مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تعقيب على محمد براء ياسين في ذبه عن محمد رشيد رضا

تعقيب على محمد براء ياسين في ذبه عن محمد رشيد رضا



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقد كتب محمد براء ياسين صاحب كتاب ( مقالات في تناقضات الأشعرية ) مقالاً في تحرير موقف محمد رشيد رضا من معاوية وأثبت فيه الطعن عليه ونشره في ملتقى أهل الحديث ، فجاء الناس وقد احتملته الحمية على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبرأ من محمد رشيد رضا فتعقبه محمد براء ياسين بأن هذا خلاف منهج أهل السنة والجماعة وأن المؤمن لا يتبرأ منه بزلة يزلها

وهكذا شهد لمحمد رشيد رضا بالإيمان ، وهذا الذي زعمه منهجاً لأهل السنة والجماعة ونقل كلاماً لابن تيمية يرددونه دائماً وكأن ابن تيمية لم يقل غيره في هذا الخصوص ولم ينزلوه منزلته الحق سيقضي على أئمة السلف بالغلو

قال الخلال في السنة 658- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ هَارُونَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : جَاءَنِي كِتَابٌ مِنَ الرَّقَّةِ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا : لاَ نَقُولُ : مُعَاوِيَةُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ , فَغَضِبَ وَقَالَ : مَا اعْتِرَاضُهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ , يُجْفَوْنَ حَتَّى يَتُوبُوا.
659- أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ قَالَ : وَجَّهْنَا رُقْعَةً إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : مَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَنْ قَالَ : لاَ أَقُولُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَاتَبُ الْوَحْيِ , وَلاَ أَقُولُ إِنَّهُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ , فَإِنَّهُ أَخَذَهَا بِالسَّيْفِ غَصْبًا ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا قَوْلُ سَوْءٍ رَدِيءٌ , يُجَانَبُونَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ , وَلاَ يُجَالَسُونَ , وَنُبَيِّنُ أَمْرَهُمْ لِلنَّاسِ.

وهؤلاء الذين أمر أحمد بهجرهم لم يقولوا ما قاله محمد رشيد رضا

قال حرب الكرماني في عقيدته الموجودة في آخر مسائله (3/ 967) :" هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أوعاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم"

ثم قال بعد أن قرر عدداً من المسائل (3/ 976) :" ومن السنة الواضحة البينة الثابتة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم أجمعين، والكف عن ذكر مساوئهم والذي شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو أحدًا منهم، أو طعن عليهم، أو عرض بعيبهم أو عاب أحدًا منهم بقليل أوكثير، أو دق أو جل مما يتطرق إلى الوقيعة في أحد منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا قبل الله صرفه ولا عدله بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربه، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة"
وقد حكى  الصابوني أنّ أهل السنة اتفقوا على القول بقهر أهل البدع و إذلالهم و إخزائهم و إبعادهم و إقصائهم و التباعد منهم و عن صحبتهم و عن مجادلتهم ، و التقرّب إلى الله ببغضهم و مهاجرتهم ) .[ عقيدة السلف أصحاب الحديث ، للصابوني ، ص : 130 ].

وقد تبرأ عبد الله بن عمر من القدرية

وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من أصحاب معاص فتبرأ ممن سلق ومن حلق وتبرأ ممن استنجى برجيع دابة أو روث

فكيف بالبدع المضلة ؟

وهذا أصل معروف عند أهل السنة

ومحمد رشيد رضا لم يقتصر ضلاله على هذا ، فالرجل مفوض في باب الصفات طاعن في أبي هريرة منكر للعشرات من الأحاديث الصحيحة منكر للدجال ونزول المسيح والمهدي ومنكر للرجم

قال محمد رشيد رضا: ( ذكرنا في المنار غير مرة أن الذي عليه المسلمون من أهل السنة وغيرهم من الفرق المعتد بإسلامهم أن الدليل العقلي القطعي إذا جاء في ظاهر الشرع ما يخالفه فالعمل بالدليل القطعي متعين، ولنا في النقل التأويل أو التفويض وهذه المسألة مذكورة في كتب العقائد التي تدرس في الأزهر وغيره من المدارس الإسلامية في كل الأقطار كقول الجوهرة :
وكل نص أوهم التشبيها * أوله أو فوض ورم تنزيها .)
[شببهات النصارى وحجج الإسلام : محمد رشيد رضا ص71-72 (نقلاً من المدرسة العقلية الحديثة (289)]
وهذا يبين سيره في الصفات على منهج الجهمية

وقال محمد رشيد رضا : ( وإن في البخاري أحاديث في أمور العادات والغرائز، ليست من أصول الدين ولا فروعه … وأنه ليست من أصول الإيمان، ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكل حديث رواه البخاري، مهما يكن موضوعه ) [مجلة المنار: مجلد (29) ص 104] .
أقول : أعوذ بالله هكذا يخرج أفعال النبي صلى الله عليه وسلم من الدين والله عز وجل يقول ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )
وهذا نص عام وقد كان الصحابة يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم في عامة أحواله ، فلما وضع الضب على مائدته تركوا الأكل حتى أخبرهم بعلة تركه ، وهذا أنس بن مالك لم يزل يحب الدباء منذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحبه
وحتى لو كان الحديث من العادات التي لا تتبع بزعمك فما وجه الكفر بها وعدم الإيمان
فقوله ( ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكل حديث رواه البخاري، مهما يكن موضوعه)
باطل بل من أركان الإسلام الإيمان بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم على طريقة أهل الحديث ، وهذا الكلام ما تجرأ عليه حتى المعتزلة الأوائل

- وقال رشيد رضا –في معرض رده على أحد دعاة النصارى-: ( فإن كان أراد بأركان الشريعة، أصول العقائد وقضايا الإيمان التي يكون بها المرء مؤمناً، فقد علمت أنه لا يتوقف شيء منها على خبر الآحاد ) [مجلة المنار : مجلد (19) ص 29 ]
قال رشيد رضا : … بقي الكلام في مسألة العجائب التي بنيت على أساسها النصرانية على اختلاف مذاهبها، وفيما يدعونه من تجرد محمد صلى الله عليه وسلم من لباسها، وهي قد أصبحت في هذا العصر حجة على دينهم لا له، وصادة للعلماء والعقلاء عنه لا مقنعة به، ولولا حكاية القرآن لآيات الله التي أيد بها موسى وعيسى عليهما السلام، لكان إقبال الإفرنج عليه أكثر واهتداؤهم به أعم وأسرع !! لأن أساسه قد بني على العقل والعلم وموافقة الفطرة البشرية، وتزكية أنفس الأفراد، وترقية مصالح الاجتماع، وأما آيته – أي محمد صلى الله عليه وسلم- التي احتج بها على كونه من عند الله تعالى هي القرآن وأمية محمد عليه الصلاة والسلام ، فهي آية علمية تدرك بالعقل والحس والوجدان .
كفاك بالعلم في الأمي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم
وأما تلك العجائب الكونية فهي مثار شبهات وتأويلات كثيرة، في روايتها وفي صحتها ودلالتها، وأمثال هذه الأمور تقع من أناس كثيرين في كل زمان، والمنقول عن صوفية الهنود والمسلمين أكثر من المنقول عن العهدين العتيق والجديد وعن مناقب القديسين وهي من منفرات العلماء عن الدين في هذا العصر . ا هـ[تفسير المنار (11/155) ]
قال أحد الباحثين معلقاً على كلام رشيد رضا هذا :
وفي الكلام السابق مغالطات شنيعة ما كان ينبغي أن يصدر من رجل كرشيد رضا :
الأولى : أن المعجزات أصبحت في هذا العصر حجة على الدين لا له .
الثانية: قوله: (ولولا حكاية القرآن …إلخ ) يُفهم منه أن القرآن بذكره للمعجزات والغيبيات التي لا يمكن إدراك كنهها،كان سبباً في صدود الأحرار الإفرنج عن دين الإسلام ! .
الثالثة: أن هذه العجائب الكونية أصبحت في هذا العصر من منفرات العلماء عن الدين !
أقول أنا عبد الله الخليفي : هذا الكلام باختصار هدم للدين وإيغال في العقلانية والاعتزال

ويقول رشيد رضا – في ذكر محاسن الخديوي عباس- : ( أول ما عرف الناس من محاسنه ما يسمى في عرف هذا العصر بالوطنية ) [تاريخ الأستاذ الإمام: (1/159) ( الاتجاهات الوطنية : (1/49)]
فهنا هو يثني على الوطنية التي هي دعوة حزبية خبيثة للتفريق بين المسلمين على أساس الانتماءات القطرية.

وقد نقل رشيد رضا في تفسير المنار (3/392) عن شيخه محمد عبده قوله :"
و أما ما ورد في حديث مريم و عيسى ، من أن الشيطان لم يلمسهما و حديث إسلام شيطان النبي صلى الله عليه وسلم ، و إزالة حظ الشيطان من قلبه ، فهو من الأخبار الظنية ، لأنه من رواية الآحاد ، و لما كان موضوعها عالم الغيب من قسم العقائد ، و هي لا يؤخذ فيها بالظن ، لقوله تعالى : [ إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ] [ النجم : 28 ] ، فإننا غير مكلفين بالإيمان بمضمون تلك الأحاديث في عقائدنا "
فهذا إنكار لثلاثة أحاديث صحيحة متفق عليها اتفق أهل الصنعة على تصحيحها وإنكار حديث واحد صحيح كفر فكيف بإنكار عدد كبير من الأحاديث الصحيحة كما هو شأن محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا

زد على ذلك إنكاره أن يكون آدم أول البشر وثناؤه على دارون وطعنه في كعب الأحبار وقوله أن أصل العالم من الكهرباء
فالرجل كان داعية بدعة بل داعية زندقة

قال ابن تيمية كما في الفتاوى (10/ 376):" وكذلك يجوز قتال (البغاة) وهم الخارجون على الإمام أو غير الإمام بتأويل سائغ مع كونهم عدولا ومع كوننا ننفذ أحكام قضائهم ونسوغ ما قبضوه من جزية أو خراج أو غير ذلك إذ الصحابة لاخلاف فى بقائهم على العدالة أن التفسيق انتفى للتأويل السائغ وأما القتال فليؤدوا ما تركوه من الواجب وينتهوا عما ارتكبوه من المحرم وان كانوا متأولين
وكذلك نقيم الحد على من شرب النبيذ المختلف فيه وان كانوا قوما صالحين فتدبر كيف عوقب أقوام في الدنيا على ترك واجب أو فعل محرم بين في الدين أو الدنيا وان كانوا معذورين فيه لدفع ضرر فعلهم في الدنيا كما يقام الحد على من تاب بعد رفعه إلى الإمام وان كان قد تاب توبة نصوحا وكما يغزو هذا البيت جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم وفيهم المكره فيحشرون على نياتهم وكما يقاتل جيوش الكفار وفيهم المكره كأهل بدر لما كان فيهم العباس وغيره وكما لو تترس الكفار بمسلمين ولم يندفع ضرر الكفار إلا بقتالهم فالعقوبات المشروعة والمقدورة قد تتناول في الدنيا من لا يستحقها في الآخرة وتكون في حقه من جملة المصائب كما قيل في بعضهم القاتل مجاهد والمقتول شهيد وعلى هذا فما أمر به آخر أهل السنة من إن داعية أهل البدع يهجر فلا يستشهد ولا يروى عنه ولا يستفتى ولا يصلى خلفه قد يكون من هذا الباب فإن هجرة تعزير له وعقوبة له جزاء لمنع الناس من ذلك الذنب الذي هو بدعة أو غيرها وإن كان في نفس الأمر تائبا أو معذورا إذ الهجرة مقصودها أحد شيئين أما ترك الذنوب المهجورة وأصحابها وأما عقوبة فاعلها ونكاله فأما هجرة بترك في غير هذا الموضع"

قلت: فانظر كيف صرح بوقوع العقوبة على داعية البدع وإن كان في نفسه متأولاً مراعاةً للمصلحة العامة في ترك الناس لبدعته.

فكيف برجل كمحمد رشيد رضا وقد بدع السلف وضللوا وتبرأوا ممن هو خير منه ؟

والذي أريد قوله أن هنا ثمة منهج فتاك يميع من أي ضلالة عقدية بحجة أن المؤمن لا يتبرأ منه بالزلة وتسمى الضلالة ( زلة ) وتختزل الضلالات العظيمة بكلمة ( زلة ) أو ( زلات ) ، ثم يعظم هذا الضال تعظيماً يضن به على كثير من أهل السنة ممن هم أعلم منه وأتبع للسنة منه ، ولكن السني إذا كان مصنفاً من الغلاة أو غلاة التجريح عند هؤلاء فلا ترى له حسنة أبداً إلا في النادر ، وفقط تبصر مثل حسنات محمد رشيد رضا

ومحمد رشيد رضا ضلالاته ليست محصورة بالمألوف والتقليدي بل فتح باباً من الضلال الاعتزالي كان موصداً من قرون ، ولو أدركه السلف لما كان إلا في منزلة الأصم أو المريسي لجرأته العظيمة على السنة

وقد قال حرب الكرماني في عقيدته في الجهمية ( من لم يكفرهم فهو منهم )

فكيف بمن يرفض مجرد البراءة من واحد منهم اجتمع فيه من الضلالات ما يتنزه عنه عامة الجهمية ، فإن الواقفة واللفظية لا يؤثر عنهم إنكار للأحاديث الصحيحة بل حتى بشر المريسي كان يقر بأن رد الحديث كفر

وقال الخلال في السنة 1734- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الْبَزَّارِ , يَقُولُ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْمِرِّيسِيِّ , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , أُذَاكِرُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ , فَكُلَّمَا ذَكَرُوا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَدْتُهُ . قَالَ : يَقُولُونَ : أَنْتَ كَافِرٌ . قَالَ : صَدَقُوا . إِذَا ذَكَرُوا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَدَدْتَهُ , يَقُولُونَ : أَنْتَ كَافِرٌ . قَالَ : فَكَيْفَ أَصْنَعُ . قَالَ : إِذَا ذَكَرُوا حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ : صَدَقْتَ , ثُمَّ اضْرِبْهُ بِعِلَّةٍ , فَقُلْ : لَهُ عِلَّةٌ.

فانظر إلى إقرار المريسي الخبيث لتكفير أهل الحديث لصاحبه الراد للأحاديث ولكنه يعلمه حيلة ولا تنطلي على من نور الله قلبه بنور الإيمان ، فليس كل من هب ودب يقول ( له علة ) فإن هذا علم منضبط بقواعد يميز بها الصيرفي الطيب من الزيف
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم


. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي