مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: من عيون أخبار السيرة : كل مصيبة بعدك جلل

من عيون أخبار السيرة : كل مصيبة بعدك جلل



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال ابن هشام في سيرته :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ، وَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُحُدٍ، فَلَمَّا نُعُوا لَهَا، قَالَتْ: فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا:
خَيْرًا يَا أُمَّ فُلَانٍ، هُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ كَمَا تُحِبِّينَ، قَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ؟ قَالَ:
فَأُشِيرَ لَهَا إلَيْهِ، حَتَّى إذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ جَلَلٌ! تُرِيدُ صَغِيرَةً قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْجَلَلُ: يَكُونُ مِنْ الْقَلِيلِ، وَمِنْ الْكثير، وَهُوَ هَا هُنَا مِنْ الْقَلِيلِ"

وذكر هذه القصة أيضاً عازياً إياها لابن إسحاق ابن المنذر في التفسير

وابن إسحاق عمدة في السير والمغازي فقد زكاه سفيان بن عيينة وقال أنه أعلم الناس بها

وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه :" ومحمد بن إسحاق رجل قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ منه، منهم: سفيان، وشعبة، وابن عيينة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وابن المبارك، وإبراهيم بن سعد.
وروى عنه: من الأكابر: يزيد بن أبي حبيب.
وقد اختبره أهل الحديث فرأوا صدقا وخيرا، مع مدحة ابن شهاب له، وقد ذاكرت دحيما قول مالك، يعني فيه، فرأى أن ذلك ليس للحديث إنما هو لأنه اتهمه بالقدر"

ومن أحسن ما قيل في الدفاع عنه ما روى الخطيب في تاريخه أَخْبَرَنِي الأزهري، قَالَ: حدثنا عبد الرحمن بن عمر الخلال، قَالَ: حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب، قَالَ: حدثنا جدي، قَالَ: سألت علي ابن المديني، عن ابن إسحاق، قلت: كيف حديث محمد بن إسحاق عندك صحيح؟ فقال: نعم، حديثه عندي صحيح، قلت له: فكلام مالك فيه؟ قَالَ علي: مالك لم يجالسه ولم يعرفه.
ثم قَالَ علي: ابن إسحاق، أي شيء حدث بالمدينة؟ قلت له: فهشام بن عروة قد تكلم فيه.
فقال علي: الذي قَالَ هشام ليس بحجة، لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها.
قَالَ: وسمعت عليا، يقول: إن حديث محمد بن إسحاق ليتبين فيه الصدق، يروي مرة حَدَّثَنِي أبو الزناد، ومرة  ذكر أبو الزناد، وروى عن رجل عمن سمع منه يقول: حَدَّثَنِي سفيان بن سعيد، عن سالم أبي النضر، عن عمر، صوم يوم عرفة، وهو من أروى الناس، عن أبي النضر، ويقول: حَدَّثَنِي الحسن بن دينار، عن أيوب، عن عمرو بن شعيب، في سلف وبيع، وهو من أروى الناس عن عمرو بن شعيب.

واستدلال ابن المديني على صدقه دقيق

فابن إسحاق أدرك شيوخاً سمعهم وروى عنهم ثم يروي عنهم بواسطة ويبين ذلك وينزل طبقة وطبقتين وهذا أمر لا يفعله إلا الصدوق المتحري

ولابن إسحاق مناكير احتملت له في سعة روايته فبينت ولم تسقطه  عامتها في الأحكام

وأما السيرة فهو رأس فيها

والرجال في هذه الرواية بعد ابن إسحاق ثقات

وإسماعيل بن محمد لم يدرك جده سعداً غير أن مثل هذا يحتمل في السير فيما بين الرجل وحفيده خصوصاً وإن إسماعيل معدود من فقهاء أهل بيت سعد

وقد احتمل المحدثون رواية أبي عبيدة عن أبيه ابن مسعود مع أنه لم يدركه

واحتمل مالك روايات الباقر عن علي وملأ بها الموطأ مع أنه لم يدركه ولكنه عالم بفقه جده

ورواية إسماعيل هنا عن جده أيسر من هذا كله لقرب الوصول وكون الرواية من روايات السير، ولو أرسلها إسماعيل لاحتملت فكيف وقد ذكر جده في السند والناس احتملوا في السير ما هو أضعف من هذا إن احتمل منه ولم يعارضه ما هو أقوى منه

وقصة هذه الصحابية الجليلة مؤثرة حقاً ، غير أن من رأى نبي الله صلى الله عليه وسلم ووقر الإيمان في قلبه لا يبعد عنه مثل هذا
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي