مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: التحذير من كلام الخطابي في الطائفة الممتنعة

التحذير من كلام الخطابي في الطائفة الممتنعة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فإن أبا سليمان الخطابي له كلام في المرتدين الذين قاتلهم الصحابة فزعم أنهم ثلاث طوائف

طائفة اتبعت أدعياء نبوة فهؤلاء كفار

وطائفة جحدت وجوب الزكاة فهؤلاء كفار

وطائفة بخلت وقاتلوا على ترك الزكاة فهؤلاء مسلمون وقتالهم من جنس قتال البغاة

وقد تبع الخطابي على هذا الكلام ابن قدامة في المغني وابن حجر في شرحه على البخاري ولأبي الحسن المأربي رسالة كاملة في الانتصار لهذا القول في الرد على عبد الله الأهدل

وقد حقق ابن تيمية أن هذا القول باطل مخالف للإجماع وتبعه أئمة الدعوة عى هذا التحقيق

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/519) :"  وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعى الزكاة وإن كانوا يصلون الخمسة ويصومون شهر رمضان وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة فلهذا كانوا مرتدين وهم يقاتلون على منعها وإن أقروا بالوجوب كما أمر الله وقد حكى عنهم أنهم قالوا إن الله أمر نبيه بأخذ الزكاة بقوله خذ من أموالهم صدقة وقد سقطت بموته"
وقال في منهاج السنة :" فالذين قاتلهم الصديق رضي الله عنه كانوا ممتنعين عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والإقرار بما جاء به فلهذا كانوا مرتدين بخلاف من أقر بذلك ولكن امتنع عن طاعة شخص معين كمعاوية وأهل الشام فإن هؤلاء كانوا مقرين بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وقالوا نحن نقوم بالواجبات من غير دخول في طاعة علي رضي الله عنه لما علينا في ذلك من الضرر فأين هؤلاء من هؤلاء وأعلم أن طائفة من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد جعلوا قتال مانعي الزكاة وقتال الخوارج جميعا من قتال البغاة وجعلوا تال الجمل وصفين من هذا الباب وهذا القول خطأ مخالف لقول الأئمة الكبار وهو خلاف نص مالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم من أئمة السلف ومخالف للسنة الثابته عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الخوارج أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم واتفق على ذلك الصحابة"

وهذا صريح في الرد على الخطابي ومن تبعه، والترك مع القتال على الترك ليس كالترك المجرد بل القتال على الترك من جنس فعل من قال (لا أصلي وإن قتلتموني )

وقال الإمام المجدد كما في الدرر السنية (9/418) :" وقال أبو العباس أيضا - في الكلام على كفر مانعي الزكاة -: والصحابة لم يقولوا: أنت مقر بوجوبها، أو جاحد لها، هذا لم يعهد عن الخلفاء والصحابة، بل قد قال الصديق لعمر رضي الله عنهما: "والله لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها " فجعل المبيح للقتال مجرد المنع، لا جحد الوجوب.
وقد روى: أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب، لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعهم سيرة واحدة، وهي قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، والشهادة على قتلاهم بالنار، وسموهم جميعهم أهل الردة; وكان من أعظم فضائل الصديق رضي الله عنه عندهم: أن ثبته الله عند قتالهم، ولم يتوقف كما توقف غيره، فناظرهم حتى رجعوا إلى قوله، وأما قتال المقرين بنبوة مسيلمة، فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم، انتهى.
فتأمل كلامه في تكفير المعين، والشهادة عليه إذا قتل بالنار، وسبي حريمه وأولاده عند منع الزكاة، فهذا الذي ينسب عنه أعداء الدين، عدم تكفير المعين"

وقال عبد الله ابن الإمام المجدد ( 10/179) :" فتأمل كلامه وتصريحه _ يعني ابن تيمية_ : بأن الطائفة الممتنعة عن أداء الزكاة إلى الإمام، أنهم يقاتلون ويحكم عليهم بالكفر والردة عن الإسلام، وتسبى ذراريهم، وتغنم أموالهم، وإن أقروا بوجوب الزكاة، وصلوا الصلوات الخمس، وفعلوا جميع شرائع الإسلام غير أداء الزكاة، وأن ذلك ليس بمسقط للقتال لهم، والحكم عليهم بالكفر والردة، وأن ذلك قد ثبت بالكتاب والسنة، واتفاق الصحابة رضي الله عنهم، والله أعلم"

وقال الشيخ سليمان بن سحمان: ( ما نقله هذا المعترض عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ثابت عنه لكنه أسقط من كلام الشيخ قوله في مانعي الزكاة فَكُفرُ هؤلاء وإدخالهم في أهل الردة قد ثبت باتفاق الصحابة المستند إلى نصوص الكتاب والسنة وهذا يهدم أصله فلذلك حذفه. وما نقله الشيخ عن شيخ الإسلام بن تيمية قدَّس اللهُ روحه ونوَّر ضريحه معروف مشهور عنه لا يستريب فيه عارف وهو الحق الصواب الذي ندين الله به كما هو معروف في السير والتواريخ وغيرها، ولا عبرة بقول هذا المعترض وتشكيكه في هذا النقل فيما لا شك فيه فإن عدم معرفته بإجماع العلماء على قتل المختار بن أبي عبيد وكذلك دعواه أن الإجماع لم ينعقد على قتل الجعد بن درهم وقد ذكر ذلك ابن قيم الجوزية في ”الكافية الشافية“ عن كلام أهل السنة وأنهم شكروه على هذا الصنيع ثم لم يكتف بتلك الخرافات حتى عمد إلى ما هو معلوم مشهور في السير والتواريخ وغيرها من كتب أهل العلم من إجماع الصحابة رضي الله عنهم على تكفير أهل الردة وقتلهم وسبي ذراريهم ونسائهم وإحراق بعضهم بالنار والشهادة على قتلاهم بالنار، وأنهم لم يفرقوا بين الجاحد والمقر بل سموهم كلهم أهل الردة لأجل أن القاضي عياض ومن بعده ممن خالف الصحابة وحكم بمفهومه ورأيه مما يعلم أهل العلم من المحققين الذين لهم قدمَ صدقٍ في العالمين أن هذا تحكم بالرأي، فإن من أمعن النظر في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى علم وتبين صحة ما قاله، وموافقته لصريح كلام الصحابة وإجماعهم، فإن الشهادة على قتلاهم بالنار واستباحة أموالهم وسبي ذراريهم من أوضح الواضحات على ارتدادهم مع ما ثبت من تسميتهم أهل الردة جميعًا، ولم يسيروا مع مانعي الزكاة بخلاف سيرتهم مع بني حنيفة وطليحة الأسدي وغيره من أهل الردة، ولم يفرقوا بينهم ومن نقل ذلك عنهم فقد كذب عليهم وافترى ، ودعوى أن أبا بكر رضي الله عنه لم يقل بكفر من منع الزكاة وأنهم بمنعهم إياها لم يرتدوا عن الإسلام دعوي مجردة، فأين الحكم بالشهادة على أن قتلاهم في النار هل ذلك إلا لأجل ارتدادهم عن الإسلام بمنع الزكاة، ولو كان الصحابة رضي الله عنهم لا يرون أن ذلك ردة وكفرًا بعد الإسلام لما سَبَوْا ذراريهم وغنموا أموالهم، ولساروا فيهم بحكم البغاة الذين لا تسبي ذراريهم وأموالهم ولم يجهزوا على جريحهم، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم أخشي لله وأتقى من أن يصنعوا هذا الصنيع بمسلم ممن لا يحل سبي ذراريهم وأخذ أموالهم، وهل هذا إلا غاية الطعن على الصحابة وتسفيه رأيهم وما أجمعوا عليه، وتعليله بأنه لو كان يرى أنهم كفَّار لم يطالبهم بالزكاة بل يطالبهم بالإيمان والرجوع تعليل لا دليل عليه فإنهم لم يكفروا ويرتدوا بترك الإيمان بالله ورسوله وسائر أركان الإسلام وشرائعه فيطالبهم بالرجوع إلى ذلك، وإنما كان ارتدادهم بمنع الزكاة وأدائها والقتال على ذلك، فيطالبهم بأداء ما منعوه وأركان الإسلام، فلما لم ينقادوا لذلك وقاتلوا كان هذا سبب ردتهم، وعمر أجل قدرًا ومعرفةً وعلمًا من أن يعارض أبا بكر أو يقره على خلاف الحق، فإنه لما ناظره أبو بكر وأخبره أن الزكاة حق المال قال عمر: فما هو إلا أن رأيت اللهَ قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق. وأما دعواه أن أبا بكر دعاهم إلى الرجوع فلما أصرُّوا قاتلهم ولم يكفِّرَهم، فدعوي مجردة وتحكم بلا علم. فأين إدخالهم في أهل الردة وسبي نسائهم وذراريهم وغنيمة أموالهم والشهادة على قتلاهم بالنار لولا كفرهم وارتدادهم، فإنهم لو كانوا مسلمين عندهم لما ساروا فيهم سيرة أهل الردة بل كان يمكنهم أن يسيروا فيهم سيرتهم في أهل البغي والخروج عن الطاعة. وأما اختلافهم بعد ذلك ودعواهم أن الصحابة اختلفوا فيهم بعد الغلبة عليهم هل تقسم أموالهم وتسبي ذراريهم كالكفار أو لا تقسم أموالهم ولا تسبي ذراريهم كالبغاة، فذهب أبو بكررضي الله عنه إلى الأول، وذهب عمر رضي الله عنه إلى الثاني. فلو كان هذا ثابتًا صحيحًا عن الصحابة رضي الله عنهم لما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الإجماع على قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وأنهم سمُّوهم أهل الردة .. وشيخ الإسلام رحمه اللهُ من أعلم الناس بأحوال الصحابة وبأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره وإليه المنتهى في ذلك، وبعد أن يذكر ما قاله الذهبي عن شيخ الإسلام ابن تيمية في معجم شيوخه وما قاله عنه ابن الوردي في تاريخه وهو أقل ما يقال في حق الإمام ابن تيمية يقول: «وإذا كانت هذه حاله عند أهل العلم بالحديث والجرح والتعديل. وأنه كان إليه المنتهى في هذه الحقائق علمًا وعملاً ومعرفةً وإتقانًا وحفظًا، وقد جزم بإجماع الصحابة فيما نقله عنهم في أهل الردة، تبيّن لك أنه لم يكن بين الصحابة خلاف قبل موت أبي بكر رضي الله عنه ، ولم يعرف له مخالف منهم بعد أن ناظرهم ورجعوا إلى قوله، ولو ثبت خلافهم قبل موت أبي بكر وبعد الغلبة على أهل الردة كما زعم ذلك من زعم لذكر ذلك شيخ الإسلام، ولم يجزم بإجماعهم على كفر مانعي الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وقد اختلفوا، هذا ما لا يكون أبدًا. وسيأتي كلامه في ”المنهاج“ قريبًا إن شاء الله تعالى. وإنما أرجع عمر إلى من كان سباهم أبو بكر أموالهم وذراريهم بعد أن أسلموا ورجعوا إلى ما خرجوا عنه تطييبًا لقلوبهم ورأيًا رآه ولم يكن ذلك إبطالاً لما أجمع عليه الصحابة قبل ذلك، كما أرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوازن ذراريهم لما أسلموا تطييبًا لقلوبهم. والمقصود أن ما ذكره هذا المعترض من عدم الإجماع لا يصح وأن ذلك إن كان صدر من عمر رضي الله عنه فهو رأي رآه بعد أن دخلوا في الإسلام .. أما قول ابن حجر «أن تسمية هؤلاء أهل الردة تغليبًا مع الصنفين الأولين وإلا فليسوا بكفار فهذا تأويل منه، وليس بأبشع ولا أشنع مما تأولوه في الصفات فكيف لا يتأولون ما صدر عن الصحابة مما يخالف آراءهم وتخيله عقولهم، وقد بيَّنا ما في ذلك من الوهن والغلط على الصحابة لمجرد ما فهموه ورأوا أنه الحق، وإذا ثبت الإجماع عن الصحابة بنقل الثقاة فلا عبرة بمن خالفهم وادعي الإجماع على ما فهمه وليس ما نقله عنهم بلفظ صريح، ولم يخالف الشيخ محمد رحمه الله ما في البخاري وإنما ذكر ذلك عياض من عند نفسه لمجرد مفهومه من الحديث، والمخالف له ينازعه في هذا الفهم، وما نقله الشيخ محمد عن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يكن مخالفًا لما في الصحيحين، بل كان موافقًا لهما، وقد ثبت إجماع الصحابة كما ذكر ذلك العلماء في السير والتواريخ ... ثم يقول رحمه الله : ( ونذكر هنا أيضًا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس اللهُ روحه في منهاج السنة على قول الرافضي”الخلاف السادس في قتال مانعي الزكاة“ قاتلهم أبو بكر واجتهد عمر أيام خلافته فردَّ السبايا والأموال إليهم وأطلق المحبوسين. فهذا من الكذب الذي لا يخفي على من عرف أحوال المسلمين، فإن مانعي الزكاة اتفق أبو بكر وعمر على قتالهم بعد أن راجعه عمر في ذلك كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن عمر قال لأبي بكر: يا خليفةَ رسولِ الله كيف تقاتل الناس وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «أمرتُ أن أقاتِلَ النَّاس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنِّي رسول اللهُ فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» فقال أبو بكر: ألم يقل إلا بحقها وحسابهم على الله؟ فإن الزكاة من حقها، واللهِ لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فواللهِ ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. وفي الصحيحين تصديق فهم أبي بكر عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنِّي رسولُ اللهِ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» فعمر وافق أبا بكر على قتال أهل الردة مانعي الزكاة وكذلك سائر الصحابة. إلى أن يقول: ولكن من الناس من يقول سبي أبو بكر نساءهم وذراريهم وعمر أعاد ذلك عليهم. وهذا إذا وقع ليس فيه بيان اختلافهما فإنه قد يكون عمر كان موافقًا على جواز سبيهم لكن رد إليهم سبيهم، كما ردَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على هوازن سبيهم بعد أن قسمه بين المسلمين فمن طابت نفسه بالرد وإلا عوضه من عنده لما أتي أهلهم مسلمين فطلبوا رد ذلك إليهم. وأهل الردة قد اتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على أنهم لا يمكنون من ركوب الخيل ولا حمل السلاح، بل يتركون يتبعون أذناب البقر حتى يُرِى الله خليفة رسوله والمؤمنين حسن إسلامهم، فلما تبين لعمر حسن إسلامهم رد ذلك إليهم لأنه جائز. انتهى.
فتبين بما ذكره شيخ الإسلام أن الصحابة أجمعوا على قتالهم وأنهم سمُّوهم كلهم أهل الردة، وأنه لم يكن بين عمر وبين أبي بكر خلاف بعد رجوع عمر إلى موافقة أبي بكر مع سائر الصحابة، وأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم يخالف ما في الصحيحين كما زعم هذا المعترض الجاهل واللهُ أعلم ). اهـ رسالة تبرئة الشيخين ( صـ172)

أقول : وتأمل قول الشيخ ابن سحمان :" أما قول ابن حجر «أن تسمية هؤلاء أهل الردة تغليبًا مع الصنفين الأولين وإلا فليسوا بكفار فهذا تأويل منه، وليس بأبشع ولا أشنع مما تأولوه في الصفات فكيف لا يتأولون ما صدر عن الصحابة مما يخالف آراءهم وتخيله عقولهم"

فهذا الكلام في الطائفة الممتنعة الذين قاتلهم الصحابة وأن فيهم مسلمين إنما قاله بعض المتأثرين أو القائلين بمذهب الأشاعرة وهم مرجئة غلاة في غالبهم 

قال الخلال في أحكام أهل الملل  1426 - أَخْبَرَنِي الميموني، قَالَ: قُلْتُ: يا أبا عبد الله، من منع الزكاة يقاتل؟ قَالَ: قد قاتلهم أبو بكر، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُلْتُ: فيورث ويصلى عَلَيْهِ؟ قَالَ: إذا منعوا الزكاة كما منعوا أبا بكر، وقاتلوا عَلَيْهَا لم يورث، ولم يصل عَلَيْهِ.
فإذا كان الرجل يمنع الزكاة، يعني: من بخل، أو تهاون، لم يقاتل، ولم يحارب عَلَى المنع، ويورث ويصلى عَلَيْهِ حتى يكون يدفع عنها بالخروج، والقتال كما فعل أولئك بأبي بكر، فيكون حينئذ يحارب عَلَى منعها، ولا يورث، ولا يصلى. . . . .


وهذا ظاهر في أن أحمد يكفر الممتنع ، وقد تأولها أبو يعلى على الاستحلال وهذا تأويل ساقط وأبو يعلى متأثر بالجهمية في مسائل الإيمان

وداعي التنبيه على هذا الكلام أنني وجدت الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه الفوائد المنتقاة من فتح الباري ص127 نقل كلام الخطابي _ مقراً له _ الذي فيه :" فَأَمَّا مَانِعُوا الزَّكَاة مِنْهُمْ الْمُقِيمُونَ عَلَى أَصْل الدِّين فَإِنَّهُمْ أَهْل بَغْي وَلَمْ يُسَمُّوا عَلَى الِانْفِرَاد مِنْهُمْ كُفَّارًا وَإِنْ كَانَتْ الرِّدَّة قَدْ أُضِيفَتْ إِلَيْهِمْ لِمُشَارَكَتِهِمْ الْمُرْتَدِّينَ فِي مَنْعِ بَعْض مَا مَنَعُوهُ مِنْ حُقُوق الدِّين ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الرِّدَّة اِسْم لُغَوِيّ وَكُلّ مِنْ اِنْصَرَفَ عَنْ أَمْر كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ فَقَدْ اِرْتَدَّ عَنْهُ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الِانْصِرَاف عَنْ الطَّاعَة ، وَمَنْعُ الْحَقّ ، وَانْقَطَعَ عَنْهُمْ اِسْم الثَّنَاء وَالْمَدْح بِالدِّينِ وَعَلَقَ بِهِمْ الِاسْم الْقَبِيح لِمُشَارَكَتِهِمْ الْقَوْم الَّذِينَ كَانَ اِرْتِدَادهمْ حَقًّا"

فهو يرى أن ردة هذا الضرب لغوية وليس حقيقة وأنهم من جنس البغاة وهذا الكلام الذي نقضه ابن تيمية والله المستعان 

تنبيه هام : ثم وجدت أن الشافعي قد سبق الخطابي لهذا الكلام بدلالة أحد الأخوة جزاه الله خيراً فيبدو أن الخطب في المسألة أهون مما ظننت وإن كان المختار قول أحمد وظاهر تصرف الصحابة عليه 

 
( قال الشافعي ) في الأم :  وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربان ، منهم قوم أغروا بعد الإسلام مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات فإن قال قائل ما دل على ذلك والعامة تقول لهم أهل الردة ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فهو لسان عربي فالردة الارتداد عما كانوا عليه بالكفر والارتداد يمنع الحق قال ومن رجع عن شيء جاز أن يقال ارتد عن كذا وقول عمر لأبي بكر أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا [ ص: 228 ] إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله }في قول أبي بكر هذا من حقها لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه معرفة منهما معا بأن ممن قاتلوا من هو على التمسك بالإيمان ولولا ذلك ما شك عمر في قتالهم ولقال أبو بكر قد تركوا لا إله إلا الله فصاروا مشركين وذلك بين في مخاطبتهم جيوش أبي بكر وأشعار من قال الشعر منهم ومخاطبتهم لأبي بكر بعد الإسار فقال شاعرهم : 

ألا أصبحنا قبل نائرة الفجر     لعل منايانا قريب وما ندري 
أطعنا رسول الله ما كان وسطنا     فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر 
فإن الذي يسألكمو فمنعتم     لكالتمر أو أحلى إليهم من التمر 
سنمنعهم ما كان فينا بقية     كرام على العزاء في ساعة العسر 

وقالوا لأبي بكر بعد الإسار ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا. اهـ
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي