مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: من أسباب سقوط الأندلس بيد النصارى وبغداد بيد التتر

من أسباب سقوط الأندلس بيد النصارى وبغداد بيد التتر



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فمن أعظم النكسات التي مرت بها الأمة حادثة سقوط الأندلس بيد النصارى وحادثة سقوط بغداد بأيدي التتر ، والله عز وجل له في كل شيء حكمة وهو سبحانه أحب إليه تسلط الكفار على أهل الإيمان بعد فسق أهل الإيمان ليؤوبوا ويعودوا إلى ربهم من أن ينتصر أهل الإيمان على أهل الكفر والكبر يملأ قلوبهم ، وقد أذهب الله عز وجل عن بني إسرائيل الذل الذي سامهم إياه فرعون باتباعهم لموسى فلما بلغوا من الفجور حتى قتلوا نبي الله يحيى بن زكريا سلط عليهم ملكاً كافراً كفرعون وهو بختنصر فيكون الأمر عقوبة للقريب من التوحيد واستدراجاً للكافر المريد

والصحابة رضوان الله عليهم خير هذه الأمة وأعظمها جهاداً وما كان الفسق قريباً لهم بحال غير أن ما فعله الرماة يوم أحد من معصية أمر الرسول كان له أثره في الهزيمة ، ولما أعجبتهم كثرتهم يوم حنين أدبهم رب العالمين بإدالة الكفار عليهم حتى إذا راجعوا أنفسهم كانت لهم الغلبة

قال القرطبي صاحب التفسير في كتابه الإعلام بما في دين النصارى من الأوهام ص339 :" وحسبك شَاهدا على ذَلِك فتح هَذِه الجزيرة الأندلسية على يَدي جمَاعَة من الْعَرَب قَلِيل عَددهمْ وعددهم كثير دينهم ومددهم على أعداد من النَّصَارَى لَا تحصى وجنود لَا تستقى وَلَكِن صدق الله عَبده وأنجز وعده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده فأمكنهم الله مِنْكُم وأظهرهم عَلَيْكُم فأجدادكم عِنْدهم بَين أَسِير وقتيل وَتَحْت صغَار الْجِزْيَة ذليل وأصدق شَاهد على ظُهُور دين الْإِسْلَام على دينكُمْ وَجَمِيع الْأَدْيَان غلبتهم على بَيت حَجكُمْ وَمَوْضِع قرابينكم الْمُعظم وَالْمَسْجِد المكرم بَيت الْمُقَدّس حَيْثُ أَرَادَ الله أَن يطهره من رذائلكم وينزهه عَن جهالاتكم وخبائثكم فافتتحه الْمُسلمُونَ وَظهر دين الله على الدّين كُله وَلَو كره الْكَافِرُونَ"

فهذا هو حال فاتحي الأندلس فما حال الذين ضيعوها ؟

قال ابن حزم الأندلسي في الرد على ابن النغريلة اليهودي :" اللهم إنا نشكو إليك تشاغل أهل الممالك من أهل ملتنا بدنياهم عن إقامة دينهم، وبعمارة قصور يتركونها عما قريب عن عمارة شريعتهم اللازمة لهم في معادهم ودار قرارهم، وبجمع أموال ربما كانت سبباً إلى انقراض أعمارهم وعوناً لأعدائهم عليهم، وعن حياطة ملتهم [بها] عزوا في عاجلتهم وبها يرجون الفوز في آجلتهم حتى استشرف لذلك أهل القلة  والذمة، وانطلقت ألسنة أهل الكفر والشرك بما لو حقق النظر أرباب الدنيا لاهتموا بذلك ضعف همنا، لأنهم مشاركون لنا فيما يلزم الجميع من الامتعاض للديانة الزهراء والحمية للملة الغراء، ثم هم متردون بما يؤول إليه إهمال هذا الحال من فساد سياستهم والقدح في رياستهم، فللأسباب أسباب، وللمداخل إلى البلاء أبواب، والله اعلم بالصواب"

فهذا من البلاء وهو التسامح مع الكفار والزنادقة وتركهم مع الالتهاء بالدنيا

ومما أحدث عبد الرحمن الداخل حين أقام خلافة للأمويين في المغرب ( ويدخل فيها الأندلس وغيرها ) السماح للنصارى ببناء الكنائس فكان لذلك شؤم عظيم على المسلمين


وقال ابن الخطيب يصف حال نساء غرناطة كتابه الإحاطة (1/40) :" وحريمهم، حريم جميل، موصوف بالسحر  ، وتنعّم الجسوم، واسترسال الشّعور، ونقاء الثّغور، وطيب النّشر  ، وخفّة الحركات، ونبل الكلام، وحسن المحاورة، إلّا أن الطّول يندر فيهنّ. وقد بلغن من التّفنّن في الزينة لهذا العهد، والمظاهرة بين المصبغات، والتّنفيس بالذّهبيّات والدّيباجيّات، والتّماجن في أشكال الحلي، إلى غاية نسأل الله أن يغضّ عنهنّ فيها، عين الدهر، ويكفكف الخطب، ولا يجعلها من قبيل الابتلاء والفتنة، وأن يعامل جميع من بها بستره، ولا يسلبهم خفيّ لطفه؛ بعزّته وقدرته"

فهذا التهتك قريب من أحوال النساء اليوم في عامة البلدان الإسلامية ، وقوله ( عين الدهر ) تعبير عجيب لا أعلم له مسوغاً شرعياً ، على أن دعاءه المذكور يوشي بأنه كان خائفاً من عاقبة هذا ، وأمثال هؤلاء النسوة صرحن كلأ مباحاً بعد تسلط الكفار على الديار والله المستعان

وقال أيضاً ابن الخطيب في الإحاطة :" والغناء بمدينتهم فاش، حتى  في الدكاكين التي تجمع صنائعها كثيرا من الأحداث، كالخفّافين  ومثلهم"

فالغناء كان فاش بغرناطة كحال القوم اليوم ، ولعل ذلك من أسباب تعصب ابن حزم ومحاولته الانتصار لحل الغناء بهجر من القول

وأما فشو البدع في ديارهم فيكفيك ما حكاه الشاطبي في الاعتصام والطرطوشي في الحوادث والبدع

وأما سقوط بغداد بأيدي التتر فأكتفي ببعض كلام ابن تيمية

قال الشيخ _ رحمه الله _  في منهاج السنة (4/592) :" وَمِنَ الْعَجَبِ مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ تَعْظِيمَ آلِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ - وَهُمْ سَعَوْا فِي مَجِيءِ التَّتَرِ  الْكُفَّارِ إِلَى بَغْدَادَ دَارِ الْخِلَافَةِ، حَتَّى قَتَلَتِ الْكُفَّارُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى [مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ] وَقَتَلُوا بِجِهَاتِ بَغْدَادَ أَلْفَ أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةِ أَلْفٍ وَنَيِّفًا وَسَبْعِينَ أَلْفًا  وَقَتَلُوا الْخَلِيفَةَ الْعَبَّاسِيَّ، وَسَبَوُا النِّسَاءَ الْهَاشِمِيَّاتِ وَصِبْيَانَ الْهَاشِمِيِّينَ.
فَهَذَا هُوَ الْبُغْضُ لِآلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا رَيْبٍ. [وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْكُفَّارِ بِمُعَاوَنَةِ الرَّافِضَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ سَعَوْا فِي سَبْيِ الْهَاشِمِيَّاتِ وَنَحْوِهِمْ إِلَى يَزِيدَ وَأَمْثَالِهِ، فَمَا يَعِيبُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ بِعَيْبٍ إِلَّا وَهُوَ فِيهِمْ أَعْظَمُ]"

أقول : وهذا كحالهم اليوم حذو القذة بالقذة

وقال الشيخ في منهاج السنة أيضاً (5/155) :" وَهُمْ يَسْتَعِينُونَ بِالْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ رَأَيْنَا وَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ إِذَا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ بِعَدُوٍّ كَافِرٍ كَانُوا مَعَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كَمَا جَرَى لِجَنْكِزْخَانَ  مَلِكِ التَّتَرِ  الْكُفَّارِ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ أَعَانَتْهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
وَأَمَّا إِعَانَتُهُمْ لِهُولَاكُو ابْنِ ابْنِهِ لَمَّا جَاءَ إِلَى خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ فَهَذَا أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، فَكَانُوا بِالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْصَارِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا  ، وَكَانَ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ بِبِغَدْادَ  الَّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَلْقَمِيِّ مِنْهُمْ  ، فَلَمْ يَزَلْ يَمْكُرُ بِالْخَلِيفَةِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَسْعَى فِي قَطْعِ أَرْزَاقِ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ وَضَعْفِهِمْ، وَيَنْهَى الْعَامَّةَ عَنْ قِتَالِهِمْ، وَيَكِيدُ أَنْوَاعًا مِنَ الْكَيْدِ، حَتَّى دَخَلُوا فَقَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا يُقَالُ: إِنَّهُ بِضْعَةَ عَشْرَ أَلْفِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ، وَلَمْ يُرَ فِي الْإِسْلَامِ مَلْحَمَةٌ مِثْلَ مَلْحَمَةِ التُّرْكِ الْكُفَّارِ الْمُسَمَّيْنَ بِالتَّتَرِ، وَقَتَلُوا الْهَاشِمِيِّينَ وَسَبَوْا نِسَاءَهُمْ مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ وَغَيْرِ الْعَبَّاسِيِّينَ ، فَهَلْ يَكُونُ مُوَالِيًا لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يُسَلِّطُ الْكُفَّارَ عَلَى قَتْلِهِمْ وَسَبْيِهِمْ وَعَلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؟ "

وهذا يفعلونه اليوم والله المستعان

فالتاريخ يعيد نفسه كما يقال والسعيد من وعظ بغيره فالخليفة العباسي قد اتخذ ابن العلقمي وزيراً له فأورثه ذلك الذل والخزي

فأهل الأندلس حصل لهم توسع في الدنيا وتسامح مع النصارى وأهل بغداد فعلوا الأمر نفسه وتسامحوا مع الرافضة مع بعد الفريقين عن التوحيد بالمعنى السلفي والسنة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي