الخميس، 8 مايو 2014

براءة الإمام الزهري من تهمة التدليس



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فإن التدليس في الحديث ليس بمعنى التدليس المعروف عند الناس وإنما هو أمر دون ذلك وليس هو بالكذب بل لا يلجأ إليه إلا الصادقين هروباً من الكذب ولو شاءوا لصرحوا بالسماع ولكنهم ورعاً يقولون ( عن ) وإذا أوقفوا وقيل هل سمعت الحديث يقول ( لا ) ولا يستحل أن يكذب

وكثير مما يطلق عليه تدليس هو إرسال خفي بمعنى أن الشيخ يروي عن راو لم يسمعه أصلاً مع احتمال السماع ب( عن ) وربما اعتمد في ذلك على أن الناس يعلمون أنه لم يسمع من فلان ، ولكنه صار تدليساً بالنسبة الذين جئنا بعد سنين فظننا أنه ربما سمع منه

فإن قيل أليس قد قال بعض الناس ( التدليس كذب أو أخو الكذب )

فيقال : هذا الكلام يحمل على أحد محملين

الأول : أنه أراد ضرباً معيناً من التدليس وهو أن يدلس المرء عن الكذابين وهذا جرح في المدلس نفسه ، وإما أن يسمي الراوي الكذاب بغير اسمه المعروف وهذا يشبه الكذب خصوصاً إذا كناه بغير كنيته المعروفة

الثاني : أن يكون اختيار هذا الراوي في التدليس أنه كذب ولا يحكم على المدلس المتأول بأنه كذاب كما يحكم كثير من أهل المدينة على نبيذ أهل الكوفة بأنه خمر ولا يحكمون عليهم بأنهم شراب خمر لتأولهم وكما يحكم بعض الفقهاء على بعض المعاملات بأنها ربا وعلى بعض الأنكحة بأنها زنا ولا يحكمون على المعين المتلبس بها تأولاً بأحكام أهل الفسق

ودليل ذلك أن حماد بن زيد الذي أطلق هذه الكلمة له عناية كبيرة بأخبار الحسن البصري ومروياته مع أنه ذكر عنه التدليس ( وأكثره الإرسال الخفي )

وكذلك شعبة الذي أطلق هذه الكلمة يروي عن عدد من المدلسين ويقول ( كفيتكم تدليس ثلاثة ) فلو كان التدليس عنده بمنزلة الكذب لعد كل مدلس كذاباً ولما روى عن الكذابين

وهذا الأعمش وأبو إسحاق السبيعي حتى الإباضية والشيعة يوثقونهم مع ذكرهم بالتدليس فاتفق أهل الإسلام وأهل الكفر على صحة مروياتهم وقوة ضبطهم

غير أن بعض من وصف بالتدليس ليس مدلساً أصلاً وإنما غلطوا عليه ولم يفهموا الأمر ومن ذلك وصف إمام الدنيا وجبل الحفظ ابن شهاب الزهري بأنه مدلس

ولمعرفة مكانة الزهري العلمية ألخص تلخيصاً يقرب للعامة أهمية مرويات هذا الرجل

ليعلم طالب العلم أن نصف السنة أو كثر من نصفها من رواية المكثرين من الصحابة وهم أبو هريرة وعائشة وأبو سعيد الخدري وابن عباس وابن عمر وجابر وابن عمرو بن العاص وأنس بن مالك

فهؤلاء الثمانية إذا كان للراوي أسانيد ثابتة يصل بها إليهم فإنه يسمو عند أهل الحديث ويعلو قدره ، خصوصاً إذا جمع إليهم غيرهم من أعيان الصحابة كالراشدين

وقد كان الزهري كذلك

فإنه قد يروي أخبار عائشة من طريق عروة عنها ، ومن طريق عمرة عنها ، ومن طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عنها

ويروي أخبار أبي هريرة من طريق عطاء الليثي عنه ، ومن طريق أبي سلمة عنه ومن طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنه ومن طريق سعيد بن المسيب عنه

ويروي أخبار جابر من طريق أبي سلمة عنه ، ومن طريق عطاء بن أبي رباح عنه

ويروي أخبار ابن عمر من طريق ابنه سالم عنه

ويروي أخبار ابن عمرو من طريق أبي سلمة عنه

ويروي أخبار ابن عباس من طريق أبي سلمة عنه ومن طريق عبيد الله بن عبد الله عنه ومن طريق عطاء بن أبي رباح عنه ، ومن طريق علي زين العابدين عنه ومن طريق ابنه محمد عنه

ويروي أخبار أبي سعيد الخدري من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه ومن طريق عطاء الليثي عنه

كما أنه حمل عن سعيد بن المسيب فقه عمر وسعيد سمع الكبار من الصحابة فقد سمع علياً وعائشة

وحمل أخبار الصحابة الشاميين كعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وغيرهم من طريق أبي إدريس الخولاني

وقد تتلمذ على أبان بن عثمان فحمل عنه أخبار عثمان ، وسمع الزهري من أنس وسهل بن سعد وأبي الطفيل والسائب بن يزيد وغيرهم من الصحابة مباشرة

وليست هذه فقط طرقه إلى مشاهير الصحابة وليست هذه كل أسانيده وإنما أردت أن أذكر عينة تبين للقاريء مكانة هذا الرجل ، وقد تمتع بسعة حفظ عجيبة حتى كان أعجوبة حفظ الأحاديث الطوال ، ويعنى في أسانيده برواية الحديث من طريق أثبات القرشيين عن الصحابة مباشرة فأشهر شيوخه وهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعلي زين العابدين كانوا من قريش بل هم أثبت القرشيين في عصرهم

لهذا الاعتبار نبل قدر الزهري جداً عند المحدثين وشاع حديثه في الأمصار فانتشر حديثه في مكة عن طريق تلميذه سفيان بن عيينة وتلميذه ابن جريج وفي المدينة عن طريق مالك بن أنس الذي أودع صحاح حديث الزهري كتابه الموطأ فقربها لكل الناس ، وفي مصر عن طريق تلميذه الليث بن سعد الذي كان ينزل أحياناً ويروي عن بعض أقرانه حديث الزهري ، وفي الشام عن طريق تلميذه الأوزاعي وتلميذه شعيب بن أبي حمزة الحمصي ، وفي البصرة وصنعاء عن طريق تلميذه معمر بن راشد

وأما الكوفة فكان إبراهيم بن طهمان يسمع حديث مالك ويفشيه في الكوفة وكذا الشيباني الذي روى الموطأ وقد كان أبو حنيفة يكتب حديث مالك عن إبراهيم بن طهمان بنزول ( ثم يأتي من يزعم أنه ما كانت تبلغه السنن التي يخالفها والله المستعان )

بل إن منصور بن المعتمر الإمام الكوفي المعروف قرين الأعمش وشيخ سفيان سمع الزهري مباشرة 

وأما في خراسان فقد كان ابن المبارك يروي عن يونس عن الزهري أخباره وربما حملها عن معمر

فكتب لحديثه الانتشار في جميع الأمصار واتفق الجميع على الاحتجاج بأخباره ولم يتخلف عن ذلك أحد ولو في كان في أخباره أدنى قادح لكان سيذكر مع كثرة طرق أخباره للأسماع وتشوف بعض الفقهاء لدفعها لما فيها من مخالفة ما هم عليه ( مع العلم أن عامة اخباره المتصلة محل اتفاق بين أهل الحديث ) ، ولو كان في حديثه عيب لتفطن إليه أحد هؤلاء المئات من الرواة الذين يروون أخباره في مختلف الأمصار

إذا علمت هذا علمت مدى بعد دعوى كونه مدلساً مع أنه لم يصفه أحد من المتقدمين بذلك

وحتى دعوى ندرة تدليسه فأين هذا هو النادر

فإن قيل : قد ذكر العلائي وابن حجر أن الشافعي والدارقطني وصفاه بذلك

فيقال : الشافعي كتبه طافحة بالاحتجاج بالزهري وانظر الرسالة والأم ينبيانك بالخبر ولما رد على الإمام مالك لم ينعَ عليه الاحتجاج بخبر الزهري وكان يحتج بأخبار الزهري في أشد مواطن النزاع مع أهل الرأي ولم أجد في شيء من كتبه وصف الزهري بالتدليس ولو فعل الشافعي لكان مخالفاً لإجماع من سبقه

وأما الدارقطني فهو متأخر عن عامة هؤلاء ولم يأخذ على صاحبي الصحيح الاحتجاج بالزهري ولم يصفه بالتدليس فيما وجدت من تصانيفه وإنما الأمر محض اشتباه حصل للعلائي تبعاً للذهبي

وإنما هي أحاديث معينة كان الدارقطني ( لم يسمع الزهري هذا الحديث من فلان ) يريد بذلك توهيم من رواه عن الزهري بالسماع أو بالعنعنة الموهمة للسماع فيظن هؤلاء أنه يتهمه بالتدليس

وإليك الأمثلة

1_ جاء في علل الدارقطني :" 2622 - وسُئِل عَن حَديث الزُّهْرِي ، عن أنس قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم - ونحن ... - : يطلع عليكم رجل من هذا الفج ، من أهل الجنة . فطلع رجل من الأنصار . تقطر لحيته من وضوئه ، قد علق نعليه في يده . فلما كان الغد قال النبي صَلَّى الله عَلَيه وسَلم مثل ذلك ، فطلع ذلك الرجل . فلما كان يوم الثالث قال النبي صَلَّى الله عَلَيه وسَلم مثل ذلك ، فطلع ذلك الرجل . فأتبعه عبد الله بن عَمْرو ... الحديث.
فقال : اختلف فيه على الزُّهْرِي.
فرواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزُّهْرِي ، قال : حدثني أنس.
( وقال ) ابن المبارك : عن معمر ، عن الزُّهْرِي ، عن أنس.
وكذلك قال إبراهيم بن زياد العبسي ، عن الزُّهْرِي.

وهذا الحديث لم يسمعه الزُّهْرِي ، عن أنس.
رواه شعيب بن أبي حمزة ، وعقيل ، عن الزُّهْرِي قال : حدثني من لا أتهم ، عن أنس . وهو الصواب"

وهذا ليس تدليساً من الزهري بل إنه أوضح في أصح الروايات عنه أنه لم يسمع الخبر من أنس وهذا مناقض للتدليس وإنما تقصير من بعض أصحابه إذ أنهم سلكوا الجادة فأسماعهم معتادة على ( الزهري عن أنس ) ولم يعتادوا على ( الزهري حدثني من لا أتهم عن أنس ) فسلكوا الطريق ووهموا وهذا يحصل لرواة كثيرين ولم يرمَ أحد منهم بالتدليس

2_ جاء في علل الدارقطني :" 3818 - وسُئِل عَن حَدِيثِ عُروَة ، عَن عائِشَة ، أَنَّها وحَفصَةُ أَصبَحَتا صائِمَتَينِ ، فَأُهدِيَت لَهُما هَدِيَّةٌ فَأَفطَرَتا ، فَذَكَرَتا ذَلِك لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم ، فَقال : صُوما يَومًا آخَر مَكانَهُ.
فَقال : حَدَّث بِهِ هِشامُ بن عُروَة ، عَن أَبِيهِ ، عَن عائِشَة ، قالَهُ شُعَيبُ بن إِسحاق ، وهِشامُ بن عَبدِ الله بنِ عِكرِمَة المَخزُومِيُّ ، عَنهُ.
وَرَواهُ زُمَيلٌ ، مَولَى عُروَة ، عَن عُروَة ، عَن عائِشَة أَيضًا حَدَّث بِهِ يَزِيد بن الهادِ ، عَن زُمَيلٍ.
وَرَواهُ الزُّهْرِيُّ ، واختُلِف عَنهُ ؛ فَرَواهُ جَعفَرُ بن بَرقان ، وسُفيانُ ، وسُلَيمانُ بن حنبشٍ ، ورَبِيعَةُ بن عُثمان ، وابن أَبِي ذِئبٍ ، وصالِحُ بن أَبِي الأَخضَرِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عُروَة ، عَن عائِشَة واختُلِف عَن صالِحٍ ، فرواه رَوحِ بنِ عُبادَة ، وسُفيان بنِ عُيَينَة ، عَن صالِحِ بنِ أَبِي الأَخضَرِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عُروَة.
وقِيل : عَنِ النَّضرِ بنِ شُمَيلٍ ، عَن صالِحٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عُمرة ، عَن عائِشَة ، وحَفصَةَ
قالَهُ خَلاد بن أَسلَم ، عَنهُ ، ولا يَصِحُّ.
وَرَواهُ حَجّاجُ بن أَرطاة ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، واختُلِف عَنهُ ؛ فَرَواهُ عَبد الرَّحِيمِ بن سُلَيمان ، وأَبُو خالِدٍ الأَحمَرُ ، وعَباد بن العَوّامِ ، عَن حَجّاجٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عُروَة ، عَن عائِشَة وخالَفَهُم أَبُو مُعاوِيَة الضَّرِيرُ ؛
فَرَواهُ عَن حَجّاجٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عائِشَة ، مُرسَلاً.
وَرَواهُ عَبد الله العُمَرِيُّ ، واختُلِف عَنهُ ؛ فَرَواهُ القَعنَبِيُّ ، وسَعِيد بن أَبِي مَريَم ، عَنِ العُمَرِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عُروَة ، عَن عائِشَة.
وَرَواهُ ابن وهبٍ ، عَنِ العُمَرِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أن عائشة وحفصة . ورواه عُبَيد الله بن عمر , عن الزُّهْرِي . واختُلِف عَنهُ ؛ فَرَواهُ هَمّامٌ الأَهوازِيُّ ، عَن عُبَيدِ الله بنِ عُمَر ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عُروَة ، عَن عائِشَة ؛
وَخالَفَهُ زُهَيرُ بن مُعاوِيَة ، وسُفيانُ الثَّورِيُّ ، ويَحيَى بن سَعِيدٍ القَطّانُ ، وشُجاعُ بن الوَلِيدِ ، وعَلِيُّ بن مُسهِرٍ ، وعَباد المُهَلَّبِيّ ، وأَبُو خالِدٍ الأَحمَرُ ، فَرَوَوهُ عَن عُبَيدِ الله بنِ عُمَر ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، مُرسَلاً ، عَن عائِشَة.
وَرَواهُ مالِكُ بن أَنَسٍ ، واختُلِف عَنهُ ؛ فَرَواهُ عَبد الله بن رَبِيعَة القُدامِيُّ ، عَن مالِكٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عُروَة ، عَن عائِشَة.
وَكَذَلِك رُوِي عَن مُطَرِّفٍ ، ورَوحِ بنِ عبادة .

وَخالَفَهُم أَصحابُ المُوَطَّأِ : القَعنَبِيُّ ، ويَحيَى بن يَحيَى ، ومَعنٌ ، ومُحَمد بن الحَسَنِ ، وبِشرُ بن عمر , ، وابن وهبٍ ، فَرَوَوهُ عَن مالِكٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، مُرسَلاً ، عَن عائِشَة ، وحَفصَة.
وَرَواهُ سُفيانُ بن عُيَينَة ، واختُلِف عَنهُ ؛ فَرَواهُ حُسَينٌ الجُعفِيُّ ، وأَبُو الجوّابِ ، عَنِ ابنِ عُيَينَة ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عُروَة ، عَن عائِشَة ؛
وَخالَفَهُمُ الحُمَيدِيُّ ، وسَعِيد بن مَنصُورٍ ، وعَبد الجَبارِ بن العَلاءِ ، وسُرَيجُ بن يُونُس ، والجَواز ، فرووه عَنِ ابنِ عُيَينَة ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرسَلاً.
وَرَواهُ مَعمَرُ بن راشِدٍ ، واختُلِف عَنهُ ؛ فَرَواهُ ابن عَرَبِيٍّ ، عَن حَمّادِ بنِ زَيدٍ ، عَن مَعمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ ، أَنَّ عائِشَة وحَفصَة ، ووَهِم فِي ذِكرِ سَعِيدٍ ؛
وَخالَفَهُ المقدَمِيُّ ، والقَوارِيرِيُّ ، وغَيرُهُما رَوَوهُ عَن حَمّادٍ ، عَن مَعمَرٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ ، مُرسَلاً.
وكَذَلِك رَواهُ يُونُسُ بن يَزِيد الأَيلِيُّ ، وبَكرُ بن وائِلٍ ، ومُحَمد بن إِسحاق ، وأَبُو مَعيد حفصُ بن غَيلان ، وأَبُو أُوَيسٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، مُرسَلاً ، عَن عائِشَةَ.
وكَذَلِك رَواهُ يَحيَى بن سَعِيدٍ الأَنصارِيُّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرسَلاً ، عَن عائِشَةَ
واختُلِف عَن يَحيَى ، ويذكر الخِلاف عَنهُ ، بَعد فَراغِنا مِن ذِكرِ الزُّهْرِيِّ.
وَرَواهُ ابن جُرَيجٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، فبين فِي رِوايَتِهِ إِياهُ أَوهام ، مَن قال عن عُروَةُ ، وقال فِيهِ قلت لابنِ شِهابٍ ، أَحَدَّثَك عُروَةُ ، عَن عَائِشَة , عَن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم قال : لم أسمع من عُرْوة في ذَلِك شيئاً , ولَكِن حَدَّثَنِي فِي خِلافَةِ سُلَيمان بنِ عَبدِ المَلِكِ ناس عَن بَعضِ مَن كان يسأل عائِشَةُ.
وأمَّا ابن عُيَينَة ، فَقال فِي حَدِيثِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قُلنا لَهُ : إِنّ صالِح بن أَبِي الأَخضَرِ ، حَدَّثنا عَنك ، عَن عُروَة ، فَقال : لا.
وقِيل : عَن قُرَّة بنِ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ حيوئيل ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن سالِمٍ ، عَن أَبِيهِ ، عَن حَفصَة.
وَقِيل عَن إِسحاق بنِ راشد ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن أَبِي بَكرِ بنِ حَفصٍ ، عَن عائِشَة.
وأمَّا حَدِيثُ يَحيَى بنِ سَعِيدٍ ، والخِلافُ فيه ، فَإِنّ الفَرَج بن فَضالَة ، وجَرِير بن حازِمٍ ، رَوَياهُ ، عَن يَحيَى بنِ سَعِيدٍ ، عَن عَمرَة ، عَن عائِشَة ، ووَهِما فِيهِ ؛
وَخالَفَهُما حَمّاد بن زَيدٍ ، وعَباد بن العَوّامِ ، ويَحيَى بن أَيُّوب ، فَرَوَوهُ عَن يَحيَى بنِ سَعِيدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرسَلاً ، وقال الثَّقَفِيُّ ، عَن يَحيَى ، بَلَغَنِي عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عائِشَة ، مُرسَلاً ، ورُوِي هَذا الحَدِيثُ ، عَن زَيدِ بنِ أَسلَم ، واختُلِف عَنهُ ؛
فَرُوِي عَن حَفصٍ ، عَن مَيسَرَة عَن زَيدِ بنِ أَسلَم ، عَن أَبِيهِ ، عَنِ ابنِ عُمَر ، أَنَّ عائِشَة ، وحَفصَة "

وهذا الحديث رواه الزهري عن عائشة مباشرة ومعلوم أنه لم يسمعها فغلط بعض الرواة وجعله ( الزهري عن عروة عن عائشة ) سلوكاً للمعتاد وقد صرح هو بنفسه أنه لم يسمع من عروة شيئاً في هذا فأين التدليس

3_ جاء في علل الدارقطني :" 3910 - وسُئِل عَن حَدِيثِ عَمرَة ، عَن عائِشَة ، ذَبَح رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم عَن نِسائِهِ البَقَر.
فَقال : يَروِيهِ الزُّهْرِيُّ ، واختُلِف عَنهُ ؛ فَرَواهُ مَعمَرٌ ، وابن مُسافِرٍ ، ويَزِيد بن أَبِي حَبِيبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عَمرَة ، عَن عائِشَة .
وَرَواهُ يُونُسُ الأَيلِيُّ ، واختُلِف عَنهُ ؛
فَقال ابن وهبٍ : عَن يُونُس ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عَمرَة ، عَن عائِشَة وقال شَبِيبُ بن سَعِيدٍ : عَن يُونُس ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَخبَرَنِي مَن لا أَتَّهِمُ ، عَن عَمرَة ، عَن عائِشَة وقال عُثمانُ بن عمر : عَن يُونُس ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عُروَة ، عَن عائِشَة وقال أَحمَد بن حَنبَلٍ : عَن عُثمان بنِ عُمَر ، عَن يُونُس ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قال عُثمانُ فِي مَوضِعٍ : عَن عُروَة ، وفِي مَوضِعٍ آخَر عَن عَمرَة ، كِلاهُما قال عُثمانُ وقال اللَّيثُ : عَن يُونُس ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، بَلَغَنا عَن رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم ، وكانَت عَمرَةُ بِنتُ عَبدِ الرَّحمَنِ تُحَدِّثُ بِذَلِك عَن عائِشَة ، وهَذا يُوافِقُ قَول شَبِيبِ بنِ سَعِيدٍ.
والصَّحِيحُ أَنَّ الزُّهْرِيّ لَم يَسمَعهُ مِن عَمرَة ، وإِنَّما بَلَغَهُ عَنها"

وهذا كسابقاته الزهري هنا سلوكه مناقض لسلوك أهل التدليس فإنه قال في أصح رواية عنه ( حدثني من لا أتهم عن عمرة ) وإنما غلط بعض الرواة وجعلها عن عمرة سلوكاً للجادة وقول الدارقطني ( الصحيح كذا ) حكم منه على بقية الأخبار بالوهم

4_ جاء في علل الدارقطني :" لَم يَسمَع ذَلِك الزُّهْرِي مِن عُروَة.
حَدَّثنا أَحمَد بن عِيسَى بنِ السُّكَينِ ، قال : حَدَّثنا عَبد الحَمِيدِ بن مُحَمدِ بنِ الحسين السمسار ، قال : حَدَّثنا خالد بن يَزِيد ، قال : حَدَّثنا ابن جُرَيجٍ ، عَنِ ابنِ شِهابٍ ، عَن عَبدِ الله بنِ أَبِي بَكرٍ ، عَن عُروَة ، قال : كان يُحَدِّثُ عَن بُسرَة بِنتِ صَفوان ، أَو عَن زَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنِيِّ ، أَنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم ، قال : إِذا مَسّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ فَليَتَوَضَّأ"

الزهري هنا يصرح بالواسطة فأين التدليس ؟

ويا ليت شعري ما حاجة الزهري للتدليس وهو صاحب الأسانيد التي ذكرت

وقد ذكر صاحب كتاب منهج المتقدمين في التدليس أن بعض المعتزلة يرمي الزهري بالتدليس ولعل بعض المتأخرين تأثر بكلامهم وصدقهم ولعلهم من عناهم الطبري في تهذيب الآثار

وقد كان تعبير الذهبي حسناً وإن كان مخطئاً في زعمه حين قال في الزهري ( تدليسه نادر ) وأما العلائي فجعله في المرتبة الثانية من مراتب المدلسين وأما ابن حجر فجعله في الثالثة وهذه من العجائب

فرجل لم يعل حديث بعنعنته ولم يتخلف أحد ممن صنف في الصحاح عن الاحتجاج بخبره وما طعن فقيه ولا محدث بأخباره يذكر في الثالثة ، ويذكر الحسن البصري في الثانية ! هذا قول مرفوض تماماً لابن حجر وقد فتح بذلك باباً لأهل الرفض والاستشراق للطعن في السنة والله المستعان مع اعترافه في مواطن عديدة أن رواية الزهري لا تضرها العنعنة

وأما ما ذكر عن الزهري من الإدراج في الأخبار فقد كان يشرح بعض الألفاظ الغريبة إن مرت هذا كل ما في الموضوع والمحدثون يعرفونها كقوله ( يتحنث يتعبد الليالي ذوات العدد )

وكذلك ذكر هشام بن عروة في طبقات المدلسين إنما هو من سوء فهم بعضهم ممن لم يحكم العقيدة الصحيحة فضلاً عن أن يحكم مباحث العلل الدقيقة ، وقد ذكر ابن حجر هشام بن عروة في المرتبة الأولى ولو فعل هذا بالزهري لأحسن 

وقد رأيت مصطفى العدوي يعل بعنعنة الزهري في تعليقه على المنتخب من  مسند عبد بن حميد ، ومع ذلك تراه يصحح حديث ابن لهيعة في تعليقه على حديث ( من صمت نجا ) مع العلم أن ابن حجر ذكر ابن لهيعة في السادسة وهذا التعليق من بواكير عمله وأحسب أنه لو رآه الآن لضحك من ذلك وغير ما كتب قديماً 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم