مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: باب في أن تعطيل الصفات أشنع من شتم الصحابة ...

باب في أن تعطيل الصفات أشنع من شتم الصحابة ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فالرفض عند السلف الشتم للصحابة الكرام

قال الخلال في السنة 778 - أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «الرَّافِضِيُّ الَّذِي يَشْتِمُ»

وقال حرب الكرماني في عقيدته :" فمن ذكر أحدًا من أصحاب محمد عليه السلام بسوء أو طعن عليه بعيب أو تبرأ من أحد منهم، أو سبهم، أو عرض بسبهم وشتمهم فهو رافضي مخالف خبيث ضال"

فسواءً شتم واحداً أو شتمهم كلهم فهو رافضي

وقد أغلظ السلف الكلام في الرافضة وكفر عامة السلف المتدين بسب الصحابة

وأما التجهم فهو نفي الصفات لعلة استلزام التشبيه

والسؤال هنا أيهم أشد الجهمية أم الرافضة ؟

الجواب : أن السلف لا يختلفون في أن الجهمية شر من الرافضة

قال البخاري في خلق أفعال العباد 83- وَقَالَ وَكِيعٌ : الرَّافِضَةُ شَرٌّ مِنِ الْقَدَرِيَّةِ ، وَالْحَرورِيَّةُ شَرٌّ مِنهُمَا ، وَالْجَهْمِيَّةُ شَرُّ هَذِهِ الأَصْنَافِ قَالَ اللَّهُ تعالى : {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} ، وَيقولُونَ : لَمْ يُكَلِّمْ ، وَيقولُونَ : الإِيمَانُ بِالْقَلْبِ.

وهذا الذي قاله وكيع ينطبق على الأشاعرة فهو ينكرون الكلام في الحقيقة إذ لا يثبتون كلاماً بحرف وصوت ، وينصرون مذهب جهم في الإيمان كما نص عليه ابن تيمية في غير موضع

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (7/119) :" واذا تدبرت حججهم وجدت دعاوى لا يقوم عليها دليل والقاضى أبو بكر الباقلانى نصر قول جهم فى مسألة الايمان متابعة لأبى الحسن الأشعري وكذلك أكثر أصحابه"

وقول الأشاعرة في نفي العلو أشنع من قول الجهمية وقولهم في صفة الكلام كما نص عليه ابن تيمية في الاستقامة

وكلام وكيع هذا انتصر له ابن تيمية فنص على أن الجهمية _ ومنهم الأشعرية _ أعظم كفراً من الرافضة الأولى

قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (5/405) :" يتقرر بالوجه العاشر وهو أن هؤلاء الجهمية فيهم من استعمال الألفاظ المجملة وإفهام الناس خلاف ما في نفوسهم ما لا يوجد في غيرهم من أهل الأرض والرافضة يشركونهم في ذلك لكن هؤلاء أعظم كفراً ونفاقاً فلهذا قال عبد الرحمن بن مهدي هما ملّتان الجهمية والرافضة ذكره البخاري في كتاب خلق الأفعال وقال البخاري ما أبالي أصليت خلف الجهمي والرافضي أم صليت خلف اليهودي والنصراني ولا يُسلَّم عليهم ولايعادون ولايناكحون ولايشهدون ولاتأكل ذبائحهم وهذا مشروح في غير هذا الموضع فإن الجهمية قدحوا في حقيقة التوحيد وهو شهادة أن لا إله إلا الله والرافضةُ حقيقةُ قولهم قدحٌ في الأصل الثاني وهو شهادة أن محمداً رسول الله فإذا جمع الإنسان بين الرفض والتجهم يقرب حينئذ إلى الملاحدة القرامطة الباطنية الذين هم أعظم أهل الأرض نفاقاً وكتماناً لما في أنفسهم وإظهاراً لخلاف ما يعتقدونه ومخاطبة للناس بالألفاظ المجملة التي يفهمون الناس منها"

وابن تيمية يعني بالجهمية الأشعرية فهو في هذا الكتاب يرد على فيلسوف الأشاعرة الرازي

إذا تبين لك هذا علمت

أن قولك في الجهمي الأشعري منكر العلو ( إمام من أئمة الإسلام ) كقولك في الرافضي الشتام ( إمام من أئمة الإسلام ) بل أبلغ

وإنكار تكفير الجهمي كإنكارك تكفير الرافضي ، وأما إنكارك تبديع الجهمي فلا أدري ما أقول فيه

وإذا كان علو الله مسألة خفية فعدالة الصحابة أيضاً مسألة خفية

ولا زلت أذكر عن بعض الأخوة أنه إذا أراد تنفير الناس من سيد قطب ذكر وقيعته في عدد من الصحابة ، فينفر سليمو الفطرة منه وذلك أن هذا أمر ثابت عليه لا يسع إنكاره إلا بالمكابرة ، وهو على سنن غيره من الكتاب العصريين الذين يستسلمون للروايات التاريخية المكذوبة استسلاماً لا نجده عندهم في الأحاديث خصوصاً التي تخالف عقلهم ، ويحاكمون الصحابة إلى قيم لم يكن يؤمن بها أحد قبل مائة عام أو مائتين وإنما أخذت من الحضارة الجديدة وهذا منتهى السفه

والشاهد هنا أن إنكار سيد للصفات أشنع من وقيعته في الصحابة ، وإذا كنت لا تعذره في كلامه في الصحابة فمن باب أولى ألا تعذره في كلامه السيء في الصفات

وبعض إخواننا كان يدلل على قيام الحجة على سيد قطب بأن من مراجعه تفسير ابن كثير ، فكيف ببعض حفاظ الجهمية الذين بعضهم أعلم من ابن كثير نفسه بالحديث

فكيف إذا اجتمع فيه عدد من خلال التجهم والإرجاء والجبر والقبورية ؟

وليعلم أن قول الأشعرية في علو الله عز وجل لا يختلف كثيراً عن قول الطبائعيين الملاحدة فهو لا داخل ولا خارجه ، ولا يرى بالعين ولا يقرب منه فهو بمعنى الطبيعة عند القوم فتأمل هذا

ولهذا قال ابن تيمية في درء تعارض (1/203) :" ولهذا كان أبن النفيس المتطبب الفاضل يقول: ليس إلا مذهبان: مذهب أهل الحديث، أو مذهب الفلاسفة، فأما هؤلاء المتكلمون فقولهم ظاهر التناقض والاختلاف، يعين أن أهل الحديث أثبتوا كل ما جاء به الرسل، وأولئك جعلوا الجميع تخيلا وتوهيماً"

فابن النفيس يرى أن قول المتكلمين يرجع في حقيقته إلى قول الفلاسفة المنكرين وإن كانوا يظهرون موافقة أهل الإسلام وكثير منهم لا يعلم بحقيقة قوله ولكن يقول به تعصباً أو تقليداً أو جهلاً

وليعلم أن الرافضة اليوم لا يكتفون بالشتم بل يكفرون الصحابة ويقولون بالتجهم ويعبدون غير الله صريحاً فهم أبعد الفرق عن الإسلام بلا شك وإنما المقارنة مع الرافضة الأولى
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي