإسلام ابن تيمية وهي عدم تكفير المعين ابتداء لسبب ذكره رحمه الله تعالى أوجب له التوقف في تكفيره قبل إقامة الحجة عليه. قال رحمه الله تعالى: ونحن نعلم بالضرورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشرع لأحد أن يدعو أحدًا من الأموات، لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميِّت ولا إلى ميِّت ونحو ذلك بل نعلم أنه نهى عن هذه الأمور كلها، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم مع جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما يخالفه. انتهى. قلت: فذكر رحمه الله تعالى ما أوجب له عدم إطلاق الكفر عليهم على التعيين خاصة إلا بعد البيان والإصرار فإنه قد صار أمة واحدة، ولأن من العلماء من كفره بنهيه لهم عن الشرك في العبادة فلا يمكنه أن يعاملهم إلا بمثل ما قال، كما جرى لشيخنا محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في ابتداء دعوته. فإنه إذا سمعهم يدعون زيد بن الخطاب رضي الله عنه قال: الله خير من زيد تمرينًا لهم على نفي الشرك بلين الكلام. ونظرًا إلى المصلحة وعدم النفرة. والله سبحانه وتعالى"



والواقع من حال الشيخ أنه عمل   بالعزيمة في مواطن عديدة منها لما قال لهم في التسعينية ( يا كفار يا مرتدين يا مبدلين ) وهذه المواطن وغيرها في حق البكري وأضرابه وتسميته لابن مخلوف مشركاً


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (3/272) :" وَهَذَا الَّذِي يَخَافُهُ - مِنْ قِيَامِ " الْعَدُوِّ " وَنَحْوِهِ فِي الْمَحْضَرِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ مِنْ الشَّامِ إلَى ابْنِ مَخْلُوفٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِغَاثَةِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ أَظْهَرُوهُ كَانَ وَبَالُهُ عَلَيْهِمْ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ دِينِ الْمُسْلِمِينَ وَدِينِ النَّصَارَى. فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَى مَا عَلِمُوهُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْبُدَ وَلَا يَدْعُوَ وَلَا يَسْتَغِيثَ وَلَا يَتَوَكَّلَ إلَّا عَلَى اللَّهِ، وَأَنَّ مَنْ عَبَدَ مَلَكًا مُقَرَّبًا أَوْ نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ دَعَاهُ أَوْ اسْتَغَاثَ بِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ" f
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (3/272) :" وَهَذَا الَّذِي يَخَافُهُ - مِنْ قِيَامِ " الْعَدُوِّ " وَنَحْوِهِ فِي الْمَحْضَرِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ مِنْ الشَّامِ إلَى ابْنِ مَخْلُوفٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِغَاثَةِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ أَظْهَرُوهُ كَانَ وَبَالُهُ عَلَيْهِمْ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ دِينِ الْمُسْلِمِينَ وَدِينِ النَّصَارَى. فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَى مَا عَلِمُوهُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْبُدَ وَلَا يَدْعُوَ وَلَا يَسْتَغِيثَ وَلَا يَتَوَكَّلَ إلَّا عَلَى اللَّهِ، وَأَنَّ مَنْ عَبَدَ مَلَكًا مُقَرَّبًا أَوْ نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ دَعَاهُ أَوْ اسْتَغَاثَ بِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ" - See more at: http://alkulify.blogspot.com/2013/10/blog-post_9889.html#sthash.MP13hhTG.dpuf

أذكر هذا لأن بعض الناس يقتطع نقولات ويحاول أن يصور للقراء أن ابن تيمية في التكفير كداود بن جرجيس !  وقد قلت لهم قديماً أن الحركيين يقودنكم كالبهائم فلم يصدقوا والله المستعان

والواجب العدل في القول والعمل وقد جمعت مقالاً أسميته ( الجامع لنصوص ابن تيمية في إسقاط اعذار المشركين ) يراجع وتكلمت في هذه المسائل مراراً والله المستعان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي