الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فإن مختصر عقيدة السالمية في القرآن أنه
الله تكلم به بحرف وصوت وهذا صواب وإذا رآه المرء ظنهم كأهل السنة إلا أنهم
يوافقون الأشعرية في أن الله عز وجل لا تقوم به الصفات الفعلية فالله عندهم لا
يتكلم بما شاء متى شاء بل كلامه شيء واحد لا تقديم فيه ولا تأثير
والسبب في تنبيهي على هذا أنه ظهر جزءٌ
منسوب للنووي في الحروف والأصوات رأيت من يزعم أنه قرر فيه عقيدة السلف والصواب
أنه قرر عقيدة السالمية
جاء في هذا الجزء :" والذي يدل على
قدم الحروف من كلام العلماء وإخبار السلف والصلحاء وجوه"
والقول بقدم الحروف نقده ابن تيمية ونسبه
للسالمية وقال أنه إن أراد جنس الحروف فهذا صحيح وإن أراد أعيانها فلا
جاء في مجموعة الرسائل والمسائل للإمام
ابن تيمية (3/33) :" وحدثت طائفة أخرى من السالمية وغيرهم ممن هو من أهل
الكلام والفقه والحديث والتصوف ومنهم كثير ممن هو ينتسب إلى مالك والشافعي وأحمد
بن حنبل وكثر هذا في بعض المتأخرين المنتسبين إلى أحمد بن حنبل فقالوا بقول
المعتزلة وبقول الكلابية: وافقوا هؤلاء في قولهم أنه قديم، ووافقوا أولئك في قولهم
أنه حروف وأصوات، وأحدثوا قولاً مبتدعاً كما أحدث غيرهم فقالوا القرآن قديم وهو
حروف وأصوات قديمة أزلية لازمة لنفس الله تعالى أزلاً وأبداً. واحتجوا على أنه
قديم بحجج الكلابية، وعلى أنه حروف وأصوات بحجج المعتزلة. فلما قيل لهم الحروف
مسبوقة بعضها ببعض فالباء قبل السين والشين قبل الميم، والقديم لا يسبق بغيره،
والصوت لا يتصور بقاؤه فضلاً عن قدمه، قالوا الكلام له وجود وماهية، كقول من فرق
بين الوجود والماهية من المعتزلة وغيرهم. قالوا: والكلام له ترتيب في وجوده،
وترتيب ماهية الباء للسين بالزمان هي في وجوده وهي مقارنة لها في ماهيتها لم تتقدم
عليها بالزمان وإن كانت متقدمة بالمرتبة كتقدم بعض الحروف المكتوبة على بعض، فإن
الكاتب قد يكتب آخر المصحف قبل أوله ومع هذا فإذا كتبه كان أوله متقدماً بالمرتبة
على آخره.
فقال لهم جمهور العقلاء هذا مما يعلم
فساده بالاضطرار فإن الصوت لا يتصور بقاؤه، ودعوى وجود ماهية غير الوجود في الخارج
دعوى فاسدة كما قد بسط في موضع آخر"
وقد كرر أن القول بأن الحروف قديمة في
مواطن عديدة من هذه الرسالة
وهذا المذهب السالمي في القرآن هو الذي
جنح إليه أبو يعلى والزاغوني
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (17/55)
:" وكان أبو عبدالله بن عبدالوهاب رحمه الله قد تلقى هذا عن البحوث التى
يذكرها أبو الحسن بن الزاغونى وأمثاله وقبله أبو الوفاء بن عقيل وأمثاله وقبلهما
أبو يعلى و نحوه فإن هؤلاء وأمثالهم من أصحاب مالك والشافعي كأبي الوليد الباجي
وأبى المعالى الجوينى وطائفة من أصحاب أبي حنيفة يوافقون إبن كلاب على قوله إن
الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته وعلى قوله إن القرآن لازم لذات الله بل يظنون أن هذا
قول السلف قول أحمد بن حنبل ومالك والشافعي و سائر السلف الذين يقولون القرآن غير
مخلوق حتى إن من سلك مسلك السالمية من هؤلاء كالقاضي و إبن عقيل و إبن الزاغونى يصرحون بأن مذهب أحمد أن القرآن قديم
وأنه حروف وأصوات وأحمد بن حنبل وغيره من الأئمة الأربعة لم يقولوا هذا قط و لا
ناظروا عليه و لكنهم و غيرهم من اتباع الأئمة الأربعة لم يعرفو أقوالهم في بعض
المسائل"
ومصنف هذا الجزء المنسوب للنووي لما كان
يعتقد اعتقاد السالمية الذي اعتقده الزاغوني أثنى على الزاغوني
قال صاحب الجزء المنسوب للنووي في الحروف
والأصوات :" وقد أشار إليه الإمام أبو الحسن ابن الزاغوني في كتابه"الإيضاح".
ولعمري لقد اندفع بهذا التقرير كثير من
كلام الأشاعرة وتلبياتهم عند العارف بمعاني الكلام ودقائقه"
وقد صرح الذهبي في ميزان الإعتدال أن
العلماء بدعوا ابن الزاغوني لأبحاثه في القرآن
وأما اللفظ المنسوب للإمام أحمد في المسائل التي حلف عليها ( القرآن قديم ) فهو نص باطل ولا يصح عنه وقد علق على المخطوط بذلك ومع الأسف أقر المعلق محمود الحداد هذا المعنى والله المستعان
وأما اللفظ المنسوب للإمام أحمد في المسائل التي حلف عليها ( القرآن قديم ) فهو نص باطل ولا يصح عنه وقد علق على المخطوط بذلك ومع الأسف أقر المعلق محمود الحداد هذا المعنى والله المستعان
وجاء في الجزء المنسوب للنووي :" فصل:
في ان القراءة هي المقروء وان الكتابه هي المكتوب"
وهذا قول محدث بل صرح في موطن أن القراءة
غير مخلوقة مطلقاً
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/
373) :" وأما المنصوص الصريح عن الامام أحمد وأعيان أصحابه وسائر أئمة السنة
والحديث فلا يقولون مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا يقولون التلاوة هى المتلو مطلقا ولا
غير المتلو مطلقا كما لا يقولون الاسم هو المسمى ولا غير المسمى
وذلك أن التلاوة والقراءة كاللفظ قد يراد
به مصدر تلى يتلو تلاوة وقرأ يقرأ قراءة ولفظ يلفظ لفظا ومسمى المصدر هو فعل العبد
وحركاته وهذا المراد باسم التلاوة والقراءة واللفظ مخلوق وليس ذلك هو القول
المسموع الذى هو المتلو وقد يراد باللفظ الملفوظ وبالتلاوة المتلو وبالقراءة
المقروء وهو القول المسموع وذلك هو المتلو ومعلوم أن القرآن المتلو الذى يتلوه
العبد ويلفظ به غير مخلوق وقد يراد بذلك مجموع الأمرين فلا يجوز إطلاق الخلق على
الجميع ولا نفى الخلق عن الجميع "
وهذا تلخيص جيد في المسألة
ثم قال شيخ الإسلام بعدها :" ويظن
هؤلاء أنهم يوافقون أحمد واسحق وغيرهما ممن ينكر على اللفظية وليس الأمر كذلك
فلهذا كان المنصوص عن الامام أحمد وأئمة السنة والحديث أنه لا يقال ألفاظنا
بالقرآن مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا أن التلاوة هى المتلو مطلقا ولا غير المتلو
مطلقا فان اسم القول والكلام قد يتناول هذا وهذا ولهذا يجعل الكلام قسيما للعمل
ليس قسما منه فى مثل قوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وقد
يجعل قسما منه كما فى قوله فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون قال طائفة من
السلف عن قول لا إله إلا الله ومنه قول النبى فى الحديث الصحيح لا حسد إلا فى اثنتين
رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار فقال رجل لو أن لى مثل ما
لفلان لعملت فيه مثل مايعمل ولهذا تنازع أصحاب أحمد فيمن حلف لايعمل اليوم عملا هل
يحنث بالكلام على قولين ذكرهما القاضى أبو يعلى وغيره "
والخلاصة أن هذا الإطلاق من مسلمة بن
القاسم خطأ والصواب السكوت وألا يقال مخلوقة ولا غير مخلوقة ، لأن أحد الإطلاقين
يوهم أن أفعال العباد غير مخلوقة والآخر يوهم خلق القرآن
وهذا الجزء في حقيقته لأبي العباس الأرموي
ألحق به كلام للنووي في التبيان حول تعظيم القرآن وطريقة الجزء مخالفة تماماً
لطريقة النووي في التصنيف والاستدلال وقد اتفق المترجمون للنووي على أنه أشعري ذكر
ذلك السخاوي والسبكي واليافعي ، ولو كان قد رجع في جزء معروف لكان ذلك محل اشتهار
ولاحتج به ابن تيمية وابن القيم في ضمن ما يحتجان به على الجهمية الأشعرية ، وهذا
تلميذ النووي ابن العطار لما رجع إلى عقيدة السلف ( ثم تبين لي أخطاء عنده في العقيدة ) وصنف في ذلك لم يذكر رجوع شيخه
النووي مع مناسبة المقام لذلك
ومما يثير الشكوك حول هذا الجزء قوله في
بدايته :" فهذا: آخر ما أردنا ذكره من هذا المختصر من معتقد مصنفه، مما ذكره
في كتابه كتاب" غاية المرام في مسألة الكلام" للشيخ أبي العباس أحمد بن
الحسن الأرموي الشافعي، وهو الذي عليه الجمهور من السلف والخلف.
وهذا الذي ذكرناه جميعه من كلام الشيخ أبي
العباس الأرموي - رحمه الله"
وليس في شيوخ النووي رجل بهذا الاسم ، ثم
إنني بحثت عن هذا الرجل فلم أجد له ترجمة ورجل بهذه الصفة لماذا لا يترجم له الذهبي
أو ابن كثير أو ابن حجر
فهذا يوحي بعدم إجادة المحقق في قراءة
النص أو يوحي بوجود تلفيق
ويا حسرة على رجل شروحه تملأ الدنيا ولا
يفرق بين عقيدة السلف وعقيدة السالمية في القرآن فيشهد بأن ما في هذا الجزء عقيدة
السلف
ويا ليت شعري إذا ثبت الرجوع عن مثل هذا
فأين الرجوع عن عقيدة الأشعرية في القدر والقول بالبدعة الحسنة والإرجاء في باب
الإيمان وشد الرحال إلى القبور وما ذكر في كتاب الأذكار في زيارة قبر النبي صلى
الله عليه وسلم
وهذه القضية : أعني الخلط بين مذهب السلف
ومذهب السالمية في القرآن تبين المأساة العلمية التي نعيشها وحال كثير من
المتصدرين من أعظم أبواب الدين مما يجعلهم في حاجة إلى كثير من النصائح التي
يوجهونها للناس ، وإذا كان هذا حال بعض مشاهير المدرسين وحذاقهم فما عسى أن نقول
في العامة والشادين من طلبة العلم
وبعضهم يقول ( رجوع النووي إلى عقيدة
السلف ) وهل مبتدع عندك حتى تقول ( رجوع إلى عقيدة السلف ) فإن الرجوع إلى عقيدة
السلف يكون للمبتدع كما أن الإسلام يكون للكافر فإذا ( أسلم فلان ) فمعناه أنه كان
كافراً والرجل عندكم سني أولاً وآخراً وانحرافه العظيم في باب الصفات وانحرافه في
باب الإيمان والقدر والنبوات ومسائل توحيد الألوهية والبدعة الحسنة وتعظيمه لعلم
الكلام كل ذلك لا ينقص من قدره !( كما صرح به بعضهم )
وهذا هو قدر العقيدة عندهم والله المستعان
، المنحرف فيها كمن لا ذنب له ، أو من له ذنب لا يضره على طريقة المرجئة ( لا يضر
مع الإيمان ذنب )
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم