مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: وقفات مع كلام وسيم يوسف حول النقاب

وقفات مع كلام وسيم يوسف حول النقاب



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

ما شاء الله لا قوة إلا بالله

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي

فقد طلب مني أحد الأخوة ممن له حق علي أن أعلق على زندقة وسيم يوسف حول النقاب وحول دعواه جواز منعه لولي الأمر ثم تهوينه من شأنه وأود أن أقف عدة وقفات على عجالة

الأولى : لو كان مصدري القرار الذين يرقع لهم وسيم يمنعون التبرج والدعارة ثم منعوا النقاب لأسباب أياً كانت لكان الأمر يقع فيه الشبهة لبعض الناس غير أنه يتكلم وكأنهم لا يوجد عندهم شيء يخالف الشريعة إلا هذا

ومعلوم السماح بالتبرج والملابس الفاضحة ولحم الخنزير ( في دبي ) وكون بلاده تصنف عالمياً في استهلاك الخمور وتلك القبة الشركية على ضريح زايد لا زالت موجودة فماذا ترقع ؟

والعجب في ترك إنكار هذا وتجويز منع النقاب( إلا ما يرد في الوعظ العام دون إشارة إلى اختصاص بلده بذلك وانتشاره فيه بدعم حكومي )

الثاني : أن القواعد الشرعية تقتضي أن كل مستحب أو واجب مصلحته راجحة وإن وجد فيه بعض المفسدة فإن هذه المصلحة راجحة

فذكر بعض المفاسد لوجود النقاب ( إن وجدت ) لا ينفي وجود المصلحة الراجحة ، ويا ليت شعري ألا ترون مفسدة الدعارة ! ورأيتم مفسدة النقاب !

الثالث : أن الناس متفقون على مشروعية النقاب ولم يقل أحد أنه مباح فقط بل من قال أنه مباح فقط يستتاب فإن تاب وإلا قتل لاتفاق المسلمين على خلاف ذلك

قال ابن حجر في " شرح البخاري " (9/235-236) : ( لم تزل عادة النساء قديمًا وحديثاً يسترن وجوههن عن الأجانب ) ، ونقل ابن رسلان ( اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه ) . ( انظر : نيل الأوطار للشوكاني (6/114).

وقال أبوحامد الغزالي في " إحياء علوم الدين " ( 6 / 159 مع شرحه ) : ( لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه ، والنساء يخرجن متنقبات ) .

ونقل النووي في روضة الطالبين ( 5 / 366 ) عن الجويني : ( اتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات )

الرابع : أن في حال وجود فتنة يكاد يكون اتفاق على وجوب تغطية الوجه

لذا قال الإمام أحمد في الأمة الجميلة أنه يجب عليها النقاب ، مع أن الأمة لا يجب عليها في العادة


وجاء في الفروع لابن مفلح :" وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : إنْ لَمْ تَخْتَمِرْ الْأَمَةُ فَلَا بَأْسَ ، وَقِيلَ : الْأَمَةُ وَالْقَبِيحَةُ كَالْحُرَّةِ وَالْجَمِيلَةِ ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : لَا يَنْظُرُ إلَى الْمَمْلُوكَةِ ، كَمْ مِنْ نَظْرَةٍ أَلْقَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا الْبَلَابِلَ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : لَا تَنْتَقِبُ الْأَمَةُ ، وَنَقَلَ أَيْضًا : تَنْتَقِبُ الْجَمِيلَةُ ، وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ حَامِدٍ الْخِفَافَ ، قَالَ الْقَاضِي : يُمْكِنُ حَمْلُ مَا أَطْلَقَهُ عَلَى مَا قَيَّدَهُ "


وهذا القول من أحمد مأخوذ من فقه عمر رضي الله عنه

قال عبد الرزاق في المصنف 5061 - عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عُمَرَ، رَأَى جَارِيَةً خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ مُتَزَيِّنَةً عَلَيْهَا جِلْبَابٌ، أَوْ مِنْ بَيْتِ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عُمَرُ الْبَيْتَ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ؟ فَقَالُوا: أَمَةٌ لَنَا، أَوْ قَالُوا: أَمَةٌ لِآلِ فُلَانٍ فَتغَيَّظَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: «أَتُخْرِجُونَ إِمَاءَكُمْ بِزِينَتِهَا تَفْتِنُونَ النَّاسَ»

فهنا عمر يغضب على أمة خرجت متزينة واعتبر ذلك فتنة للناس، وقد صرح الراوي بأنها مجلببة يعني لم تكشف شيئاً من جسمها وإنما الزينة في شيء آخر فكيف إذا كشفت ؟
والحكم الشرعي يدور مع علته وجوداً وعدماً ومن يخفف في عورة الأمة عمدته تصرفات عمر فكيف وهذا صنيع عمر هنا في حال وجود الفتنة

وقال الطبراني في الكبير 309 - حدثنا يوسف القاضي ثنا عمرو بن مرزوق ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب قال خرجت جارية لسعد يقال لها زيرا وعليها قميص جديد فكشفتها الريح فشد عليها عمر رضي الله عنه بالدرة وجاء سعد ليمنعه فتناوله بالدرة فذهب سعد يدعو على عمر فناوله عمر الدرة وقال : اقتص فعفا عن عمر رضي الله عنهما.

وهذا إسنادٌ حسن للخلاف في عمرو بن مرزوق، وهو صريح في الدلالة على المقصود ، فإن عمر أراد معاقبة تلك الجارية لما رأى أنها تكشفت مما يعرض المسلمين للفتنة .
وقد اتفق الفقهاء على منع النساء من رفع الصوت في التلبية خوفاً من الفتنة _ وما خالف إلا ابن حزم _ فكيف بأمر الوجه خصوصاً إذا حصل فيه نوع تزين والمصلحة المحتملة من كشفه تعارضها مصلحة أرجح

وجاء في منحة الخالق من كتب الأحناف :" وَفِي الْأَصْلِ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ تُرْخِي عَلَى وَجْهِهَا بِخِرْقَةٍ وَتُجَافِي عَنْ وَجْهِهَا قَالُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ إظْهَارِ وَجْهِهَا لِلرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ لِأَجْلِ النُّسُكِ"

وقال ابن مرزوق من المالكية أن مشهور المذهب ستر الوجه والكفين عند خوف الفتنة وجوباً ( انظر منح الجليل )

وكثير من الباحثين يقع لهم الخلط بسبب كلام الفقهاء في عورة الصلاة فينزل كلامهم في العورة في الصلاة على العورة في حال الخروج

قال الغزي في شرحه لمتن أبي شجاع (( أما عورة الحرة خارج الصلاة فجميع بدنها ))

وأقره على هذا البيجوري في حاشيته عليه (1/272)

وقال ابن قاسم العبادي في حاشيته على تحفة المحتاج (2/333) (( قال الزيادي في شرح المحرر بعد كلام وعرف بهذا التقرير أن لها ثلاث عؤوات عورة في الصلاة وهو ما تقدم وعورة بالنسبة إلى نظر الأجانب إليها جميع بدنها حتى الوجه والكفين على المعتمد ))

واختار هذا القول الجرداني في فتح العلام (2/146) وقال (( وهذا هو المعتمد )) وقال قبله (( وبالنسبة إلى نظر الأجنبي إليها جميع بدنها _ يعني عورة _ بدون استثناء شيء منه أصلاً ((

ومن كلامه (( وهذا لا ينافي _ يعني كلام القاضي عياض _ ما نقله الإمام _ يعني ابن رسلان _ من اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لأن منعهن من ذلك ليس لوجوب الستر عليهم بل لأن فيه مصلحة عامة

نعم ستر الوجه وجوبه عليها إذا علمت نظر الأجنبي إليها لأن في بقاء الكشف إعانة على الحرام أفاد ذلك السيد أبو بكر في حاشيته على فتح المعين نقلاً عن فتح الجواد وضعف الرملي كلام القاضي وذكر أن الستر واجبٌ لذاته ))

( وهؤلاء كلهم شافعية )

الخامس : أنه في حال فساد الزمان ينبغي إعمال فقه سد الذرائع

لا فتح الباب للفساد

قال البخاري في صحيحه 869 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ» قُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَوَمُنِعْنَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ

هذه هي نظرة أفقه امرأة على الإطلاق ، والتي يتعلم من فقهها الرجال رضي عنها وأبيها وصلى على حبها صلى الله عليه وسلم

هذه النظرة الدقيقة من أم المؤمنين تبين منهجية ينبغي أن يراعيها الفقيه عند الكلام في الأمور التي تتعلق بالذرائع ، وهي مراعاة قابلية المجتمع لانتشار الفاحشة من عدمه
ولهذا عامة الروايات عن أحمد تنص على منع المرأة الشابة من الخروج لصلاة العيدين مراعاةً لفقه عائشة هذا وتبع أحمد على ذلك فقهاء كثر وهو المشهور من مذهب أهل الرأي

قال ابن عبد البر في التمهيد ( 23/402) :" وَأَمَّا أَقَاوِيلُ الْفُقَهَاءِ فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُمْنَعُ النِّسَاءُ الْخُرُوجَ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَإِذَا جَاءَ الِاسْتِسْقَاءُ وَالْعِيدُ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ تَخْرُجَ كُلُّ امْرَأَةٍ مُتَجَالَّةٍ هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ قَالَ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ الْمُتَجَالَّةُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَلَا تُكْثِرُ التَّرَدُّدَ وَتَخْرُجُ الشَّابَّةُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَكَذَلِكَ فِي الْجَنَائِزِ يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ أَمْرُ الْعَجُوزِ وَالشَّابَّةِ فِي جَنَائِزِ أَهْلِهَا وَأَقَارِبِهَا
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ خَيْرٌ مِنْ بَيْتِهَا وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا قَالَ الثَّوْرِيُّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ إِلَى اللَّهِ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَكْرَهُ الْيَوْمَ لِلنِّسَاءِ الْخُرُوجَ إِلَى الْعِيدَيْنِ
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَكْرَهُ الْيَوْمَ الْخُرُوجَ لِلنِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ فَإِنْ أَبَتِ الْمَرْأَةُ إِلَّا أَنْ تَخْرُجَ فَلْيَأْذَنْ لَهَا زَوْجُهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي أَطْهَارِهَا وَلَا تَتَزَيَّنْ فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَخْرُجَ كَذَلِكَ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ
وَذَكَرَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ كَانَ النِّسَاءُ يُرَخَّصُ لَهُنَّ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْعِيدِ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ قَالَ وَأَكْرَهُ لَهُنَّ شُهُودَ الْجُمُعَةِ وَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْجَمَاعَةِ وأرخص للعجوز الكبيرة أَنْ تَشْهَدَ الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا
وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ خُرُوجُ النِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ حَسَنٌ وَلَمْ يَكُنْ يَرَى خُرُوجَهُنَّ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ مَا خَلَا الْعِيدَيْنِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ الْعَجُوزُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَأَكْرَهُ ذَلِكَ للشابة قَالَ أَبُو عُمَرَ أَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَخَيْرُهَا قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ عَائِشَةَ لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَهُ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ
وَمَعَ أَحْوَالِ النَّاسِ الْيَوْمَ وَمَعَ فَضْلِ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ"

إي والله تدبره

والعجب ممن ينقل كلام بعض الفقهاء في جواز كشف الوجه والكفين ولا يتأمل القيود ويغض النظر عن كلامهم في مسألة خروجها للعيدين وكلامهم في رفع صوتها في التلبية وإجماع الأمة في المنع من الخلوة

فلو سلمنا لك تسمية الفقهاء الموجبين لتغطية الوجه بالمتشددين فما عساك تصنع بأصحابك المعتدلين في هذه المسائل !

وقد اتفقوا على مشروعية تخمير وجهها في الحج بغير النقاب

قال ابن رشد في بداية المجتهد :" وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إِحْرَامَ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا، وَأَنَّ لَهَا أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا وَتَسْتُرَ شَعْرَهَا، وَأَنَّ لَهَا أَنْ تَسْدِلَ ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا سَدْلًا خَفِيفًا تُسْتَرُ بِهِ عَنْ نَظَرِ الرِّجَالِ إِلَيْهَا، كَنَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَإِذَا مَرَّ بِنَا رَكِبٌ سَدَلْنَا عَلَى وُجُوهِنَا الثَّوْبَ مِنْ قِبَلِ رُءُوسِنَا، وَإِذَا جَاوَزَ الرَّكْبُ رَفَعْنَاهُ» . وَلَمْ يَأْتِ تَغْطِيَةُ وُجُوهِهِنَّ إِلَّا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّهَا قَالَتْ: " كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ".

السادس : ينشر بعض الزنادقة والجهلة الذين يتبعون الزنديق طارق السويدان رسالة الألباني في هذه المسألة ، ولعلهم يؤملون أن تصير بنات الناس جميعاً كميسون سويدان !

والألباني بحث المسألة بسطحية ونال من خصومه دون استيعاب تام لحجتهم وكتابه الثاني الذي وصفهم فيه بالتشدد في الغلاف نافى فيه الإنصاف فالقائلون بوجوب تغطية المرأة وجهها أئمة كبار

وقد كتبت عليه ردود كثيرة تتفاوت في القوة والتحرير

هذا مع كون الألباني يسلم باستحباب النقاب وأنه الأفضل 

وهؤلاء لا يأخذون من الألباني إلا هذا لموافقته هواهم وإلا لم لا يأخذون بقوله في تحريم الذهب المحلق وتحريم حلق المرأة لشعر جسدها

وقد سمعته في دروسه في الأدب المفرد يمنع من جلوس المرأة مع أحمائها حتى مع وجود الزوج في جلسات السمر التي يكون فيها تضاحك

كما أنه كان حرباً على الاختلاط

ومع هؤلاء الزنادقة إنما يأخذون منه ما يريدون وقد قال بعضهم مدافعاً عن فرنسا أنها منعت النقاب فقط ، مع أنه كاذب فقد منحت الحجاب أيضاً والنقاب مشروع في ديننا ولم يقل أحد بمنعه

وتسميتهم للنقاب عادة اجتماعية ، تسمية خبيثة والعادة الاجتماعية إذا وافقت الشرع تأكد لزومها مع تصحيح النية فبر الوالدين والإحسان للجار والغيرة على الأهل والعفة وغيرها كانت عادات اجتماعية عند العرب قبل الإسلام والأعراب بعده وإلى اليوم فهل المطلوب تركها

وإنني لأعجب من أمر وسيم يوسف الذي أقام الدنيا وما أقعدها على امرأة رجمت وقد اعترفت بالزنا كما هو ظاهر في المقطع المنشور وصار يشكك ويقول ( لعلها مجبرة ) ! فبماذا أجبروها حتى اختارت الرجم !

فينكر شرع الله ويحارب النقاب فقبحه الله ما أجهله وما أسخفه

ومن حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه فهو كافر مرتد كما نقل ذلك ابن تيمية

قال سعيد بن منصور في سننه 1012 -: نَا هُشَيْمٌ، قَالَ: نَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي حُذَيْفَةُ: " أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] فَقَالَ حُذَيْفَةُ: «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يُصَلُّوا لَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا مَا أَحَلُّوا لَهُمْ مِنْ حَرَامٍ اسْتَحَلُّوهُ، وَمَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَرَامِ حَرَّمُوهُ فَتِلْكَ رُبُوبِيَّتُهُمْ»

وروي معناه من حديث عدي بن حاتم وأبو البختري لم يدرك حذيفة فذكر السماع في الخبر وهم والله أعلم

وقول من قال ( حكم الحاكم يرفع الخلاف ) هذا إذا كان خلافاً قوياً ولا دليل فيه وإلا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق والمنع من النقاب هو تحريم له مع فساد الزمان وتحقق الفتنة وهذا خروج عن أقوال الفقهاء جميعاً ، والحاكم الذي يتكلمون عنه هو الحاكم الذي يعرف بالصلاح أو العلم لا الذي يسهل للدعارة وشرب الخمور

و قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: (35/372) ليس المراد بالشرع اللازم لجميع الخلق حكم الحاكم ولو كان الحاكم أفضل أهل زمانه بل حكم الحاكم العالم العادل يلزم قوما معينين تحاكموا إليه في قضية معينة لا يلزم جميع الخلق ولا يجب على عالم من علماء المسلمين أن يقلد حاكما لا في قليل ولا في كثير إذا كان قد عرف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بل لا يجب على آحاد العامة تقليد الحاكم في شيء بل له أن يستفتى من يجوز له استفتاؤه وإن لم يكن حاكما.



و قال مجموع الفتاوى (3/238-240) الأمة إذا تنازعت في معنى آية أو حديث أو حكم خبري أو طلبي لم يكن صحة أحد القولين وفساد الآخر ثابتا بمجرد حكم حاكم فإنه إنما ينفذ حكمه في الأمور المعينة دون العامة ولو جاز هذا لجاز أن يحكم حاكم بأن قوله تعالى ﴿ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة:228] هو الحيض والأطهار ويكون هذا حكما يلزم جميع الناس... والذى على السلطان في مسائل النزاع بين الأمة أحد أمرين إما أن يحملهم كلهم على ما جاء به الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة لقوله تعالى ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء:59] وإذا تنازعوا. فَهِم كلامَهم إن كان ممن يمكنه فهم الحق فإذا تبين له ما جاء به الكتاب والسنة دعا الناس إليه أو أن يقر الناس على ما هم عليه كما يقرهم على مذاهبهم العملية...



أما إلزام السلطان في مسائل النزاع بالتزام قول بلا حجة من الكتاب والسنة فهذا لا يجوز باتفاق المسلمين ولا يفيد حكم حاكم بصحة قول دون قول في مثل ذلك إلا إذا كان معه حجة يجب الرجوع إليها فيكون كلامه قبل الولاية وبعدها سواء أهـ.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي