مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تعقيب على إحسان إلهي ظهير فيما ذكره عن إبراهيم بن أدهم ...

تعقيب على إحسان إلهي ظهير فيما ذكره عن إبراهيم بن أدهم ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فالكلام على نقد الطوائف لا بد أن يكون بعلم وعدل ، وما أقل هذا في الأعصار المتأخرة

ولا ينبغي لأحد في أي قضية من القضايا أن يكون مرجعه الدراسات العصرية

وكنت قديماً قد تصفحت دراسة إحسان إلهي ظهير عن التصوف ولاحظت فيها بعض الأغلاط وقدر الله علي أن أنظر في هذه الرسالة مرة أخرى فرأيت والله عجباً في موطن تكلم فيه عن إبراهيم بن أدهم

يقول إحسان إلهي ظهير في ص51 من كتابه الصوفية والتصوف :" وننقل هذه القصة من تذكرة صوفية قديمة (تذكرة الأولياء) لفريد اليدن العطار , مقتبسين ترجمتها العربية من صادق نشأت:
(إن إبراهيم بن أدهم كان ملكا لبلخ , وتحت إمرته عالم , وكانوا يحملون أربعين سيفا من الذهب وأربعين عمودا من الذهب من أمامه ومن خلفه , وكان نائما ذات ليلة على السرير , فتحرك سقف البيت ليلا , كأنما يمشي أحد على السطح , فنادى: من هذا .. ؟ فقال: صديق فقدت بعيرا أبحث عنه على هذا السقف , فقال: أيها الجاهل , أتبحث عن البعير فوق السطح ... ؟ فقال له: وأنت أيها الغافل تطلب الوصول إلى الله في ثياب حريرية وأنت نائم على سرير من ذهب ... ؟ فوقعت الهيبة في نفسه من هذا الكلام , واندلعت في قلبه نار , فلم يستطع النوم حتى الصباح , وعندما أشرق الصبح ذهب إلى الإيوان وجلس على السرير متحيرا مفكرا حزينا , ووقف أركان الدولة كل في مكانه واصطف الغلمان وأذنوا إذنا عاما , فدخل رجل مهيب من الباب بحيث لم يكن لأي أحد من الخدم أو الحشم الجرأة على أن يقول له من أنت , ولم ينبسوا ببنت شفه , وتقدم الرجل حتى واجه سرير إبراهيم , فقال له: ماذا تريد .. ؟ قال: أنزل في هذا الرباط , قال: ليس هذا برباط , إنما هو قصري , وإنك لمجنون , فقال: لمن كان هذا القصر قبل هذا؟ قال: كان لأبي , قال وقبل ذلك , قال: كان ملكا لجدي ... وقبل ذلك؟ قال: ملكا لفلان , قال: أو ليس الرباط هو ما يحل به أحد ويغادره الآخر .. ؟ قال هذا واختفى , وكان هو الخضر عليه السلام , فازدادت حرقة روح إبراهيم ولوعته , وازداد ألمه حدة نتيجة لهذه الحال , وازدادت هذه الحال من واحد إلى مائة ضعف , إذ أنه رأى أنه قد اجتمع ما شاهده نهارا مع ما وقع ليلا ولم يعرف مما سمع , ولم يعلم ماذا رأى اليوم , فقال: أسرجوا الجواد لأني أريد الذهاب للصيد , فقد حدث لي اليوم شيء لست أدري ما هو , فيا إلهي إلى أين تنتهي هذه الحال ... ؟ فأسرجوا له جوادا , وتوجه للصيد , فكان يتجول في البرية دهشا بحيث لم يعرف ماذا يفعل , فأنفصل عن جيشه وهو في تلك الحال من الدهش , فسمع صوتا في الطريق يقول له: انتبه , فانتبه , ولم يصغ إليه , وذهب وجاءه هذا النداء للمرة ثانية , فلم يعره سمعا للمرة الثالثة نفس ذلك النداء , فأبعد نفسه عنه , وسمع للمرة الرابعة من يقول: (انتبه قبل أن تنبه) ففقد صوابه تماما وفجأة ظهرت غزالة فشغل نفسه بها , فأخذت الغزالة تخاطبه قائلة: إنهم بعثوني لصيدك , وإنك لن تستطيع صيدي , ألهذا خلقت؟ أو بهذا أمرت؟ إنك خلقت للذي للذي تعمله وليس لك عمل آخر , فقال إبراهيم: ترى ما هذه الحال .... ؟
وأشاح بوجهه عن الغزالة , فأرتفع نفس ذلك الصوت الذي قد سمعه من الغزالة من قربوس السرج , فوقر في نفسه الخوف والفزع وأزداد كشفا , وحيث أن الحق تعالى أراد أن يتم الأمر ارتفع ذلك الصوت ثلاث مرات أخر من حلقة جيبه , وبلغ ذلك الكشف هنا حد الكمال , وأنفتح عليه الملكوت ونزل , وحصل له اليقين , فابتلت الملابس والجواد من ماء عينيه , وتاب توبة نصوحا , وانتحى ناحية من الطريق , فرأى راعيا يرتدي لبادا , وقد وضع قلنسوة من اللباد على رأسه , وأمامه الأغنام وأخذ منه اللباد ولبسه ووضع قلنسوة اللباد على رأسه وطفق يسير راجلا في الجبال والبراري هائما على وجهه ينوح من ذنوبه , ثم غادر المكان إلى أن بلغ نيسابور , فأخذ يبحث عن زاوية خالية يتعبد فيها حتى وصل إلى ذلك الغار المعروف واعتكف فيه تسعة أعوام.

ومن ذا الذي يعلم ما كان يفعله هناك في الليل والنهار , إنه ينبغي أن يكون رجلا عظيما ذا مادة واسعة حتى يستطيع الإقامة في مثل ذلك المكان , وصعد إبراهيم يوم خميس إلى ظاهر الغار وجمع حزمة حطب واتجه في الصباح إلى نيسابور حيث باعها , وصلى الجمعة واشترى بثمن الحطب خبزا , وأعطى نصفه لفقير وتناول النصف الآخر , وأتخذ منه إفطاره وداوم صيامه حتى الأسبوع التالي , وبعد أن وقف الناس على شأنه هرب من الغار وتوجه إلى مكة , وقيل أنه بقي أربعة عشر عاما يطوي البادية حيث كان يصلي ويتضرع طوال الطريق حتى أشرف على مكة , وروي أنه كان له طفل رضيع عند مغادرته بلخ , ولما أيفع طلب من أمه أباه , فقصت له الأم الحال قائلة: إن أباك قد تاه , ونقل عنه أنه قال: عندما كنت أسير في البادية متوكلا , ولم أتناول شيئا مدة ثلاثة أيام جاءني إبليس وقال: أنت ملك , وتركت هذه النعمة لتذهب جائعا إلى الحج ... ؟ لقد كان بمقدورك الحج بعز وجلال حتى لا يصيبك كل هذا الأذى , قال: عندما سمعت هذا الكلام منه رفعت صوتي وقلت: إلهي ‍‍!! سلطت العدو على الصديق حتى يحرقني فأغثني حتى أستطيع قطع هذه البادية بعونك , فسمعت صوتا يقول: يا إبراهيم ‍! ألق ما في جيبك حتى تكشف ما هو في الغيب فمددت يدي إلى جيبي فوجدت أربعة دوانيق فضية كانت قد بقيت منسية , ولما رميتها جفل إبليس مني وظهرت قوة من الغيب) (1).

وورد ذكره وحكايته أيضا في (طبقات الصوفية) للسلمي (2) ... .
وفي (حلية الأولياء) للأصبهاني (3).
وفي (الرسالة) للقشيري (4).
وفي (جمهرة الأولياء) للمنوفي الحسيني (5).
وفي (نفحات الأنس) للجامي (6).
وفي (طبقات الأولياء) لابن الملقن المتوفى 804 هـ (7).
وفي (الطبقات الكبرى) للشعراني (8).

فهذه هي قصة إبراهيم بن أدهم , وفيها ما فيها من ترك الأهل والزوج والولد بدون جريمة إرتكبوها , وإثم اقترفوه , خلافا لأوامر القرآن وإرشادات الرسول صلى الله عليه وسلم , المشهورة المعروفة شبها ببوذا , وهاهي خلاصة قصته:

(وكانت قبيلة ساكياس تقطن في شمال بنارس , وهي التي ولد فيها أواسط القرن السادس قبل الميلاد , وقد مات في سنة 478 قبل الميلاد بعد أن عمر ثمانين عاما. وتزوج بوذا في سن التاسعة عشرة ابنة عمه , وكان في رغد وسعادة. وبينما كان يسير يوما إلى الصيد وهو في التاسعة والعشرين شاهد رجلا قد بلغ من كبر سنه منتهى الضعف والعجز , ورأى في وقت آخر شخصا مبتلى بمرض استعصى علاجه ويحتمل الآلام وبعد مدة أخرى تأثر واشمأز لرؤية منظرا كريها لجثة في حالة من الفساد , وكان خادمه وصاحبه الوفي المسمى (جانا) يذكره وينبهه في كل هذه الحالات ويقول له: (هذا هو مصير حياة البشر) وشاهد بوذا أحد النساك يمر عليه وهو في منتهى الراحة والأبهة والكرامة فسأل جانا ما حال هذا الرجل .. ؟ فحكى له جانا تفصيلا عن أخلاق الزهاد الذين أعرضوا عن كل شيء وعن أحوالهم , وقال له: إن هؤلاء الجماعة في سير وأرتحال دائم وهم يعلمون الناس أثناء سياحتهم ورحلاتهم تعاليم هامة بالقول والعمل.
والخلاصة أنه برغم إختلاف الروايات لا شك في أن ذهن هذا الأمير الشاب قد أخذ يضطرب تدريجيا وينفر من الحياة وضوضائها.

ووفد عليه رسول يوما في أثناء أزماعه العودة من النزهة وبشره بميلاد ولد هو أول مولود له , فقال بوذا لنفسه في تلك الحالة النفسية المضطربه دون أن يشعر: (ما هي ذي رابطة جديدة تربطني بالدنيا). والخلاصة أنه عاد إلى المدينة بينما كان المطربون يلتفون حوله. فطرب ورقص في تلك الليلة أقاربه وذوو رحمه فرحا بالمولود الجديد. لكن بوذا كان من الامتعاض والاضطراب بحيث لم يكترث بتلك الأوضاع أبدا. وأخيرا نهض من فراشه في آخر الليل كمن التهمت النار داره وأوعز إلى جانا أن يحضر له الفرس ومد رأسه في هذه الأثناء إلى غرفة زوجته وولده الوحيد من غير أن يوقظهما وعلى العتبة أخذ على نفسه عهدا ألا يعود إلى داره ما لم يصبح (بوذا) أي (حكيما مستنيرا) وقال:
(أذهب لأعود إليكم معلما وهاديا لا زوجا ووالدا) والخلاصة أنه خرج مع جانا وهام في البراري , وفي هذه اللحظة ظهر في السماء (مارا) أي الوسواس الكبير (إبليس أو النفس الأمارة) ووعده بالملك والعز في الدنيا بأسرها لكي يرجع عن عزمه لكنه لم يقع في شرك الوسوسة. فسار بوذا قليلا في تلك الليلة على شاطئ النهر ثم وهب لجانا جوهره وملابسه الفاخره وأعاده ومكث سبعة أيام بلياليها في غابة ثم التحق إلتحق بخدمة برهمي يدعى (الارا) كان في تلك البقعة وأختار بعد ذلك صحبة برهمي آخر يسمى (أودراكا) وتعلم من هذين الرجلين حكمة وعلوم الهند كلها , ولكن قلبه لم يستقر بعد فذهب إلى غابة كانت في أحد الجبال , وهناك صحب خمسة من التلاميذ الذين كانوا يحيطون به ومارس التوبة والرياضات الشاقة ست سنين حتى اشتهر في تلك الناحية , فاعتزم لهذا أن يهجر ذلك المكان ولما قام ليذهب سقط على الأرض لشدة ضعفه وعجزه , وغاب عن وعيه بحيث ظن تلاميذه أنه فارق الحياة , ولكنه عاد إلى رشده فترك الرياضات الشاقة منذ ذلك الحين وأخذ يأكل طعامه بانتظام , ولما رأى التلاميذ الخمسة الذين كانوا في صحبته أنه مل من الرياضة نفضوا أيديهم من إحترامه وتركوه وذهبوا بنارس.

أما بوذا فإنه ترك ملذات الدنيا وثروتها والمقام فيها حتى ينال الضمير والطمأنينة عن طريق التعلم والفلسفة وحكمة الآخرين فلم يستطع أن ينال بتلك الرياضة والتوبة طمأنينة القلب التي كان يصبوا إليها والحاصل أنه بقي حيران في أمره ذاهلا وفي نفس ذلك اليوم الذي تفرق فيه عن تلامذته مكث بوذا تحت شجرة يتأمل ويفكر في نفسه , ماذا يعمل ... ؟ وأي طريق يتبع .. ؟ وهاجمته وساوس كثيرة وتاقت نفسه إلى الزوجة والولد والجاه والثروة والترف والنعيم , واستمر هذا الكفاح والجهاد مع النفس حتى غروب الشمس. ونتيجة لهذا الكفاح اتصل (بنير فانا) وتأكد لديه أنه أصبح (بوذا) أي أنه نال الإشراق واستنار , وحينئذ نال بوذا ما كان يصبو إليه من الراحة والطمأنينة. لذلك عزم أن يمارس الإرشاد. وأن يعرض رغبته على الآخرين , وكان بوذا وقتئذ في الخامسة والثلاثين من عمره فقصد في بادئ الأمر أستاذيه (الارا) و (أودراكا) ولكنه علم بعد , بأنهما قد توفيا , فذهب إلى تلامذته الخمسة من بنارس وأرشدهم وجعلهم من أتباعه , وآمن به أبوه وأمه وزوجته كذلك , ثم أمر زمرة من خواص مريديه أن يقوموا بإرشاد الناس) (1) ... .

فهذه هي خلاصة قصة بوذا , وهي عين ما ذكره الصوفية عن إبراهيم بن أدهم ابن الأمير البلخي الذي طلق الدنيا وتزيّا بزيّ الدراويش , وبلغ درجة أكابر الصوفية برياضته الطويلة , وتلك صورة طبق لأصل لما كانوا قد سمعوه عن حياة بوذا (2).

ثم علّق عليه الدكتور قاسم غني الباحث الإيراني بقوله: (وحدس (جولدزيهر) يمكن أن يكون صحيحا وهو من الأحتمالات القريبة من الواقع , وقد شوهدت لها نظائر كثيرة - إلى أن قال -: وإذا ما قارن أحد بين قصة بوذا كما وردت في مدونات البوذيين بقصة إبراهيم بن أدهم ذات الطابع الأسطوري , الواردة في كتب تراجم العارفين مثل (حلية الأولياء) للأصفهاني , و (تذكرة الأولياء) للشيخ العطار وجد شبها عجيبا بين تلك القصتين يستلف نظرة).

هذا وهناك أقوال لإبراهيم بن أدهم وغيره من كبار الصوفية وأقطابهم في الزواج والأولاد تخبر بجلاء عن مواردها ومنابعها , فها هي تلك الأقوال من أهم كتب الصوفية:
ينقل الطوسي والعطار عن إبراهيم بن أدهم أنه قال:
(إذا تزوج الفقير فمثله مثل رجل قد ركب السفينة , فإذا ولد له ولد قد غرق)

ونقل السهروردي عنه أنه قال: (من تعود أفخاذ النساء لا يفلح)"

أقول : هذا الفصل فيه أكاذيب عديدة وقع فيها إحسان إلهي ظهير بسبب تقليده للمستشرق الكذاب جولتسيهر

فهذا الفصل خلاصته أن إبراهيم بن أدهم كان ملكاً وكانت رحلة توبته مقسمة على رؤيا رآها ثم دخول الخضر عليه ثم مخاطبة غزالة له وانتهى به الأمر إلى اعتكف في مغارة تسع سنوات !!

ثم إن الشيخ إحسان عفا الله عنه ادعى وجود هذه القصة في حلية الأولياء لأبي نعيم وطبقات الصوفية للسلمي ! والرسالة القشيرية !

وهذا كذب ورب الكعبة !

فلا وجود لهذه القصة في هذه الكتب الثلاثة وما أعلم عن البقية وإليك قصة إبراهيم بن أدهم في حلية الأولياء لأبي نعيم

قال أبو نعيم في الحلية (7/368) : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ بَشَّارٍ، - وَهُوَ خَادِمُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ يَقُولُ: قُلْتُ: " يَا أَبَا إِسْحَاقَ، كَيْفَ كَانَ أَوَائِلُ أَمْرِكَ حَتَّى صِرْتَ إِلَى مَا صِرْتَ إِلَيْهِ , قَالَ: غَيْرُ ذَا أَوْلَى بِكَ , فَقُلْتُ لَهُ: هُوَ كَمَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللهُ , وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهِ يَوْمًا , فَسَأَلْتُهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: وَيْحَكَ اشْتَغِلْ بِاللهِ , فَسَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ , إِنْ رَأَيْتَ قَالَ: كَانَ أَبِي مِنْ أَهْلِ بَلْخٍ , وَكَانَ مِنْ مُلُوكِ خُرَاسَانَ , وَكَانَ مِنَ الْمَيَاسِرِ , وَحُبِّبَ إِلَيْنَا الصَّيْدُ , فَخَرَجْتُ رَاكِبًا فَرَسِي , وَكَلْبِيَ مَعِي , فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ فَثَارَ أَرْنَبٌ أَوْ ثَعْلَبٌ , فَحَرَّكْتُ فَرَسِي , فَسَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ وَرَائِي: لَيْسَ لِذَا خُلِقْتَ , وَلَا بِذَا أُمِرْتَ , فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً فَلَمْ أَرَ أَحَدًا , فَقُلْتُ: لَعَنَ اللهُ إِبْلِيسَ , ثُمَّ حَرَّكْتُ فَرَسِي , فَأَسْمَعُ نِدَاءً أَجْهَرَ مِنْ ذَلِكَ: يَا إِبْرَاهِيمُ , لَيْسَ لِذَا خُلِقْتَ , وَلَا بِذَا أُمِرْتَ , فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً فَلَا أَرَى أَحَدًا , فَقُلْتُ: لَعَنَ اللهُ إِبْلِيسَ , ثُمَّ حَرَّكْتُ فَرَسِي , فَأَسْمَعُ نِدَاءً مِنْ قُرْبُوسِ سَرْجِي: يَا إِبْرَاهِيمُ , مَا لِذَا خُلِقْتَ , وَلَا بِذَا أُمِرْتَ , فَوَقَفْتُ فَقُلْتُ: أَنَبْتُ , أَنَبْتُ , جَاءَنِي نَذِيرٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وَاللهِ لَا عَصَيْتُ اللهَ بَعْدَ يَوْمِي ذَا , مَا عَصَمَنِي رَبِّي , فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي فَخَلَّيْتُ عَنْ فَرَسِي، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رُعَاةٍ لِأَبِي , فَأَخَذْتُ مِنْهُمْ جُبَّةً، وَكِسَاءً , وَأَلْقَيْتُ ثِيَابِي إِلَيْهِ , ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى الْعِرَاقِ , أَرْضٌ تَرْفَعُنِي , وَأَرْضٌ تَضَعُنِي , حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى الْعِرَاقِ , فَعَمِلْتُ بِهَا أَيَّامًا , فَلَمْ يَصْفُ لِي مِنْهَا شَيْءٌ مِنَ الْحَلَالِ , فَسَأَلْتُ بَعْضَ الْمَشَايخِ عَنِ الْحَلَالِ , فَقَالُوا لِي: إِذَا أَرَدْتَ الْحَلَالَ فَعَلَيْكَ بِبِلَادِ الشَّامِ , فَصِرْتُ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ , فَصِرْتُ إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا الْمَنْصُورَةُ - وَهِيَ الْمِصِّيصَةُ - فَعَمِلْتُ بِهَا أَيَّامًا , فَلَمْ يَصْفُ لِي شَيْءٌ مِنَ الْحَلَالِ , فَسَأَلْتُ بَعْضَ الْمَشَايخِ فَقَالُوا لِي: إِنْ أَرَدْتَ الْحَلَالَ الصَّافِيَ فَعَلَيْكَ بِطَرَسُوسَ , فَإِنَّ فِيهَا الْمُبَاحَاتِ وَالْعَمَلَ الْكَثِيرَ , فَتَوَجَّهْتُ إِلَى طَرَسُوسَ , فَعَمِلْتُ بِهَا أَيَّامًا أَنْظُرُ الْبَسَاتِينَ , وَأَحْصِدُ الْحَصَادَ , فَبَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ عَلَى بَابِ الْبَحْرِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَاكْتَرَانِي أَنْظُرُ لَهُ بُسْتَانَهُ , فَكُنْتُ فِي بَسَاتِينَ كَثِيرَةٍ , فَإِذَا أَنَا بِخَادِمٍ قَدْ أَقْبَلَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ , فَقَعَدَ فِي مَجْلِسِهِ ثُمَّ صَاحَ: يَا نَاظُورُ , فَقُلْتُ: هُوَ ذَا أَنَا , قَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنَا بِأَكْبَرِ رُمَّانٍ تَقْدِرُ عَلَيْهِ [ص:369] وَأَطْيَبِهِ , فَذَهَبْتُ فَأَتَيْتُهُ بِأَكْبَرِ رُمَّانٍ , فَأَخَذَ الْخَادِمُ رُمَّانَةً فَكَسَرَهَا فَوَجَدَهَا حَامِضَةً , فَقَالَ لِي: يَا نَاظُورُ أَنْتَ فِي بُسْتَانِنَا مُنْذُ كَذَا، تَأْكُلُ فَاكِهَتِنَا , وَتَأْكُلُ رُمَّانَنَا لَا تَعْرِفُ الْحُلْوَ مِنَ الْحَامِضِ؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: قُلْتُ: وَاللهِ مَا أَكَلْتُ مِنْ فَاكِهَتِكُمْ شَيْئًا , وَمَا أَعْرِفُ الْحُلْوَ مِنَ الْحَامِضِ , فَأَشَارَ الْخَادِمُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَا تَسْمَعُونَ كَلَامَ هَذَا؟ ثُمَّ قَالَ: أَتُرَاكَ لَوْ أَنَّكَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ مَا زَادَ عَلَى هَذَا , فَانْصَرَفَ , فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ ذَكَرَ صِفَتِي فِي الْمَسْجِدِ , فَعَرَفَنِي بَعْضُ النَّاسِ , فَجَاءَ الْخَادِمُ وَمَعَهُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ , فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَدْ أَقْبَلَ مَعَ أَصْحَابِهِ اخْتَفَيْتُ خَلْفَ الشَّجَرِ , وَالنَّاسُ دَاخِلُونَ , فَاخْتَلَطْتُ مَعَهُمْ وَهُمْ دَاخِلُونَ وَأَنَا هَارِبٌ، فَهَذَا كَانَ أَوَائِلَ أَمْرِي وَخُرُوجِي مِنْ طَرَسُوسَ إِلَى بِلَادِ الرِّمَالِ.

أقول : فهذه القصة تختلف عن القصة الآنفة بعدة أمور

أولها : أن فيها أن إبراهيم كان ابن ملك وليس ملكاً

ثانياً : لا وجود لذكر أبهة الملك ولا الخضر ولا مخاطبة الغزالة له

ثالثاً : لا وجود لأمر الاعتزال في الغار بل فيها أنه كان يعمل ويطلب المال الحلال

رابعاً : لا وجود لذكر هجره لزوجته وولده أو أنه كان له زوجة وولد أصلاً

خامساً : لا وجود لذكر خطابه مع إبليس

وهذه القصة ذكر نحواً منها السلمي في الطبقات والقشيري في الرسالة

فإذا علمت هذا علمت بطلان المقارنة بين بوذا وإبراهيم بن أدهم فشتان بين الرجلين

وقد ظلم إحسان إلهي ظهير إبراهيم بن أدهم في أمر الزواج فالرجل لم يكن يدعو للتبتل بل كان يثني على من عنده ولد ينفق عليه

قال أبو نعيم في الحلية (8/21) : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدَ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ النَّيْسَابُورِيُّ , ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّامِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ بَقِيَّةَ , يُحَدِّثُ فِي مَسْجِدِ حِمْصٍ , قَالَ: جَلَسَ إِلَيَّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ , فَقُلْتُ: أَلَا تَتَزَوَّجُ قَالَ: " مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ غَرَّ امْرَأَةً مَسْلِمَةً وَخَدَعَهَا , قُلْتُ: مَا يَنْبَغِي هَذَا قَالَ: فَجَعَلْتُ أُثْنِي عَلَيْهِ فَقَالَ: أَلَكَ عِيَالٌ؟ قُلْتُ: بَلَى , قَالَ: رَوْعَةٌ تُرَوَّعُكَ عِيَالُكَ أَفْضَلُ مِمَّا أَنَا فِيهِ "

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنِ عُمَرَ , ثنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ , ثنا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ، ثنا أَبُو إِبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ , ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ , قَالَ: صَحِبْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ فِي بَعْضِ كُوَرِ الشَّامِ وَهُوَ يَمْشِي وَمَعَهُ رَفِيقَهُ فَانْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ فِيهِ مَاءٌ وَحَشِيشٌ فَقَالَ لِرَفِيقِهِ: أَتَرَى مَعَكَ فِي الْمِخْلَاةِ شَيْءً , قَالَ: مَعِي فِيهَا كِسَرٌ فَنَثَرَهَا فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَأْكُلُ , فَقَالَ لِي: يَا بَقِيَّةُ ادْنُ فَكُلْ قَالَ: فَرَغِبْتُ فِي طَعَامِ إِبْرَاهِيمَ فَجَعَلْتُ آكُلُ مَعَهُ , قَالَ: ثُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ تَمَدَّدَ فِي كِسَائِهِ فَقَالَ: يَا بَقِيَّةُ مَا أَغَفْلَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَنَّا مَا فِي الدُّنْيَا أَنْعَمَ عَيْشًا مِنَّا , مَا أَهْتَمُّ بِشَيْءٍ إِلَّا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا بَقِيَّةُ لَكَ عِيَالٌ قُلْتُ: إِي وَاللهِ يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ لَنَا لَعِيَالًا قَالَ: فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْبَأْ بِي فَلَمَّا رَأَى مَا بِوَجْهِي , قَالَ: وَلَعَلَّ رَوْعَةَ صَاحِبِ عِيَالٍ أَفْضَلَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ " حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ بَقِيَّةَ نَحْوَهُ مُخْتَصَرًا

وقال ابن أبي الدنيا في العيال 29 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ زِيَادٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: الْحَدِيثُ قَالَ: مَتَى عَهْدُكَ بِي فَإِنِّي أُحِبُّ الْحَدِيثَ؟ قُلْتُ: زَوِّدْنِي حَدِيثًا وَاحِدًا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو ثَابِتٍ وَلَوْ رَأَيْتَ أَبَا ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَسْبِي خَالِقِي مِنْ خَلْقِهِ حَسْبِي دِينِي مِنْ دُنْيَايَ» ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، لَكَ عِيَالٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ ، قَالَ: لَرَوْعَةٌ تُرَوِّعُكَ ابْنَتُكَ أَوْ زَوْجَتُكَ تَقُولُ الْخُبْزُ وَالْخُبْزُ فِي السَّلَّةِ إِلَى أَنْ تَأْخُذَهُ فَتَنَاوَلَهَا إِيَّاهُ أَنْتَ فِيهِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِمَّا تَرَانِي فِيهِ قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ قَالَ: الضَّعْفُ.

فها هو يحث الناس على الزواج والإنجاب ويرى نفسه ضعيفاً عن هذا الأمر ويثني على المنفق على ولده بأنه خير منه

وأما الخبر الذي ذكره في مسألة تزوج الفقير عن إبراهيم فهذا قول سفيان الثوري في عموم الرجال وله توجيه

قال الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 66 - نا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النَّجَّادُ، نا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُورٍ الْحَارِثَ بْنَ مَنْصُورٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: «إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ رَكِبَ الْبَحْرَ، فَإِذَا وُلِدَ لَهُ كُسِرَ بِهِ»

67 - وأنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْوَاعِظُ، أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَدَّلُ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خُبَيْقٍ، نا يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ، قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: " كَانَ يُقَالُ: مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدْ رَكِبَ الْبَحْرَ، فَإِذَا وُلِدَ لَهُ فَقَدْ كُسِرَ بِهِ "

وسفيان نفسه كان متزوجاً وعنده أولاد وكان يحث على النفقة على الأولاد ويقول ( الكسب الحلال عمل الأبطال )

وإنما مثل هذا الأثر توجيهه حكاية أحوال الناس وأن أحدهم لا يصبر على طلب العلم وتحصيل المعالي مع وجود الزوجة والأولاد وهذا حال أغلب الناس ، فهذا ليس ذماً للزواج وإنما ذم لحال الناس مع الزواج وفرق بين الأمرين

ومثل هذا آثار السلف في ذم القضاء بل ورد حديث مرفوع ( من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين ) وهذا ذم باعتبار الأكثر من أحوال الناس وإلا لا بد للناس من قاض ولكن ما أندر العدل على الناس

ومثل هذا في الأثر الوارد في تعود أفخاذ النساء فهذه كناية عن الإقبال الكلي على أمر الشهوة وحقاً من كان كذلك لا يفلح وإنما الفلاح بالاقتصاد وهذا كذم الإكثار من الطعام والشراب  ولهذا كان كثير من المحدثين يروون هذه الآثار ولا يستشكلونها

ولا يختلف علماء السلف في الثناء على إبراهيم بن أدهم

قال ابن معين : عابد ثقة .
و قال ابن نمير و العجلى : ثقة .
و قال ابن حبان فى " الثقات " : كان صابرا على الجهد و الفقر ( فى الأصل : الفقه ، والتصويب من " الثقات " ) و الورع الدائم و السخاء الوافر إلى أن مات فى بلاد الروم سنة إحدى و ستين .
ثم روى عن أبى الأحوص قال : رأيت من بكر بن وائل خمسة ما رأيت مثلهم فذكره فيهم .
و قال أحمد فى " الزهد " : سمعت سفيان بن عيينة يقول : رحم الله أبا إسحاق يعنى إبراهيم بن أدهم قد يكون الرجل عالما بالله ليس يفقه أمر الله . اه
قال النسائى : ثقة مأمون أحد الزهاد .
و قال أبو عبد الرحمن السلمى النيسابورى : سألت الدارقطنى عنه ، فقال : إذا روى عنه ثقة ، فهو صحيح الحديث .
و قال عباس الدورى عن يحيى بن معين : إبراهيم بن أدهم ، رجل من العرب من بنى عجل .
و قال البخارى : قال لى قتيبة : هو تميمى كان بالكوفة ، و يقال له : العجلى كان بالشام .
و قال المفضل بن غسان الغلابى : أخبرنى أبو محمد اليمامى : أن إبراهيم بن أدهم خرج مع جهضم من خراسان ، هرب من أبى مسلم . فنزل الثغور و هو رجل من بنى عجل .
و قال يعقوب بن سفيان : إبراهيم بن أدهم عربى كان ينزل خراسان ، فتحول إلى الشام ، و هو من الخيار الأفاضل .
و قال أبو زرعة الدمشقى فى ذكر نفر أهل فضل و زهد : منهم إبراهيم بن أدهم .
و قال أبو عبد الله بن مندة الحافظ : إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر بن ثعلبة بن سعد بن حلام بن غزية بن أسامة بن ربيعة بن ضبيعة بن عجل بن لجيم . نسبه إبراهيم بن يعقوب عن محمد بن كناسة .
و روى عن إبراهيم بن شماس قال : سمعت الفضل بن موسى يقول : حج أدهم أبو إبراهيم بأم إبراهيم بن أدهم و كانت به حبلى ، فولدت إبراهيم بمكة ، فجعلت تطوف به على الخلق فى المسجد و تقول : ادعوا لابنى أن يجعله الله رجلا صالحا .

وما يذكر عنه في كتب متأخري الصوفية لا ينبغي أن يكون معياراً في الحكم على الرجل لأن عامته لا يصح إن انفرد عن كتب الأوائل

وأما ما يذكر عنه أنه قال :" إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لِلَّهِ وَلِيًّا وَهُوَ لَكَ مُحِبًّا فَدَعِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ وَلَا تَرْغَبَنَّ فِيهِمَا وَفَرِّغْ نَفْسَكَ مِنْهُمَا وَأَقْبِلْ بِوَجْهِكَ عَلَى اللَّهِ يُقْبِلِ اللَّهُ بِوَجْهِهِ عَلَيْكَ وَيَلْطُفْ بِكَ"

فهذا في سنده السلمي المتهم بالكذب وفي سنده مبهم

والعجيب أن هذه الكلمة التي لا يتكلم بها رجل صالح لأن فيها دعوة لترك الآخرة ! ذكرها عبد الكريم بن صالح الحميد مقراً لها ! في كتابه منازل الحور العين ! ص82 وينبغي عليه التوبة من هذا الأمر

والعجيب أن إبراهيم بن أدهم مع اتفاق الأوائل على الثناء على زهده يتحاذق المتأخرون عليه ويتحاملون وأما أبو حنيفة صاحب الرأي الذي جرحه الأوائل وتكلموا في فقهه وحديثه وعقيدته فهو محل تعظيم خارج عن الحد فسبحان الله 
 

ونظير هذا جرأتهم على كعب الأحبار وجرأتهم على بعض الصحابة الذين نسب إليهم كذباً المشاركة في قتل عثمان كعمرو بن الحمق الخزاعي كما فعل محب الدين الخطيب في تعليقه على العواصم

والمأخذ العظيم على رسالة إحسان أنه صدق ما ينقل متأخري الصوفية عن رجال صالحين ثم أطلق لسانه في أولئك الصالحين وهذا غلط  

وبعض ما ينقل صحيح عن أقوام فجرة والصوفية يخلطون بين الصالح والطالح إذا ذكروا متبوعيهم كما يفعل أهل الكلام والصالحون بريئون منهم جميعاً  

كما أن إحسان استسلم لأكاذيب المستشرقين استسلاماً مذلاً 

فقال إحسان :"  ثم وبعد ذكر هذه العبارات كتب نيكلسون ما خلاصته: (أن ذا النون كان كثير العكوف على دراسة النقوش البصرية المكتوبة على المعابد وحل رموزها , كما كانت مصر القديمة في نظر المسلمين مهد علوم الكيمياء والسحر وعلوم الأسرار , وكان هو من أصحاب الكيمياء والسحر مع أن الإسلام حرم السحر , ولذلك ستره بلباس الكرامات , ومن هنا بدا تأثير السحر في التصوف , ويؤيد ذلك استخدام ذي النون الأدعية السحرية واستعماله البخور لذلك كما ذكره القشيري في رسالته"

وهذا كذب بارد لا أمارة عليه من الحق

ومما يذكر لإبراهيم بن أدهم أنه كان يكره لبس الصوف 

قال أبو نعيم في الحلية (7/380) :  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، ثنا ضَمْرَةُ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ إِبْرَاهِيمَ، بِصُورَ فِي بَيْتِهِ , قَالَ: وَكَانَ يَحْصُدُ , وَكَانَ سُلَيْمَانُ أَبُو إِلْيَاسَ جَالِسًا عَلَى الْبَابِ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ , فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا سُلَيْمَانُ , ادْخُلْ ادْخُلْ لَا يَمُرُّ بِكَ إِنْسَانٌ فَيَظُنُّ أَنَّكَ سَائِلٌ فَيُعْطِيَكَ شَيْئًا "

وما أسوأ المواطن لإحسان إلهي ظهير قوله في دراسته الثانية عن التصوف والذي قدم لها اللحيدان :"  هذا ويذكر الدريني عن صوفي مشهور ملقب بمسروق أنه حج فما نام قط إلا ساجدا (2). أهذه مفخرة أم زيادة على اكتاب والسنة؟"

مشروق هذا ليس صوفياً وإنما هو تابعي مخضرم كان مولى لعائشة وهو من كبار فقهاء التابعين وفعله هذا رواه الأئمة على جهة الإعجاب وقد كان يفعله والصحابة متوافرون 

قال ابن أبي شيبة في المصنف 34866 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: «حَجَّ مَسْرُوقٌ فَمَا نَامَ إِلَّا سَاجِدًا»

وهذا من شدة تعلقه بالصلاة فكان يقوم الليل في حجة مستفيداً من أفضلية المكان وتطلب نفسه النوم ولكنه يلتذ بالصلاة فما يشعر إلا وهو نائم في الصلاة ، نعم ورد الخبر في النهي عن صلاة الرجل وهو نعسان حتى يعقل ما يقول وفعل مسروق يحمل على أنه كان يعقل ولكنه يطيل في السجود حتى يدركه النعاس وقد كان نشيطاً في القيام
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي