مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الرد على مختار الطيباوي في طعنه في الإمام أحمد

الرد على مختار الطيباوي في طعنه في الإمام أحمد



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


قال الطيباوي :
الذي تؤكده الوقائع التاريخية و ما سجلته كتب العلم و كتب التراجم أن الإمام أحمد رحمه الله كان متشددا، و ليس هذا خاصا بالكرابيسي،  بل نفس الموقف تقريبا كان له مع الحارث المحاسبي و أهل الرأي حتى من أهل الحديث منهم كالمعلى بن منصور ، و كذلك مع كبار العلماء الذين أجابوا في الفتنة تحت السيف حتى خالفه أخص أتباعه فيهم بعد وفاته.

وهذا موافق لفقهه ومنهجه العلمي المتسم بالتشدد، وهو في الحقيقة منهج وفقه يقوم على الورع لذلك لا تطيقه غالبية الأمة ،وهو سبب انحساره قديما، كما في مذهبه في رواية الجندي ، و أجرة التعليم، و التأليف في غير علوم الحديث،و كثير من اختياراته الفقهية، لكن يبقى الإمام أحمد أكثر الأئمة الأربعة استمساكا بالأثر  وتقوى وزهداً وعدالة في المقال، فهو و البخاري من أكثر أئمة الحديث إنصافا في باب التراجم إذا استثنينا بعض الشخصيات.

وفي الحقيقة ومن باب العدل هذا ليس خاصا به فقد كان الشافعي سيء الرأي في بعض العلماء التابعين الصالحين، و كذلك مالك، و هذا وقع لأكثر العلماء، أضف إلى ذلك ما وقع بعده بين الحنابلة و الأشعرية وأكثرهم شافعية و مالكية فحسبت التصرفات عليه وهو بريء منها،  ولا ننسى أن النزاع في باب العقيدة كان سبب التحامل المتبادل بين المذاهب.

ولعل ما كتبه القاسم بن عساكر في " تبيين كذب المفتري" و تعليق ابن تيمية عليه موافقة ومخالفة يشكل الخلاصة النهائية.

أقول : هذا الكلام يقوله هذا الجهول دفاعاً عن كتاب ما بعد السلفية للمارقين أحمد سالم وعمرو بسيوني

وهذا الكلام ظلمات بعضها فوق بعض

فهو ناشيء عن عدم فهم مواقف علماء أهل السنة وحملها على التشدد إذ لم يفهم

ولنقف مع كلامه فقرة فقرة

أولاً فيما يتعلق باللفظية لا بد من معرفة ثلاثة حقائق هامة

الأولى : أن موقف أحمد من اللفظية لم ينفرد به بل ادعي عليه الإجماع من قبل أبي حاتم وأبي زرعة وحرب الكرماني

الكرابيسي كفره أحمد بعلم لا ردة فعل كما يقول السفيه فمقالة اللفظية كفرية لأن حقيقتها أن كلام الله مخلوق

فالله عز وجل يقول ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) فسماه كلام الله مع أن النبي هو الذي يقرأ وإطلاق اللفظية يقضي بأن هذا الكلام مخلوق


قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان في عقيدتهما :" من قال لفظي في القرآن مخلوق فهو جهمي أو القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي"


والجهمي كافر عندهم


قال اللالكائي في السنة 287 : ووجدت في بعض كتب أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي رحمه الله مما سمع منه ، يقول :

 مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ومن بعدهم بإحسان ، وترك النظر في موضع بدعهم ، والتمسك بمذهب أهل الأثر مثل أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إبراهيم ، وأبي عبيد القاسم بن سلام ، والشافعي .


ولزوم الكتاب والسنة ، والذب عن الأئمة المتبعة لآثار السلف

 واختيار ما اختاره أهل السنة من الأئمة في الأمصار مثل : مالك بن أنس في المدينة ، والأوزاعي بالشام ، والليث بن سعد بمصر ، وسفيان الثوري ، وحماد بن زياد بالعراق من الحوادث مما لا يوجد فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين .

 وترك رأي الملبسين المموهين المزخرفين الممخرقين الكذابين ، وترك النظر في كتب الكرابيسي ، ومجانبة من يناضل عنه من أصحابه وشاجر فيه مثل داود الأصبهاني وأشكاله ومتبعيه .

والقرآن كلام الله وعلمه وأسماؤه وصفاته وأمره ونهيه ، ليس بمخلوق بجهة من الجهات .

 ومن زعم أنه مخلوق مجعول فهو كافر بالله كفرا  ينقل عن الملة ، ومن شك في كفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر . والواقفة واللفظية جهمية ، جهمهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل .

والاتباع للأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين بعدهم بإحسان . وترك كلام المتكلمين ، وترك مجالستهم وهجرانهم ، وترك مجالسة من وضع الكتب بالرأي بلا آثار."

وقال إسماعيل التيمي الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة :"  وأول من قال باللفظ، وقال: "ألفاظنا بالقرآن مخلوقة": حسين الكرابيسي. فبدعه أحمد بن حنبل، ووافقه على تبديعه علماء الأمصار: إسحاق بن راهويه، وأبو مصعب، ومحمد بن سليمان لوين، وأبو عبيدالقاسم بن سلام، ومصعب بن عبدالله الزبيري، وهارون بن موسى الفروي، وأبو موسى محمد بن المثنى، وداود بن رشيد، والحارث ابن مسكين المصري، وأحمد بن صالح المصري، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، ويعقوب وأحمد ابنا إبراهيم الدورقي، وأبو همام الوليد بن شجاع، وعلي بن خشرم، ومحمد بن قدامة المصيصي، ومحمد بن داود بن صبيح المصيصي، وكان من أهل العلم والأدب، ومحمد بن آدم المصيصي، وسعيد بن رحمة، وعقبة بن مكرم، والعباس بن عبدالعظيم، ومحمد بن أسلم الطوسي، وحميد بن زنجويه النسوي، ومحمد بن سهل بن عسكر البخاري، وأحمد بن منيع، وهارون بن عبدالله الحمال، وابنه موسى بن هارون، ومحمد بن يحيى الذهلي النيسابوري، ومحمد ابن أحمد بن حفص أبو عبدالله البخاري فقيه أهل خراسان، وأبو بكر الأثرم، وأبو بكر المروذي، صاحبا أحمد بن حنبل، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والحسن بن محمد الزعفراني، وحرب بن إسماعيل السيرجاني، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة. ومن . ومن أهل أصبهان: أبو مسعود الرازي، ومحمد بن عيسى الطرسوسي، وأحمد بن مهدي، وإسماعيل بن أسيد، ومحمد بن العباس بن خالد، ومحمد بن عباس بن أيوب الأخرم، ومحمد بن يحيى بن منده، جد أبي عبدالله، وأبو أحمد العسال، وأبو علي أحمد بن عثمان الأبهري، وأبو عبدالله محمد بن إسحاق بن منده، فمذهبهم ومذهب أهل السنة جميعاً أن القرآن كلام الله آية آية، وكلمة كلمة، وحرفاً حرفاً في جميع أحواله، حيث قرئ وكتب وسمع"

فكل هؤلاء بغاة ومتشددون ؟!
ALKULIFY1@GMAIL.COM


وقال الآجري في الشريعة :" احذروا رحمكم الله هؤلاء الذين يقولون : إن لفظه بالقرآن مخلوق ، وهذا عند أحمد بن حنبل ، ومن كان على طريقته منكر عظيم

 وقائل هذا مبتدع ، خبيث ولا يكلم ، ولا يجالس ، ويحذر منه الناس ، لا يعرف العلماء غير ما تقدم ذكرنا له ، وهو أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال مخلوق ، فقد كفر

 ومن قال : القرآن كلام الله ووقف فهو جهمي ، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي أيضا

 كذا قال أحمد بن حنبل ، وغلظ فيه القول جدا".


وقال الطبري في صريح السنة :" وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن ، فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى ، ولا تابعي قضى ، إلا عمن في قوله الغناء والشفاء رحمة الله عليه ورضوانه ، وفي اتباعه الرشد والهدى ، ومن يقوم قوله لدينا مقام قول الأئمة الأولى : أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول : « اللفظية جهمية ؛ لقول الله جل اسمه : ( حتى يسمع كلام الله () ، فممن يسمع » . ثم سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يذكرون عنه أنه كان يقول : « من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو جهمي ، ومن قال : هو غير مخلوق ، فهو مبتدع».


وقال شيخ الإسلام كما في مجموعة الرسائل والمسائل (3/125) :" ويدخلون في ذلك القرآن الملفوظ المتلو المسموع فأنكر الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة هذا وقالوا: اللفظية جهمية

 وقالوا: افترقت الجهمية ثلاث فرق: فرقة قالت القرآن مخلوق، وفرقة قالت: نقف فلا نقول مخلوق ولا غير مخلوق، وفرقة قالت: تلاوة القرآن واللفظ بالقرآن مخلوق

 فلما انتشر ذلك عن أهل السنة غلطت طائفة فقالت: لفظنا بالقرآن غير مخلوق وتلاوتنا له غير مخلوقة.

 فبدع الإمام أحمد هؤلاء وأمر بهجرهم

 ولهذا ذكر الأشعري في مقالاته هذا عن أهل السنة وأصحاب الحديث فقال: والقول باللفظ والوقف عندهم بدعة: من قال اللفظ بالقرآن مخلوق فهو مبتدع عندهم ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع".

وقال ابن حجر في شرح البخاري :"  وَجمع بن أَبِي حَاتِمٍ أَسْمَاءَ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى اللَّفْظِيَّةِ أَنَّهُمْ جَهْمِيَّةٌ فَبَلَغُوا عَدَدًا كَثِيرًا مِنَ الْأَئِمَّةِ وَأَفْرَدَ لِذَلِكَ بَابًا فِي كِتَابِهِ الرَّدُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ "


قال الذهبي في تاريخ الإسلام (4/ 376) :" وقال المروذي في كتاب القصص: عزم حسن بن البزاز، وأبو نصر بن عبد المجيد، وغيرهما على أن يجيئوا بكتاب المدلسين الذي وضعه الكرابيسي يطعن فيه على الأعمش، وسليمان التيمي. فمضيت إليه في سنة أربع وثلاثين فقلت: إن كتابك يريد قوم أن يعرضوه على عبد الله، فأظهر أنك قد ندمت عليه.


فقال: إن أبا عبد الله رجل صالح، مثله يوفق لإصابة الحق. قد رضيت أن يعرض عليه. لقد سألني أبو ثور أن أمحوه، فأبيت.

فجيء بالكتاب إلى عبد الله، وهو لا يعلم لمن هو، فعلموا على مستبشعات من الكتاب، وموضع فيه وضع على الأعمش، وفيه: إن زعمتم أن الحسن بن صالح كان يرى السيف فهذا ابن الزبير قد خرج.

فقال أبو عبد الله: هذا أراد نصرة الحسن بن صالح، فوضع على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد جمع للروافض أحاديث في هذا الكتاب.

فقال أبو نصر: إن فتياننا يختلفون إلى صاحب هذا الكتاب.

فقال: حذروا عنه.

ثم انكشف أمره، فبلغ الكرابيسي، فبلغني أنه قال: سمعت حسينا الصايغ يقول: قال الكرابيسي: لأقولن مقالة حتى يقول أحمد بن حنبل بخلافها فيكفر، فقال: لفظي بالقرآن مخلوق.

فقلت لأبي عبد الله: إن الكرابيسي قال: لفظي بالقرآن مخلوق. وقال أيضا: أقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوق من كل الجهات، إلا أن لفظي بالقرآن مخلوق. ومن لم يقل إن لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر.

فقال أبو عبد الله: بل هو الكافر، قاتله الله، وأي شيء قالت الجهمية إلا هذا؟

قالوا كلام الله، ثم قالوا: مخلوق. وما ينفعه وقد نقض كلامه إلا خير كلامه الأول حين قال: لفظي بالقرآن مخلوق.

ثم قال أحمد: ما كان الله ليدعه وهو يقصد إلى التابعين مثل سليمان الأعمش، وغيره، يتكلم فيهم. مات بشر المريسي، وخلفه حسين الكرابيسي.

ثم قال: أيش خبر ابي ثور؟ وافقه على هذا؟ قلت: قد هجره.

قال: قد أحسن.

قلت: إني سألت أبا ثور عمن قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فقال: مبتدع.

فغضب أبو عبد الله وقال: أيش مبتدع؟! هذا كلام جهم بعينه. ليس يفلح أصحاب الكلام.

وقال عبد الله بن حنبل: سئل أبي وأنا أسمع عن اللفظية والواقفة فقال: من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي"

فالإمام أحمد ينكر على أبي ثور قوله في اللفظي ( مبتدع ( فهذا دليل أنه يكفرهم كلهم لا الكرابيسي وحده


وفي السنة للخلال أنه اعتبر الواقفة واللفظية والجهمية الأول شيء واحد

قال أبو بكر المروذي : وقال لي إسحاق بن حنبل عم أبي عبد الله : لما قدم الشراك من طرسوس جاءني فانكب على رأسي فقبله وقال : إن أبا عبد الله غليظ علي ، فقلت : قد حذر عنك ، قال : فأكتب رقعة وتعرضها على أبي عبد الله ؟ قال : فكتب رقعة بخطه فأخذتها ، فأي شيء لقيت من أبي عبد الله من الغلظة ؟ وأريت أبا عبد الله كتاباً جاءني من طرسوس في الشراك أنهم احتجوا عليه بقول الله عز وجل { بلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } وفي حديث أبي أمامة : (هو أشد تفصياً من صدور الرجال من النعم من عقلها) وحديث ابن أشعث الباهلي : (القرآن - وفيه الذي في صدورنا - غير مخلوق) فقال أبو عبد الله : ما أحسن ما احتجوا عليه .


وقال الخلال في السنة  2112- وسألت أبي عن من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، فقال : قال الله عز وجل : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ } ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (حتى أبلغ كلام ربي) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) .



فقراءة العباد للقرآن لا تسمى ( كلام الناس ) حتى يقال أنها مخلوقة ، بل القرآن كلام الله وفعل العبد مخلوق فلا يجوز أن يقال والحال هذه ( لفظي بالقرآن مخلوق ) فيدخل فيه القرآن فيكون قول جهم ولا يقال ( غير مخلوق ) فيدخل فيه أفعال العباد فيكون قول المعتزلة ومثل هذا يقال في التلاوة والمتلو



قال الخلال في السنة 2116- أخبرنا سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني ، قال : ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي .

وأخبرني أحمد بن محمد بن مطر ، قال : ثنا أبو طالب أنه سمع أبا عبد الله سأله يعقوب الدورقي .

وأخبرنا محمد بن علي ، قال : ثنا صالح ، قال سمعت أبي سألة يعقوب الدورقي .

وأنبأ محمد بن علي ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثنا يعقوب الدورقي .

وأخبرنا عثمان بن صالح الأنطاكي ، قال ثنا الدورقي ، قال : قلت لأحمد بن حنبل المعنى قريب . ما تقول في من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق ؟ قال : فاستوى أحمد لي جالساً ثم قال : يا أبا عبد الله ، هؤلاء عندي أشر من الجهمية ، من زعم هذا فقد زعم أن جبريل هو المخلوق وأن النبي صلى الله عيله وسلم تكلم بمخلوق وإن جبريل جاء إلى نبينا بمخلوق ، هؤلاء عندي أشر من الجهمية ، لا تكلم هؤلاء ولا تكلم في شيء من هذا ، القرآن كلام الله غير مخلوق على كل جهة وعلى كل وجه تصرف وعلى أي حال كان ، لا يكون مخلوقاً أبداً ، قال الله تبارك وتعالى : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ } ولم يقل : حتى يسمع كلامك يا محمد ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يصلح في الصلاة شيء من كلام الناس) وقال النبي عليه السلام : (حتى أبلغ كلام ربي) ، هذا قول جهم على من جاء بهذا غضب الله ، قلت له : إنما يريدون هؤلاء على الإبطال؟ قال : نعم ، عليهم لعنة الله .


 ذر عنك ، قال : فأكتب رقعة وتعرضها على أبي عبد الله ؟ قال : فكتب رقعة بخطه فأخذتها ، فأي شيء لقيت من أبي عبد الله من الغلظة ؟ وأريت أبا عبد الله كتاباً جاءني من طرسوس في الشراك أنهم احتجوا عليه بقول الله عز وجل { بلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } وفي حديث أبي أمامة : (هو أشد تفصياً من صدور الرجال من النعم من عقلها) وحديث ابن أشعث الباهلي : (القرآن - وفيه الذي في صدورنا - غير مخلوق) فقال أبو عبد الله : ما أحسن ما احتجوا عليه

ومقالة اللفظية حقيقتها أن ما يتلى في الأرض هذا ليس كلام ولا هو المحفوظ في الصدور ولا الذي في المصاحف وكانت مقالتهم مفتاح مقالة الكلابية التي انتهوا إلى مقالة جهم على التحقيق وصرح متأخري الأشاعرة بأن القرآن الذين أيدينا مخلوق فتأمل حذق الإمام أحمد رحمه الله




قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/421) :" وَأَمَّا الْبِدْعَةُ الثَّانِيَةُ - الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ تِلَاوَةُ الْعِبَادِ لَهُ - وَهِيَ " مَسْأَلَةُ اللَّفْظِيَّةِ " فَقَدْ أَنْكَرَ بِدْعَةَ " اللَّفْظِيَّةِ " الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتَهُ وَاللَّفْظَ بِهِ مَخْلُوقٌ أَئِمَّةُ زَمَانِهِمْ جَعَلُوهُمْ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَبَيَّنُوا أَنَّ قَوْلَهُمْ: يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِمْ تَكْفِيرُهُمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْهُ أَوْ عِبَارَةٌ عَنْهُ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ وَالصُّدُورِ إلَّا كَمَا أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي الْمَصَاحِفِ وَالصُّدُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا مَحْفُوظٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي الْوَلِيدِ الْجَارُودِيَّ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ وَيَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الدورقي وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْعَدَنِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذهلي وَمُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطوسي وَعَدَدٍ كَثِيرٍ لَا يُحْصِيهِمْ إلَّا اللَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُدَاتِهِ"



وهذا كلام حسن لشيخ الإسلام وفيه التصريح أن السلف كفروا اللفظية فلا خصوصية لأحمد


وقال حرب الكرماني في عقيدته التي ذكر فيها الإجماع السلفي :" والقرآن كلام الله تكلم به ليس بمخلوق، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أكفر من الأول وأخبث قولًا، ومن زعم إن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي خبيث مبتدع.

ومن لم يكفرها ولا القوم ولا الجهمية كلهم فهو مثلهم"

وقال ابن تيمية كما في جامع الرسائل والمسائل :" واللفظ في الأصل مصدر لفظ يلفظ لفظاً وكذلك التلاوة والقراءة مصدران لكن شاع استعمال ذلك في نفس الكلام الملفوظ المقروء المتلو، وهو المراد باللفظ في إطلاقهم فإذا قيل لفظي أو اللفظ بالقرآن مخلوق أشعر أن هذا القرآن الذي يقرؤه ويلفظ به مخلوق، وإذا قيل لفظي غير مخلوق، أشعر أن شيئاً مما يضاف إليه غير مخلوق، وصوته وحركته مخلوقان، لكن كلام الله الذي يقرؤه غير مخلوق، والتلاوة قد يراد بها نفس الكلام الذي يتلى وقد يراد بها نفس حركة العبد، وقد يراد بها مجموعها، فإذا أريد بها الكلام نفسه الذي يتلى فالتلاوة هي المتلو، وإذا أريد بها حركة العبد فالتلاوة ليست هي المتلو، وإذا أريد بها المجموع فهي متناولة للفعل والكلام فلا يطلق عليها أنها المتلو ولا أنها غيره.

ولم يكن أحد من السلف يريد بالتلاوة ومجرد قراءة العباد وبالمتلو مجرد معنى واحد يقوم بذات الباري تعالى، بل الذي كانوا عليه أن القرآن كلام الله تكلم الله به بحروفه ومعانيه ليس شيء منه كلاماً لغيره، لا لجبريل ولا لمحمد ولا لغيرهما، بل قد كفر الله من جعله قول البشر، مع أنه سبحانه أضافه تارة إلى رسول من البشر وتارة إلى رسول من الملائكة، فقال تعالى: " إنه لقول رسول كريم، وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون، ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون، تنزيل من رب العالمين " فالرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم"


وكلام ابن تيمية السابق في أول المقال كان في تعقب البخاري في قوله ( التلاوة مخلوقة )

جاء في سؤالات أبي داود _ 1753 - ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ لَهُ» اللَّفْظِيَّةُ إِنَّمَا يَدُورُونَ عَلَى كَلَامِ جَهْمٍ، يَزْعُمُونَ أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جَاءَ بِشَيْءٍ مَخْلُوقٍ، يَعْنِي: لِأَنَّ مَخْلُوقٌ جَاءَ بِهِ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".


1754 - ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، قُلْتُ: " هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ أَلْفَاظَنَا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ؟ فَقَالَ: هَذَا شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ، مَنْ زَعَمَ هَذَا، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِمَخْلُوقٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِمَخْلُوقٍ


وقال حرب في عقيدته :" ومن زعم إن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي خبيث مبتدع"


وقد صرح سيبويه إمام اللغة أن قول المرء ( لفظي ) قد يدخل فيه الملفوظ في كلام العرب وهذا يبين سعة فقه أحمد



قال إمامُ العربية سِيبَوَيْه - رحمه الله – في الكتاب (3/44_45): "وقد يجيء المصدرُ على المفعول، وذلك قولُكَ: (لَبَنٌ حَلَبٌ) إنَّما تريدُ: مَحلوب، وكقولهم:

(الخَلْق) إنَّما يُريدونَ: المَخلوق، ويقولونَ للدِّرْهم: (ضَرْبُ الأمير) وإنَّما يريدون: مضروب الأمير".

قال: "وربَّما وقع على الجَميع" _ هذا مستفاد من كتاب الجديع العقيدة السلفية _

فأبو ثور الذي يتباكون عليه في حديث الصورة يبدع اللفظية  وكذا ابن خزيمة، وحتى يحيى بن معين ذم الكرابيسي وهم يتباكون على ابن معين في موضوع المحنة

فهذا بحث عقدي لغوي دقيق ما فهمه المعترضون على الإمام رحمه الله تعالى 


الحقيقة الثانية : أن الكرابيسي قد كفر من خالفه في اللفظ وهذا الكلام موجود في بحر الدم والذي يقتضيه الإنصاف أن يذكر هذا الأمر لا أن يكتفى بكلام أحمد في الكرابيسي دون كلام الكرابيسي في أهل السنة

الحقيقة الثالثة : أن الإمام أحمد لم يقل ( لفظي بالقرآن غير مخلوق ) بل صرح بتبديع من يقول هذا وهو الطرف المقابل للكرابيسي ولو كان قول أحمد ردة فعل لمال لهؤلاء ولكن كان متوسطاً في دفع الألفاظ الموهمة من الجهتين فجعل اللفظية نفاة الخلق في حكم القدرية كما جعل اللفظية مثبتة الخلق في حكم الجهمية

ومن إنصاف الإمام وتدقيقه فرق بين اللفظي الذي قامت عليه الحجة أو كان متمكناً من العلم واللفظي الذي هو جاهل

قال عبد الله بن أحمد في السنة 184 - سُئِلَ أَبِي وَأَنَا أَسْمَعُ، عَنِ اللَّفْظِيَّةِ، وَالْوَاقِفَةِ، فَقَالَ: «مَنْ كَانَ مِنْهُمُ جَاهِلًا فَلْيَسْأَلْ وَلْيَتَعَلَّمْ»،

185 - سُئِلَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَنَا أَسْمَعُ، عَنِ اللَّفْظِيَّةِ، وَالْوَاقِفَةِ، فَقَالَ: «مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يُحْسِنُ الْكَلَامَ فَهُوَ جَهْمِيُّ»، وَقَالَ مَرَّةً: «هُمْ شَرٌّ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ»، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى «هُمْ جَهْمِيَّةٌ»،

وهذه قمة الاتزان في البحث العلمي

وهذه الحقائق الثلاثة مع كون عامة أهل الحديث وافقوا أحمد وكون هذه البدعة مع مخالفتها للنصوص كان مفتاحاً لعودة قول الجهمية

فالأشعرية أثبتوا الكلام النفسي الذي هو العلم ولا فرق بينه وبين العلم وقالوا بأن الذي بين أيدينا حكاية عن كلام الله أو عبارة والمعبر مخلوق وهو جبريل فعاد الأمر إلى مقالة الجهمية نفسها سواءً بسواء

بل نقل الأصبهاني أن الكرابيسي قال بقول الكلابية 

 وقال : "من كلام جهم بن صفوان، وحسين الكرابيسي داود بن علي: أن لفظهم بالقرآن مخلوق، وأن القرآن المنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم مما جاء به جبريل الأمين حكاية القرآن، فجهمهم أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل، وتابعه على تجهيمهم علماء الأمصار طرّاً أجمعون، لا خلاف بين أهل الأثر في ذلك" 

فهذا إجماع على تجهيم الكرابيسي 

فائدة :  وقال ابن مهدي الطّبريّ : ([ومن] قال: إنَّ القرآن بلفظي مخلوق، أو لفظي به مخلوق، فهو جاهلٌ ضالٌّ كافرٌ بالله العظيم) 

وهذا الرجل يعده الأشعرية من كبارهم ونقل ابن العطار الشافعي كلامه مقراً له 

وهذا أبو نعيم الأصبهاني في عقيدته التي نقلها الذهبي في العرش يذم اللفظية وكذا اللالكائي وهو شافعي 

وكذا الاسماعيلي وهو شافعي ذم اللفظية في عقيدته وكذا أبو عثمان الصابوني وهو شافعي وصرح بتجهيمهم 

وكذا القحطاني المالكي في نونيته 

فجعل هذا الأمر من خصائص الحنابلة ظلم ومين

النقطة الثانية : موقف الإمام أحمد من المحاسبي

فيقرر هنا في هذا الباب عدة حقائق أخفاها الطيباوي

الأولى : أن الحارث المحاسبي لفظي وكان يكفر الواقفة !

والحارث حكي عنه الرجوع عن مقالة اللفظية نقل ذلك الكلاباذي في التعرف واعتمده ابن تيمية

بل حقيقة أمره أنه قال بقول ابن كلاب بالضبط

قال ابن تيمية في النبوات :" وكان ابن خزيمة وغيره على القول المعروف للمسلمين وأهل السنّة: أنّ الله يتكلّم بمشيئته وقدرته، وكان قد بلغه عن الإمام أحمد أنّه كان يذمّ الكلابيّة، وأنّه أمر بهجر الحارث المحاسبي1 لما بلغه أنه على قول ابن كلاب2. وكان يقول: حذروا عن حارث الفقير؛ فإنّه جهميّ3. واشتهر هذا عن أحمد"

وقال في الدرء :" ووافقه على ذلك أبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشهري وغيرهما، وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه، ثم قيل عن الحارث: إنه رجع عن قوله"

وقال في شرح حديث النزول :" وكان الإمام أحمد يحذر من الكُلابية، وأمر بهجر الحارث المحاسبي لكونه كان منهم، وقد قيل عن الحارث: إنه رجع في القرآن عن قول ابن كُلاب، وإنه كان يقول: إن الله يتكلم بصوت. وممن ذكر ذلك عنه الكلاباذي في كتاب [التعرف لمذهب التصوف] ."

الحقيقة الثانية : أن الحارث المحاسبي كان متأثراً بقول ابن كلاب في نفي الصفا الفعلية

قال صاحب رسالة موقف ابن تيمية من الأشاعرة :" 5- مذهبه في الصفات الاختيارية:
يوافق المحاسبي ابن كلاب في نفي هذه الصفات، بناء على نفي حلول الحوادث بذات الله تعالى، ونصوص المحاسبي في ذلك واضحة جدا:
أ- يقول عن القرآن وعظمته:"ومن عقل عن الله جل ذكره ما قال فقد استغني به عن كل شيء، وعز به من كل ذل، لا تتغير حلاوته، ولا تخلق جدته في قلوب المؤمنين به على كثرة الترداد والتكرار لتلاوته، لأن قائله دائم لا يتغير، ولا ينقص، ولا يحدث به الحوادث (4) ، وهذا منطلق الكلابية في نفي ما يتعلق بمشيئته وقدرته.
ب- ويقول في مسألة علم الله:"والله جل ذكره لا تحدث فيه الحوادث، لأنا لم نجهل موت من مات أنه سيكون، وكذلك علمنا أن النهار سيكون صبيحة ليلتنا، ثم يكون فنعلم أنه قد كان من غير جهل منا تقدم أنه سيكون، فكيف بالقديم الأزلي الذي لا يكون موت ولا نهار ولا شيء من الأشياء إلا وهو يخلقه ونحن لا نخلق شيئا، وكذلك قوله: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ءامنين} [الفتح: 27] وقوله: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16] وقوله: {إنما قولنا (1) لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل: 40] ، ليس ذلك ببدء منه لحدوث إرادة حدثت له ولا أن يستأنف مشيئة لم تكن له، وذلك فعل الجاهل بالعواقب الذى يريد الشيء وهو لايعلم العواقب، فلم يزل تعالى يريد ما يعلم أنه يكون، لم يستحدث إرادة لم تكن، لأن الارادات إنما تحدث على قدر مالم يعلم المريد، فأما من لم يزل ما يكون ومالا يكون من خير وشر فقد أراد على علم لا يحدث له بداء إذا كان لا يحدث فيه علم به" (2) ، والمحاسبي يقرر مسألة أزلية صفات الله تعالى لينفي ما يتعلق بمشيئة الله تعالى من صفات الأفعال، ولذلك يقول معلقا على الآية: {إذا اردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل:40] ، وقوله: {وإذا أدرنا أن نهلك قرية..} [الإسراء:16] : "فإنه لم يزل يريد، قبل أن يحدث الشيء أن يحدثه في وقت إحداثه، فلم يزل يريد احداثه في الوقت المؤخر، فإذا جاء الوقت فهو أيضا يريد أن يحدثه فيه، فبإرادته أحدثه في ذلك الوقت الذى فيه أحدثه، فإرادة الله جل وعز دائمة لأنه مريد قبل الوقت الذى يحدث فيه المخلوقات، وفي الوقت الذى أحدثه فيه ... " (3) ، ولا يحتاج هذا الى تعليق سوى التناقض الذى يفيده قوله " فإذا جاء الوقت فهو أيضا يريد أن يحدثه فيه" لأن هذه الإرادة إن كانت هي الإرادة الأزلية فلا فائدة من قوله هذا، وإن كانت إرادة حادثة نقض قوله.
ج- ومما يدل على كلابيته ونفيه الصفات الاختيارية أن تقوم بالله قوله في صفتي السمع والبصر:" وكذلك قوله عز وجل: {إنا معكم مستمعون} [الشعراء:15] ليس معناه احداث سمع، ولا تكلف لسمع مايكون من المتكلم في وقت كلامه، وانما معنى (انا معكم مستمعون) ، {فسيرى الله عملكم} [التوية:94] أي المسموع والمبصر لن يخفي على سمعي ولا على بصرى أن أدركه سمعا وبصرا لا بالحوادث في الله جل وعز وتعالى عن ذلك، وكذلك قوله: {اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله} [التوبة:105] لا يستحدث بصرا ولحظا محدثا في ذاته تعالى عن ذلك" (1) ، ثم يرد المحاسبي على من خالفه في هذا ممن يثبت لله الصفات الاختيارية فيقول:" وقد ذهب قوم (2) أن لله جل وعز اسماعا حادثا في ذاته، فذهب الى ما يعقل من الخلق أنه يحدث فيهم علة لسمع ما يكون من قول عند سمعه للقول، لأن المخلوق اذا سمع الشيء حدث له عنه فهم عما أدركته أذنه من الصوت، وكذلك ذهب الى أن رؤية تحدث له، قال أبو عبد الله: وهذا خطأ، وانما معنى (سيرى) و (إنا معكم مستمعون) أن المسموع والمبصر لم يخف على عيني ولا على سمعي أن أد ركه سمعا وبصرا لا بالحوادث في الله جل وعز، ومن ذهب الى أنه يحدث له استماع مع حدوث المسموع، وإبصار مع حدوث المبصر فقد أدعى على الله عز وجل مالم يقل ولإنما على العباد التسليم كما قال، وانه عالم سميع بصير ولا يريد مالم يكن، وإنما معني (حتى يعلم) حتى يكون المعلوم، وكذلك حتى يكون المبصر والمسموع، ولا يخفى على الله عز وجل أن يعلمه موجودا ويراه موجودا ويسمعه موجودا بغير حدوث علم في الله جل وعز، ولا سمع ولا بصر، ولا يعني حدوثا في ذات الله، جل الله عن الحوادث في نفسه وتعالى عن البداوات في علمه وإرادته علوا كبيرا" (3) .
ثم يذكر نصوص العلو والاستواء وأن ذلك لا يدل على حلول الحوادث (4) .
وهذه النصوص- وهي من المصادر القليلة التي بقيت من كتب الكلابية - تبين إلى أي حد كان رسوخ هذه المسألة عندهم، حتى ان المحاسبي يجزم ويقطع بما يراه ويخطئ من خالفه وكأنها من مسائل أصول أهل السنة المسلمة. وهذا يفسر موقف أهل السنة الصلب من الكلابية وخاصة موقف الامام أحمد -رحمه الله- من الحارث المحاسبي.
- هل رجع الحارث عن قوله؟:
ينسب الكلاباذي الى الحارث المحاسبي قولا في القرآن يخالف قول ابن كلاب، فابن كلاب- كما سبق- يقول: إن كلام الله ليس بحرف ولا صوت، أما الحارث فقد نسب اليه الكلاباذي أنه يقول:"وقالت طائفة منهم: كلام الله حروف وصوت، وزعموا أنه لايعرف كلامه الا كذلك مع إقرارهم أنه صفة الله تعالى، في ذاته غير مخلوق، وهذا قول الحارث المحاسبي" (1) ، فهذا القول قد يدعم ماذكره شيخ الإسلام ابن تيمية عن معمر ابن زياد أن الحارث رجع عن أقواله"

فكلام الإمام أحمد في الكرابيسي له مقدمته العلمية ولا يعقل أن يحذر من شخص لموقفه الباطل من صحابي كعلي بن أبي طالب ولا يحذر من شخص لموقفه الباطل من صفات الله عز وجل الفعلية التي جاءت جميع الكتب وجميع نصوص الشريعة بإثباتها

فالإمام هنا رضي الله عنه حمى جناب الشريعة ونقى الأمر عن البدع فكان كما ذكر الأثرم عنه كلما ظهرت بدعة دحضها بالحجة والدليل وشرد بأهلها

المسألة الثالثة : موقف الإمام أحمد من الذين أجابوا في الفتنة

كان موقفاً علمياً متزناً فرق بينهم بحسب أحوالهم

ففريق منهم عذب فأجاب وهذا عذره أحمد

وفريق أجاب قبل أن يمس بشيء وادعى أنه مكره فهذا ثرب عليه أحمد لأنه لا ينطبق عليه حد الإكراه عند الفقهاء وهذا الفريق رأسه ابن معين وقد اعترف ابن معين بخطئه

وفريق أجاب وحابى الجهمية وصار يجالسهم ويظهر لهم المودة فهذا الفريق الذي ثرب عليه جميع الناس

قال ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكي، قال: وجدتُ بخط أبي: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن أحمد بن يعقوب الحربي، قال: سمعت أبا الفَرج الهندبائي، يقول: سمعتُ أبا بكر المرُّوذي، يقول: جاءَ يَحيى بن مَعِين، فدخل على أحمد ابن حنبل وهو مَريض، فسلّم فلم يرد عليه السلام، وكان أحمد قد حَلف بالعهد لا يكلّم أحداً ممن أجاب حتى يلقى الله عز وجل، فما زال يَحيى يعتذر، ويقول: حديث عمّار، وقال الله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}، فقلب أحمد وجهه إلى الجانب الآخر، فقال يحيى: أُف، وقام وقال: لايقبل لنا عذراً، فخرجتُ بعده وهو جالس على الباب، فقال: أيّ شيءٍ قال أحمدُ بعدي؟ قلتُ: يحتجُّ بحديث عمار! وحديث عمار: "مَررتُ وهم يَسبّونَك فَنهَيتُهم فَضَربوني" وأنتم قيلَ لكم: نُريد أن نَضربكم. فسمعت يحيى يقول: مُر يا أحمد، غَفر الله لكَ، فما رأيِتُ والله تحت أديم سماءِ الله أفقه في دين الله مِنك.

فابن معين نفسه اعترف بغلطه وأن حد الإكراه لم ينطبق عليه

قال البيهقي في سننه 15108 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا هُشَيْمٌ، نا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: " الْحَبْسُ كُرْهٌ، وَالضَّرْبُ كُرْهٌ، وَالْقَيْدُ كُرْهٌ، وَالْوَعِيدُ كُرْهٌ "

وهذا يكون في مسائل الأنكحة والطلاق وأما مسائل الكفر فلا يتحقق الإكراه إلا بضرب أو حبس

قال ابن الجوزي في المناقب :" أجاب من كبار العلماءِ: علي بن الجَعد، وإسماعيل بن إبراهيم ابن عُلَيّة، وسَعيد بن سُليمان الواسطي المعروف بسَعدويه، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأبو حَسان الزيادي، وبِشر بن الوليد، وعبيد الله بن عمر القَواريري، وعلي بن أبي مُقاتل، والفَضل بن غانم، والحسن بن حَمّاد سَجّادة، وإسماعيل بن أبي مسعود، ومُحمد بن سعد كاتب الواقدي، وأحمد بن إبراهيم الدَّورقي، وإسماعيل ابن داود الجَوْزي ويحيى بن مَعين، وعلي بن المدِيني، وأبو خَيثمة زُهير بن حَرب، وأبو نَصر التَّمار، وأبو كُريب في آخرين. وما صَعبت إجابة أحد من هؤلاءِ على أحمد بن حنبل، كما شقَّت إجابة أبي نَصر التمار، ويحيى بن معين، وأبي خَيثمة، لأنهم كانوا عِنده في أعلى مَرتبة، ما ظنَّ بهم الإسراع في الإجابة، فأما أبو نَصر التَّمار، فإنه كان من العباد، وسَمع الحديث من مالك والحَمّادين وخَلقٍ كثير، إلا أنه لم يَصبر على الامتحان فأجابَ، فكان أحمد لا يرى الكتابة عنه، ولما ماتَ لم يصلِّ عليه"

وقال ابن الجوزي في المناقب :"  فإن قال قائل: إذا ثبتَ أن القوم أجابوا مُكرهين فقد استعملوا الجائز، فلمَ هَجرهم أحمد؟ فالجوابُ من ثلاثة أوجه
أحدها: أنَّ القوم تُوعِّدوا ولم يُضربوا فأجابوا، والتواعد ليس بإكراه، وقد بان هذا بما ذكرناه من حديث يَحيى بن مَعِين.
والثاني: أنه هجرهم على وجه التأديب، ليعلم العوام تعظيم القول الذي أجابوا عليه، فيكون ذل حفظاً لهم من الزَّيغ.
والثالث: أن مُعظم القوم لما أجابوا قَبلوا الأموال وترددوا إلى القوم وتقربوا إليهم، فَفعلوا ما لا يجوز، فلهذا استحقوا الذمَّ والهجر"

وهذا التخريج السليم وقد روي عن أحمد عذره لمن ضرب كالقواريري وسجادة

ولعل مما يدل على ذلك رواية عبد الله عن القواريري في مشاهير كتبه

وهذا فقه دقيق من الإمامة

وأما علي ابن المديني فهذا باب آخر تماماً

وقال ابن الجنيد في مسائله عن ابن معين (407) قلت ليحيى -وذكر عنده علي بن المديني، فحملوا عليه-، فقلت ليحيى: يا أبا زكريا، ما علي عند الناس إلا مرتد! فقال: «ما هو بمرتد، هو على إسلامه، رجل خاف فقال، ما عليه؟!» .

فلم يخص الناس ابن المديني بهذا والذين أجابوا كثر إلا أنه حاله كانت فيها زيادة على مجرد الإجابة من مصاحبة ابن أبي دؤاد وأحوال أخرى

وقد تاب وأثنى على أحمد بثناء عظيم فقال عنه أن موقفه في المحنة أعظم من موقف الصديق في الردة

والعجيب أن الذين هجروا في المحنة كلهم كانوا يعظمون أحمد ويثنون عليه ويقدرون له موقفه ثم يأتي زنادقة عصرنا ليكونوا ملكيين أكثر من الملك

المسألة الرابعة : أما الموقف من أهل الرأي فهذا موقف كل أهل الحديث وهو إجماع وإن رغمت أنوف

قال ابن تيمية _ رحمه الله _ في رده على السبكي في مسألة تعليق الطلاق (2/837) :" وأكثر أهل الحديث طعنوا في أبي حنيفة وأصحابه طعناً مشهوراً امتلأت به الكتب ، وبلغ الأمر بهم إلى أنهم لم يرووا عنهم في كتب الحديث شيئاً فلا ذكر لهم في الصحيحين والسنن "

وقال سفيان والأوزاعي ومالك وابن عون ( ما ولد في الإسلام أشأم من أبي حنيفة ) وهذا لأجل رأيه وهذا صحيح عنهم

وقال البخاري في التاريخ ( سكتوا عنه وعن رأيه وعن حديثه )

ونقل حرب الإجماع على تبديع أهل الرأي

ولتراجع رسالتي ( الترجيح بين أقوال المعدلين والمجرحين في أبي حنيفة )

وأما موقف الإمام أحمد من المعلى بن منصور فمن مناقبه إذ كان المعلى يكتب الشروط ومن يكتبها لا يخلو من الكتب فترك أحمد حديثه لهذا الاعتبار

والبقية رووا عنه لاستقامة حديثه بالجملة

و قال أبو حاتم الرازى : قيل لأحمد بن حنبل : كيف لم تكتب عن المعلى بن منصور ؟ قال : كان يكتب الشروط و من كتبها لم يخل من أن يكذب .
و قال أبو زرعة الرازى : رحم الله أحمد بن حنبل بلغنى أنه كان فى قلبه غصص من أحاديث ظهرت عن المعلى بن منصور ، كان يحتاج إليها ، و كان المعلى أشبه القوم ـ يعنى أصحاب الرأى ـ بأهل العلم ، و ذلك أنه كان طلابة للعلم ، رحل و عُنى ، فتصبر أحمد عن تلك الأحاديث و لم يسمع منها حرفا ، و أما على ابن المدينى ، و أبو خيثمة و عامة أصحابنا فسمعوا منه ، المعلى صدوق

ولا يخلو إمام من أئمة الجرح والتعديل من موقف فيه شدة 

وأحمد شدته على أهل الرأي لم تمنعه من الشهادة بصدق أبي يوسف وأسد بن عمرو وهما أظهر في الرأي من المعلى مما يبطل كلام الطيباوي من أساسه 

وأما ما هنبث به الطيباوي من سبب انحسار فهذا كلام من لا يعرف الفقه ولا يعرف سير الناس

فلا يخلو مذهب من تشديدات ومذهب أحمد فيه يسر لا يوجد في مذاهب الآخرين في مسائل كثيرة

فمن ذلك أنه يرى أن مس المرأة بشهوة ينقض وهو مذهب عامة الصحابة والشافعي يرى أن مسها مطلقاً ناقض بشهوة وبغير شهوة

والشافعي يمنع من شركة الأبدان وغيرها من الشركات للغرر وأحمد يبيح لأنه غرر يسير

ومالك والشافعي وأبو حنيفة يمنعون من بيع العربون وأحمد وحده يبيحه ومعه أثر عن عمر

ومالك والشافعي وأهل الرأي يمنعون من جلوس الجنب في المسجد وأحمد يبيحه لمن توضأ

ومذهب الشافعي في المسح على الجبيرة من أشد ما يكون حيث يوجب عليه الصلاة والإعادة وأحمد لا يوجب الإعادة

والثلاثة يمنعون من وقوف الحاج في عرفة قبل الزوال وأحمد يبيحه محتجاً بحديث عروة بن مضرس والأفضل عنده بعد الزوال

وأهل الرأي يمنعون من الجمع بين الصلوات إلا الجمع الصوري ويحرمون لحم الخيل وأحمد يخالفهم في هذا

ويرون الوضوء من القهقهة ويخالفهم في ذلك أهل الحديث ومنهم أحمد وهذا في غاية التشديد 

ومذهب أحمد المذهب الوحيد الذي فيه رواية بإجازة أن يسعى المتمتع سعياً واحداً فقط ويجزيه وهي في مسائل الكوسج ومسائل عبد الله

والشافعي يشدد في المسح على الجوربين وأحمد يبيح ذلك إن كانت ساترة لمحل الفرض

والثلاثة يمنعون من الأخذ بشهادة أهل الكتاب في السفر إن لم يوجد مسلمين وأحمد وحده يبيح هذا ومعه الآثار

وأحمد مذهبه في إباحة المزارعة والمساقاة أوسع المذاهب والقيود التي توجد في المذاهب الأخرى لا توجد في مذهبه

ومذهب أحمد في تنوع صفات العبادة أوسع المذاهب ففي أدعية الاستفتاح وصيغ التشهد وصفات صلاة الجنازة وصفة الأذان يفتي بكل المروي الثابت 

وهذه المسائل عامتها البلوى فيها أعم من مسألة أجرة المعلم 

ولما شدد بعض كبار الزهاد في أمر النكاح رد عليهم الإمام أحمد وضبط المسألة 

وقول الفقيه لا يكون صواباً بكونه أيسر أو أشد بل باتباع الدليل ولكنني ذكرت هذا لأبين جهل القوم ومسألة أجرة المعلم أهل الرأي يوافقون أحمد فيها

وإلا فقول الثلاثة بأن الصلاة لا يقطعها شيء وعدم إيجاب الوضوء من لحوم الإبل تدفعه الأحاديث والإمام أحمد معه الحديث والأثر والقياس

ومسألة الشرطي هذه لا يفهمها الطيباوي فأحمد راعى الحال وأن عامة الشرط يظلمون فأفتى فتيا خاصة بزمن معين وإلا فالإمام أحمد كان من أعظم الناس حظاً على الجهاد وتطبيق الحدود

وأحمد نفسه صنف التصانيف ويجمع بين إنكاره على من صنف وتصنيفه أنه يكره التوسع في الكلام بعيداً عن الأثر سداً للذريعة وقد كان ما خاف أحمد منه ففشت البدع في الأمة وفشت كتب تخالف السنن والآثار تعتمد وتترك السنن والآثار

قال ابن القيم في الطرق الحكمية :" وَمَسْأَلَةُ وَضْعِ الْكُتُبِ: فِيهَا تَفْصِيلٌ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، وَإِنَّمَا كَرِهَ أَحْمَدُ ذَلِكَ، وَمَنَعَ مِنْهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِهِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَإِذَا كَانَتْ الْكُتُبُ مُتَضَمِّنَةً لِنَصْرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالذَّبِّ عَنْهُمَا، وَإِبْطَالٍ لِلْآرَاءِ وَالْمَذَاهِبِ الْمُخَالِفَةِ لَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِهَا، وَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَمُسْتَحَبَّةً وَمُبَاحَةً، بِحَسَبِ اقْتِضَاءِ الْحَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْكَذِبِ وَالْبِدْعَةِ يَجِبُ إتْلَافُهَا وَإِعْدَامُهَا، وَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ إتْلَافِ آلَاتِ اللَّهْوِ وَالْمَعَازِفِ، وَإِتْلَافِ آنِيَةِ الْخَمْرِ، فَإِنَّ ضَرَرَهَا أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ هَذِهِ، وَلَا ضَمَانَ فِيهَا، كَمَا لَا ضَمَانَ فِي كَسْرِ أَوَانِي الْخَمْرِ وَشَقِّ زِقَاقِهَا"

ولو كانت الشدة تمنع من انتشار المذهب لكان مذهب مالك أولى المذاهب بذلك لقوته في باب سد الذرائع وباب الربا، ومن أشد أقوال الإمام وجوب تذكية الجراد 

وأبو حنيفة يحرم الضب الضبع ومالك يوافقه في الضبع وأحمد وعامة أهل الحديث يخالفونهم _ أبو حنيفة صاحب رأي ومالك صاحب حديث فلا يستويان _ غير أن المراد هنا إبطال دعوى التشديد في مذهب أحمد  

ومالك يجعل من أكل أو شرب ناسياً في نهار رمضان مفطراً ويوجب الكفارة المغلظة ككفارة الجماع  في مشهور  مذهبه في جميع المفطرات

قال ابن تيمية كما في الفتاوى :" كَانَ مَالِكٌ يُبَالِغُ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ مَا لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَحْمَد فِيهِ؛ أَوْ لَا يَقُولُهُ؛ لَكِنَّهُ يُوَافِقُهُ بِلَا خِلَافٍ عَنْهُ عَلَى مَنْعِ الْحِيَلِ كُلِّهَا"

ومن مفردات أحمد التي فيها سعة عظيمة أرش العيب ، وفي مذهبه سعة ظاهرة في ألفاظ العقود 

والكلام في هذا يطول ومذهب أحمد فاش بين أهل الحديث وإنما انتشرت بعض المذاهب الأخرى بفعل السيف أو الهوى ولأن كثيراً من الحنابلة ما قاموا بالمذهب كما ينبغي على أن مذهب أحمد كان له وجوده العظيم في الأمة الإسلامية

قال ابن تيمية في رسالة حقيقة الصيام :" وهذا قول إسحاق بن راهويه، وهو قرين أحمد بن حنبل، ويوافقه في المذهب: أصولِه وفروعِه، وقولهما كثيرا ما يجمع بينه، والكوسج سأل مسائله لأحمد وإسحاق، وكذلك حرب الكرماني سأل مسائله لأحمد وإسحاق، وكذلك غيرهما؛ ولهذا يجمع الترمذي قول أحمد وإسحاق، فإنه روى قولهما من مسائل الكوسج، وكذلك أبو زرعة وأبو حاتم وابن قتيبة، وغير هؤلاء من أئمة السلف والسنة والحديث، كانوا يتفقهون على مذهب أحمد وإسحاق، يقدمون قولهما على أقوال غيرهما، وأئمة الحديث كالبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم هم أيضا من أتباعهما، وممن يأخذ العلم والفقه عنهما، وداود من أصحاب إسحاق"

فيكفيك أن هؤلاء الأئمة على مذهب أحمد في الجملة

ولولا رغبة الناس بفقه أحمد لما كان له أصحاب كل واحد منهم سأله عن الفقه كله كإسحاق الكوسج والميموني وحرب وعبد الله وصالح وأبي داود وحنبل وغيرهم

والطيباوي هنا وصل إلى مرحلة متقدمة حيث اكتشف أن صناعة التبديع والغلو لها أصل عند أئمة الإسلام كمالك والشافعي وأحمد وينبغي له طرداً لأصوله ألا يثرب على الغلاة المعاصرين لأنهم لهم سلف من أئمة الإسلام

فإذا كان أولئك الأئمة على سعة علمهم وورعهم وقع منهم الغلو والظلم ولم يختلف الناس أنهم أئمة وجبال ولهم يد على أمة الإسلام فما يقال في الأغرار اليوم على مذهب الطيباوي وغيره

فهو هدم مذهبه من حيث يريد بنيانه 

بل هو يعترف أن هناك تكفيراً وتبديعاً على جهة الورع ! 

بل ينبغي للطيباوي ومن معه أن يرتفعوا قليلاً ويروا أن أساس التكفير بدأ من أيام حروب الردة ، والشدة على المخالف بدأت من أيام عمر بن الخطاب وصنيعه مع صبيغ وشدة علي على الخوارج وصنيع ابن مسعود مع أهل الحلق وصنيع ابن عمر مع أهل القدر

وأما جماعة ( الما بعديين ) أعني بهم جماعة ( ما بعد السلفية )

فأحمد سالم بعد ثورة 25 يناير صار ثورياً وقال عن رسلان أنه قال كلاماً يستحق فيه أن يعذب عند الله !

ثم فجأة انقلب بعد الانقلاب وكتب مراجعة فكرية !

وفي أيام الانتخابات تحمس لها جداً ورأيته على قناة الناس يستدل للانتخابات بأن أهل المسجد لو أرادوا انتخاب إمام أو مؤذن فلا يمنع من ذلك أحد

ولا أدري صاحبنا الذي قرأ كتباً بعدد شعر الرؤوس كما يدعي لنفسه ألا يعلم أن الإمام حسم أمره في السنة وأنه يؤم القوم أقرؤهم ثم الترتيب الوارد في الحديث فإن تساووا في كل شيء فالقرعة

فدعواه هذه تحريف وتبديل

ولم يتب من الفشل الذريع في ثورتهم والاضطراب في الآراء فلا يترك نازلة إلا ويتكلم عليها حتى سخر ممن أخذ الجزية وهذه ردة والشروط التي ذكرها ما سبقه إليها أحد

والذين أخذوا الجزية من النصارى هم مسيطرون على جزء من الأرض سواءً أخذوا الجزية أم لم يأخذوها فما المانع من أخذها وما منكم من أحد إلا ويدفع المكوس لحكومته

وقوانين الإقامة غير خافية على أحد

ثم يثني على مقاومة حماس وأنه اتفق عليها العقلاء مع فراغها من العقيدة وكل من ينظر إلى صنيع حماس يعلم أنهم قديماً كثيراً ما دخلوا حروباً غير متكافئة والغلاة في فقه المصلحة ينبغي أن يمنعوا من ذلك

ومما جاء في كتاب ما بعد السلفية :" ابنَ تيميَّة انتصَرَ لأحمدَ على ابنِ خُزيمة، وأنَّ مِن طُرقِه في تغليطه لابنِ خُزيمة مجرَّد مخالفتِه لأحمد!"

هذا خوض بما في الضمير دون أدنى بينة ، فابن تيمية رأى أن ابن خزيمة مخالف لعامة السلف قبله وليس أحمد فحسب وكلام أحمد وإسحاق معلوم ورواية الناس لحديث ( خلق الله آدم على صورة الرحمن ) معروف

وكلام عثمان بن سعيد وابن قتيبة في الحديث سائر على أصول أهل الحديث

وأبو موسى المديني وقوام السنة الأصبهاني غلطا ابن خزيمة وليسا حنبليين

وهذا ابن أبي عاصم وهو ظاهري نقل اتفاق أهل السنة على القول بظاهر الحديث وذكره في كتابه السنة

ثم إن ابن تيمية نقض كلام ابن خزيمة بتوسع وذكر أكثر من عشرة أوجه في نقض تأويل ابن خزيمة

فإذا كان من ينقض قولاً من أكثر من عشرة أوجه وينقل اتفاق السلف ويبرهن عليه يتهم بالتعصب فكيف يسلم المرء من الاتهام بلا بينة !

وأما قول المارقين في كتابهما :" (والقول الذي نُريد تقريره هنا: أنَّ هذه الممارسةَ التي قامتْ بها الوهابيةُ من تكفير المعيَّنين الواقعين في تلك الأفعال وقتالهم قِتالَ المشركين كانتْ ممارسةً جديدةً لا تُساعد التصرفاتُ السَّلفيَّة السابقةُ لهم وَفْقَ معرفتنا لها، على أنْ نَعُدَّ الوهابيةَ مماثلةً لها من هذا الوجه، وإنْ كان هذا لا يُخرجهم من كونهم أحدَ التحقُّقات التاريخيَّة للسلفيَّة"

أقول : أبو بكر قاتل مانعي الزكاة فحسب والشيخ محمد قاتل من امتنع عن عامة شعائر الإسلام

قال محمد بن عبد الوهاب في رسائله الشخصية وكأنه يرد على الحدوشي ص26 :" ففيهم من نواقض الإسلام أكثر من المائة ناقض. فلما بينت ما صرحت به آيات التنْزيل، وعلّمه الرسول أمته، وأجمع عليه العلماء: من 1 أنكر البعث أو شك فيه، أو سب الشرع، أو سب الأذان إذا سمعه، أو فضل فراضة الطاغوت على حكم الله، أو سب من زعم أن المرأة ترث، أو أن الإنسان لا يؤخذ في القتل بجريرة أبيه وابنه، إنه كافر مرتد، قال علماؤكم: معلوم أن هذا حال البوادي، لا ننكره، ولكن يقولون: "لا إله إلا الله"، وهي تحميهم من الكفر، ولو فعلوا كل ذلك. ومعلوم أن هؤلاء أولى وأظهر من يدخل في تقريركم، فلما أظهرتُ تصديق الرسول فيما جاء به، سبوني غاية المسبة، وزعموا أني أكفّر أهل الإسلام وأستحل أموالهم، وصرحوا أنه لا يوجد في جزيرتنا رجل واحد كافر، وأن البوادي يفعلون من النواقض مع علمهم أن دين الرسول عند الحضر، وجحدوا كفرهم. وأنتم تذكرون أن مَن رد شيئاً مما جاء به الرسول بعد معرفته، أنه كافر"

فهذا حال من قاتلهم


وقال الشيخ محمد في الرسائل الشخصية ص41 :" وما أشاعوا عنا من التكفير، وأني أفتيت بكفر البوادي الذين ينكرون البعث والجنة والنار، وينكرون ميراث النساء، مع علمهم أن كتاب الله عند الحضر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث بالذي أنكروا، فلما أفتيت بكفرهم مع أنهم أكثر الناس في أرضنا، استنكر العوام ذلك، وخاصتهم الأعداء ممن يدعي العلم، وقالوا: من قال: "لا إله إلا الله" لا يكفر ولو أنكروا البعث وأنكروا الشرائع كلها. ولما وقع ذلك من بعض القرى مع علمهم اليقين بكفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، حتى أنهم يقولون: من أنكر فرعاً مجمعاً عليه كفر، فقلت لهم: إذا كان هذا عندكم فيمن أنكر فرعاً مجمعاً عليه، فكيف بمن أنكر الإيمان باليوم الآخر؟ وسب الحضر وسفّه أحلامهم إذا صدقوا بالبعث. فلما أفتيت بكفر من تبر  البوادي من أهل القرى، مع علمه بما أنزل الله وبما أجمع عليه العلماء، كثرت الفتنة وصدق الناس بما قيل فينا من الأكاذيب والبهتان"


وقال الشيخ في رسائله الشخصية ص235 :" ومعلوم أن أهل أرضنا وأرض الحجاز، الذي ينكر البعث منهم أكثر ممن يقر به، وأن الذي يعرف الدين أقل ممن لا يعرفه، والذي يضيع الصلوات أكثر من الذي يحافظ عليها، والذي يمنع الزكاة أكثر ممن يؤديها، فإن كان الصواب عندك اتباع هؤلاء، فبيّن لنا! وإن كان عنْزة وآل ظفير وأشباههم من البوادي هو السواد الأعظم، ولقيت في علمك وعلم أبيك أن اتّباعهم حسن، فاذكر لنا! ونحن نذكر كلام أهل العلم في معنى تلك الأحاديث ليتبين للجهال الذين موَّهت عليهم
وقد شهد الشوكاني بهذه الحال للأعراب الذين قاتلهم الشيخ

مما قاله الشوكاني في البدر الطالع :"  سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود. ولد تقريباً سنة ألف ومائة وستين، أو قبلها بقليل، أو بعدها بقليل (1) ، في وطنه ووطن أهله القرية المعروفة "بالدرعية" من البلاد النجدية. وكان قائد جيوش أبيه عبد العزيز وكان جده محمد شيخاً لقريته التي هي فيها، فوصل إليه الشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب الداعي إلى الوحيد، المنكر على المعتقدين في الأموات. فأجابه وقام بنصره، وما زال يجاهد من يخالفه. وكانت تلك البلاد قد غلبت عليها أمور الجاهلية وصار الإسلام فيها غريباً، ثم مات محمد بن سعود، وقد دخل في الدين بعض البلاد النجدية وقام ولده العزيز مقامه فافتتح جميع الديارالنجدية والبلاد العارضية والأحساء والقطيف، وجاوزها إلى فتح كثير من البلاد الحجازية، ثم استولى على الطائف ومكة والمدينة وغالب جزيرة العرب وغالب هذه الفتوح على يد ولده سعود ثم قام بعده سعود فتكاثرت جنوده واتسعت فتوحه ووصلت جنوده إلى اليمن، بلاد أبي عريش وما يتصل بها، ثم تابعهم الشريف حمود بن محمد شريف أبي عريش - وقد تقدمت ترجمته - وأمدوه بالجنود ففتح البلاد التهامية كاللحية والحديدة وبيت الفقيه وزبيد وما يتصل بهذه البلاد. وما زال الوافدون من سعود يفدون إلينا، إلى صنعاء، إلى حضرة الإمام المنصور وإلى حضرة ولده الإمام المتوكل بمكاتيب إليهما بالدعوة إلى التوحيد، وهدم القباب المشيدة والقبور المرتفعة، ويكتب إلي أيضاً مع ما يصل من الكتب إلى الإمامين ثم وقع الهدم للقباب والقبور المشيدة في صنعاء وفي كثير من الأمكنة المجاورة لها، وفي جهة ذمار وما يتصل بها. ثم خرج باشة مصر إلى مكة بعد إرساله بجنود افتتحوا مكة والمدينة والطائف وغلبوا عليها. وهو الآن في مكة، والحرب بينه وبين سعود مستمر ومات سعود في هذه السنة سنة ألف ومائتين وتسع وعشرين وقام بالأمر ولده عبد الله بن سعود وقد أفردت هذه الحوادث العظيمة بمصنف مستقل، وسيأتي في ترجمة الشريف غالب شريف مكة إشارة إلى طرف من هذه الحوادث، انتهى.ثم قال في ترجمة الشريف غالب - بعد ما ذكر من حروبه مع الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود، وذكر فشله فيها وما لحقه من الهزائم والقتل. ناقماً على الشريف غالب تحرشه بقتال ابن سعود - قال: ولو ترك ذلك واشتغل بغيره لكان أولى له. فإن من حارب من لا يقوى لحربه جر إليه البلوى، فإن صاحب نجد تبلغنا عنه قوة عظيمة لا يقوم لمثلها صاحب الترجمة. فقد سمعنا أنه استولى على بلاد الحسا والقطيف وبلاد الدواسر وغالب بلاد الحجاز، ومن دخل تحت حوزته أقام الصلاة والزكاة والصيام، وسائر شعائر الإسلام. ودخل في طاعته من عرب الشام الساكنين ما بين الحجاز وصعدة غالبهم إما رغبة وإما رهبة. وصاروا مقيمين لفرائض الدين بعد أن كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئاً، ولا يقومون بشيء من واجباته إلا مجرد التكلم بلفظ الشهادتين على ما في لفظهم بهما من عوج.وبالجملة: فكانوا جاهلية جهلاء، كما تواترت بذلك الأخبار إلينا، ثم صاروا الآن يصلون الصلوات لأوقاتها، ويأتون بسائر الأركان الإسلامية على أبلغ صفاتها - إلى أن قال - فإن صاحب نجد وجميع أتباعه يعملون بما تعلموه من الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كان حنبلياً، ثم طلب الحديث بالمدينة المشرفة، فعاد إلى نجد، وصار يعمل باجتهادات جماعة من متأخري الحنابلة، كابن تيمية وابن القيم وأضرابهما وهما من أشد الناس على معتقدي الأموات.وقد رأيت كتاباً من صاحب نجد - الذي هو الآن صاحب تلك الجهات - أجاب به على بعض أهل العلم، وقد كاتبه وسأله بيان ما يعتقده. فرأيت جوابه مشتملاً على اعتقاد حسن، موافق للكتاب والسنة: فالله أعلم بحقيقة الحال.وأما أهل مكة فصاروا يكفرونه ويطلقون عليه اسم الكافر. وبلغنا أنه وصل إلى مكة بعض علماء نجد لقصد المناظرة، فناظر علماء مكة بحضرة الشريف في مسائل تدل على ثبات قدمه وقدم صاحبه في الدين.وفي سنة ألف ومائتين وخمسة عشر: وصل من صاحب نجد المذكور مجلدان لطيفان أرسل بهما إلى حضرة مولانا الإمام حفظه الله. أحدهما يشتمل على رسائل للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كلها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد والتنفير من الشرك الذي يفعله المعتقدون في القبور، وهي رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة، والمجلد الآخر يتضمن الرد على جماعة من المقصرين من فقهاء صنعاء وصعدة، ثم ذاكروه في مسائل متعلقة بأصول الدين وبجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، فأجاب عليهم جوابات محررة مقررة محققة، تدل على أن المجيب من العلماء المحققين العارفين بالكتاب والسنة. وقد هدم عليهم جميع ما بنوه، وأبطل جميع ما دونوه لأنهم مقصرون متعصبون فصار ما فعلوه خزياً عليهم وعلى أهل صنعاء وصعدة. وهكذا من تصدر ولم يعرف مقدار نفسه. وأرسل صاحب نجد مع الكتابين المذكورين بمكاتبة منه إلى سيدي المولى الإمام فدفع حفظه الله جميع ذلك إلي. فأجبت عن كتابه الذي كتب إلى مولانا الإمام حفظه الله على لسانه بما معناه: إن الجماعة الذين أرسلوا إليه بالمذاكرة لا ندري من هم، وكلامهم يدل على أنهم جهال والأصل والجواب موجودان في مجموعي الأمير. انتهى."


تأمل ما ذكره من أحوال الأعراب وأنهم كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئاً ثم تحول حالهم بعد دخولهم تحت ولاية الإمام المجدد

جاء في كتاب الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني (9/4492) :" و (السؤال الثاني) حاصله: ما حكم الأعراب، سكان البادية الذين لا يفعلون شيئًا من الشرعيات إلا مجرد التكلم بالشهادة، هل هم: كفار أم لا؟ وهل يجب على المسلمين غزوهم أم لا؟

وأقول: من كان تاركًا لأركان الإسلام، وجميع فرائضه، ورافضًا لما يجب عليه من ذلك من الأقوال والأفعال، ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين فلا شك ولا ريب أن هذا كافر شديد الكفر، حلال الدم والمال، فإنه قد ثبت بالأحاديث المتواترة (1) أن عصمة الدماء والأموال إنما تكون بالقيام بأركان الإسلام، فالذي يجب على من يجاور هذا الكافر من المسلمين في المواطن والمساكن أن يدعوه إلى العمل بأحكام الإسلام، والقيام بما يجب عليه القيام به على التمام، ويبذل تعليمه ويلين له القول، ويسهل عليه الأمر، ويرغبه في الثواب، ويخوفه من العقاب، فإن قبل منه ورجع إليه وعول عليه وجب عليه أن يبذل نفسه لتعليمه، فإن ذلك من أهم الواجبات  وآكدها، أو يوصله إلى من هو أعلم منه بأحكام الإسلام [8]، وإن أصر ذلك الكافر على كفره وجب على من يبلغه أمره من المسلمين أن يقاتلوه حتى يعمل بأحكام الإسلام على التمام، فإن لم يعمل فهو حلال الدم والمال، حكمه حكم أهل الجاهلية"


والشوكاني رجل عاصر محمد بن عبد الوهاب


والشيخ نفسه ذكر بأنهم بدأوه بالقتال والتكفير

قال الشيخ في رسائله الشخصية :" وأما التكفير، فأنا أكفّّر من عرف دين الرسول، ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه، وعادى مَن فعله؛ فهذا هو الذي أكفّره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك.
وأما القتال، فلم نقاتل أحداً إلى اليوم، إلا دون النفس والحرمة؛ وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكناً. ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 6، وكذلك من جاهر بسبّ دين الرسول بعد ما عرفه. والسلام"

ومثل هذا النص ينبغي أن يذكر إنصافاً عند تحليل موقف معين

ولا أدري هل قرأوا التاريخ ورأوا ابن تيمية أفتى بتكفير التتر وقتالهم مع كونهم يشهدون بالشهادتين ورأى قتالهم أولى من قتال الخوارج

((مسألة في العسكر: ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين، ما النية في هذه الغزوة التي يخرج فيها عسكر المنصور إلى الثغور الحلبية سنة خمس عشرة، وذكر وليّ الأمر أنها غزوة شرعية، فهل تكون النية سفر طاعة، فهل يستحب القصر فيه، أم لا؟ وهل يجوز الجمع في أوقات جدّ السير، بينوا لنا ذلك والحالة هذه؟
الجواب: الحمد لله. نعم هو سفر طاعة يجوز فيه القصر، والقصر للمسافر سُنّة راتبة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي في سفره إلا قصرًا، لم يصلِّ الظهر والعصر والعشاء في السفر أربعًا قط. فأما الجمع فهو رخصة عارضة، فإنه لم يكن يجمع في غالب الأوقات، وإنما يجمع عند الحاجة، كما جمع بعرفة ومزدلفة، وكما كان يجمع إذا جدَّ به السير، وكان إذا سافر قبل أن ترتفع الشمس أخَّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فصلاهما جمعًا. وأما في حال نزوله في السفر فما نُقِل عنه الجمع إلا مرة واحدة.
وكان يصلي في السفر الوتر، وركعتي الفجر، وكان يصلي التطوّع وغيره على راحلته قِبَل أيّ وجهٍ توجّهت به، سواء جهة سيره جهة الكعبة أو غيرها.
وإنما جاز القصر في السفر لأنه ليس سفرًا محرمًا، بل من كان له فيه نية صالحة، وأراد به وجه الله، وقَصَد الجهاد الشرعي= كان ذلك من أفضل أعماله، وذلك لأن جهاد العدوّ الخارجين عن شريعة الإسلام ليكون الدين كله لله، وحتى تكون كلمة الله هي العليا= من أفضل الأعمال الشرعية.
وسَعْي المسلمين في قَهْر التتار والنصارى والروافض مِنْ أعظم الطاعات والعبادات، فإنَّ هؤلاء محاربون لله ورسوله، خارجون عن شريعة الله وسبيله، وإن كان التتر والروافض يتكلَّمون بالشهادتين ويتظاهرون ببعض الإسلام، فقد أمر الله ورسوله بجهاد مَنْ هو خير منهم. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278 - 279]. والربا أحرم ما حرَّم الله في القرآن، وكان أهل الطائف قد أسلموا والتزموا الصيام والصلاة وسائر الشريعة، إلا أنهم قالوا: لا ندع الربا، فأمر الله بجهادهم، وأخبر أنهم يحاربون الله ورسوله.
فإن كانوا هؤلاء الذين لم ينتهوا عن الربا، قد أمر الله بمحاربتهم، مع أن الربا مالٌ يؤخذ برضا المتعاقدين، فكيف بمن يستحلُّ دماءَ المسلمين وأموالَهم، وإفساد دينهم ودنياهم؟ فطاعتهم ودين الإسلام لا يجتمعان.
ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم [و] ارتدَّ مَن ارتدَّ قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» فقال له أبو بكر: ألم يقل: «إلا بحقها» فإن الزكاة مِنْ حقِّها، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فما هو إلا أن رأيتُ أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعلمت أنه الحق.
فقد قاتل الصحابة من كان مسلمًا لكونه لا يؤدي الزكاة، وقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجهٍ أنه ذكر الخوارج فقال: «يحقر أحدُكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهمُ من الرميَّة، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنَّ في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة».
فهؤلاء مع كثرة صيامهم وصلاتهم وقراءتهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم؛ لكونهم خرجوا عن جماعة المسلمين، واستحلّوا دماء المسلمين وأموالهم، ولا يكفرون أبا بكر وعمر، وإنما يطعنون في عثمان وعلي. والرافضة شر من هؤلاء؛ فإنهم يعاونون اليهود والنصارى، وعاونوهم مع هلاوون لما قدم إلى بغداد، فأعانوه على قتل بيت النبوة العباسيين وغيرهم من المؤمنين، وأعانوا اليهود والنصارى بالشام نوبة هلاوون وقازان، وغير ذلك، ولا ريب أن ضررهم على المسلمين أعظم من ضرر التتر.
وأما التتار فإنهم وإن أسلموا لم يلتزموا بسائر الشريعة، والله قد أمر بالجهاد حتى يكون الدين كله لله، فإذا كانت الطائفة الممتنعة تتشهَّد ولا تصلي، قوتلوا حتى يصلوا، ولو قالوا: نصلي ولا نصوم، قوتلوا حتى يصوموا. ولو قالوا: نصوم ولا نحج، قوتلوا حتى يحجوا البيت، ولو قالوا: نؤدي الفرائض ولا نحرِّم ما حرَّم الله ورسوله، ولا نحرم الربا أو الخمر أو الفواحش، ونحو ذلك، قوتلوا على ذلك، ولو قالوا: يُحْكَم بيننا بالياساق ولا يحكم بيننا الله ورسوله، قوتلوا على ذلك. ولو قالوا: نوالي جنسنا من الكفار، ونعادي المسلمين الذين لا يطيعونا، قُوتِلوا على ذلك.
والتتار فيهم من الخروج عن شريعة الإسلام أمورٌ كثيرةٌ، حتى إن ملكهم قد أظهر الرَّفْض وتزوج ببنت أخيه، ومثل هذا يوجب قتل مستحلِّه باتفاق الأئمة، بل من تزوج امرأة أبيه قُتِل، كما في «السنن»: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بردة بن نِيار إلى رجل تزوج امرأة أبيه، فأمره بقتله، وأن يأخذ خُمس ماله. فكيف بمن تزوَّج بنت أخيه؟!
ولكن الواجب في جهادهم أن تُعصَم دماء المسلمين وأموالهم وحريمهم الذين في بلادهم، ولا يقاتل إلا من كان معاونًا لهم.
ولا تجوز الإغارة على بلاد الشرق فإنهم مسلمون، كما أن أهل الشام مسلمون، ولكن يشهدهم العدو، كما قهروا أهل الشام لما دخلوا عليهم، فالواجب إنقاذهم من الدولة الخارجة عن الشريعة حتى يكون الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا، ويعمل بالكتاب والسنة بحسب الإمكان، كما خرج العسكر من مصر لإنقاذ بلاد الشام منهم لما استولوا عليها.
ومَنْ أغار على المسلمين وتعرَّض لدمائهم وأموالهم بغير حقِّها، فهو ظالمٌ معتد، ولا طاعة لمن يأمر بذلك، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله، والله سبحانه وتعالى أعلم)).

[جامع المسائل (7/ 435-440) لابن تيمية رحمه الله

فتأمل قوله :" والروافض يتكلَّمون بالشهادتين ويتظاهرون ببعض الإسلام، فقد أمر الله ورسوله بجهاد مَنْ هو خير منهم. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278 - 279]. والربا أحرم ما حرَّم الله في القرآن، وكان أهل الطائف قد أسلموا والتزموا الصيام والصلاة وسائر الشريعة، إلا أنهم قالوا: لا ندع الربا، فأمر الله بجهادهم، وأخبر أنهم يحاربون الله ورسوله.
فإن كانوا هؤلاء الذين لم ينتهوا عن الربا، قد أمر الله بمحاربتهم، مع أن الربا مالٌ يؤخذ برضا المتعاقدين، فكيف بمن يستحلُّ دماءَ المسلمين وأموالَهم، وإفساد دينهم ودنياهم؟ فطاعتهم ودين الإسلام لا يجتمعان"

ومما قاله صاحبا ما بعد السلفية :" قد يكون أحمدُ بن حنبل [إمام أهل السُّنة]من الفرقة الناجية في باب، والقاضي عبد الجبَّار [شيخ المعتزلة]من الفرقة الناجية في باب أو مسألةٍ، وكِلاهما من الفِرقة المتوعَّدة بالنار في أبوابٍ أخرى"

وهذه زندقة صرفة فكيف يكون المعتزلي القدري الجهمي المترفض الطاعن في الأحاديث كمثل إمام أهل السنة وكل منهما متوعد بالنار وموعود بالنجاة وهذا كلام فارغ يكفيك أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الناس إلى قسمين فرقة ناجية وفرق هالكة وقسيم الشيء لا يكون قسماً منه هذه بديهية، وهذا إيمان ببعض الحديث وترك البعض الآخر فالنبي ذكر أن الفرقة الناجية الجماعة وفي لفظ ( ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) ومعلوم أن طريقة المعتزلة محدثة ولا يوجد أحد من الاثنتين وسبعين فرقة إلا وهم يوافقون الفرقة الناجية ببعض مقالاتها فهذا الفهم تعطيل للحديث 

وقول أحمد سالم بأن الفرقة الناجية كمصطلح الإيمان الواجب لا بد فيه من موافقة النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء علماً وعملاً 

فهذه هنبثة لأن النجاة يوم القيامة يشترط فيها السلامة من موجبات العقوبة وأما موافقة النبي في جميع أحواله فهذا أمر لا يدركه أحد 

وقد علم بالاضطرار أن هناك وعيداً لأصحاب الكبائر الشهوانية وهم مقرون بغلطها أفلا يكون ثمة وعيد لأصحاب المعاصي الشبهاتية ومدخل الهوى فيه العظيم ويقال لمن يذاد عن الحوض ( إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) وقد ورد في الحديث ( شر الأمور محدثاتها )

وفي الحديث ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ) وهذا يكفر به أحمد سالم ويقول لا توجد طائفة ظاهرة في الحق تختص به دون غيرها ، وقد ادعى لنفسه الاختصاص بالحق دون غيره فلا بد أن يوجب أجراً لمن تبعه ووزراً لمن حاربه بالبغي والباطل ويكون حقيقة قوله ما هرب منه  

وقد صح عن علي أنه قال أنه يهلك فيه اثنان رجل يحبه ويغلو في حبه حتى يدخل النار ورجل يبغضه ويغلو في بغضه حتى يدخل النار _ هذا معنى الأثر _

والسؤال هنا : أليس هذا جائز التحقق في كل زمان ومكان ثم أليس من سلم من هاتين الضلالتين يكون ناجياً 

ومسألة علي فرد له نظائره في الشريعة 

أوليس حال المرء الغالبة هي الحاكمة عليه فلا يكون الفاسق المسرف في الكبائر كالمستقيم الذي وقعت منه كبيرة على جهة الزلل 

أليس يأتي يوم القيامة فساق يدخلون النار حتى يطهروا  ويأتي أناس تغلب حسناتهم سيئاتهم فلماذا لا يكون هذا في الضلالات الشبهاتية 

ومن يقول لا يوجد اليوم فرقة ناجية لأن مسمى الفرقة الناجية كالإيمان الواجب كالذي يقول اليوم لا يوجد عدول ! 

وفرقة لا تعني حزباً أهله مجتمعون كالإخوان وحزب النور بل قوم جمعهم اعتقاد مع تباعد أقطارهم  

وهذا القول سبقهم إلى بعضه عبيد الله بن الحسن العنبري فقام عليه الناس قومة عظيمة 

و قال ابن قتيبة فى اختلاف الحديث : لم نصير إلى عبيد الله بن الحسن العنبرى
فنهجم من قبيح مذهبه و شدة تناقض قوله على ما هو أولى مما أنكره ، و ذلك أنه
كان يقول : إن القرآن يدل على الاختلاف ، فالقول بالقدر صحيح و القول بالإجبار
صحيح ، و لهما أصل فى الكتاب ، فمن قال بهذا فهو مصيب ، و من قال بهذا فهو مصيب
، هؤلاء قوم عظموا الله ، و هؤلاء قوم نزهوا الله . و كان يقول فى قتال على
لطلحة و الزبير و قتالهما إياه : كله لله طاعة"

وقد رجع عن هذا
ولي إن شاء الله مجلس صوتي أعلق فيه تفصيلاً على مواطن من كتاب ( ما بعد السلفية ) 

ورفع الله درجات أئمة الإسلام يطعن فيهم الغلاة والجفاة ويخوضون ضدهم حملة منظمة وأكثرهم في مصر وإنا لله وإنا إليه راجعون 

 هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي