مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: التحذير من إرجاء المجادلين عن الساجدين للأوثان

التحذير من إرجاء المجادلين عن الساجدين للأوثان



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقد أرسل إلي أحد الأخوة كرتاً ينشر بين المسلمين للتحذير مما يسميه الكاتب ب( داعش ) وخطورة التكفير ، وذكر في هذا الكرت أن العلماء لا يكفرون من سجد لغير الله حتى  يسألونه عن قصده

أقول : وهذا كذب على العلماء سواءً علماء أهل السنة أو علماء أهل الضلالة ، ولا يعالج الغلو في التكفير بإرجاء الجهمية ، وإنما أبيح سجود التحية في بعض الشرائع السابقة ونسخ في شرعنا والسجود للصنم أو الشمس أو القمر أو الشيخ وغيره مما يعبد من دون الله كفر بإجماع

ويقول إسماعيل الدهلوي في رسالته في التوحيد  " إن حقيقة الشرك أن يأتي الإنسان بخلال وأعمال خصها الله بذاته العلية، وجعلها شعاراً للعبودية، لأحد من الناس
كالسجود لأحد،و الذبح باسمه، والنذر له والاستغاثة به في الشدة... كل ذلك يثبت به الشرك ويصبح الإنسان به مشركاً، وإن كان يعتقد أن هذا الإنسان، أو الملك، أو الجن الذي يسجد له، أو ينذر له، أو يذبح له، أو يستغيث به دون الله شأناً، وأن الله هو الخالق"

ويقول ابن القيم في رسالة الصلاة :" وها هنا أصل آخر، وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد، فكفر الجحود: أنه يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه، وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه، وأما كفر العمل، فينقسم إلى ما يضاد الإيمان، وإلى ما لا يضاده، فالسجود للصنم، والإستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان "

والسجود للقبر بالذات لا يكون إلا تعبداً لأن الميت لا يحيا بالتحية المعهودة بين الأحياء أصلاً بأفعال الجوارح

ويقول ابن القيم  في إغاثة اللهفان: _ " المشبهة هم الذين يشبهون المخلوق بالخالق في العبادة، والتعظيم والخضوع، والسجود له، والاستغاثة به...فهؤلاء هم المشبهة حقاً"

ويبين ابن تيمية هذه المسألة فيقول: -
" أما تقبيل الأرض، ووضع الرأس، ونحو ذلك مما فيه السجود، مما يفعل قدام بعض الشيوخ، وبعض الملوك، فلا يجوز، بل لا يجوز الانحناء كالركوع أيضاً، كما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: " الرجل منا يلقى أخاه، أينحني له؟
قال لا "
وأما فعل ذلك تديناً وتقرباً فهذا أعظم المنكرات، ومن اعتقد مثل هذا قربة وتديناً فهو ضال مفتر، بل يبين له أن هذا ليس بدين ولا قربة، فإن أصر على ذلك استتيب، فإن تاب وإلا قتل"

وقصد التدين يظهر من القرائن بل اليوم لا يفعل إلا كذلك كفعل ذلك عند الشيوخ أو القبور

ويقول الطيبي كما في رسالة البدر الرشيد في الألفاظ المكفرة: - وحجرة نبينا صلى الله عليه وسلم، وحجرة الخليل، وغيرهما من المدافن التي فيها نبي ورجل صالح، لا يستحب تقبيلها ولا التمسح بها باتفاق الأئمة، بل منهي عن ذلك، وأما السجود لذلك فكفر"

حتى أن جماعة من مرجئة الجهمية الأشعرية لا ينازعون في تكفير الساجد لغير الله غير أنهم يقول بأن هذا علامة على الكفر لا كفر بذاته كما قال ذلك عبد القاهر البغدادي

يقول ابن نجيم الحنفـي في البحر الرائق : - " والسجود للجبابرة كفر إن أراد به العبادة، إن أراد به التحية علـى قـول الأكثر"

فتأمل نقل هذا المرجيء عن جمهور الأحناف تكفير من يسجد لغير الله للتحية !

وجاء في الفتاوى البزازية من كتب الحنفية : - " والسجدة لهؤلاء الجبابرة كفر؛ لقوله تعالى مخاطباً للصحابة رضي الله عنهم: - {أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران، آية 80]، نزلت حين استأذنوا في السجود له عليه الصلاة والسلام
ولا يخفى أن الاستئذان لسجود التحية بدلالة: {بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} ومع اعتقاد جواز سجدة العبادة لا يكون مسلماً، فكيف يطلق عليهم بعد إذ أنتم مسلمون "، وقيل لا يكفر لقصة إخوة يوسف عليه السلام، والقائل الأول يدعي نسخة بتلك الآية، وبقوله تعالى: - {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن، آية 18]، وقيل إن أراد العبادة كفر، وإن أراد التحية لا، وهذا موافق لما ذكر في فتاوى الأصل"

وممن صرح بتكفير الساجد للتعظيم والتحية السرخسي الحنفي في المبسوط

وقال عياض في الشفاء :" وكذلك نكفر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر … كالسجود للصنم، وللشمس، والقمر، والصليب، والنار"

وهذه المذكورة السجود لها لا يكون إلا عبادة

ويقول النووي في روضة الطالبين :" والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح كالسجود للصنم، أو الشمس"

ولما أورد الرملي الشافعي أنواع الردة في غاية المحتاج  كان مما قاله: - " السجود لصنم أو شمس، أو مخلوق آخر؛ لأنه أثبت لله شريكاً، نعم إن دلت قرينة قوية على عدم دلالة الفعل على الاستخفاف كسجود أسير في دار الحرب بحضرة كافر خشية منه فلا كفر. – إلى أن قال – وإن قصد تعظيم مخلوق بالركوع كما يعظم الله به فلا فرق بينهما في الكفر حينئذ"

ويقول القبوري ابن حجر الهيتمي في إعلامه :" إن اشتمل (السحر) على عبادة مخلوق كشمس، أو قمر، أو كوكب أو غيرها، أو السجود له، أو تعظيمه كما يعظم الله تعالى، أو اعتقاد أن له تأثيراً بذاته، أو تنقيص نبي، أو ملك... كان كفراً وردة"

ويقول ابن القيم في بيان هذا الشرك في المدارج: - " ومن أنواع الشرك: - سجود المريد للشيخ، فإنه شرك من الساجد والمسجود له، والعجب أنهم يقولون: - ليس هذا سجود، وإنما هو وضع الرأس قدام الشيخ احتراماً وتواضعاً، فيقال لهؤلاء ولو سميتموه ما سميتموه، فحقيقة السجود: - وضع الرأس لمن يسجد له، وكذلك السجود للصنم، وللشمس، وللنجم، وللحجر، كله وضع الرأس قدامه.
ومن أنواعه: - ركوع المتعممين بعضهم لبعض عند الملاقاة، وهذا سجود في اللغة، به تفسير قوله تعالى: - {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} [البقرة، آية 58] أي منحنين، وإلا فلا يمكن الدخول بالجبهة على الأرض، ومنه قول العرب: سجدت الأشجار إذا أمالتها الريح"

فلو سلمنا لصاحب البطاقة بالتفريق بين سجود التحية وسجود العبادة في شرعنا فلا يختلف الناس أن السجود للشمس والقمر والوثن والقبر من الشرك ولا يكون إلا عبادة إلا هذه الأمور لا تحيا تحية الآدميين فيما بينهم

وقال ابن عابدين في حاشية الدر المختار :" وَالسُّجُودُ أَصْلٌ لِأَنَّهُ شُرِعَ عِبَادَةً بِلَا قِيَامٍ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالْقِيَامُ لَمْ يُشْرَعْ عِبَادَةً وَحْدَهُ، حَتَّى لَوْ سَجَدَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَكْفُرُ بِخِلَافِ الْقِيَامِ"


ولو فرضنا أن هناك من يفعله تحية فلا شك أنه يستحله في عامة الأحوال

ولهذا قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن :" فنهى عن السجود لغير الله تعالى، فقال: "لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد "، وأنكر على معاذ لما سجد له، وقال: "مه! "؛ فتحريم هذا معلوم من دينه بالضرورة، وتجويز من جوزه لغير الله، مراغمة لله ولرسوله، وهو من أبلغ أنواع العبودية، فإذا جوز هذا المشرك هذا النوع للبشر، فقد جوز عبودية غير الله; وأيضاً، فإن الانحناء عند التحية سجود، ومنه قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً} [سورة البقرة آية: 58] أي: منحنين، وإلا فلا يمكن الدخول على الجباه"

وما أحسن قال إسماعيل الدهلوي في رسالته تقوية الإيمان :" وقال اللَّه تعالى: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] .
فقد دلت هذه الآية على أن السجدة من أعظم شعائر العبادة، وهي مختصة بالخالق جل وعلا، فلا تجوز لمخلوق، وقد تساوى في هذه الصفة القمر والشمس، والنبي والولي، ومن قال إنه قد جاز السجود في الأديان القديمة لبعض المخلوقات، ونقل ذلك بالخبر الصحيح، فصح سجود الملائكة لآدم، وسجود يعقوب ليوسف، فلا بأس أن نسجد لشيخ أو ولي، وهذا باطل (1) ، فقد جازت أشياء في الأديان السابقة، وحرمت في ديننا، وقد أبيح النكاح بالأخوات الشقيقات في عهد آدم، فهل يبيح هؤلاء المحتجون بهذه الدلائل أن يتزوج الإخوة أخواتهم؟ .
والأصل أن العبد مكلف بامتثال أمر ربه، فعليه أن يمتثل أمره عن رضا وطواعية نفس، لا يجد في نفسه حرجا مما أمر به، ولا يحاج ولا يتشبث بأمور الأولين وأخبارهم، لأن هذا يؤدي إلى الكفر، ومثل ذلك أن ملكا أصدر مرسوما في مملكته، وبقي هذا الأمر مدة، ثم نسخ، وأبدل بمرسوم آخر، فمن قال: إني سأظل متمسكا بالمرسوم الأول، ولا أقبل المرسوم الجديد، اعتبر خارجا على الملك محاربا له"

وقال شاه عبد العزيز الدهلوي في مختصر التحفة الاثنا عشرية :" لأن السجدة لغير الله تعالى على وجه العبادة أو التعظيم كفر وشرك بدليل قوله تعالى {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} وقوله تعالى {ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون} وغيرها من الآيات الدالة على انحصار السجدة في حق الخالق العليم بالغيب والشهادة خصوصا في الشريعة المحمدية. والتمسك بسجدة الملائكة لآدم ههنا في غاية الفساد، إذ لا يمكن أن تقاس أحكام البشر على أحكام الملك، وبسجود إخوة يوسف فإنه لم يكن أولا سجودا مصطلحا،  وثانيا إنما يصلح التمسك بشرائع من قبلنا إذا لم يأت في شريعتنا نسخها وهذا الحكم منسوخ في شريعتنا قطعا. وإلا لكان الحق بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم –"



ومع التحفظ على بعض ما ورد في كلام بعض المذكورين إلا أن المقصود بيان عدة حقائق

الأولى : أن السجود للشمس والقمر والصنم والقبر لا يكون إلا عبادة لذا لا يستفصل فيه حتى في مذهب من يستفصل

الثاني : بيان كذب صاحب البطاقة في دعواه الاتفاق على عدم تكفير الساجد تحية، وقد نقلت كلام الجهمية وأهل الرأي والقبورية من باب الإلزام

ثم إنه لا يوجد أحد يسجد إلا ويصرف عبادات أخرى لا شك فيها كالاستغاثة والذبح والنذر ، والذبح والنذر بالذات مع السجود لغير الله رأينا أجلاف القبورية كالديوبندية والبريلوية يحرمونه

فالعامي المعتقد حله مخالف لأهل الإسلام وطوائف من أهل الشرك أيضاً

فلو توقف بعضهم ونافح عن المشركين في هذه المسألة فلا يسعه المنافحة في مسائل أخر ولو سأل أي مريد يسجد للشيخ أو القبر هل تعتقد أن هذا جائز لأجاب بالإيجاب فاتركوا التلاعب

وشتان بين الخوارج الذين يكفرون بالمعاصي وبين من يكفر بالشرك ومن يسوي بين الأمرين متلاعب ومرجيء جهمي خبيث
تنبيه : كثير من النقول السابقة مستفادة من رسالة عبد آل عبد اللطيف في نواقض الإيمان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي